قوى الصمود العربية الباقية (سورية الدولة وأغلبية الشعب السوري والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية الباقية ومجموعات من الشعب العربي) تواجه عدواناً شرساً متعدد الأطراف لا يقل خطورة عن العدوان العسكري المباشر الذي منيت به العراق،
ولا شك في أن التآمر كان مبيتاً منذ 2003 عندما أدرجت سورية في قائمة الدول المارقة وأضيفت لمحور الشر قبل درعا وإدلب وجسر الشغور وحمص وحماة.. هل يعني ذلك أن النظام السوري كان منزهاً من الأخطاء؟
بالتأكيد لا، بل إن أخطاء محلية ساهمت وكانت عاملاً مساعداً ومحفزاً استغلته القوى المعتدية، الأهم أن هذه الأخطاء كان من الممكن تجنبها إذا اتسعت دائرة الحكم وشملت كل القوى الوطنية وإذا كان المسار الاقتصادي أكثر اهتماماً بالفقراء ومواجهة مشكلة البطالة وإذا كان اعتماد النظام على المنظمات الشعبية وليس فقط على المؤسسات الأمنية، إن تلافي هذه الأخطاء المهمة لم يكن ليمنع العدوان ولكن وبكل تأكيد كانت الجبهة الداخلية تكون أكثر صلابة ولكان العدوان يكون أكثر صعوبة، هل يعني هذا أن أخطاء النظام تبرر التخلي عنه؟
نعم، لمن لا يكترث كثيراً بمستقبل الوطن، وألف لا لغير ذلك، إننا يا سادة نتحدث عن وطن سوري ومستقبل عربي ولا نتحدث عن شخص أو نظام.
هذا هو الواقع الآن فماذا نفعل وما موقفنا؟ هل نصمد وندافع ونتكاتف ونتحمل المآسي أم نهاجم بشار ونتمنى سقوط النظام ونسعى لذلك؟ هل نقول بحجة الاستبداد وغياب الديمقراطية تعالوا يا إسرائيل وأميركا ويا إخوان استلموا الحكم وحققوا مشروعكم الشرق أوسطي والالتزامات التي وافق عليها البعض بحجة الرغبة في استقرار وديمقراطية وأمن؟
سقوط سورية: دولة تابعة و«سلام» مع اسرائيل
ها هنا تكون المفارقة، ستكون سورية دولة تابعة وستوقع معاهدة سلام مع إسرائيل ويعود الجولان صورياً كما عادت سيناء وستغنى إحداهن أو أحدهم «الجولان رجعت لينا وسورية اليوم في عيد» كما غنت شادية لعودة كاذبة لسيناء وسيزداد الفقر والبطالة ولكن ستنتشر المواد الاستهلاكية وتزداد البطالة ويغدق صندوق النقد بقروضه المشروطة حتى تتمكن قوى الهيمنة من تكبيل سورية أعواماً طويلة، هذا ليس خيالاً، فمصر تشكل نموذجاً عملياً لما حققه الانفتاح الاقتصادي قرين اتفاقية كامب ديفيد من تبعية اقتصادية وسياسية وثقافية، التوقعات الموضوعية لهذه السياسات هي تعمق وانتشار مزيد من المآسي والخراب ولكن لا تحزنوا فستنعمون بديمقراطية الإخوان المسلمين التي تتمتع بها مصر حالياً.
هناك من الانهزاميين الذين يقولون: لا يمكن مواجهة جحافل المعتدين، ونحن نتساءل: ألم تنتصر فيتنام؟ ألم تنتصر كوبا في حرب خليج الخنازير، وصمدت رغم الحصار الاقتصادي لأكثر من خمسين عاماً؟
نعم الانتصار ليس ممكناً فقط بل هو ضروري لأنه يحدد مصير وطن وأمة.
ربما إذا كانت الظروف في سورية غير ذلك أي إن سورية ليست معرضة لعدوان أجنبي مسلح يلعب فيه إرهابيون دوراً أساسياً وإن سورية الشعب والوطن والدولة ليسوا مهددين لكنت من الناقدين بشدة للرئيس بشار الأسد والنظام السوري من أجل الحريات والعدالة الاقتصادية، أما في الوضع الذي نحن فيه فالالتفاف حول رئيس الدولة كرمز للسلطة يصبح واجباً لحماية الوطن ليس هذا هو الموقف المبدئي الصحيح فقط بل هو أيضاً الاختيار العملي والمنطقي لحماية الذات أي الوطن والشعب والدولة، فمن بين كل الاحتمالات المتصورة يصبح استمرار النظام مع الالتزام بإصلاحات راديكالية هو البديل الأفضل حتى ننتقل إلى مرحلة أكثر استقراراً وأكثر ديمقراطية،
يظن البعض أنني كمصري ليس من حقي التدخل في الشؤون السورية، وأنا أقول: هذا هراء، إن الذي يجب منعه هو التدخل بالسلاح والمال لقلب النظام وتدمير سورية لكونه جريمة كبرى وانتهاكاً للسيادة الوطنية، أما المشاركة في مشاكل وهموم الوطن فهي واجب ومسؤولية عربية، إن التخلي عن سورية في مواجهتها للعدوان هو خيانة وطنية وقومية لا يمكن غفرانها كما أنها نذالة أخلاقية وعدم وفاء.
يقول بعض الفلسطينيين المقيمين بسورية: يجب عدم التدخل وكأن القضية الفلسطينية غير متداخلة بشدة في الأحداث وتهم كل فلسطيني وطني بالذات ليس فقط لأن النظام قام بواجبه نحوهم ولكن لأن أحد الأسباب الرئيسية للعدوان على سورية هو موقف سورية العنيد من القضية العربية ولا أقول الفلسطينية، فالذي يقف على الحياد إضافة إلى من يؤيد الإرهابيين أو المتمردين هم في صف القوى المعتدية أي أمريكا حلف الناتو إسرائيل قطر السعودية وحكومة الإخوان الملتزمة بكامب ديفيد. هذا هو الموقف الصحيح ليس من الوفاء فقط وإنما من الدفاع عن القضية.
تأييد بشار الأسد ضرورة وطنية كما عبد الناصر 1956
لقد قابلت الرئيس بشار الأسد منذ حوالي خمس سنوات وكان لقاء ممتداً مدة ساعتين جمعنا نحن الاثنين فقط وبناء على دعوة منه، شمل النقاش مواضيع عديدة وكان صريحاً للغاية وتبادلت معه الرأي في شتى الأمور واختلفنا في قضايا محددة أهمها موضوع الحريات السياسية وحقوق الإنسان التي أؤمن بها، وتحذيري من استغلال قوى الهيمنة الأجنبية هذه القضايا ضد سورية.
أصبح رأس النظام والجيش الوطني المقاوم مع شرائح واسعة من الشعب السوري الصامدة، المكونات الحرجة في البناء السوري حيث إذا غاب أحد المكونات الثلاثة ينهار البناء كله، هذا لا يعني أن الدولة ستنتهي وإنما سنحتاج عقوداً حتى نصل إلى ما نحن عليه الآن.
أتساءل كيف ولماذا أصبح الرئيس من اللبنات الحرجة؟
السبب الرئيسي هو طبيعة النظام الذي ركز السلطة في شخص الرئيس وهنا تقع مخاطر هذه المركزية الشديدة على الدولة والوطن ولهذا لا نؤمن بها.
ولكن هناك عامل آخر وهو كيف أن المعتدين دائماً أبداً يسعون لشيطنة رئيس الدولة المعتدى عليها ولا ننسى أنهم لقبوا ناصر بهتلر النيل كذلك يسعون لاختزال المشكلة في شخص الرئيس، فجمال عبد الناصر هو العقبة في عام 1956 ولابد من القضاء عليه والآن بشار هو المشكلة ولابد من إزالته. وأصبح ترديد الأعداء مقولة بشار لازم يمشي أو بالإنكليزية بشار مست جو وكأنها تسبيحة. وكأن إسقاط بشار سيصنع المعجزات وسيجلب السعادة والرفاهة والحب والسعادة لكل سوري وسورية.
هذه الشخصنة المفرطة ساهمت في جعل بشار لبنة حرجة في سورية. هذا يزيد من الأمر خطورة وفي المقابل يجعل تأييد الرئيس السوري من الضرورات الوطنية في هذه المرحلة بالذات بالضبط كما كان جمال عبد الناصر اللبنة الحرجة في مصر عام 1956.
هذه الشخصنة المفرطة ساهمت في جعل بشار لبنة حرجة في سورية. هذا يزيد من الأمر خطورة وفي المقابل يجعل تأييد الرئيس السوري من الضرورات الوطنية في هذه المرحلة بالذات بالضبط كما كان جمال عبد الناصر اللبنة الحرجة في مصر عام 1956.
في ذلك الوقت لم أتردد لحظة واحدة لتأييد ناصر والوقوف ضد العدوان رغم أن والدي كان معتقلاً سياسياً من أجهزة الأمن الناصرية في السجن الحربي آنذاك.
وبطبيعة الحال يكون الجيش الوطني الذي يتصدى للمعتدين والإرهابيين لشهور طويلة لبنة حرجة أساسية فتماسكه وصلابته عامل حرج في حماية الوطن. كما أن صمود ووعي أغلبية الشعب السوري العامل الحاسم في هذه المعركة رغم المعاناة الشديدة التي يتحملها لشهور متواصلة.
توسيع دائرة الحكم لتشمل كل القوى الوطنية
ولكون بشار جزءاً مهماً من اللبنة الحرجة فهذا يضع عبئاً أكبر عليه فهو الرئيس السوري الذي يجب أن يقوم بمزيد من الخطوات الجريئة والسريعة وأن يقوم بجهد خارق لتوسيع دائرة الحكم لتشمل كل القوى الوطنية التي لم تتورط في تأييد الإرهابيين وأنصار القاعدة أو المنادين بالتدخل الأجنبي بصوره المختلفة، وفتح الباب أمام المخدوعين للتراجع عن مواقفهم وتصحيحها.
لابد من تفعيل أقوى لدور الشعب وهو المتضرر الأكبر من مستقبل يحكم فيه من يسمون أنفسهم أصدقاء سورية وقد لمس البعض في حلب ودمشق مذاق هذا الحكم. لابد من مزيد من الثقة في الشعب وقدراته ولكن لا يعني هذا مطلقاً المساومة باسم الحوار مع الإرهابيين والمصرين على العنف من المسلحين بل لابد من مضاعفة الجهد لمحاصرتهم والتصدي لهم.
* مواطن مصري عربي - الوطن
No comments:
Post a Comment