وائل جمال
فى الأسبوع الماضى زار وفد مصرى رسمى واشنطن للتفاوض مع إسرائيل والولايات المتحدة على توسيع اتفاق الكويز وتقليل نسبة المكون الإسرائيلى فى صادراته المصرية لأمريكا. فى نفس الوقت تقريبا، كان نشطاء فلسطينيون يضعون اللمسات الأخيرة لخطة إنشاء أول قرية فلسطينية على أراضٍ خصصتها إسرائيل اغتصابا للمستوطنات، قبل أن يقيموها بالفعل فجر الجمعة الماضى تحت اسم «باب الشمس»، مطلقين سبيلا جديدا فريدا للمقاومة فى زمن صعب.
خبر اجتماعات الكويز، الذى انفرد به الزميل محمد المنشاوى مدير مكتب الشروق فى العاصمة الأمريكية، ليس مفاجأة فى الحقيقة. فقد مهدت له زيارة أمريكية للقاهرة فى سبتمبر، وكانت الاتفاقية بندا رئيسيا على جدول أعمال حكومة هشام قنديل، منذ أن عينها الرئيس مرسى. وفى التاسع من سبتمبر ٢٠١١، وفى حوار مع وكالة بلومبرج الأمريكية المتخصصة فى الاقتصاد قال قنديل إن مصر ستفى بتعهدها فيما يتعلق بالاتفاق، الذى يفتح باب السوق الأمريكية لمنتجات مصرية إذا كان بها مكون إسرائيلى يبلغ ١٠.٥٪ (وهو ماتريد مصر مرسى تخفيضه الآن ل٨٪). بل قال قنديل بالنص إن «أناسا كثيرين يصنعون عملا ناجحا منها، ونريد أن نكون متأكدين أننا نفعل الشىء الصحيح لهم لكى يزدهروا».
الإخوان وكويز ٢٠٠٤
هل تكون مصر بوابة التغلغل الصهيوني في المنطقة؟!! |
فى ٩ ديسمبر ٢٠٠٤، يقول تقرير منشور على موقع «الاخوان المسلمون» (إخوان أونلاين)، وتحت عنوان «نواب الإخوان: الكويز خطر على أمن مصر»، إن نواب الكتلة البرلمانية للإخوان بالبرلمان حذروا من خطورة اتفاقية المناطق المؤهلة المزمع عقدها بين مصر و»الكيان الصهيوني» بعدها بأيام. ونقل الموقع عن طلبات إحاطة واستجوابات النواب أن «الاتفاقية تمثل خطورة حقيقية على الأمن القومى لأنها أول اتفاقية اقتصادية وصناعية مع العدو الصهيوني». وقال الدكتور حمدى حسن فى طلب الإحاطة الذى قدمه إن الاتفاق «يحقق ما كان يسعى إليه العدو منذ عقود من الزمن للسيطرة على المنطقة اقتصاديا عبر اختراق الاقتصاد المصرى بعد أن سيطر عليها سياسيا عقب اتفاقية كامب ديفيد». وأنهى الدكتور حسن طلب الإحاطة بأن «الصهاينة لا ينفع معهم لا سلام ولا عهد ولا كويز» رافضا بكل قوة جميع محاولات التطبيع مع عدونا الغاصب» معتبرا إياها «وصمة عار ستتحملها الأجيال القادمة».
ولم تتوقف أسباب رفض الاخوان للكويز فقط عند السياسة. بل حرصت الجماعة على تفنيد مبررات نظام مبارك ووزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد من أنها ستكون السبب فى انقاذ صناعة النسيج وأنها ستخلق ١٥٠ ألف وظيفة جديدة. وهزأ النائب محمد مرسى وهووقتها المتحدث باسم نواب الاخوان بهذه المبررات فى كلمة له بالمجلس مطالبا الحكومة بإيضاح من أين تأتى ال 150 ألف فرصة عمل رافضا توقيع مصر اتفاقا مع وزير صهيونى.أما النائب حسنين الشورة فقد تساءل عن الضغوط التى يمارسها لوبى المستفيدين من رجال الأعمال على الحكومة للتوقيع على الاتفاقية.
الآن، وبعد ٨ سنوات، تسعى الحكومة التى عينها الرئيس محمد مرسى إلى توسيع نطاق الكويز وسط صمت كامل من حزب الحرية والعدالة ومن جماعة الإخوان. فهل هناك ما تغير من زاوية مبررات الرفض؟ من كويز نظيف لكويز قنديل..ابحث عن المستفيد
كما نعلم جميعا، لم تتحقق أى من الوعود الاقتصادية التى بشرنا بها الوزير رشيد وحكومة أحمد نظيف. فلا كان الكويز طوق النجاة لصناعة النسيج المصرية ولا شهدت الصادرات المصرية الطفرة التاريخية المنشودة. وعلى مدى ٨ سنوات وربع، من بداية تفعيل الاتفاقية فى ٢٠٠٥ إلى نهاية الربع الأول من ٢٠١٢، صدرت مصر للولايات المتحدة ما قيمته ٥.١ مليار دولار فى ظل الاتفاقية، أى بمعدل ٦١٨ مليون دولار سنويا. أما أهم منتج نصدره فهو سراويل الجينز، التى وحدها بلغت نصف قيمة صادرات الكويز تقريبا فى ٢٠١١ ويتلقى أغلبها محال «جاب» و«ليفايس» الأمريكية، بحسب آخر أرقام وحدة الكويز بوزارة التجارة والصناعة. بينما استوردت مصر من إسرائيل خلال تلك الفترة ما قيمته ٥٦٠ مليون دولارمن إسرائيل. فياله من حصاد هزيل بالمقارنة بحجم صادرات مصر الذى بلغ ٢٩ مليار دولار فى ٢٠٠٧/٢٠٠٨ و٢٧ مليار دولار فى ٢٠١١/٢٠١٢.
ومنذ الثورة ارتفعت صادرات الكويز مسجلة ٩٣١.٦ مليون دولار فى ٢٠١١ مقارنة ب ٨٥٨.٢ مليون دولار فى ٢٠١٠. وفى الربع الأول من عام ٢٠١٢ بلغت الواردات المصرية من إسرائيل ٩٤ مليون دولار منها ٤٨ مليونا فى شهر واحد هو مارس وهى أكبر ب ٤ مرات من مثيلتها فى نفس الربع من ٢٠١١.
ومما لا شك فيه أن الأثر الأول للكويز جنبا إلى جنب مع اتفاق الغاز كان زيادة التبادل التجارى بين مصر وإسرائيل بما لذلك من معانٍ سياسية. فماذا حدث على مستوى الوظائف وتوسع الصناعة واستفادتها وهل جلبت تدفقات الاستثمار الأجنبى الموعودة للاستفادة من تلك الفرصة التصديرية؟
من بين ٥٣٦ شركة سجلت نفسها فى الكويز هناك ٣٨٢ شركة لم تصدر بمليم واحد. وبلغ عدد الشركات التى صدرت شيئا ما خلال ٨ سنوات وربع ١٥٤ شركة، أى أن هناك 7 شركات من كل 10 مسجلة لم تستفد على الاطلاق من الاتفاق، وذلك حتى نهاية الربع الأول من ٢٠١٢. وتبلغ حصة المنسوجات والملابس الجاهزة ٨٩٪ من هذه الصادرات تليها منتجات بلاستيك ب٢٪ ومنتجات كيماوية ب ٢٪. أى أن المستفيد الأول والأهم هم مصدرو الملابس الجاهزة. وتخبرنا دراسة لمنتدى البحوث الاقتصادية (يرأسه د.أحمد جلال أحد منسقى ما سمى بالحوار المجتمعى الذى دعت إليه حكومة قنديل مؤخرا)، أن «مساهمة الكويز كانت ضئيلة للغاية فى حل المشاكل الهيكلية التى تهدد قطاع المنسوجات المصري». وتقول الدراسة الصادرة فى أبريل ٢٠١٠، أنه من بين ١٧ منطقة صناعية بها مصانع كويز فإن ٨٠٪ من الصادرات تخرج من ٦ منها فقط. و٨٨٪ من الصادرات تتركز فى الشركات التى تتجاوز عمالتها ٥٠٠ عامل. “وبين الشركات الكبيرة فإن الانحياز يزيد لصالح الشركات الأكبر والأكبر فنصف حجم صادرات الكويز يخرج من شركات عمالتها فوق ٢٠٠٠ عامل»، بحسب الدراسة التى أعدها الباحثان جيفرى نوجنت وعبلة عبداللطيف. ويعنى هذا أن الفائدة قليلة جدا بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، التى وعدت بالرخاء المقيم. ومازالت كل الشركات تعتمد بالأساس على أقمشة مستوردة من الصين والهند وإسرائيل، «مما يقلل من فوائد الاتفاق» ويعنى أن الفوائد لصناعة الغزل والنسيج عموما ضعيفة.
من ناحية أخرى جلبت الكويز بعض الاستثمارات التركية فى القطاع للاستفادة من الفرصة التصديرية. لكن الدراسة هنا أيضا تقول إن فائدتها المفترضة هى تقوية الصناعات التى تمد صناعة الملابس الجاهزة، «وهو مالم يحدث».
إذا لماذا تدفع حكومة قنديل مرة أخرى فى هذه الاتفاقية العاقر؟
الإجابة فى السياسة: فقد كانت هذه الاتفاقية حجر أساس فى علاقة الولايات المتحدة بنظام مبارك الذى يعد لتوريث ابنه، ومازالت شرطا أمريكيا لتأييد أى نظام فى مصر. أيضا، وكما قال النائب الشورة فى ٢٠٠٤، هناك التحالف مع اللوبى الضيق المستفيد من الكويز والذى يقوده رئيس اتحاد الصناعات قبل وبعد الثورة جلال الزربا، وهو أحد المتحدثين لموقع الاخوان مرحبا بتأسيس جمعية «إبدأ» لرجال الأعمال، التى يقودها السيد حسن مالك. يوما بعد يوم، تشى السياسة الاقتصادية لحكم الاخوان بحجم وعمق هذا التحالف السياسى والاجتماعى مع رجال أعمال مبارك حتى وإن تناقض ذلك مع مواقف سابقة. وهكذا بينما تتصاعد أصوات حكومية وغير حكومية فى الغرب لمقاطعة سلع المستوطنات الإسرائيلية بسبب سياسات إسرائيل الاستيطانية الشرسة، تسقط حكومتنا التى عينها رئيس من الاخوان المسلمين فى جب توسيع التطبيع الاقتصادى والتجارى معها، دعما ودفاعا عن تصدير سراويل جينز ينتجها بالأساس ٥ رجال أعمال.
•••
فى ٢٦ أبريل ٢٠٠٦، أى بعد ما يزيد عن عام من تطبيق اتفاق الكويز، نشر موقع الاخوان المسلمين تقريرا يستعرض كتابا للدكتور أشرف دوابة، (ينشر موقع الحرية والعدالة مقالاته الاقتصادية بانتظام) تحت عنوان «الكويز فى المنظور الاقتصادى والشرعى». فى التقرير يفند د. دوابة «مزاعم أن الكويز مكنت الصادرات المصرية خاصة من المنسوجات من تجنب المنافسة الشرسة فى السوق الأمريكية». ينقل التقرير عن الكتاب أنه «لا يمكن تجاهل مخاطر (الكويز) على جهود رفع الكفاءة الإنتاجية للصناعة المصرية؛ نتيجة اعتماد الصناعة المصرية على ما قد تتضمنه تلك الاتفاقية من مزايا استثنائية يمكن أن تُلغَى فى أى وقت لسبب أو آخر، فهناك العديد من الدول ــ وفى مقدمتها الصين وبنجلاديش والهند وباكستان وغيرها- قد استطاعت أن تزيد من صادراتها إلى الولايات المتحدة، خاصة فى قطاع المنسوجات والملابس الجاهزة دون دخولها فى مثل هذه الاتفاقيات معتمدة أساسا على زيادة كفاءتها الإنتاجية وتحسين جودتها وتخفيض أسعارها». لكن د. دوابة يذهب لأبعد من ذلك قائلا إنه «لاعبرة لما يردده البعض بالمصلحة الاقتصادية دفاعا عن الاتفاقية»، ويضيف «التصدير لا يغفر جريمة ولا يقلب الحرام حلالا».
المجد لرسل الحرية من فلسطين، بناة قرية باب الشمس. والعار كل العار للمطبعين على حساب القضية والأخلاق، على حساب الحق ومصالح الشعب.
"الشروق" المصرية
No comments:
Post a Comment