Wednesday 17 January 2018

بعد 13 عاماً من ولايته وعقود على المفاوضات محمود عباس على مفترق الطرق الأخير

محمود عباس على مفترق الطرق الأخير

بعد 13 عاماً من ولايته وعقود على المفاوضات
 
خطة عباس التدويلية سبق أن طرحها في 
2011 و2012 و2014 (أ ف ب)[/caption]

 

يقف محمود عباس (82 عاماً) أمام مفترق طرق، يمكن وصفه بالأخير، بعد الضربة الأميركية القاتلة التي حرمت السلطةي أي مجال للمناورة، بل تهدد الآن شرعية وجودها ومشروعها كله. وبما أن عباس ليس من الذين يغامرون أو يذهبون بعيداً، وهو أصلاً ليس من خلفية عسكرية، فإن إعادته استعمال ردود استخدمها سابقاً تدل على أنه لا يملك إلا المستوى الأدنى من ردّ الفعل، الذي لا يقلق واشنطن وتل أبيب... ولا حتى العرب

 

محمد دلبح

واشنطن | بعد 13 عاماً من وجود محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية، ذات الحكم المحدود، متجاوزاً الولاية القانونية التي لا تتخطى أربع سنوات، يبدو أنه يقف على مفترق طرق عقب القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن القدس، ثم اللاجئين، وتهديده بوقف المساعدات المالية للسلطة و«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، بجانب قرارات حزب «الليكود» والكنيست الإسرائيليين، ليس فقط بشأن ضم القدس، بل التهديد بضم الضفة المحتلة.

ومع تعثر الوضع الاقتصادي لكل من السلطة والشعب في الأراضي المحتلة، فإن الأولى في نظر غالبية الفلسطينيين هي حكم لأصحاب الامتيازات والمشاريع الاقتصادية الكبيرة، كذلك أظهر أحدث استطلاع للرأي أن نحو 70% من الفلسطينيين يريدون من عباس، الذي تجاوز الـ82، أن يستقيل.

ومما يفاقم وضع عباس، التغيرات التي ساهمت في القضاء على احتمال مشروع «حل الدولتين» الذي يعتبر مبرر وجوده السياسي، إذ دفعت الفوضى التي تجتاح سوريا والعراق واليمن ومناطق أخرى في الإقليم القضية الفلسطينية إلى مرتبة ثانوية، في وقت يشتد فيه التركيز على المواجهة التي تحظى بدعم أميركي بين السعودية ومحورها وبين إيران، وهو ما يفسّر نوعاً ما بعض الذي ورد في خطاب «أبو مازن» خلال اليوم الأول من جلسات «المجلس المركزي»، حينما تحدث عن «الربيع العربي» و«صفقة القرن» بـ«غضب».

وبجانب الحديث الفتحاوي المتردد عن البحث عن بديل للدور الأميركي في عملية التسوية، وهو غير الممكن نظرياً ولا عملياً، لجأ عباس (على غرار ما كان يفعله الرئيس الراحل ياسر عرفات) إلى تشجيع الاحتجاجات الشعبية (من النوع الذي يمكن احتواؤه)، وإن رافقها بعض «أعمال العنف» التي لا توازي بكل المقاييس القمع الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي. كذلك استمرّت «فتح» بالتهديد بـ«تدويل الصراع» واللجوء إلى الأمم المتحدة ومنظماتها لنيل عضويات كاملة فيها.

يدرك الإسرائيليون
بخبرتهم بعباس أنه لن يقدم
على خيارات «مجنونة»

واللافت أن خطة عباس باللجوء إلى الأمم المتحدة لنيل العضوية الكاملة لـ«دولة فلسطين» وعضوية منظماتها، ومنها المحكمة الجنائية الدولية، سبق أن طرحها الرجل في أعوام 2011 و2012 و2014. كذلك فإنه شخصياً استنفدها حينما وقّع في 11 كانون الأول الماضي على 22 اتفاقية ومعاهدة دولية، معلناً أنه سيواصل التوقيع حتى تنضم فلسطين إلى أكثر من 500 منظمة، وهي «استراتيجية» اتخذت منذ 2011.

تهديد بخيارات «مستهلكة

إن كان لا بد من تساؤل، فهو ليس عن طريقة الرد المذكورة (الانضمام إلى المؤسسات الدولية)، بل عن سلوك السلطة خلال العامين الأخيرين من ولاية باراك أوباما، والعام الأول من ولاية دونالد ترامب، إذ لم يكن لدى رام الله سوى القليل من الاهتمام بالمفاوضات مقابل السعي للحصول على نفوذ سياسي (منه مثلاً السيطرة على غزة)، إذ كانت ترى بذلك أنها تقوي موقفها في المفاوضات المستقبلية. وطوال تلك المدة، لم يتمكن عباس من إثارة المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية لمدة عامين، فيما استمرت السياسات الإسرائيلية كما هي.

ومن ناحية عملية، لم تحقق المحاولات المتكررة لتدويل الصراع نجاحاً ملموساً، أو حتى شكلت ردعاً لإسرائيل، فمنذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول الماضي (ضد القرار الأميركي)، ومن قبلها بسنوات خطوة الاعتراف بفلسطين دولة عضواً، لم تستطع أي من الدول التي توجه إليها عباس، بما فيها فرنسا واليابان والصين وروسيا، أن تحل محل الولايات المتحدة كوسيط في عملية سلام لم تحقق تقدماً طوال ربع قرن لمصلحة الفلسطينيين، خاصة أن جلب بديل من واشنطن يحتاج إلى موافقة الطرف الإسرائيلي، رغم أنه يسجل للفلسطينيين حصولهم على موقف أوروبي مغاير وبعض الاعترافات الطفيفة.

حتى هذه الحملة الدولية لم تكن في البداية كاستراتيجية قائمة بذاتها لتحقيق إقامة الدولة، بل كتكتيك لتعزيز موقف السلطة في محادثاتها مع الحكومة الإسرائيلية. وقد سبق لمسؤولين فلسطينيين القول عام 2013 إنهم يهدفون من الانضمام إلى المنظمات الدولية مع مرور الوقت إلى تعزيز موقفهم التفاوضي. وأثناء إدارة أوباما، نجح هذا التكتيك إلى حد كبير، إذ وافقت إسرائيل على إطلاق سراح 100 أسير فلسطيني على مراحل مقابل وقف الحملة الدولية في 2013.

مع ذلك، لا يمكن إنكار أن مساعي السلطة الفلسطينية للانضمام إلى المحكمة الجنائية أقلقت العديد من القادة الإسرائيليين الذين يمكن اتهامهم بارتكاب جرائم حرب، خلال وجودهم في مناصبهم أو بعد ذلك، وكذلك المستوطنون وقادتهم (بما أن الاستيطان يصنف) جريمة حرب. لذلك توعدت الحكومة الإسرائيلية بردٍّ قاسٍ إذا حدث ذلك، كذلك فإنها سعت إلى إفراغ هذه الحملة من محتواها، بالقول إنها أيضاً يمكن أن تتهم العديد من قادة المنظمات الفلسطينية وحتى السلطة بالتهم نفسها.

الخيار الآخر أمام عباس، إلى جانب «الحملة الدولية» التي صارت مقرة بموجب البيان الختامي لـ«المجلس المركزي»، هو الدعوة لتبني النضال الشعبي ضد الاحتلال، وهو ما تواتر عليه قادة «فتح» وكوادرها قولاً وفعلاً خلال الشهرين الماضيين، مقابل استجابة شعبية مقبولة إلى حدّ ما. مع ذلك، كان التشديد واضحاً من عباس، ومن حوله، على رفض أي صورة للمقاومة المسلحة أو العمليات في الضفة، وأفاد بذلك رسمياً المدير العام لـ«دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير»، أحمد حنون، عندما صرح في الثالث من الشهر الجاري لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية، بأنه «اتخذ قرار على أعلى المستويات السياسية بأنه لن تكون هناك مواجهات عسكرية بين إسرائيل والفلسطينيين في الضفة... إننا حريصون على الإبقاء عليها بهذه الطريقة».

يعرفون عباس جيداً

الإسرائيليون يدركون هذه الظروف جيداً، وهم على تواصل أمني مع السلطة، فضلاً عن أن لهم باعاً طويلاً مع عباس سابقاً. يقول جلعاد شير، وهو رئيس هيئة موظفي رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود باراك، وكبير المفاوضين في قمة «كامب ديفيد» عام 2000، إنّ من غير المرجح وفق التقديرات الإسرائيلية أن يرعى عباس انتفاضة أخرى، «لكنه سيعمد إلى إعادة الانخراط في تواصل ديبلوماسي على مستوى ثنائي مع إسرائيل، أو ضمن إطار إقليمي أوسع». وأضاف شير، في تصريح لموقع «ميديا لاين» الإسرائيلي، نهاية الشهر الماضي، إنه في كل الأحوال «لن يكون عباس قادراً على تقديم التنازلات اللازمة لاتفاق نهائي... أتوقع منه أن يكون شريكاً في عملية انتقالية مؤقتة طويلة الأجل تقود الأطراف إلى حل دولتين، وهو يعلم أن هذا هو الخيار الوحيد لتحقيق دولة حقيقية».

وواصل شير حديثه: «عام 2008، بعد 30 يوماً من اللقاءات مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك) إيهود أولمرت، كان رد عباس على اقتراح السلام الذي قدمه أولمرت: «سأعود إليك»، لكنه لم يفعل ذلك. كان هذا هو العرض الأكثر تقدماً من أي وقت مضى من زعيم إسرائيلي، ثم في 2013ــ2014 أنهى عملية (وزير الخارجية الأميركي السابق جون) كيري، بالتوافق مع حماس، وترك المفاوضات. وبعد ذلك، بدأ عباس حملة عالمية لتشويه صورة إسرائيل في المحافل الدولية».

مع ذلك، من المهم الالتفات إلى أنه منذ أن رفض عرفات اقتراح الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، عام 2000، كان يجري تصوير الفلسطينيين على أنهم من يرفض عروض السلام، وهو ما كرره ترامب أخيراً ونفاه عباس. وفي تعليق شير، يكرر المضمون نفسه عن تجاهل عباس عرض أولمرت في 2008 (تفاصيل العرض في الكادر). لكن التقييمات كانت أن رفض عباس عرض أولمرت يعود إلى ضعف وضع كليهما، إذ كان الأخير يواجه لائحة اتهام وشيكة بالفساد تؤكد أنه في طريقه لمغادرة منصبه (سجن في ما بعد حتى الآن)، فيما كان عباس يعاني بسبب خسارة سلطته قطاع غزة، ولم يكن في وضع يمكّنه من تقديم تنازلات حتى لو أراد ذلك.

في هذا السياق، يقول غرانت روملي، وهو مؤلف كتاب «الفلسطيني الأخير: صعود وحكم محمود عباس»، لكنه من المحسوبين على إسرائيل، إن «الرجل (عباس) الذي فقد غزة، سيجد أنّ من المستحيل تقريباً التوقيع على حل وسط تاريخي بشأن القدس». وفي حديث إلى «فورين بوليسي»، في الثالث من الشهر الجاري، أوضح روملي أنه «إذا كانت الحركة الوطنية الفلسطينية ستغير استراتيجيتها، فإنها تحتاج إلى قائد يحمل رؤية وكاريزما لنقل هذا التحول، هذه كلها خصائص لا يتصف بها محمود عباس اليوم».

هكذا، رغم الاعتقاد السائد بأن عباس هو الوحيد الباقي القادر على توقيع اتفاق مع إسرائيل، فإن إحجامه عن الموافقة على ما يقدم من اقتراحات من أطراف إقليمية ودولية مرده الخشية من فقدانه ما تبقى له من شرعية، وأن يلاقي مصير سلفه، سواء على يد الإسرائيليين أو غيرهم، وهو ما ذكره صراحة في جلسة أثناء محادثات «كامب ديفيد» في تموز 2000، 

وكان إلى جانب عرفات وأحمد قريع (دار هذا الحديث في واشنطن عقب انتهاء المحادثات)، حينما أبلغهم عرفات أن كلينتون طلب منه لدى تقديم عرضه للتسوية النهائية (الذي قبله إيهود باراك) باستبعاد القدس واللاجئين، أن يوافق على العرض الذي قيل إنه يشمل 95% من المطالب الفلسطينية لإقامة الدولة. وكان عرفات يقول لعباس وقريع إنه سيوافق على العرض إذا وافقا معه، فجاء رد عباس أنه لا يريد أن يكون مصيره مقتولاً في فلسطين، فيما كان رد قريع أنه يكتفي بـ«أوسلو» الذي أعادهم إلى فلسطين ليتنعموا بمنافع السلطة، ومن ثم جاء رفض عرفات.

والآن، رغم وصف عباس بأنه «البطريرك الفلسطيني لعملية السلام» في أوسلو، وتكريسه حياته للمفاوضات مع إسرائيل، يجد الرجل نفسه محصوراً أكثر من غيره في خياراته للمرحلة المقبلة، خاصة أنه يعلم أن حملته لنيل عضوية المنظمات الدولية ليست وسيلة نحو إقامة الدولة (كما يتضح من استعداده لوقف الحملة من أجل استكمال المحادثات مع إسرائيل)، كذلك فإنه يعلم أنه لا يستطيع التعايش مع «حماس» (وفق ما تبينه اتفاقات المصالحة المتعاقبة)، فضلاً عن الضغط العربي الكبير عليه. كذلك لا تمثّل فكرة التدويل بديلاً لتبني استراتيجية وطنية فلسطينية تلتزم برنامجَ إجماع وطني يدعو إلى المقاومة والتحرير، وهو ما تطالب به الآن غالبية الفصائل، في وقت لا تبدو في الأفق أي مساعدة خارجية حاسمة لعباس ومعاونيه.


العرض الإسرائيلي «الأخير»... و«الأفضل»

يتضمن العرض كما شرحه محمود عباس وإيهود أولمرت في مقابلة منفصلة لكل منهما مع القناة الإسرائيلية العاشرة، في تشرين ثاني 2015، انسحاباً إسرائيلياً شبه كامل من الضفة، وأن تحتفظ إسرائيل بـ6.3% من الأراضي، من أجل «الحفاظ على السيطرة على الكتل الاستيطانية الكبيرة»، مع تبادل للأراضي بنسبة 5.8% من الضفة، إضافة إلى إنشاء نفق يربط الضفة بقطاع غزة.

العرض نفسه تضمن الانسحاب من «الأحياء العربية في القدس الشرقية»، ووضع البلدة القديمة تحت رقابة دولية. وبينما وصف أولمرت التخلي عن السيطرة عن البلدة القديمة بأنه كان أصعب قرار في حياته، قال عباس إنه دعم فكرة تبادل الأراضي، لكن أولمرت ضغط عليه للتوقيع على العرض فوراً دون السماح له بأن يدرس الخريطة المقترحة. كذلك تضمن العرض إعادة عدد رمزي من اللاجئين إلى «داخل الخط الأخضر»، وذلك بنحو أربعة آلاف فقط

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: