التدخل العسكري في سورية بين الوهم والحقيقة
الثلاثاء، 22 كانون الثاني، 2013
أوقات الشام
سليم حربا
أوقات الشام
سليم حربا
تعرف الحرب في العلم العسكري بأنها ظاهرة سياسية اجتماعية وعسكرية فنية معقدة جوهرها الصراع المسلح. أي إن الحرب هي حالة مركبة سياسية اقتصادية - اجتماعية - علمية - معلوماتية - إعلامية - نفسية - أمنية - عسكرية ،أي إن الحرب يمكن أن تكون ساخنة في حال حدوث الصراع العسكري المسلح أو باردة إذا تضمنت كل أشكال الصراع ماعدا الصراع المسلح كما حدث في الحرب الباردة بين القطبين في النصف الثاني من القرن العشرين.
وللعلم فإن البشرية خاضت في خمسة آلاف سنة خلت أكثر من 15 ألف حرب وصراع ونزاع مسلح ولم تعش في كل تلك الفترة إلا 192 عاماً من السلام أي إنه مقابل كل مئة عام من الحرب هناك أسبوع سلام ، لهذا نرى أن الحروب هي ظاهرة مجتمعية تاريخية تحكمها المصالح والمطامع والنفوذ والنزعات العدوانية وغيرها، وفي القرن العشرين الراحل والمسطر في أرشيف الزمن كآخر قرن يحتفظ في متحفه بأوراق وأسماء وجغرافيا وتاريخ حربين عالميتين ساخنتين وحرب باردة قدمها عبرة للقرن الحادي والعشرين بكل مالها وماعليها فهل من يعتبر.ومن نتائج وإرهاصات ذلك القرن أنه قدم للبشرية وأبناء القرن العشرين نظاماً عالمياً جديداً عنوانه القوة العسكرية وقدم لنا نظريات واستراتيجيات وسياسات وفلسفات ومنطق استخدامها والتي صاغته وبررته أمريكا وقسمت العالم على أساسه وقدمته لنا نحن البشرية كفاتحة للقرن الحادي والعشرين بعد أحداث 11 أيلول 2001 واحتلال العراق 2003 وكانت ومازالت تترجم قولاً وفعلاً مباشرة بذاتها أو مداورة بحلفائها وخاصة الكيان الإسرائيلي تحت قاعدة التزوير والتدوير و«الحروب العادلة» تحت مسمى «نشر الحرية والديمقراطية والتحضر» في الظاهر, وفي الباطن عودة مزهوة للاستعمار القديم وتحقيق مصالحها ومصالح الكيان الإسرائيلي أي الحفاظ على الهدف الاستراتيجي وتنويع في التفاصيل والأساليب والتكتيكات والأدوات والمسميات كالحرب الناعمة بدل «الحرب الخشنة» والحرب الذكية بدل الغبية و«الأسلحة غير القاتلة» بدل القاتلة والأسلحة الإيديولوجية بدل البيولوجية والكيميائية بدل النووية وحرب الشبكات بدل الدبابات وقوة السياسة بدل سياسة القوة, والإرهاب بدل المقاومة و«الثورات» بدل المناورات والمؤامرات.
وكان آخر التجليات هو مشروع «الشرق الأوسط الجديد» كشعار وما سمي «الربيع» كوسيلة, ومشروع المقاومة والممانعة وتفتيته بالجغرافيا والقيمة والقيم والثقافة والموقع والوقع والدور كهدف وكانت سورية في قلب الهدف فكيف تم ذلك ولماذا وهل هذا وهم أم حقيقة.مشروع التدخل العسكري الخارجي في سورية تمتلك سورية كل مقومات القدرة والقوة من بشرية – علمية – تاريخية – دينية – اقتصادية – عسكرية وموقع جيو استراتيجي مهم في قلب بلاد الشام وقلب العالم ، وبالتالي محصلتها قرار سياسي لا يراد له أن يكون سيادياً وخاصة دورها وموقعها في أكثر مناطق العالم سخونة بجوار كيان عنصري صهيوني غاصب للأرض والمقدسات وفي منطقة نشوء واشتداد عود المقاومات وفي جغرافيا وتاريخ الديانات والحضارات والمصالح والخيرات مابطن منها تحت الأرض وماظهر. لهذا كانت الهدف, وماحصل في بلدان الثورات بروفا ومقدمة للانقضاض، وليس من الحكمة بعد حوالي عامين على ماجرى, الغوص في تفاصيله لأنه أصبح واضحاً لكل صاحب بصر وبصيرة وحقيقة تسمع من به صمم.. لكن كيف جرى إسقاط مفاهيم الحرب والعدوان على سورية من الناحية الإستراتيجية العسكرية:
1- كانت المرحلة التحضيرية للحرب والعدوان قبل ذلك بسنوات وربما اتخذ قرار الحرب على سورية بعد حرب تشرين التحريرية, والمحطات التي تؤكد ذلك اتفاقية كامب ديفيد – العدوان الإسرائيلي على لبنان 1982 – محاولة تصفية الوجود والمقاومة الفلسطينية في لبنان – اتفاقية وادي عربة - اتفاقية أوسلو – أزمة العلاقات بين سورية وتركيا نهاية التسعينيات - والحرب في أفغانستان – تصنيف سورية ما سموه في محور الشر – احتلال العراق وتهديدات كولن باول 2003 - اغتيال الحريري - «قانون محاسبة سورية» - العدوان على لبنان 2006 وعلى غزة 2008– 2009، وفي سياقها نشوء المقاومات في فلسطين ولبنان والعراق ودعم سورية لها.
2- في نيسان 2011 تهديد سورية بقطع علاقاتها مع المقاومة ومع إيران لتعود إلى استقرارها.
3- الإيعاز للأدوات في الخليج وتركيا للتدخل في الشأن السوري تحت غطاء الجامعة وإسقاط سورية الدولة والدور.
4- طرح المشروع الوهابي القاعدي المذهبي الطائفي وتقاطعه مع المشروع العثماني والاخواني لإسقاط الدولة السورية.5
- تشكيل حواضن خارجية مالية ولوجستية بالسلاح والمسلحين في الجوار والعالم وحوامل داخلية من المسلحين من مختلف الجنسيات وتحويلهم إلى منظومة إرهاب (فكر قاعدي – سلاح متعدد الجنسيات- مسلحين متعددي الجنسيات – مناخات إقليمية ودولية – فضائيات سوداء ناطقة باسم الإرهاب)، وتسويق هذه المنظومة على أنها «ثورة» يجب تسليحها ودعمها.
6- بالتوازي مع ذلك سيل من العقوبات السياسية والاقتصادية والقانونية وغيرها أي كل الأشكال المركبة للعدوان.
سيناريو التدخل العسكري بين الممكن والمتاح:
في ظل السياق المتدرج للأزمة كان الدور الخطر لجامعة الدول العربية بأنها هي التي عربت الأزمة أولاً تمهيداً لتدويلها بعد أن عجزت عن تحقيق الهدف بذاتها وبترو دولاراتها، وبعد أن ركبت أعلى ما في حميرها وطالبت وجمّدت وعزلت وعجزت عن إرسال قوات عربية وبالتالي دولت لتقدم لأمريكا وجوقة العدوان الذريعة والدور.
تسلمت أمريكا الدور مباشرة على أرضية قوية وهددت وتوعدت بالناتو والنموذج الليبي وكان الخطاب والخيار لها التهديد باستخدام القوة المباشرة أو مداورة من خلال الأدوات الإقليمية لكن المعادلة الوطنية ( الشعب – الجيش – القيادة) كانت صلبة وقوية ومتماسة وسقطت كل الرهانات على تفكيكها وتفتيتها فالجيش العربي السوري بقي قوياً متماسكاً ومتمسكاً بعقيدته الوطنية والقتالية وواجبه الشرعي والدستوري، والشعب العربي السوري التف حول جيشه وقيادته, والقيادة السورية وقدرتها على القول والفعل والحكمة والحرص والإرادة والإدارة الواعية أدارت الدفة بكل اقتدار، هذه المعادلة الوطنية تكاملت مع المعادلة إقليمية ودولية تمثلت في روسيا وإيران والصين وغيرها والتي استندت على الترويكا الوطنية وثباتها، وأعطت بمواقفها وثباتها قوة وثباتاً لهذه المعادلة الوطنية.وبدا التدخل العسكري تحت أي ذريعة «إنسانية» أو قانونية أو مصالحية تحت أي بند أو فصل أممي أو أي ادعاء ديمقراطي ينحسر لحسابات القوة والموازين والنتائج غير المحتومة ولاسيما أن عصر القوة الأمريكية بدا يخبو, ويتضح أثر الهزائم العسكرية في العراق وأفغانستان والأزمة المالية العالمية وغيرها, ولأن البديل العسكري في الداخل السوري الذي عولوا عليه لم يثمر.
فكان عدم التدخل العسكري ليس لأخلاقهم بل لحساباتهم ولم يبق لديهم إلا متابعة الرهان والاستثمار في المشروع العسكري الداخلي من خلال منظومة الإرهاب التي يجب أن تنفذ حرباً بالوكالة وتحقق ما عجزت عنه جوقة العدوان بالتدخل العسكري.المشروع العسكري في الداخل في ظل التهديد بالتدخل العسكري من أن يتحول إلى واقع كان الإرهاب هو البديل العسكري وبدأت الخطة العملياتية بتشديد العقوبات المركبة على الشعب السوري وزيادة الدعم المركب للإرهاب ورفع وتيرة الهجوم الإعلامي بالتوازي مع تصعيد عسكري خطير والمراهنة على «احتلال مدن وعواصم», وإحراج الدولة عسكرياً وشعبياً وإدارياً, كما حصل في بابا عمرو وماسمي «زلزال دمشق وبركان حلب» وغيرهما، وبالتوازي مع ماكان يرسم ويخطط من خارج وداخل الحدود من أجهزة استخبارات واستراتيجيين عسكريين وأمنيين بتحديد الهدف والاسلوب والأسلحة والتكتيكات والتوقيت للعصابات الإرهابية وبالتوازي أيضاً مع خوض مركب للصراع الأمني والعسكري واستهداف وزيادة الضغط على الحالة الاقتصادية وما يسمى حرب الطاقة والوقود والكهرباء والخبز والطحين وحياة المواطنين ومعركة «المهجّرين» واستثمارها سياسياً كل ذلك دفعة واحدة في الداخل وبالتوازي أيضاً مع التهديد الخارجي بالشك وأحياناً باليقين مع نشر منظومات البتريوت - «والحظر الجوي والمنطقة العازلة ومخاطر الأسلحة الكيميائية ومخاطر استخدام صواريخ سكود» وغيرها، وبالتوازي مع فتح بوابات الشر من تركيا وصنابير القيح والفجور والمال والسلاح لدعم الإرهاب ومنظومته.
وبعد عامين تقريباً لم يستطع المشروع العسكري للإرهاب الذي ينفذ حرباً بالوكالة تحقيق أهدافه ولم يحقق الإنجاز العسكري لا لنفسه ولا بنفسه ولا لغيره وبغيره وبقيت الترويكا الوطنية والإقليمية والدولية تتقاطع وتزداد قوة صلابة وتحديداً بجانبها العسكري الوطني حيث استطاع الجيش العربي السوري وفق خطة استراتيجية دقيقة ومحكمة الأهداف والمراحل والمهام والتكتيكات والأسلحة وفي المكان والزمان والأفضليات أن ينفذ المهام المركبة من ملاحقة وتقويض العصابات الإرهابية ويحطم بنيتها العسكرية ويحرس الحدود بما يمكن ويحمي الأمن الاقتصادي والغذائي والمعيشي للشعب وبالوقت نفسه يستعد في أعلى درجات اليقظة الاستراتيجية للصد الواثق وأي عدوان خارجي والرد الموجع والمزلزل على أي عدوان ولم تستطع كل تلك العصابات أن تؤثر على قدرة وقوة وجاهزية الجيش العربي السوري على الرغم من استهدافها لأسلحته الاستراتيجية كأفضلية أولى ولاسيما قوات الدفاع الجوي والطيران وقوات الصواريخ الاستراتيجية،
وهذه الإنجازات التي حققها الجيش العربي السوري هي التي صاغت الواقعية الوطنية الشعبية أولاً التي توحدت مع الجيش في مواجهة الإرهاب والواقعية السياسية التي أرغمت بعض المعارضين والمراهنين على مشروع الإرهاب بأن يستسلموا ويسلموا بالحل السياسي وأيضاً بنى عليها وبها المواقف والثبات الاستراتيجي للترويكا الخارجية.احتمالات العدوان والتدخل العسكري اللاحق تقودنا المنطقية إلى القول إن مشروع التدخل العسكري انحسر إلى حدود العدم والمشروع العسكري للإرهاب تحطم وهو في حالة شلل وصرع ولا يقوى على الإنجاز حتى المؤقت والتكتيكي ، ولا يوجد بعد كل هذا العدوان الكوني المركب مايمكن أن يفاجئنا به أحد لا عسكرياً ولا سياسياً ولا أعتقد أن لديهم أوراقاً أخرى يمكن أن تشكل تغييراً دراماتيكياً في الساحة بعدما امتلأت سلة مهملاتنا بأوراقهم المحروقة.
وقد يتساءل البعض: هل يمكن أن تعود نغمة التدخل العسكري؟ والحسابات والوقائع تقول إن سورية بقوتها الذاتية مازالت وستبقى قادرة على صد ورد العدوان والأهم أنها بما تملك وبما تمثل من نقطة ارتكاز وتوازن أمني وعسكري وديمغرافي وديني وحضاري للمنطقة والعالم وهي زئبقة الميزان الأمني ومن يحاول إسقاط منظومتها ربما ستسقط منظومات وأنظمة إقليمية ودولية قبل أن تسقط منظومة سورية, هذا إن سقطت, والأرجح بسيناريو كهذا ستبقى سورية وستقوى وهم الساقطون، وعلى الرغم من انحسار إمكانية التدخل العسكري, فالتاريخ والعبر والفطنة واليقظة الوطنية والاستراتيجية تقول لنا إن أمن الوطن لا يقبل الغفلة والعدو لا يؤتمن لا في قوته ولا في ضعفه لذلك فنحن يقظون ونستعد لصد العدوان والرد عليه وكأنه سيقع غداً.
وأخيـــراًلذلك نراهم الآن يعودون لفتح أوراق وإدراج المبادرات والمبعوثين ويحاولون التسلق على الحل السياسي ومن خلاله أن يحصلوا على ما عجزوا عنه بمشروعهم العسكري الإرهابي الخارجي والداخلي.لكن هيهات أن نفرط بسيادتنا, بثوابتنا, بإنجازاتنا, بصمودنا التي ترسخت قولاً وفعلاً في خريطة الطريق التي أطلقها الرئيس بشار الأسد عبر البرنامج السياسي للحكومة وجوهرها ولغتها حوار العقل وحوار الوطن ونقطة قوتها وانطلاقها ومستقرها وحاكمها وحكمها هو الشعب العربي السوري الأبي الوفي.وهذا ما يقودنا لنصحهم أن يقرؤوا ويعوا ويعتبروا,
ألم يقل لكم الرئيس الأسد في أول خطاب في الأزمة أمام مجلس الشعب: (إذا أردتموها حرباً فنحن جاهزون), وفي خطابه الثاني في مدرج الجامعة قال: (هيهات منا الهزيمة) وفي خطابه الأخير خطاب القول الفصل والفعل الأصل قال: (الوطن سيبقى ويعلو ولا يعلى عليه). لا نشك أنكم بالجغرافيا تعرفون أن دمشق هي عاصمة سورية لكنكم تجهلون أن دمشق هي عاصمة التاريخ والحضارة والدين والإنسانية, وأمام حضرتها يركع المتآمرون والأعداء والجاهلون, ألا هل تعتبرون؟
- تحذير اسرائيلي: لا شيء يمكنه وقف صواريخ حزب الله
- جنرال إسرائيلي : ميليشيا الحر تعمل في الجولان تحت غطاء الجيش
- جنبلاط شعر في موسكو بتسوية روسيّة - أميركيّة
- المخابرات الفرنسية: التسوية السياسية في سورية بدأت من أميركا
No comments:
Post a Comment