Monday 18 February 2019

حماية «آل سلمان» إعلانٌ لوفاة الدور السعودي الاقليمي


فبراير 18, 2019


د.وفيق إبراهيم

يواصل الدور السعودي الاقليمي تراجعه السريع مقدماً الراية لتحالف اسرائيلي ـ خليجي برعاية اميركية جعلته يبدو في مؤتمر وارسو الأخير مجرد «كومبارس»، يتساوى في الهزالة مع حجم البحرين. وتسبقه الامارات.

اسباب هذا الانهيار، مرتبطة بالرهانات السعودية الخاسرة في الاستثمار بالارهاب التكفيري في ميادين سورية والعراق واليمن ومعظم البلاد العربية والعالم الاسلامي. وبتمويل بالاف المليارات.

لكن استفادته الوحيدة، تجلت في نجاح آل سلمان بتغيير قاعدة الوراثة الملكية التي كانت تقوم على انتقال الملك من شقيق الى شقيق.

وحده الأمير محمد بن سلمان ضرب هذه القاعدة بتأييد مباشر من الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي دعمه ليصبح ولياً لعهد ابيه سلمان، مقابل تورطه في حروب المنطقة وفق الخطة الأميركية وبحرفيتها مع تسديد اتاوة قدرها 500 مليار دولار للاميركيين!

بالمقابل فإن خسائره كانت كارثية، وتظهر في انكفاء الدور السعودي من مدى اقليمي ودولي كبير إلى داخل المملكة مع محاولة اضفاء صورة معاصرة، لدولة القرون الوسطى. فتبدو مجريات الاوضاع على شكل وضع مساحيق ومعدات زينة لتجميل عجوز بلغت من العمر اصعبه. والدليل ان السعودية تستحضر مطربين ومطربات وراقصات في حفلات فنية للمرة الاولى منذ تأسيسها في ثلاثينيات القرن الماضي، وسط استياء من علماء الوهابية.

حتى وافق كبيرهم على احياء حفلات انما بعد صلاة العصر وشرط ان لا تنقلها محطات التلفزة.

كيف كان الدور السعودي سابقاً؟

استفادت مملكة آل سعودة من ثلاثة عناصر قوة اقتصادية كبيرة من النفط ومكانة كبيرة في العالم الاسلامي لامساكها بالحرمين الشريفين وموسم الحج. مع التغطية الاميركية الكاملة لها. ما أدى إلى حيازتها دوراً أقليمياً محورياً تقاطع مع سعي الغرب بكامله الى كسب رضاها، هذا إلى جانب اهتمام روسي وصيني وهندي.

كما تضخم دورها بعد انهيار اقليمية مصر لتوقيعها على معاهدة صلح مع اسرائيل في كمب دايفيد 1979 وسقوط العراق في 2003 وانهيار الاتحاد السوفياتي.

لم يبق احد ينافسها في مداها الديني والعربي فاصبحت مرجعية معتمدة، تستخدم كل شيء في السياسة الاقليمية بما فيه موسم الحج ولخدمة الوصاية الاميركية.

ما الذي حدث إذا حتى وصلت الى هذا المستوى من التراجع؟

تورط آل سعود بدعم المشروع الاميركي الجديد منذ 1990 وحتى تاريخه، بلعبة تفتيتية مكشوفة استعملوا فيها سلاح التمويل والفتنة السنية الشيعية والعربية ـ الفارسية. وشاركوا الى جانب قطر والامارات في تمويل أكبر حملة ارهاب في التاريخ، بعناوين وهابية تكفيرية، فاسهموا في تدمير ليبيا وتونس ومصر وسورية والعراق، وقادوا عدواناً كبيراً مستمراً على اليمن ادى الى عشرات الاف القتلى. حتى ان الاضطرابات في الصومال ونيجيريا والسودان، مساهمون في اجزاء اساسية منها.

بالنتائج، خسر المحور الاميركي السعودي حروبه في العراق وسورية وغزة واليمن، عاجزاً عن الامساك بليبيا وتونس وسط خلاف مع تركيا وتوتر كبير مع ايران الى احتمال اندلاع حرب اقليمية.

لم تعد السياسة السعودية، بعد هذا التقهقر ناجحة خصوصاً وانها تواكبت مع ارتفاع انتاج النفط الصخري الاميركي الى مستوى اعلى من الانتاج السعودي، وبدء عصر الغاز الذي تسيطر عليه روسيا وايران وقطر والساحل السوري ومصر، فرحلت واشنطن الى فنزويلا الاميركية التي تمتلك بمفردها 18 في المئة من احتياط النفط العالمي مقابل 13 في المئة للسعودية.

يتبين ان خسائر المراهنات السعودية على حروب التفتيت الاميركية بمواكبة الغزارة في انتاج النفط في معظم بقاع الارض وبدءعصر الغاز انما هي اسباب اساسية لانكماش الدور السعودي، هذا الى جانب ارتفاع اصوات اسلامية تعترض على التسييس السعودي لموسم الحج.. بما هو شعيرة الهية ليست من ابداعات آل سعود ولا يجوز دينياً استخدامها لاغراض دعم سياسات المملكة والتفرقة المذهبية.

ويشمل هذا الاعتراض المتصاعد اتجاه الدولة السعودية لتحويل آثار الانبياء والائمة مشاريع تستقطب السياحة لغايات اقتصادية صرفة.

الى جانب هذا الانهيار السياسي، اغتال الفريق الامني التابع مباشرة لولي العهد محمد بن سلمان وبأمر منه، الاعلامي جمال الخاشقجي في قنصلية المملكة في اسطمبول التركية.

فاستفاد من انكشاف هذه العملية ثلاثة اطراف: الاميركيون الذين نجحوا بالغاء آخر خصوصيات النظام السعودي متمكنين من تحويله دائرة امنية اميركية تتلقى ولا تسأل عن الاسباب.

أما الطرف الثاني فهم الاتراك الذين وجدوا فيها فرصة لارغام السعودية على الاعتراف بقيادتهم للعالم الاسلامي والا فباستثمارها لالحاق الهزيمة بالدور السعودي الاقليمي والخليجي.

لجهة الطرف الثالث فهم الاوروبيون والحزب الديموقراطي الاميركي الذين يستثمرون فيها للنيل من سياسات ترامب.

لجهة الخاسر فهو الخاشقجي الذي تحول نجماً عالمياً تفتقده «الديموقراطية» علماً أن الفقيد من الاخوانالمسلمين الملتزمين بمفهوم «الحاكمية» المتحدرة من «الله فقط» هذا ما جعل وزير الخارجية السعودية الجبير يبدو في مؤتمر وارسو الاخير مثل قط مذعور يخفي رأسه داخل عباءته وقليل الكلام على غير مألوفه.

بالمقابل يجهد محمد بن سلمان في جولاته السابقة والحالية لتوزيع مساعدات اشبه بالرشى على دول آسيا الوسطى والاردن ومصر لتأمين تغطية شخصية له، لاجهاض المحاولات التركية والاوروبية التي تنال من مكانته. فما يهمه هو التملص من الاتهامات باغتياله الخاشقجي وحماية مشروع تنصيبه ملكاً على السعودية.

وبذلك يتحول الدور السعودي العالمي الحامي لآل سعود الى مجرد وسيلة لحماية امير سعودي اقترف عشرات الاف الجرائم في العالم العربي الى جانب قضية الخاشقجي.

هذا التحول هو مثابة اعلان بانهيار الدور السعودي وموافقة اميركية على دفنه، مع الاكتفاء، بادارة داخلية تنصاع لواشنطن كجاري العادة.

فهل لدى الاميركيين، بديل عن السعودية في قيادة العالم الاسلامي؟ تسعى واشنطن لايلاء هذا الدور الى التحالف الاسرائيلي ـ الخليجي بقيادتها، وهذه هي الاهداف الحقيقية لمؤتمر وارسو، فانتظروا العجائب.


No comments: