خيارات الأسد الإستراتيجية .. ستغيٍر وجه المنطقة
أحمد الشرقاوي
عندما يتحول الإرهابيون إلى “معارضة” شرعية
لسنا دعاة حرب، لكننا قطعا لسنا مع السلام المذل الملغوم.. لكن لندع الآن المراهنين على وهم التسوية السياسية من “دون الأسد” يتحدثون عن جنيف 2 المجمع عقده بين 10 و 12 من الشهر القادم، بين “معارضة” المهجر في فنادق الخمس نجوم، و”معارضة” الداخل من مجرمي الجيش الحر (الدراع العسكري للإخوان المجرمين)، وفصائل التكفيريين المنضوين تحت لواء “جبهة النصرة”، وعصابات الإرهابيين القادمين من كل أصقاع الأرض للقتال في سورية تحت راية “القاعدة”.. هذا خيار وضع المتآمرين على سورية في مأزق من أمرهم، ولا يعرفون كيف يتعاملون معه على الأرض ولا كيف يصرفونه في بورصة السياسة. لذلك لا نعتقد أن مؤتمر جنيف 2 أو حتى جنيف 17 يمكنه أن يحل معضلة من هذا القبيل.
لقد كان لافتا هجوم السفير السوري في عمان، الجنرال بهجت سليمان، على الذين يصرون أن لا يكون للأسد دور في مستقبل سورية في المفاوضات المقبلة، وخص بالذكر السعودية وقطر والإمارات وتركية والأردن نفسه الذي يسعى للعب دور أكبر من حجمه، حيث نشر تعليقا لاذعا على صفحته في الـ”فيس بوك” نقلته عنه صحيفة ‘وطن’ الخميس 16 ماي/أيار 2013 حيث جاء فيه: “أمّا أن يصل ببعض المشيخات المحميّات الراسفة في غياهب العصور الوسطى، وذات الأنظمة الملكية العائلية الوراثية الثيوقراطية البدائية، ومعها أبناء وأحفاد أسوأ استعمار قديم على وجه المعمورة، هو المستعمر العثماني الذي تجلبب برداء الدين، ليمتطي ظهور العرب وغير العرب، حتى قال عنه فيكتور هيجو: (العثمانيون مرُّوا من هنا.. كلّ شيءٍ خراب)…الى أن يتجاوزوا جميع الحدود، فهذا أمر جديد.. هؤلاء لا يخجلون بأن يقولوا – ولو مجرّد قول – بأنّه لا مكان للأسد في المستقبل”. ثم أضاف: “أنتم أيّها (….)، الذين لا مكان لكم، لا في الحاضر ولا في المستقبل، وأنتم مجرّد بيادق متفسّخة تتراكض لإرضاء سيّدها ومولاها الصهيو – أمريكي، الذي يقوم الشعب السوري وجيشه وقائده (الذي لا ترون له مكاناً في المستقبل) يقومون بسحق أدوات أسيادكم وأدواتكم، وسوف تلحقون بهم قريباً الى (…)”.
حقيقة متاجرة أدوات أمريكا في المنطقة بما تسمى “المعارضة” السورية ليست جديدة، فقد سبق وأن أكدها الرئيس بشار الأسد في حديثه للإخبارية السورية عندما قال: أن “من يقاتلون على الأرض ليسوا بمعارضة”. وهو ما يعني بالتعريف السياسي، أن المعارضة هي حركة سلمية تمتلك مشروعا بديلا لمشروع السلطة، وعندما تتحول إلى أداة في يد الخارج وتحمل السلاح في وجه الدولة لتنفيذ أجندات مشبوهة ضد شعبها ووضنها تتحول إلى حركة تمرد عنيف غير شرعية.
ومن لا زال لديه شك في حقيقة هذه “المعارضة” بمن فيها معارضة المهجر (إلا من رحم الله) فليرجع لشهادة الرئيس السابق لما يسمّى بـ”الإئتلاف المعارض” معاذ الخطيب، والذي فضح فيها هذه “المعارضة” الوهمية من خلال الهجوم العنيف الذي شنه على “الائتلاف” واصفاً إياه بأنه عبارة عن أداة لتمرير قرارات ومشاريع إقليمية ودولية لا تخدم الشعب السوري، بقدر ما تسعى: “لتنفيذ مخطط ‘سايكس – بيكو’ جديد تحاول من خلاله الدول الغربية إعادة تقسيم سورية وتحويلها إلى بلد للأقليات ترعاها هذه الدول”. متهما قطر والسعودية بالهيمنة على “الإئتلاف”. وقال، إن الأسماء التي تطرح سواء لتشكيل “الإئتلاف” أو تشكيل الحكومة وغيرها من الهيئات تملى دائما من الخارج، وأنه شخصيا حُورب من قبل هذه الدول عندما طرح فكرة الحوار مع النظام السوري، لأن هذه الدول، وفق تأكيده لا تريد بقاء الأسد وتسعى بكل السبل لإضعاف الدولة السورية من خلال استمرار القتال والتدمير والخراب في أفق تقسيمها.
هذه حقيقة تعطي صورة عن طبيعة المؤامرة التي تحاك ضد سورية الوطن. وأهميتها أنها جائت على لسان أعلى مركز في “إئتلاف” المعارضة بحكم اطلاعه على خبايا الأمور وما يجرى ويدور في الكواليس من مؤامرات خبيثة وصلت حد اتخاذ قرار بتفتيت سورية إلى دويلات طائفية ومذهبية ضعيفة. وبذلك نكون أمام شهادة موثقة لشاهد من أهلها لا يجرأ على تكذيبها إلى حقود متحامل أو عميل متآمر.
ما أفصح عنه معاذ الخطيب في لحظة صحوة ضمير يوم الإثنين 13 أيار/ماي الجاري، يتطابق تماما مع أوردته الخميس 16 أيار/ماي الجاري صحيفة هآرتس الاسرائيلية على لسان ‘د. إيلي كرمون’ الباحث في مركز هرتسليا، من أن أمام بشار الأسد مجموعة خيارات أهمها: إقامة دولة علوية. حيث اعتبر: “أن ما حدث في مدينة بانياس جزء من خطة تطهير عرقي يقوم بها النظام السوري من أجل اقامة دولة علوية بين تركيا ولبنان تكون حدودها البحر غرباً ومدينتي حلب وحمص شرقاً، مع الابقاء على ممر يربطها بالعاصمة دمشق”. مضيفا: “أن غالبية ابناء الطائفة العلوية يتمركزون في المنطقة الجبلية”. وفي تقديره، أن اشتداد حدة المعارك في منطقة الحدود الشمالية – الشرقية مع لبنان تؤكد هذا السيناريو وتدل على رغبة “حزب الله” والنظام السوري في المحافظة على ممر آمن إلى لبنان، وبصورة خاصة إلى المراكز السكانية الشيعية، وفق قوله.
هذه القراءة الصهيونية للوضع في سورية تروج لذات السيناريو الذي تحدث عنه معاذ الخطيب، لكن هذه المرة بتفصيل دقيق يذهب حد القول: “أن بقاء دمشق تحت سيطرة الأسد احتمال ضعيف للغاية. لأن قيام دولة علوية سيؤدي حتما الى تقسيم سوريا الى دويلات، فالأكراد سيطالبون بدولتهم في أقصى القسم الشرقي الشمالي من البلاد، والدروز سيطالبون بدولة في الجولان، وستقوم بينهما دولة سنية كبيرة”.
المعركة في سورية إذن ليست معركة “حرية” و “ديمقراطية” كما يروج لها المتآمرون.. وكل ما يقوله الإعلام في هذا الصدد هو تضليل في تضليل ومعركة كاذبة من أولها لآخرها. والنظام السوري اليوم في عهد الرئيس بشار الأسد هو أفضل بما لا يقاس من عهد والده حافظ الأسد في قضية الديمقراطية والحريات، وفق ما يلاحظ المفكر “د. عيسى الأيوبي” أستاذ بجامعة السربون الفرنسية. مؤكدا في حديث نشره موقع “فولتير” الدولي يوم 21 أبريل/نيسان 2013 أن: “الغرب هو نفسه الذي سكت على النظام السوري سنوات طويلة وكان حليفاً له. فما الذي تغيّر في النظام السوري اليوم ليصبح عدواً للغرب في نقطة الديمقراطية؟!… ولماذا لم تقم السعودية الديمقراطية والإمارات الديمقراطية في الخليج، بتمويل المسلحين السوريين لإسقاط النظام عندما كان فعلاً دكتاتورياً زمن حافظ الأسد وليس زمن بشار الأسد المدني الطبيعي؟؟.. هناك علامات استفهام كبيرة حول قضية الديمقراطية في الأزمة السورية”..
أميركا لا يمكن أن تكون بعيدة عن سيناريو تقسيم سورية الذي يخدم هدف إقامة “دولة يهودية” على أرض فلسطين المغتصبة، لكنها تتكتم حوله، وتفضل التركيز على شعار الحرية والديمقراطية المزيف حتى ينسجم ما خطابها المخادع الذي تخفي حقيقته بلبوس ‘إنساني’.. أما إسرائيل فلعلها الكيان الهجين الوحيد الذي ينطقه الرعب بما لا يقوى على كتمانه اللسان. وغالبا ما يكون ذلك عندما تشعر ‘تل أبيب’ بالقلق مما هو قادم، وتستشعر هول الكارثة تدق أبوابها.
تطابق ما قاله معاذ الخطيب مع ما سربته إسرائيل بشأن تقسيم سورية، يؤكد صحة ما كنا نقوله بالتحليل فأصبح اليوم حقيقة قائمة بالدليل.. خصوصا بعد أن تبين تورط إسرائيل حتى النخاع في الحرب على سورية، سواء من خلال تسليح المقاتلين أو معالجة الجرحى أو تزويدهم بالمعلومات الإستخبارية الحساسة أو من خلال التدخل العسكري المباشر لتسهيل هجومهم على دمشق (العدوان على منطقة قسيون نموذجا). وهذا يدل على أنه بالنسبة للشأن السوري، فقد تم التحضير مسبقا لإستراتيجية إعلامية حبيثة ومدروسة بشكل دقيق من قبل الحكومة الصهيونية، لسيناريو الكارثة التي يتم الترويج له بشكل معكوس وكأنه قراءة لما يفكر به الأسد شخصيا.
اسرائيل تعتقد، أن ما يفعله الأسد اليوم على الأرض، هو صراع ضد الزمن لتحقيق مكاسب عسكرية يستعملها كأوراق مساومة قبل أن تفرض عليه الدول الكبرى تسوية للأزمة في المؤتمر الدولي المقبل. ومهما يكن من الأمر، فإسرائيل لا ترى إمكانية لبقاء الأسد في السلطة حتى موعد الانتخابات الرئاسية في آذار 2014، لأنه وفق رأيها، يبدو هذا الاحتمال ضعيفاً لسببين: الأول: الزمن المتبقي حتى ذلك الحين كاف للإطاحة بالأسد عبر الضغوط الديبلوماسية أو إن اقتضى الأمر عبر الخيار العسكري من خلال تحالف إقليمي ودولي، كما قال الرئيس ‘أوباما’ نفسه. والثاني: الصعوبة الكبيرة في اجراء انتخابات في سوريا في ظل الوضع الميداني حتى لو بقي الأسد في السلطة لغاية آذار 2014. وبالتالي، فلا خيار أمام الرئيس السوري سوى القبول بالتنازل عن السلطة بضمانات أو القتال حتى النهاية واستخدام مزيد من القوة ضد المدنيين والثوار، واظهار اخفاقات المعارضة وسيطرة التنظيمات السلفية والقاعدة على سوريا.. هذا الى جانب محاولته خلق جبهة داخلية ضد المعارضة وضربها من الداخل. وهذا السيناريو الإنتحاري يؤدي طبعا إلى تدمير البلاد بالكامل. هذه هي الرؤية الصهيونية لمستقبل الصراع في سورية.
لماذا تورطت إسرائيل في المستنقع السوري
مع انطلاق الربيع العربي، اقترحت أمريكا على إسرائيل إشعال الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط لاستبدال الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة والتيوقراطية الرجعية بأنظمة ديمقراطية تكون حليفة لإمبراطورية روما الجديدة وصديقة لإسرائيل.. فكان جواب رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك قاطعا: “مشروعكم فكرة ثورية جيدة، لكن إلعبوا ‘فوضاكم الخلاقة’ بعيدا عن أبواب إسرائيل”.
بعد نجاح ربيع ‘الياسمين’ في تونس وربيع ‘الفل’ في مصر وربيع ‘الوردة الحمراء’ في ليبيا بمشاركة الفيلسوف ومنظر الثورات العربية الصهيوني “هنري ليفي”، غيرت إسرائيل قناعتها، حين تيقنت أن الطريقة التي يتم بها تغيير الأنظمة من الداخل (تونس و مصر) أو عبر التدخل العسكري من الخارج (ليبيا)، طريقة فعالة وناجعة ليست لها مضاعفات جانبية على أمنها.. خصوصا أن لا ثورة من الثورات العربية رفعت شعار تحرير فلسطين أو إلقاء إسرائيل في البحر بما في ذلك الثورة اليمنية، بل العكس هو ما حدث، فكل الأنظمة الإسلاموية الجديدة التي تحالفت معها الإدارة الأمريكية وسلمتها السلطة، أثبتت أنها عميلة من درجة جيد جدا، واحترمت المعاهدات وزايدت على الأنظمة المخلوعة في التقرب والتطبيع مع “إسرائيل”.
هذا الوضع الجديد جعل إسرائيل تشعر أنها في قمة السعادة وتعيش ربيعا لذيذا من عسل، فقررت الانخراط بديناميكية أكبر في مشروع ‘الحرب الناعمة’ الجديدة، والمشاركة الفعلية في مغامرة تغيير الأنظمة بمنطقة الشرق الأوسط مع التركيز على محور المقاومة ابتداءا، باعتباره المحور الذي يشكل تهديدا وجوديا لكيانها. فكان يا ما كان أن اشتعلت الثورة في سورية كما نتذكر جميعا، باعتبارها “الحلقة الأقوى” التي من شأن تفكيكها أن يعزل إيران عن المنطقة العربية، ويعري ظهر حزب الله ويحرمه من سند قوي ساهم في صموده وانتصاراته.. وفي عز الحماس، خرج مسؤول إسرائيلي كبير ليقول منتشيا: أن “وجود القاعدة على حدودنا الشمالية مع سورية هو أقل خطر على أمننا من بقاء نظام بشار الأسد”. وهو ما أكده مفتي الناتو في رده الحاسم على من يروجون لمثل هذه المزاعم الكاذبة بهدف إفشال الثورة المباركة في سورية من خلال إخافة إسرائيل، فتسائل باستنكار: “من قال أن المجاهدين سيقاتلون إسرائيل بعد اسقاط الأسد؟.. هذا كلام غير صحيح”.
لكن في غمرة هذا الحماس الجميل، تجاهلت أمريكا وإسرائيل وأنظمة العهر والبورديل الخليجية الدائرة في فلك محور الفاشلين، أن سورية ليست ليبيا، وأن مشروع تغيير الأنظمة السياسية بالقوة له أهداف جيوستراتيجية كبرى تمس المصالح الحيوية لإيران وروسيا والصين.. ففشلت المراهنة على إسقاط النظام في دمشق في غضون أسابيع كما كان متوقعا، ثم أشهر ثن دخل الصراع عامه الثالث دون أمل في تحقيق هذا الوهم.. هذا بالرغم من أن الصراع تحول بشكل تصاعدي ممنهج من حرب على سورية إلى حرب في سورية تخوضها بالوكالة قوى دولية وإقليمية عبر كتائب إرهابية (القاعدة) وعصابات إجرامية (متمردين) ومنظمات احترافية (بلاك ووتر) وجهات سرية (مخابرات غربية وعربية)، وما أعقب ذلك من ضخ للسلاح والمقاتلين بهدف تدمير سورية نظاما وجيشا ومؤسسات وشعبا وحضارة وتاريخا وكيانا.. وذلك بفضل استراتيجية الفوضى الخلاقة من الداخل ما دام من المستحيل تغيير النظام في دمشق من خلال التدخل العسكري كما كانت تخطط لذلك أمريكيا وإسرائيل عبر توريط تركية في المستنقع السوري لجر حلف الناتو، بعد أن تبين أن حلفاء سورية الأقوياء لن يسمحوا بذلك.
إذا أردت السلام فاستعد للحرب
محور الشر لم يستغ تطور الوضع الميداني لصالح النظام في سورية بسبب عقيدة الجيش الثابتة من جهة، وإلتفاف الشعب من حول الرئيس خوفا مما قد يصبح عليه الوضع لو أن جبهة النصرة والإخوان المجرمين استلموا السلطة من جهة أخرى، (آخر تقرير للمخابرات الأمريكية الخميس 16 ماي/أيار 2013 تحدث عن أن 75% من الشعب السوري يؤيد الرئيس بشار الأسد، فيما كانت هذه النسبة لا تزيد عن 50% قبل سنة). هذا العامل الحاسم، جعل الشعب ينخرط في الحرب ضد الجماعات التكفيرية والعصابات الإجرامية التي تهدد أمنه واستقراره ونموذج عيشه، فانخرط بديناميكية في اللجان الشعبية لحماية بلداته وقراه المحررة من عودة الإرهابيين إليها بعد خروج الجيش، وهو ما غير وجه الصراع في سورية وأعطى نفسا وشحنة معنوية قوية للنظام والجيش معا للمضي قدما في تطهير الأرض من زبالة التكفيريين، فاستطاع تحقيق نتائج معتبرة في وقت وجيز أبهر المراقبين الدوليين، ودفع بأطراف المؤامرة إلى مراجعة خططهم وأوراقهم التي تساقطت الواحدة تلو الأخرى. وما يؤكد هذا المعطى، هو خروج الأسد في تصريح إعلامي لافت لقناة الإخبارية السورية، ليعلن بنبرة المنتصر الواثق: “أن سورية تجاوزت الخطر الإستراتيجي الذي كان يهددها”.
إسرائيل لم تستصغ هذا التطور المفاجأ في دولة تقع على حدودها ولها معها حسابات تاريخية معلقة في انتظار التسوية يوم الحساب الأكبر.. فضربت ضربتها الغادرة لمنطقة قسيون في رسالة مفادها، أن الدراع العسكرية القوية لإسرائيل قادر على تغيير المعادلة على الأرض في حال شعرت بأن أمنها مهدد بسبب الصواريخ الإيرانية التي تنقل إلى حزب الله عبر سورية. غير أنها بهذه الضربة الغبية أعادت خلط الأوراق في المنطقة وفتحت عليها أبواب الجحيم عندما أخطأت في حساباتها التكتيكية، فعجَلت من حيث تدري أو لا تدري الصدام العسكري الذي أصبح واقعا منظورا حتميا قد ينفجر في أية لحظة.
وفي هذا الصدد، لا زال الخبراء العسكريون يحللون بعمق أبعاد التهديد السوري الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد وقرر بموجبه أن يكون الرد عبر استدراج إسرائيل لتكون هي البادئة بالحرب، وذلك من خلال فتح جبهة الجولان للمقاومة، وتحويل الدولة السورية إلى دولة مقاومة لما لهذا التعريف الجديد من بعد “جيوعسكري” واسع، ونصب صواريخ أرض جو وأرض أرض في اتجاه فلسطين المحتلة، وحدد المواقع الحساسة المستهدفة، وأعطى الأوامر بالرد الفوري على أي هجوم إسرائيلي محتمل دون الرجوع إلى القيادة المركزية. وما زاد الطين بلة هو خطاب السيد حسن نصر الله الذي إلتقط إشارة الأسد فأعلن انخراطه الكامل في استراتيجية المقاومة لتحرير الجولان وفلسطين المحتلة، لتأتي بعد ذلك تصريحات المسؤولين الإيرانيين تفيد باستعدادهم لحماية سورية والمقاومة اللبنانية ودعمهما بكل ما يلزم من سلاح وتقنية وخبرات ورجال. ويمكن القول أن ما أثار قلق إسرائيل بشكل جدي، هو استهداف موقع رصد (رادار) إسرائيلي على هضبة الجولان من قبل المقاومة السورية الأربعاء 15 ماي/أيار، وحوار نائب رئيس أركان الجيش الإيراني الذي خص به قناة المنار اللبنانية الخميس 16 ماي/أيار الجاري جاء فيه: أن “المنطقة ستعرف تغيٌرا كبيرا وسيكون الجولان جزء منه”.
روسية من جهتها، شعرت بالخديعة جراء إقدام إسرائيل على مهاجمة ضاحية دمشق، وهي التي كانت قد تعهدت لها بعدم الإقدام على مغامرة من هذا القبيل والإمتناع عن التدخل عسكريا في الصراع السوري، فقررت تزويد دمشق ببطاريات صواريخ S300 للدفاع عن نفسها ضد أية مغامرة محتملة. وللإشارة، فإن هذه الصواريخ النوعية تفوق صواريخ “الباتريوت” الأمريكية من حيث الدقة التقنية والفعالية القتالية، وباستطاعتها ضرب الطائرات الإسرائيلية فوق المجال الجوي لتل أبيب وليس فقط فوق المجال الجوي السوري الذي تحميه نوعيات أخرى من الصواريخ الصينية والروسية المتطورة ومنها S200.
أمام هذا التطور الخطير، قرر رئيس حكومة الكيان الصهيوني “نتنياهو” السفر إلى موسكو لمحاولة ثني “بوتن” عن قراره بتزويد سورية بصواريخ متطورة. لكن الزيارة فشلت وإن كانت إسرائيل لم تعلن عن نتائجها، ليتبين من خلال حوار لوزير الخارجية الروسي ‘سيرغي لافروف’ خص به قناة ‘الميادين’ وأذيع الخميس 16 ماي/أيار 2013، أن روسيا زودت سورية بجزء من هذه المنظومة، وأن الصفقة في مراحلها التقنية الأخيرة. القناة الثانية الإسرائيلية بنت على تصريحات ‘لافروف’ خلال هذه المقابلة لتفتتح نشرتها الإخبارية مساء الخميس بالتأكيد أن زيارة نتنياهو لروسيا قد فشلت بالفعل.
عندما يتحول الإرهابيون إلى “معارضة” شرعية
لسنا دعاة حرب، لكننا قطعا لسنا مع السلام المذل الملغوم.. لكن لندع الآن المراهنين على وهم التسوية السياسية من “دون الأسد” يتحدثون عن جنيف 2 المجمع عقده بين 10 و 12 من الشهر القادم، بين “معارضة” المهجر في فنادق الخمس نجوم، و”معارضة” الداخل من مجرمي الجيش الحر (الدراع العسكري للإخوان المجرمين)، وفصائل التكفيريين المنضوين تحت لواء “جبهة النصرة”، وعصابات الإرهابيين القادمين من كل أصقاع الأرض للقتال في سورية تحت راية “القاعدة”.. هذا خيار وضع المتآمرين على سورية في مأزق من أمرهم، ولا يعرفون كيف يتعاملون معه على الأرض ولا كيف يصرفونه في بورصة السياسة. لذلك لا نعتقد أن مؤتمر جنيف 2 أو حتى جنيف 17 يمكنه أن يحل معضلة من هذا القبيل.
لقد كان لافتا هجوم السفير السوري في عمان، الجنرال بهجت سليمان، على الذين يصرون أن لا يكون للأسد دور في مستقبل سورية في المفاوضات المقبلة، وخص بالذكر السعودية وقطر والإمارات وتركية والأردن نفسه الذي يسعى للعب دور أكبر من حجمه، حيث نشر تعليقا لاذعا على صفحته في الـ”فيس بوك” نقلته عنه صحيفة ‘وطن’ الخميس 16 ماي/أيار 2013 حيث جاء فيه: “أمّا أن يصل ببعض المشيخات المحميّات الراسفة في غياهب العصور الوسطى، وذات الأنظمة الملكية العائلية الوراثية الثيوقراطية البدائية، ومعها أبناء وأحفاد أسوأ استعمار قديم على وجه المعمورة، هو المستعمر العثماني الذي تجلبب برداء الدين، ليمتطي ظهور العرب وغير العرب، حتى قال عنه فيكتور هيجو: (العثمانيون مرُّوا من هنا.. كلّ شيءٍ خراب)…الى أن يتجاوزوا جميع الحدود، فهذا أمر جديد.. هؤلاء لا يخجلون بأن يقولوا – ولو مجرّد قول – بأنّه لا مكان للأسد في المستقبل”. ثم أضاف: “أنتم أيّها (….)، الذين لا مكان لكم، لا في الحاضر ولا في المستقبل، وأنتم مجرّد بيادق متفسّخة تتراكض لإرضاء سيّدها ومولاها الصهيو – أمريكي، الذي يقوم الشعب السوري وجيشه وقائده (الذي لا ترون له مكاناً في المستقبل) يقومون بسحق أدوات أسيادكم وأدواتكم، وسوف تلحقون بهم قريباً الى (…)”.
حقيقة متاجرة أدوات أمريكا في المنطقة بما تسمى “المعارضة” السورية ليست جديدة، فقد سبق وأن أكدها الرئيس بشار الأسد في حديثه للإخبارية السورية عندما قال: أن “من يقاتلون على الأرض ليسوا بمعارضة”. وهو ما يعني بالتعريف السياسي، أن المعارضة هي حركة سلمية تمتلك مشروعا بديلا لمشروع السلطة، وعندما تتحول إلى أداة في يد الخارج وتحمل السلاح في وجه الدولة لتنفيذ أجندات مشبوهة ضد شعبها ووضنها تتحول إلى حركة تمرد عنيف غير شرعية.
ومن لا زال لديه شك في حقيقة هذه “المعارضة” بمن فيها معارضة المهجر (إلا من رحم الله) فليرجع لشهادة الرئيس السابق لما يسمّى بـ”الإئتلاف المعارض” معاذ الخطيب، والذي فضح فيها هذه “المعارضة” الوهمية من خلال الهجوم العنيف الذي شنه على “الائتلاف” واصفاً إياه بأنه عبارة عن أداة لتمرير قرارات ومشاريع إقليمية ودولية لا تخدم الشعب السوري، بقدر ما تسعى: “لتنفيذ مخطط ‘سايكس – بيكو’ جديد تحاول من خلاله الدول الغربية إعادة تقسيم سورية وتحويلها إلى بلد للأقليات ترعاها هذه الدول”. متهما قطر والسعودية بالهيمنة على “الإئتلاف”. وقال، إن الأسماء التي تطرح سواء لتشكيل “الإئتلاف” أو تشكيل الحكومة وغيرها من الهيئات تملى دائما من الخارج، وأنه شخصيا حُورب من قبل هذه الدول عندما طرح فكرة الحوار مع النظام السوري، لأن هذه الدول، وفق تأكيده لا تريد بقاء الأسد وتسعى بكل السبل لإضعاف الدولة السورية من خلال استمرار القتال والتدمير والخراب في أفق تقسيمها.
هذه حقيقة تعطي صورة عن طبيعة المؤامرة التي تحاك ضد سورية الوطن. وأهميتها أنها جائت على لسان أعلى مركز في “إئتلاف” المعارضة بحكم اطلاعه على خبايا الأمور وما يجرى ويدور في الكواليس من مؤامرات خبيثة وصلت حد اتخاذ قرار بتفتيت سورية إلى دويلات طائفية ومذهبية ضعيفة. وبذلك نكون أمام شهادة موثقة لشاهد من أهلها لا يجرأ على تكذيبها إلى حقود متحامل أو عميل متآمر.
ما أفصح عنه معاذ الخطيب في لحظة صحوة ضمير يوم الإثنين 13 أيار/ماي الجاري، يتطابق تماما مع أوردته الخميس 16 أيار/ماي الجاري صحيفة هآرتس الاسرائيلية على لسان ‘د. إيلي كرمون’ الباحث في مركز هرتسليا، من أن أمام بشار الأسد مجموعة خيارات أهمها: إقامة دولة علوية. حيث اعتبر: “أن ما حدث في مدينة بانياس جزء من خطة تطهير عرقي يقوم بها النظام السوري من أجل اقامة دولة علوية بين تركيا ولبنان تكون حدودها البحر غرباً ومدينتي حلب وحمص شرقاً، مع الابقاء على ممر يربطها بالعاصمة دمشق”. مضيفا: “أن غالبية ابناء الطائفة العلوية يتمركزون في المنطقة الجبلية”. وفي تقديره، أن اشتداد حدة المعارك في منطقة الحدود الشمالية – الشرقية مع لبنان تؤكد هذا السيناريو وتدل على رغبة “حزب الله” والنظام السوري في المحافظة على ممر آمن إلى لبنان، وبصورة خاصة إلى المراكز السكانية الشيعية، وفق قوله.
هذه القراءة الصهيونية للوضع في سورية تروج لذات السيناريو الذي تحدث عنه معاذ الخطيب، لكن هذه المرة بتفصيل دقيق يذهب حد القول: “أن بقاء دمشق تحت سيطرة الأسد احتمال ضعيف للغاية. لأن قيام دولة علوية سيؤدي حتما الى تقسيم سوريا الى دويلات، فالأكراد سيطالبون بدولتهم في أقصى القسم الشرقي الشمالي من البلاد، والدروز سيطالبون بدولة في الجولان، وستقوم بينهما دولة سنية كبيرة”.
المعركة في سورية إذن ليست معركة “حرية” و “ديمقراطية” كما يروج لها المتآمرون.. وكل ما يقوله الإعلام في هذا الصدد هو تضليل في تضليل ومعركة كاذبة من أولها لآخرها. والنظام السوري اليوم في عهد الرئيس بشار الأسد هو أفضل بما لا يقاس من عهد والده حافظ الأسد في قضية الديمقراطية والحريات، وفق ما يلاحظ المفكر “د. عيسى الأيوبي” أستاذ بجامعة السربون الفرنسية. مؤكدا في حديث نشره موقع “فولتير” الدولي يوم 21 أبريل/نيسان 2013 أن: “الغرب هو نفسه الذي سكت على النظام السوري سنوات طويلة وكان حليفاً له. فما الذي تغيّر في النظام السوري اليوم ليصبح عدواً للغرب في نقطة الديمقراطية؟!… ولماذا لم تقم السعودية الديمقراطية والإمارات الديمقراطية في الخليج، بتمويل المسلحين السوريين لإسقاط النظام عندما كان فعلاً دكتاتورياً زمن حافظ الأسد وليس زمن بشار الأسد المدني الطبيعي؟؟.. هناك علامات استفهام كبيرة حول قضية الديمقراطية في الأزمة السورية”..
أميركا لا يمكن أن تكون بعيدة عن سيناريو تقسيم سورية الذي يخدم هدف إقامة “دولة يهودية” على أرض فلسطين المغتصبة، لكنها تتكتم حوله، وتفضل التركيز على شعار الحرية والديمقراطية المزيف حتى ينسجم ما خطابها المخادع الذي تخفي حقيقته بلبوس ‘إنساني’.. أما إسرائيل فلعلها الكيان الهجين الوحيد الذي ينطقه الرعب بما لا يقوى على كتمانه اللسان. وغالبا ما يكون ذلك عندما تشعر ‘تل أبيب’ بالقلق مما هو قادم، وتستشعر هول الكارثة تدق أبوابها.
تطابق ما قاله معاذ الخطيب مع ما سربته إسرائيل بشأن تقسيم سورية، يؤكد صحة ما كنا نقوله بالتحليل فأصبح اليوم حقيقة قائمة بالدليل.. خصوصا بعد أن تبين تورط إسرائيل حتى النخاع في الحرب على سورية، سواء من خلال تسليح المقاتلين أو معالجة الجرحى أو تزويدهم بالمعلومات الإستخبارية الحساسة أو من خلال التدخل العسكري المباشر لتسهيل هجومهم على دمشق (العدوان على منطقة قسيون نموذجا). وهذا يدل على أنه بالنسبة للشأن السوري، فقد تم التحضير مسبقا لإستراتيجية إعلامية حبيثة ومدروسة بشكل دقيق من قبل الحكومة الصهيونية، لسيناريو الكارثة التي يتم الترويج له بشكل معكوس وكأنه قراءة لما يفكر به الأسد شخصيا.
اسرائيل تعتقد، أن ما يفعله الأسد اليوم على الأرض، هو صراع ضد الزمن لتحقيق مكاسب عسكرية يستعملها كأوراق مساومة قبل أن تفرض عليه الدول الكبرى تسوية للأزمة في المؤتمر الدولي المقبل. ومهما يكن من الأمر، فإسرائيل لا ترى إمكانية لبقاء الأسد في السلطة حتى موعد الانتخابات الرئاسية في آذار 2014، لأنه وفق رأيها، يبدو هذا الاحتمال ضعيفاً لسببين: الأول: الزمن المتبقي حتى ذلك الحين كاف للإطاحة بالأسد عبر الضغوط الديبلوماسية أو إن اقتضى الأمر عبر الخيار العسكري من خلال تحالف إقليمي ودولي، كما قال الرئيس ‘أوباما’ نفسه. والثاني: الصعوبة الكبيرة في اجراء انتخابات في سوريا في ظل الوضع الميداني حتى لو بقي الأسد في السلطة لغاية آذار 2014. وبالتالي، فلا خيار أمام الرئيس السوري سوى القبول بالتنازل عن السلطة بضمانات أو القتال حتى النهاية واستخدام مزيد من القوة ضد المدنيين والثوار، واظهار اخفاقات المعارضة وسيطرة التنظيمات السلفية والقاعدة على سوريا.. هذا الى جانب محاولته خلق جبهة داخلية ضد المعارضة وضربها من الداخل. وهذا السيناريو الإنتحاري يؤدي طبعا إلى تدمير البلاد بالكامل. هذه هي الرؤية الصهيونية لمستقبل الصراع في سورية.
لماذا تورطت إسرائيل في المستنقع السوري
مع انطلاق الربيع العربي، اقترحت أمريكا على إسرائيل إشعال الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط لاستبدال الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة والتيوقراطية الرجعية بأنظمة ديمقراطية تكون حليفة لإمبراطورية روما الجديدة وصديقة لإسرائيل.. فكان جواب رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك قاطعا: “مشروعكم فكرة ثورية جيدة، لكن إلعبوا ‘فوضاكم الخلاقة’ بعيدا عن أبواب إسرائيل”.
بعد نجاح ربيع ‘الياسمين’ في تونس وربيع ‘الفل’ في مصر وربيع ‘الوردة الحمراء’ في ليبيا بمشاركة الفيلسوف ومنظر الثورات العربية الصهيوني “هنري ليفي”، غيرت إسرائيل قناعتها، حين تيقنت أن الطريقة التي يتم بها تغيير الأنظمة من الداخل (تونس و مصر) أو عبر التدخل العسكري من الخارج (ليبيا)، طريقة فعالة وناجعة ليست لها مضاعفات جانبية على أمنها.. خصوصا أن لا ثورة من الثورات العربية رفعت شعار تحرير فلسطين أو إلقاء إسرائيل في البحر بما في ذلك الثورة اليمنية، بل العكس هو ما حدث، فكل الأنظمة الإسلاموية الجديدة التي تحالفت معها الإدارة الأمريكية وسلمتها السلطة، أثبتت أنها عميلة من درجة جيد جدا، واحترمت المعاهدات وزايدت على الأنظمة المخلوعة في التقرب والتطبيع مع “إسرائيل”.
هذا الوضع الجديد جعل إسرائيل تشعر أنها في قمة السعادة وتعيش ربيعا لذيذا من عسل، فقررت الانخراط بديناميكية أكبر في مشروع ‘الحرب الناعمة’ الجديدة، والمشاركة الفعلية في مغامرة تغيير الأنظمة بمنطقة الشرق الأوسط مع التركيز على محور المقاومة ابتداءا، باعتباره المحور الذي يشكل تهديدا وجوديا لكيانها. فكان يا ما كان أن اشتعلت الثورة في سورية كما نتذكر جميعا، باعتبارها “الحلقة الأقوى” التي من شأن تفكيكها أن يعزل إيران عن المنطقة العربية، ويعري ظهر حزب الله ويحرمه من سند قوي ساهم في صموده وانتصاراته.. وفي عز الحماس، خرج مسؤول إسرائيلي كبير ليقول منتشيا: أن “وجود القاعدة على حدودنا الشمالية مع سورية هو أقل خطر على أمننا من بقاء نظام بشار الأسد”. وهو ما أكده مفتي الناتو في رده الحاسم على من يروجون لمثل هذه المزاعم الكاذبة بهدف إفشال الثورة المباركة في سورية من خلال إخافة إسرائيل، فتسائل باستنكار: “من قال أن المجاهدين سيقاتلون إسرائيل بعد اسقاط الأسد؟.. هذا كلام غير صحيح”.
لكن في غمرة هذا الحماس الجميل، تجاهلت أمريكا وإسرائيل وأنظمة العهر والبورديل الخليجية الدائرة في فلك محور الفاشلين، أن سورية ليست ليبيا، وأن مشروع تغيير الأنظمة السياسية بالقوة له أهداف جيوستراتيجية كبرى تمس المصالح الحيوية لإيران وروسيا والصين.. ففشلت المراهنة على إسقاط النظام في دمشق في غضون أسابيع كما كان متوقعا، ثم أشهر ثن دخل الصراع عامه الثالث دون أمل في تحقيق هذا الوهم.. هذا بالرغم من أن الصراع تحول بشكل تصاعدي ممنهج من حرب على سورية إلى حرب في سورية تخوضها بالوكالة قوى دولية وإقليمية عبر كتائب إرهابية (القاعدة) وعصابات إجرامية (متمردين) ومنظمات احترافية (بلاك ووتر) وجهات سرية (مخابرات غربية وعربية)، وما أعقب ذلك من ضخ للسلاح والمقاتلين بهدف تدمير سورية نظاما وجيشا ومؤسسات وشعبا وحضارة وتاريخا وكيانا.. وذلك بفضل استراتيجية الفوضى الخلاقة من الداخل ما دام من المستحيل تغيير النظام في دمشق من خلال التدخل العسكري كما كانت تخطط لذلك أمريكيا وإسرائيل عبر توريط تركية في المستنقع السوري لجر حلف الناتو، بعد أن تبين أن حلفاء سورية الأقوياء لن يسمحوا بذلك.
إذا أردت السلام فاستعد للحرب
محور الشر لم يستغ تطور الوضع الميداني لصالح النظام في سورية بسبب عقيدة الجيش الثابتة من جهة، وإلتفاف الشعب من حول الرئيس خوفا مما قد يصبح عليه الوضع لو أن جبهة النصرة والإخوان المجرمين استلموا السلطة من جهة أخرى، (آخر تقرير للمخابرات الأمريكية الخميس 16 ماي/أيار 2013 تحدث عن أن 75% من الشعب السوري يؤيد الرئيس بشار الأسد، فيما كانت هذه النسبة لا تزيد عن 50% قبل سنة). هذا العامل الحاسم، جعل الشعب ينخرط في الحرب ضد الجماعات التكفيرية والعصابات الإجرامية التي تهدد أمنه واستقراره ونموذج عيشه، فانخرط بديناميكية في اللجان الشعبية لحماية بلداته وقراه المحررة من عودة الإرهابيين إليها بعد خروج الجيش، وهو ما غير وجه الصراع في سورية وأعطى نفسا وشحنة معنوية قوية للنظام والجيش معا للمضي قدما في تطهير الأرض من زبالة التكفيريين، فاستطاع تحقيق نتائج معتبرة في وقت وجيز أبهر المراقبين الدوليين، ودفع بأطراف المؤامرة إلى مراجعة خططهم وأوراقهم التي تساقطت الواحدة تلو الأخرى. وما يؤكد هذا المعطى، هو خروج الأسد في تصريح إعلامي لافت لقناة الإخبارية السورية، ليعلن بنبرة المنتصر الواثق: “أن سورية تجاوزت الخطر الإستراتيجي الذي كان يهددها”.
إسرائيل لم تستصغ هذا التطور المفاجأ في دولة تقع على حدودها ولها معها حسابات تاريخية معلقة في انتظار التسوية يوم الحساب الأكبر.. فضربت ضربتها الغادرة لمنطقة قسيون في رسالة مفادها، أن الدراع العسكرية القوية لإسرائيل قادر على تغيير المعادلة على الأرض في حال شعرت بأن أمنها مهدد بسبب الصواريخ الإيرانية التي تنقل إلى حزب الله عبر سورية. غير أنها بهذه الضربة الغبية أعادت خلط الأوراق في المنطقة وفتحت عليها أبواب الجحيم عندما أخطأت في حساباتها التكتيكية، فعجَلت من حيث تدري أو لا تدري الصدام العسكري الذي أصبح واقعا منظورا حتميا قد ينفجر في أية لحظة.
وفي هذا الصدد، لا زال الخبراء العسكريون يحللون بعمق أبعاد التهديد السوري الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد وقرر بموجبه أن يكون الرد عبر استدراج إسرائيل لتكون هي البادئة بالحرب، وذلك من خلال فتح جبهة الجولان للمقاومة، وتحويل الدولة السورية إلى دولة مقاومة لما لهذا التعريف الجديد من بعد “جيوعسكري” واسع، ونصب صواريخ أرض جو وأرض أرض في اتجاه فلسطين المحتلة، وحدد المواقع الحساسة المستهدفة، وأعطى الأوامر بالرد الفوري على أي هجوم إسرائيلي محتمل دون الرجوع إلى القيادة المركزية. وما زاد الطين بلة هو خطاب السيد حسن نصر الله الذي إلتقط إشارة الأسد فأعلن انخراطه الكامل في استراتيجية المقاومة لتحرير الجولان وفلسطين المحتلة، لتأتي بعد ذلك تصريحات المسؤولين الإيرانيين تفيد باستعدادهم لحماية سورية والمقاومة اللبنانية ودعمهما بكل ما يلزم من سلاح وتقنية وخبرات ورجال. ويمكن القول أن ما أثار قلق إسرائيل بشكل جدي، هو استهداف موقع رصد (رادار) إسرائيلي على هضبة الجولان من قبل المقاومة السورية الأربعاء 15 ماي/أيار، وحوار نائب رئيس أركان الجيش الإيراني الذي خص به قناة المنار اللبنانية الخميس 16 ماي/أيار الجاري جاء فيه: أن “المنطقة ستعرف تغيٌرا كبيرا وسيكون الجولان جزء منه”.
روسية من جهتها، شعرت بالخديعة جراء إقدام إسرائيل على مهاجمة ضاحية دمشق، وهي التي كانت قد تعهدت لها بعدم الإقدام على مغامرة من هذا القبيل والإمتناع عن التدخل عسكريا في الصراع السوري، فقررت تزويد دمشق ببطاريات صواريخ S300 للدفاع عن نفسها ضد أية مغامرة محتملة. وللإشارة، فإن هذه الصواريخ النوعية تفوق صواريخ “الباتريوت” الأمريكية من حيث الدقة التقنية والفعالية القتالية، وباستطاعتها ضرب الطائرات الإسرائيلية فوق المجال الجوي لتل أبيب وليس فقط فوق المجال الجوي السوري الذي تحميه نوعيات أخرى من الصواريخ الصينية والروسية المتطورة ومنها S200.
أمام هذا التطور الخطير، قرر رئيس حكومة الكيان الصهيوني “نتنياهو” السفر إلى موسكو لمحاولة ثني “بوتن” عن قراره بتزويد سورية بصواريخ متطورة. لكن الزيارة فشلت وإن كانت إسرائيل لم تعلن عن نتائجها، ليتبين من خلال حوار لوزير الخارجية الروسي ‘سيرغي لافروف’ خص به قناة ‘الميادين’ وأذيع الخميس 16 ماي/أيار 2013، أن روسيا زودت سورية بجزء من هذه المنظومة، وأن الصفقة في مراحلها التقنية الأخيرة. القناة الثانية الإسرائيلية بنت على تصريحات ‘لافروف’ خلال هذه المقابلة لتفتتح نشرتها الإخبارية مساء الخميس بالتأكيد أن زيارة نتنياهو لروسيا قد فشلت بالفعل.
هذا التطور الجديد دفع بمسؤول إسرائيلي بارز، طلب عدم الكشف عن إسمه، ليصرح لصحيفة ‘نيويورك تايمز’ الأمريكية الاربعاء 15 ماي/أيار 2013، أن: “إسرائيل هددت الرئيس السوري بشار الأسد بإسقاطه”. مضيفا: “أن إسرائيل عازمة على الاستمرار في منع وصول أسلحة متقدمة لحزب الله، لأن من شأن وصول هذه الاسلحة للحزب أن يزعزع الإستقرار في المنطقة بأسرها، ويعرضها للخطر”. وأوضح في ذات التصريح: “أنه إذا رد الرئيس السوري ‘بشار الأسد’ بمهاجمة إسرائيل، أو محاولة ضربها عبر وكلائه ‘الارهابيين’ – وفق تعبيره – فسيخاطر بإسقاط نظامه، لأن إسرائيل سترد”. وتعجبت الصحيفة في تقريرها من إصدار هذا التحذير في هذا الوقت بالذات. وهو ما يعني أن قرار الأسد بفتح الجولان للمقاومة، وإصراره على الإستمرار في تزويد حزب الله بأسلحة نوعية لم يسبق أن تسلمها الحزب من قبل، وتهديده بالرد الصاروخي على أي هجوم إسرائيلي جديد، معناه أن خيارات الأسد هذه، تدخل في إطار الخيارات الإستراتيجية الكبرى التي من شأنها استدراج الكيان الصهيوني للمواجهة عاجلا أم آجلا، وأن قرار التفجير على مستوى المنطقة قد اتخذ من قبل محور المقاومة بتغطية روسية واضحة، لإجبار أمريكا على خيار التسوية السياسية أو الإنفجار الإقليمي الكبير، لأن الوقت لا يلعب لصالح سورية وحلفائها، ويزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية والإقتصادية في البلاد.
وفي شأن الوضع الإقتصادي مثلا، يلاحظ المفكر والإعلامي العربي المقيم في باريس والمدرس بجامعة “السوربون”، الدكتور عيسى الأيوبي، في حديث له لـ”الصنارة” نشره موقع فولتير الدولي، أنه بالنسبة للوضع الإقتصادي السوري: “يمكن أن نلحظ أمرين هامين، الأول: ان سعر الدولار اليوم هو 110 ليرات سورية أي ضعف ما كان عليه قبل الأحداث، في حين أن الأسعار بشكل عام ارتفعت بما معدله 10 ٪ فقط خلال نفس المدة. هذا الأمر مستغرب علمياً، فاقتصادياً يجب أن يكون ارتفاع الأسعار موازياً لارتفاع سعر صرف الدولار، أي الضعف. لكن ما حصل هو أن الإنتاج المحلي لا يزال عنصراً أساسياً وحاسماً في السوق السورية ومن حصة استهلاك السوريين، فكل دولة تنزل قيمة عملتها 100٪ المفروض أن ترتفع الأسعار فيها أوتوماتيكياً 100٪ .. هذا الأمر لم يحصل في سوريا، خاصة في دمشق التي لا تزال المدينة الأرخص في العالم العربي من حيث المواد الإستهلاكية رغم عامين من الأزمة”. ويضاف إلى عامل الإنتاج المحلي الذي ذكره الأيوبي، عامل المساعدات المالية والعسكرية والإقتصادية الخارجية المقدمة من الحلفاء كإيران والعراق وروسيا والصين، والتي مكنت دمشق من الصمود دون أن تتأثر بتداعيات حرب التدمير والإستنزاف التي تشن بشراشة ضدها.
من جهته، رأى مدير معهد أبحاث الأمن القومي، والرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، اللواء ‘عاموس يادلين’، أن توقيت التحذير الإسرائيلي الذي أوردته صحيفة ‘نيويورك تايمز’ نقلا عن مسؤول سياسي بارز، قد يكون مرتبطاً بتلقي إسرائيل معلومات استخبارية حول أمر ما تريد الحؤول دون وقوعه، مضيفاً في تصريح نقله عنه الإعلام الإسرائيلي، أن هذا الأمر قد يكون عبارة عن نوايا سورية بالردّ، ولو في وقتٍ متأخّر، على الهجمات الجوية الحديثة على أراضيها، أو قد يكون عبارة عن شحنات أسلحة وشيكة يتلقّاها حزب الله، أو إشارات تدلّ على عملٍ ما تعدّ له مجموعات بالنيابة عن سوريا في مرتفعات الجولان.
ورأى يادلين، أيضاً، أنّ روسيا قد تكون هي المعنية الأخرى بالرسائل، خاصة وأنّ اثنتين من المنظومات التي حددتها إسرائيل على أنها «أسلحة تتخطى الخطوط الحمراء» وتغيّر قواعد اللعبة، هي روسية المصدر، سواء «س. إي 17» (SA-17) المضادّ للطائرات، أو صواريخ ساحل ــ بحر «ياخونت».
وما يؤكد ما ذهب إليه الرئيس السابق للإستخبارات العسكرية، هو الإجتماع السري والعاجل الذي عقد الخميس 16 ماي/أيار 2013 بين “جون برينان” مدير المخابرات الأمريكية “سي آي إيه” و “موشيه ياعلون” وزير الحرب الصهيوني لبحث الوضع في سورية ومخاطر وصول سلاح متطور من سورية إلى حزب الله عبر روسيا، وهو ما لا يمكن السماح بحدوثه وفق ‘ياعلون’، حسب ما أفادت القناة العاشرة الإسرائيلية. ما يؤشر إلى أن إسرائيل وبالتنسيق الكامل مع المخابرات الأمريكية، بصدد التحضير لضربة عسكرية جديدة، قد تكون في لبنان هذه المرة، تجنبا لإغضاب روسية التي هددت نتنياهو بالرد في حالة تكرر العدوان على سورية، ولا ننسى بالمناسبة أن في سورية حوالي مليون مواطن روسي وآلاف الجنود الروس.. كما أن إسرائيل تعلم أن هجوما مركزا على سورية سيستجلب حتما هجوما من حزب الله على العمق الإسرائيلي، أما لو هجمت على حزب الله فهناك احتمال بأن لا يدخل النظام السوري مباشرة لإنشغاله بالوضع الداخلي.
بدوره، رأى المعلق العسكري في موقع «واللاه» العبري، ‘أمير بوحبوط’، أنّ الرسالة التي وجهها مصدر سياسي بارز عبر «نيويورك تايمز»، لم تصممها المؤسسة الأمنية، وإنما صادرة عن المستوى السياسي بعد زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى روسيا. وهي ليست موجهة فقط إلى الأسد وروسيا، وإنما أيضاً لسكان إسرائيل، خاصة سكان المنطقة الشمالية الذين شاهدوا الجيش الإسرائيلي مرتبكاً ولا يعرف بالضرورة كيفية الردّ على الهجوم الذي استهدف بصوارخ ‘هاون’ موقع الرصد (رادار) في جبل الشيخ بالجولان والتي تسمى «عيون الدولة».
المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي ‘جي كارني’ صرح الخميس 16/ ماي/أيار 2013 أيضا، فيما يبدو أنه ضوء أخضر وتغطية مسبقة لقرار إسرائيلي بلعدوان جديد على (سورية أو لبنان) من خلال قوله: أن “لإسرائيل الحق في حماية نفسها من خلال ضرب شحنات السلاح التي تورد لحزب الله من سورية”. هذا تصريح ليس بجديد، بل سبق أن صرحت الإدارة الأمريكية على لسان ‘أوباما’ شخصيا بنفس الشىء مباشرة بعد ضرب إسرائيل لضاحية دمشق. لكن الجديد هو أن يعاد ذات التصريح عقب ما نشرته صحيفة ‘نيويورك تايمز” الأربعاء 15 ماي/أيار 2013، ونقلته وكالة (د ب أ)، عن المسؤول الإسرائيلي الذي وصفته بالبارز وقالت أنه هو من طلب من الصحيفة الأمريكية أخذ تصريحه ونشره دون ذكر إسمه. ووفقا لتقرير الصحيفة، يتفق محللون سياسيون في الولايات المتحدة وإسرائيل على أن الأخيرة ليس لديها دافع قوي للتدخل في الحرب الاهلية في سورية، ولكنها معنية بقوة بإمكانية نقل الاسلحة المتقدمة، مادام يمكن استخدام ما لدى نظام الاسد من أسلحة كيماوية ضدها. وفي هذا الصدد، رفض ‘مارك ريجيف’ المتحدث باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي ‘بنيامين نتنياهو’، مناقشة ما أدلى به المسؤول الاسرائيلي وقال: “لن نعلق على هذا الموضوع”.
والملفت أن الرئيس ‘أوباما’ خلال ندوته الصحفية بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء التركي ‘طيب رجب أردوغان’ الخميس 16 ماي/أيار 2013، قال: “أن إدارته عازمة على ممارسة مزيد من الضغط الديبلوماسي إلى أن يعترف الأسد بأنه فقد شرعيته ويرحل، وأن الخيار العسكري لا يزال مطروحا من خلال تحالف دولي”. وربط بين هذا الخيار الأخير ومسألة ‘السلاح الكيماوي’ الذي أكد أن إدارته لا زالت تتحقق مع حلفائها من احتمال استعماله من قبل نظام الأسد ضد “المعارضة”. ويذكر أن رئيس وزراء تركيا حمل معه إلى واشنطن نتائج الإختبارات التي زعم أن أجهزته المختصة أجرتها على جثت “معارضين” قتلوا بالكيماوي الذي تم إلقائه ببراميل من الطائرات السورية قرب الحدود التركية، وفق التقرير التركي.
يضاف لما سلف، عزم الإدارة الأمريكية إجراء مناورات عسكرية ضخمة في الأردن تشارك فيها 41 دولة، وسبق لإسرائيل أن بعثت قبل أسبوعين بطائرات مقاتلة إلى قاعدة عسكرية تركية في الجنوب، حيث ترابض في انتظار أمر عمليات، وقيل أنها بعدد 6 طائرات وفق ما نقلته وكالات الأنباء في حينه.
روسيا ليست ببعيدة عما يحضر في المنطقة، فقد كان مفاجئا قراراها بتحويل أسطولها البحري المرابط في المحيط الهادي إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث نقلت وكالة أنباء ‘نوفوستي الروسية’ عن المتحدث باسم أسطول المحيط الهادئ الروسي قوله يوم الخميس 16 ماي/أيار 2013، أن هذا الأسطول هو في طريقه للتوقف التقني في ميناء ‘ليما صول’ بقبرص، قبل أن يواصل الطريق إلى الشواطىء السورية خلال الأيام القليلة القادمة، لينضاف إلى الأسطول المرابط هناك منذ فترة ليست بالقصيرة. مؤكدا أن هذا الأسطول هو عملياتي وليس للإستعراض العسكري، وأنه سيرابط في المنطقة بصفة دائمة، وقريبا ستنضاف إليه غواصات استراتيجية نووية.
فهل الأمر يتعلق باستعراض أوراق قوة للضغط من أجل الحل السياسي أم أن سحب الإنفجار الكبير بدأت تتلبد في سماء المنطقة؟
المؤشرات تقول أن دخول إسرائيل على خط الصراع في سورية وقراراها بإسقاط الأسد بالقوة بطلب من السعودية وقطر وبمشاركة تركية، يجعل التفجير محتملا، خصوصا وأن إسرائيل لن تصبر دون رد في حال نقل النظام السوري أسلحة نوعية لحزب الله أو قامت إحدى الجماعات المقاومة بضرب هدف في الجولان سقط على إثره مستوطنون صهاينة.. هذه صواعق موقوتة تجعل من فرضية الصدام العسكري بين سورية وحزب الله وإسرائيل حتمية قائمة بنسبة عالية جدا تلامس اللون الأحمر، والسيد حسن نصر الله سبق له أن رجح هذه الحتمية خلال زيارته الأخيرة لإيران، وأكد أنه مستعد للحرب، وفق ما نشرته جريدة الأخبار اللبنانية في حينه.
لكن لماذا تصر تركيا على الخيار العسكري لإسقاط النظام السوري بالقوة وبالتنسيق مع الكيان الصهيوني؟
الجواب نجده في الخيار الإستراتيجي الكبير والخطير الذي اتخذه الرئيس بشار الأسد ولم تخصص له الصحافة في حينه ما يستحقه من دراسة وتحليل. كيف؟
الخطر الإستراتيجي الكردي
ركز الرئيس بشار الأسد في حديثه لقناة الإخبارية السورية في موضوع الحرب على ثلاثة ميادين كبرى: الأول، الميدان الداخلي من خلال الحرب على التكفيريين وعصابات الإجرام العابرة للحدود والقارات، فأعلن عن أن سورية تجاوزت هذا الخطر الإستراتيجي، بدليل أن معارك الحسم في الميادين قائمة على قدم وساق في أكثر من جهة ومنطقة وتتقدم بشكل سريع محققة نتائج مهمة لصالح الجيش العربي السوري واللجان الشعبية. الثاني، الميدان الخارجي، بحيث أنه ينقل الصراع من مستوى الدفاع في الداخل إلى الهجوم على في الخارج.. وهو من شقين، الشق الأول: يتعلق بالتصعيد ضد إسرائيل من خلال جبهة الجولان والذي من المحتمل أن يشعل حربا بين سورية ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة ثانية عند أول وآخر خطأ ترتكبه إسرائيل مستقبلا. والشق الثاني في البعد الخارجي يتعلق بتركيا. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الرئيس بشار الأسد أكد في ذات التصريح أن المسألة الكردية تعتبر الموضوع الإستراتيجي المستقبلي في المنطقة ككل، لأن المسألة الكردية في الشرق الأوسط الكبير هي الأزمة الإستراتيجية المقبلة، أي أكثر مما كان في السابق، حيث من المتوقع أن ينتقل مركز الثقل الجيوستراتيجي للصراع في المنطقة الى الصراع حول الموضوع الكردي. وفي هذه المسألة بالذات، أوضح الرئيس الأسد مكانة ووضع الأكراد السوريين وموقعهم في الدولة السورية ولفت الى مهاجمة أردوغان واحتمالات حرب مقبلة يعتقد السوريون انها ستكون أكثر شراسة مع الأتراك في ظل حكم أردوغان، لأنها وفق خبراء، تحمل مشروعاً دينياً وآخر استعمارياً بالنسبة لسوريا، لأنها تتمثل في مشروع الهيمنة وحلم الإمبراطورية العثمانية الجديدة على المنطقة، ما ينقل الصراع إلى المحيط والعمق التركي معا.
من هنا نفهم لماذا ركز الرئيس الأسد أكثر على “أردوغان” من غيره من القادة العرب الذين يدعمون العناصر المسلحة والمعارضة المسلحة في سوريا والذين سيخصص لهم محور المقاومة الرد المناسب بطريقة لا تزال غير واضحة حتى الآن. ومن هنا نفهم سبب إسراع أردوغان في عقد اتفاق مع ‘أزجلان’ زعيم الحزب العمالي الكردستاني ليسحب مقاتليه من جنوب تركيا إلى شمال العراق دون التنسيق مع السلطات العراقية، وهو الاتفاق المتوقع أن يفشل هذا الصيف عندما يعجز ‘أردوغان’ عن تعديل الدستور والإعتراف بإقليم كرجستاني في الجنوب التركي. ومن هنا نفهم كذلك سبب قرار ‘أردوغان’ نقل ما يناهز 400 ألف لاجىء سوري من مخيمات الجنوب إلى جهة أخرى حتى لا يتحولوا إلى قنبلة موقوتة تنفجر في وجه تركيا، خصوصا بعد التفجيرات الأخيرة، وما يمكن أن ينجم عن ذلك من صراع بين العلويين والأتراك.
خلاصة
هذه العوامل مجتمعة تؤشر بقوة إلى أن المنطقة على أبواب حرب إقليمية قد تنفجر شراراتها من الجولان ولبنان، فقد بدأت بعض الدول (كندا و اليابان) في سحب قواتها العاملة في إطار مهمة حفظ السلام الأممية (أندوف) في الجولان ويتوقع أن يصدر قرارا في الساعات القادمة بسحب باقي القوات خوفا من اندلاع مواجهات محتملة، ونفس الأمر ينطبق على لبنان وإن كانت القوى الدولية لم تحرك بعد ساكنا في انتظار تطور الأوضاع في الساعات المقبلة.
روسيا ومحور المقاومة أعدو العدة واتخدوا قرارا بالمواجهة، ما دامت أمريكا تخادع وإسرائيل تهدد، ويعملان على تخريب سورية في أفق إضعافها لتقسيمها إلى ثلاث دويلات كما سبقت الإشارة، وما دام عربان الخليج ومعهم تركيا يصرون على إسقاط الأسد مهما كلف الأمر من أثمان، وأن لا نية لأحد حتى اليوم في إنجاز تسوية سياسية حقيقية لأنها ستعتبر حتما انتصارا لحلف المقاومة وهزيمة مشهودة لحلف المؤامرة.. ناهيك عن أن التسوية بين النظام السوري وعصابات الإجرام والإرهاب العابر للحدود والقارات أمر غير واقعي بالمرة بعد أن خرج المارد من القمقم، لأن لا أحد يستطيع اليوم التحكم في عصابات الإخوان المجرمين وجبهة النصرة والقاعدة…
لذلك كله، نعتقد أن الشرق الأوسط مقبل في المدى المنظور على أحداث استراتيجية كبرى ستغير وجه المنطقة لصالح محور المنتصرين.. هذه نظرة واقعية تفائلية أكثر منها تشائمية، فرضتها معطيات الصراع وشروط المرحلة.
وفي شأن الوضع الإقتصادي مثلا، يلاحظ المفكر والإعلامي العربي المقيم في باريس والمدرس بجامعة “السوربون”، الدكتور عيسى الأيوبي، في حديث له لـ”الصنارة” نشره موقع فولتير الدولي، أنه بالنسبة للوضع الإقتصادي السوري: “يمكن أن نلحظ أمرين هامين، الأول: ان سعر الدولار اليوم هو 110 ليرات سورية أي ضعف ما كان عليه قبل الأحداث، في حين أن الأسعار بشكل عام ارتفعت بما معدله 10 ٪ فقط خلال نفس المدة. هذا الأمر مستغرب علمياً، فاقتصادياً يجب أن يكون ارتفاع الأسعار موازياً لارتفاع سعر صرف الدولار، أي الضعف. لكن ما حصل هو أن الإنتاج المحلي لا يزال عنصراً أساسياً وحاسماً في السوق السورية ومن حصة استهلاك السوريين، فكل دولة تنزل قيمة عملتها 100٪ المفروض أن ترتفع الأسعار فيها أوتوماتيكياً 100٪ .. هذا الأمر لم يحصل في سوريا، خاصة في دمشق التي لا تزال المدينة الأرخص في العالم العربي من حيث المواد الإستهلاكية رغم عامين من الأزمة”. ويضاف إلى عامل الإنتاج المحلي الذي ذكره الأيوبي، عامل المساعدات المالية والعسكرية والإقتصادية الخارجية المقدمة من الحلفاء كإيران والعراق وروسيا والصين، والتي مكنت دمشق من الصمود دون أن تتأثر بتداعيات حرب التدمير والإستنزاف التي تشن بشراشة ضدها.
من جهته، رأى مدير معهد أبحاث الأمن القومي، والرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، اللواء ‘عاموس يادلين’، أن توقيت التحذير الإسرائيلي الذي أوردته صحيفة ‘نيويورك تايمز’ نقلا عن مسؤول سياسي بارز، قد يكون مرتبطاً بتلقي إسرائيل معلومات استخبارية حول أمر ما تريد الحؤول دون وقوعه، مضيفاً في تصريح نقله عنه الإعلام الإسرائيلي، أن هذا الأمر قد يكون عبارة عن نوايا سورية بالردّ، ولو في وقتٍ متأخّر، على الهجمات الجوية الحديثة على أراضيها، أو قد يكون عبارة عن شحنات أسلحة وشيكة يتلقّاها حزب الله، أو إشارات تدلّ على عملٍ ما تعدّ له مجموعات بالنيابة عن سوريا في مرتفعات الجولان.
ورأى يادلين، أيضاً، أنّ روسيا قد تكون هي المعنية الأخرى بالرسائل، خاصة وأنّ اثنتين من المنظومات التي حددتها إسرائيل على أنها «أسلحة تتخطى الخطوط الحمراء» وتغيّر قواعد اللعبة، هي روسية المصدر، سواء «س. إي 17» (SA-17) المضادّ للطائرات، أو صواريخ ساحل ــ بحر «ياخونت».
وما يؤكد ما ذهب إليه الرئيس السابق للإستخبارات العسكرية، هو الإجتماع السري والعاجل الذي عقد الخميس 16 ماي/أيار 2013 بين “جون برينان” مدير المخابرات الأمريكية “سي آي إيه” و “موشيه ياعلون” وزير الحرب الصهيوني لبحث الوضع في سورية ومخاطر وصول سلاح متطور من سورية إلى حزب الله عبر روسيا، وهو ما لا يمكن السماح بحدوثه وفق ‘ياعلون’، حسب ما أفادت القناة العاشرة الإسرائيلية. ما يؤشر إلى أن إسرائيل وبالتنسيق الكامل مع المخابرات الأمريكية، بصدد التحضير لضربة عسكرية جديدة، قد تكون في لبنان هذه المرة، تجنبا لإغضاب روسية التي هددت نتنياهو بالرد في حالة تكرر العدوان على سورية، ولا ننسى بالمناسبة أن في سورية حوالي مليون مواطن روسي وآلاف الجنود الروس.. كما أن إسرائيل تعلم أن هجوما مركزا على سورية سيستجلب حتما هجوما من حزب الله على العمق الإسرائيلي، أما لو هجمت على حزب الله فهناك احتمال بأن لا يدخل النظام السوري مباشرة لإنشغاله بالوضع الداخلي.
بدوره، رأى المعلق العسكري في موقع «واللاه» العبري، ‘أمير بوحبوط’، أنّ الرسالة التي وجهها مصدر سياسي بارز عبر «نيويورك تايمز»، لم تصممها المؤسسة الأمنية، وإنما صادرة عن المستوى السياسي بعد زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى روسيا. وهي ليست موجهة فقط إلى الأسد وروسيا، وإنما أيضاً لسكان إسرائيل، خاصة سكان المنطقة الشمالية الذين شاهدوا الجيش الإسرائيلي مرتبكاً ولا يعرف بالضرورة كيفية الردّ على الهجوم الذي استهدف بصوارخ ‘هاون’ موقع الرصد (رادار) في جبل الشيخ بالجولان والتي تسمى «عيون الدولة».
المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي ‘جي كارني’ صرح الخميس 16/ ماي/أيار 2013 أيضا، فيما يبدو أنه ضوء أخضر وتغطية مسبقة لقرار إسرائيلي بلعدوان جديد على (سورية أو لبنان) من خلال قوله: أن “لإسرائيل الحق في حماية نفسها من خلال ضرب شحنات السلاح التي تورد لحزب الله من سورية”. هذا تصريح ليس بجديد، بل سبق أن صرحت الإدارة الأمريكية على لسان ‘أوباما’ شخصيا بنفس الشىء مباشرة بعد ضرب إسرائيل لضاحية دمشق. لكن الجديد هو أن يعاد ذات التصريح عقب ما نشرته صحيفة ‘نيويورك تايمز” الأربعاء 15 ماي/أيار 2013، ونقلته وكالة (د ب أ)، عن المسؤول الإسرائيلي الذي وصفته بالبارز وقالت أنه هو من طلب من الصحيفة الأمريكية أخذ تصريحه ونشره دون ذكر إسمه. ووفقا لتقرير الصحيفة، يتفق محللون سياسيون في الولايات المتحدة وإسرائيل على أن الأخيرة ليس لديها دافع قوي للتدخل في الحرب الاهلية في سورية، ولكنها معنية بقوة بإمكانية نقل الاسلحة المتقدمة، مادام يمكن استخدام ما لدى نظام الاسد من أسلحة كيماوية ضدها. وفي هذا الصدد، رفض ‘مارك ريجيف’ المتحدث باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي ‘بنيامين نتنياهو’، مناقشة ما أدلى به المسؤول الاسرائيلي وقال: “لن نعلق على هذا الموضوع”.
والملفت أن الرئيس ‘أوباما’ خلال ندوته الصحفية بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء التركي ‘طيب رجب أردوغان’ الخميس 16 ماي/أيار 2013، قال: “أن إدارته عازمة على ممارسة مزيد من الضغط الديبلوماسي إلى أن يعترف الأسد بأنه فقد شرعيته ويرحل، وأن الخيار العسكري لا يزال مطروحا من خلال تحالف دولي”. وربط بين هذا الخيار الأخير ومسألة ‘السلاح الكيماوي’ الذي أكد أن إدارته لا زالت تتحقق مع حلفائها من احتمال استعماله من قبل نظام الأسد ضد “المعارضة”. ويذكر أن رئيس وزراء تركيا حمل معه إلى واشنطن نتائج الإختبارات التي زعم أن أجهزته المختصة أجرتها على جثت “معارضين” قتلوا بالكيماوي الذي تم إلقائه ببراميل من الطائرات السورية قرب الحدود التركية، وفق التقرير التركي.
يضاف لما سلف، عزم الإدارة الأمريكية إجراء مناورات عسكرية ضخمة في الأردن تشارك فيها 41 دولة، وسبق لإسرائيل أن بعثت قبل أسبوعين بطائرات مقاتلة إلى قاعدة عسكرية تركية في الجنوب، حيث ترابض في انتظار أمر عمليات، وقيل أنها بعدد 6 طائرات وفق ما نقلته وكالات الأنباء في حينه.
روسيا ليست ببعيدة عما يحضر في المنطقة، فقد كان مفاجئا قراراها بتحويل أسطولها البحري المرابط في المحيط الهادي إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث نقلت وكالة أنباء ‘نوفوستي الروسية’ عن المتحدث باسم أسطول المحيط الهادئ الروسي قوله يوم الخميس 16 ماي/أيار 2013، أن هذا الأسطول هو في طريقه للتوقف التقني في ميناء ‘ليما صول’ بقبرص، قبل أن يواصل الطريق إلى الشواطىء السورية خلال الأيام القليلة القادمة، لينضاف إلى الأسطول المرابط هناك منذ فترة ليست بالقصيرة. مؤكدا أن هذا الأسطول هو عملياتي وليس للإستعراض العسكري، وأنه سيرابط في المنطقة بصفة دائمة، وقريبا ستنضاف إليه غواصات استراتيجية نووية.
فهل الأمر يتعلق باستعراض أوراق قوة للضغط من أجل الحل السياسي أم أن سحب الإنفجار الكبير بدأت تتلبد في سماء المنطقة؟
المؤشرات تقول أن دخول إسرائيل على خط الصراع في سورية وقراراها بإسقاط الأسد بالقوة بطلب من السعودية وقطر وبمشاركة تركية، يجعل التفجير محتملا، خصوصا وأن إسرائيل لن تصبر دون رد في حال نقل النظام السوري أسلحة نوعية لحزب الله أو قامت إحدى الجماعات المقاومة بضرب هدف في الجولان سقط على إثره مستوطنون صهاينة.. هذه صواعق موقوتة تجعل من فرضية الصدام العسكري بين سورية وحزب الله وإسرائيل حتمية قائمة بنسبة عالية جدا تلامس اللون الأحمر، والسيد حسن نصر الله سبق له أن رجح هذه الحتمية خلال زيارته الأخيرة لإيران، وأكد أنه مستعد للحرب، وفق ما نشرته جريدة الأخبار اللبنانية في حينه.
لكن لماذا تصر تركيا على الخيار العسكري لإسقاط النظام السوري بالقوة وبالتنسيق مع الكيان الصهيوني؟
الجواب نجده في الخيار الإستراتيجي الكبير والخطير الذي اتخذه الرئيس بشار الأسد ولم تخصص له الصحافة في حينه ما يستحقه من دراسة وتحليل. كيف؟
الخطر الإستراتيجي الكردي
ركز الرئيس بشار الأسد في حديثه لقناة الإخبارية السورية في موضوع الحرب على ثلاثة ميادين كبرى: الأول، الميدان الداخلي من خلال الحرب على التكفيريين وعصابات الإجرام العابرة للحدود والقارات، فأعلن عن أن سورية تجاوزت هذا الخطر الإستراتيجي، بدليل أن معارك الحسم في الميادين قائمة على قدم وساق في أكثر من جهة ومنطقة وتتقدم بشكل سريع محققة نتائج مهمة لصالح الجيش العربي السوري واللجان الشعبية. الثاني، الميدان الخارجي، بحيث أنه ينقل الصراع من مستوى الدفاع في الداخل إلى الهجوم على في الخارج.. وهو من شقين، الشق الأول: يتعلق بالتصعيد ضد إسرائيل من خلال جبهة الجولان والذي من المحتمل أن يشعل حربا بين سورية ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة ثانية عند أول وآخر خطأ ترتكبه إسرائيل مستقبلا. والشق الثاني في البعد الخارجي يتعلق بتركيا. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الرئيس بشار الأسد أكد في ذات التصريح أن المسألة الكردية تعتبر الموضوع الإستراتيجي المستقبلي في المنطقة ككل، لأن المسألة الكردية في الشرق الأوسط الكبير هي الأزمة الإستراتيجية المقبلة، أي أكثر مما كان في السابق، حيث من المتوقع أن ينتقل مركز الثقل الجيوستراتيجي للصراع في المنطقة الى الصراع حول الموضوع الكردي. وفي هذه المسألة بالذات، أوضح الرئيس الأسد مكانة ووضع الأكراد السوريين وموقعهم في الدولة السورية ولفت الى مهاجمة أردوغان واحتمالات حرب مقبلة يعتقد السوريون انها ستكون أكثر شراسة مع الأتراك في ظل حكم أردوغان، لأنها وفق خبراء، تحمل مشروعاً دينياً وآخر استعمارياً بالنسبة لسوريا، لأنها تتمثل في مشروع الهيمنة وحلم الإمبراطورية العثمانية الجديدة على المنطقة، ما ينقل الصراع إلى المحيط والعمق التركي معا.
من هنا نفهم لماذا ركز الرئيس الأسد أكثر على “أردوغان” من غيره من القادة العرب الذين يدعمون العناصر المسلحة والمعارضة المسلحة في سوريا والذين سيخصص لهم محور المقاومة الرد المناسب بطريقة لا تزال غير واضحة حتى الآن. ومن هنا نفهم سبب إسراع أردوغان في عقد اتفاق مع ‘أزجلان’ زعيم الحزب العمالي الكردستاني ليسحب مقاتليه من جنوب تركيا إلى شمال العراق دون التنسيق مع السلطات العراقية، وهو الاتفاق المتوقع أن يفشل هذا الصيف عندما يعجز ‘أردوغان’ عن تعديل الدستور والإعتراف بإقليم كرجستاني في الجنوب التركي. ومن هنا نفهم كذلك سبب قرار ‘أردوغان’ نقل ما يناهز 400 ألف لاجىء سوري من مخيمات الجنوب إلى جهة أخرى حتى لا يتحولوا إلى قنبلة موقوتة تنفجر في وجه تركيا، خصوصا بعد التفجيرات الأخيرة، وما يمكن أن ينجم عن ذلك من صراع بين العلويين والأتراك.
خلاصة
هذه العوامل مجتمعة تؤشر بقوة إلى أن المنطقة على أبواب حرب إقليمية قد تنفجر شراراتها من الجولان ولبنان، فقد بدأت بعض الدول (كندا و اليابان) في سحب قواتها العاملة في إطار مهمة حفظ السلام الأممية (أندوف) في الجولان ويتوقع أن يصدر قرارا في الساعات القادمة بسحب باقي القوات خوفا من اندلاع مواجهات محتملة، ونفس الأمر ينطبق على لبنان وإن كانت القوى الدولية لم تحرك بعد ساكنا في انتظار تطور الأوضاع في الساعات المقبلة.
روسيا ومحور المقاومة أعدو العدة واتخدوا قرارا بالمواجهة، ما دامت أمريكا تخادع وإسرائيل تهدد، ويعملان على تخريب سورية في أفق إضعافها لتقسيمها إلى ثلاث دويلات كما سبقت الإشارة، وما دام عربان الخليج ومعهم تركيا يصرون على إسقاط الأسد مهما كلف الأمر من أثمان، وأن لا نية لأحد حتى اليوم في إنجاز تسوية سياسية حقيقية لأنها ستعتبر حتما انتصارا لحلف المقاومة وهزيمة مشهودة لحلف المؤامرة.. ناهيك عن أن التسوية بين النظام السوري وعصابات الإجرام والإرهاب العابر للحدود والقارات أمر غير واقعي بالمرة بعد أن خرج المارد من القمقم، لأن لا أحد يستطيع اليوم التحكم في عصابات الإخوان المجرمين وجبهة النصرة والقاعدة…
لذلك كله، نعتقد أن الشرق الأوسط مقبل في المدى المنظور على أحداث استراتيجية كبرى ستغير وجه المنطقة لصالح محور المنتصرين.. هذه نظرة واقعية تفائلية أكثر منها تشائمية، فرضتها معطيات الصراع وشروط المرحلة.
بانوراما الشرق الأوسط
|
السبت، 18 أيار، 2013
أوقات الشام – ادارة التحرير
من اكثر التصريحات الاسرائيلية اثارة للضحك و السخرية هو التصريح الذي تناقلته وسائل الاعلام الغربية عن تفضيل اسرائيل لبقاء الأسد خوفاً من الاسلاميين..
ما نستطيع فهمه هو خوف اسرائيل من بقاء النظام السوري فهو من يزود المقاومة اللبنانية و الفلسطينية بالسلاح ولولاه لما وجدتا من يزودهما بطلقة بندقية، وهو العائق الاكبر لفرض تسوية فلسطينية مجحفة بحق الفلسطينيين يهلل لها الاعراب و يفرضونها على الشعوب بالعصا او الجزرة.
اما ما لا يمكن فهمه فهو تخوف اسرائيل من الاسلاميين وهم الذين لم يقاتلوها يوماً حيث انحصر قتالهم للمسلمين في بلاد المسلمين.
وهم الذين لم يفتوا للجهاد ضدها يوماً وانما انحصرت فتاويهم في قتل وذبح المسلمين في بلاد المسلمين.
وحتى لو قرر الاسلاميون حسب الفانتاريا الاسرائيلية محاربة اسرائيل.. فمن الذي سيسلحهم ؟ هل سيعتمدون على قطر و السعودية في تسليحهم لقتال اسرائيل ؟ كما تسلحانهم اليوم لقتل الشعب السوري ؟ وهما اللتان لم تسلحا المقاومة الفلسطينية يوما ببندقية ؟ لا بل تأمرتا عليها و شاركتا في حصارها لمنعها من التسلح ؟
لم يقم الاسلاميون سوى بنشر الفوضى و القتل و التدمير و التخلف و التدمير الحضاري في البلاد التي سيطروا عليها مما يحول هذه البلاد الى بلداناً فاشلة متخلفة لا حول لها ولا قوة.. وهذا هو المطلوب من الاسلاميين في سوريا.
الاسلاميون هم افضل سيناريو ممكن الحدوث لاسرائيل فهي من دفعت بهم الى ساحة الجهاد السورية وهي من دعمتهم ليصبحوا أقوى فصيل مسلح على الارض السورية باعتراف الجميع.
اما الاسد فهو اكبر كابوس يقض مضاجع الدولة العبرية وبقاءه في الحكم رغم كل ما يروى عن الدمار و الضعف الذي اصاب الدولة السورية هو اكبر هزيمة استراتيجية لاسرائيل قد تترتب عليها نتائج كارثية على مستقبل اسرائيل و وجودها.. هم يعرفون ذلك، و نحن نعرف ذلك
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!