Wednesday 27 May 2020

ناقلات إيران تعلن تصدع القطبية الأميركيّة!


اختراق الناقلات الإيرانية محيطَيْن وخمسة بحار وحصاراً أميركياً غربياً – خليجياً مفروضاً على إيران منذ اربعين عاماً لا يندرج في اطار تحدّ أحادي يحدث مرة ويعجز في أخرى.
إنه إعلان عن سقوط مرحلة العصر الأميركي الكامل الذي هيمن على العلاقات الدولية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في 1989.
هذه المرحلة التي استمرّت حتى 2020 قطعت أنفاس العالم في ثلاثة عقود سقط فيها ملايين القتلى في اجتياحات عسكرية أميركية في أميركا الجنوبية وآسيا الوسطى في افغانستان الى العراق وسورية واليمن والخليج ومصر والسودان والجزائر وأفريقيا وصولاً الى بحر الصين وجنوب شرق آسيا.
لقد تمكن الأميركيون في هذه المرحلة من أمركة البحار والمحيطات وتدمير الدول وبعثرة الشرق الأوسط وفرض الحروب بأسلوب الحصار والمقاطعات الاقتصادية حتى أصبحت هذه القرارات الأميركيّة الخارجة على القانون الدولي وتطبقها من دون اعتراض.
فتحوّلت المحيطات والبحار الى ملاعب للبحرية الأميركية وميادين الدول ساحات لفيالقها، فأمركت البحار والمحيطات وميادين الدول وسط غياب روسي وصمت صيني وشرود أوروبي.
لكن الأميركيين ركزوا في هذه المرحلة على اسقاط الجمهورية الإيرانية التي اعلنت منذ انتصار الإمام الخميني على الحاكم السابق شاه إيران في 1979 التمرد على مسألتين هما النفوذ الأميركي ورفض الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين المحتلة. وهذا اساء للخطة الأميركية بإنهاء القضية الفلسطينية وإنشاء حلف عربي اسرائيلي للمزيد من ارساء القطبية الأميركية الاحادية في العالم.
لم تكتفِ إيران بالتمرد السياسي على المشروع الأميركي. بل سارعت الى ملء الفراغ المصري الذي أحدثه الرئيس المصري السابق انور السادات الذي صالح «اسرائيل» ساحباً مصر من حالة العداوة معها الى مرحلة التحالف، فأرسلت مساعدات كبيرة ودائمة للمنظمات الفلسطينية ودعمت العراق وسورية عسكرياً معادياً في حروبهما ضد الأميركيين والمنظمات الإرهابية. وساندت مجابهة الأميركيين في افغانستان واليمن، لكن علاقتها بحزب الله شكلت العمود الفقري لنمو مقاومات شكلت حالة جهادية ثابتة لمجابهة الأميركيين والاسرائيليين، ونشرت فكراً تحررياً في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى وصولاً الى أميركا الجنوبية. بذلك نجح الإيرانيون ببناء علاقات راسخة في الشرق الاوسط وآسيا وافريقيا وأميركا الجنوبية وكادت تؤسس نتوءاً كبيراً في المناطق الاسلامية في ساراييفو والبوسنة وألبانيا لولا الاستخدام الأميركي لمهارات السعودية في بناء الفتن المذهبيّة لعرقلة التوسّع الإيراني.
إن هذه الإنجازات الإيرانية تقاطعت مع تطبيق عقوبات أميركية عليها هي الأقسى في تاريخ العلاقات الدولية وكان بإمكانها خنق النظام السياسي الإيراني وإسقاطه لولا نجاحه في بناء صناعات بديلة واسلحة كافية لصد الهجمات وتطوير الزراعة والخدمات.
لقد تطوّرت هذه المبارزات الإيرانية – الأميركية وسط بداية استيقاظ روسية وتوسّع اقتصادي صيني ونجاح حلفاء إيران في الشرق العربي وتحول حزب الله الى أيقونة الحركات الجهادية حتى ان كوبا وفنزويلا اللتين كانتا مكتفيتين بصمود صامد لا يعترضان عليه استفادتا من التمرد الإيراني على الهمجية الأميركية وابتدأتا بالاعتراض العلني الإعلامي مع إبداء استعداديهما لمقاومة الأميركيين عسكرياً ودعم إيران بكل السبل.
يتبين أن إيران نجحت في رفض الهيمنة الأميركية عليها، ببناء تحالفات قوية، استفادت منها روسيا التي دخلت طرفاً اساسياً في ضرب الإرهاب في سورية، بداية من خلال الدور الإيراني والسوري تطوّر لاحقاً الى دور روسي جيوبوليتيكي خاص بها.
كذلك الحال بالنسبة للصين، التي كانت تتحلى بصبر أيوب إزاء الاستفزازات الأميركية العسكرية في بحر الصين وكوريا الشمالية والاقتصادية في الأسواق العالمية التي كان الأميركيون يحاولون منع السلع الصينية من التموضع في حركتها التجارية.
لقد استفادت هذه القوى الكبرى من الاختراق الإيراني الواسع للنفوذ الأميركي فبنت عليه وبدأت تسجل الرفض تلو الآخر للقرارات الأميركية الجائرة، لكنها لم تصل كإيران الى مرحلة صدامات عسكرية متفرّقة معها، لم يفعلها احد مع الأميركيين مباشرة منذ 1990.
صحيح ان روسيا اقتطعت بالقوة مناطق فيها غالبية روسية من أوكرانيا وتحرّكت في جورجيا، لكنها لم تدرك ما فعلته إيران من قصف لأهداف أميركية خالصة في العراق، وتحدتها في بحر الخليج بأسلوب العين بالعين والسن بالسن، واتهمها الإعلام الغربي بقصف اهم مؤسسة نفطية سعودية لها علاقة رحمية بالغرب هي ارامكو، لكن إيران نفت وتبنت العملية اليمن في صنعاء.
ضمن هذه المعطيات ووسط تأثير جائحة الكورونا في تهدئة العلاقات الدولية المحتربة، أرسلت إيران في حركة اخترقت فيها الحصار الأميركي الذي يستهدفها ناقلات تحمل وفوداً الى فنزويلا المحاصرة بدورها واخترقت بحار الخليج والأحمر والمتوسط والمحيط الأطلسي الى بحر الكاريبي قبالة فنزويلا لتفرغ حمولتها هناك، ولم تأبه للتهديد الأميركي بقصفها. كما ارسلت ايضاً ناقلات للصين من طريق بحر الصين.
هذا يعني ضربة استراتيجية لعقوبات أميركية كادت ان تصبح اهم من القوانين الأممية وتلتزم بها اوروبا ومعظم آسيا واوستراليا وكندا وبعض وافريقيا والشرق الاوسط.
لذلك القوة إن ناقلات إيران اخترقت حصارين أميركيين على بلادها أولاً وفنزويلا ثانياً وفتحت طريقاً بحرية على الصين كانت ممنوعة عليها منذ 1980.
وهذا قابل للاقتداء به عالمياً من قبل الدول المصابة بعقوبات أميركية بما يعني أن عصر الرعب من الأميركي بدأ يتراجع وله تداعيات هامة على مستوى القطبية الأميركية بما يؤدي الى تصدعها كأكبر قوة معروفة في التاريخ الى مستوى قوة أساسية توجد قوى أخرى تنافسها بتوازن.
إن هذا الاختراق الإيراني مقدمة للتصدع الأميركي المرتقب بعد كورونا والجسر الذي يربط بين قوى تحالف جديد هي الصين وروسيا وإيران، التي تبدأ مسيرتها لإعادة النفوذ الى القانون الدولي بديلاً من قانون القوة الأميركية الذي حكم العالم بهمجيّة غير مسبوقة منذ ثلاث عقود.
فهل بدأت رحلة إيران نحو القطبية العالمية؟

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: