أوقات الشام
بدأت الأزمة السورية في الخامس عشر من آذار مارس ٢٠١١، ولم يكن حينها للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي موقف حميم من النظام السوري، بل إنه كان معروفاً عند الموالين بأنه واحد من أشد مناكفي النظام، ومن أخطر المعارضين له، فهو المرجعية الدينية السنية الأعلى في بلاد الشام، الذي له احترام واسع جداً في كافة أرجاء العالم الإسلامي، وهو حامي التيار الإسلامي تحت حكم النظام، وهو الراعي الرسمي للتنظيمات المعروفة باسم القبيسيات، وهو المجادل عن الفكر الإسلامي في مواجهة علمانية النظام
ومع اندلاع الاحداث التي شارك فيها عدد محدود من السوريين، سرعان ما بدل البوطي موقفه ووقف مع النظام ، بعد أن استشعر خطر ما أسماه أنصاره "الغزو السلفي للشارع السني في سوريا باسم الثورات العربية". في تلك المرحلة، دعا البوطي إلى التهدئة، وتخوف من فتنة تطيح باستقرار الشعب السوري وتؤدي إلى التقسيم، لذا قام على رأس وفد من علماء الشام بزيارة الرئيس بشار الأسد وطرح أمامه هواجسه من أن تؤدي الأحداث الى كارثة على سوريا تطيح بوحدة الشعب وتقضي على الدولة، فسمع من الرئيس كلاماً لخّصه بعض من شارك في الإجتماع بالقول، " أبدى الرئيس تجاوبه الفوري مع كل المطالب التي حملها علماء الشام وعلى رأسهم الشيخ البوطي، ووعد الأسد زائريه بأنه سيدعو إلى حوار مباشر مع المتظاهرين وصولاً إلى تطبيق شامل لكل المطالب المشروعة التي ينادي بها المعارضون، والبوطي نفسه الذي ما اعتبر موقعه الديني إلا نداً نصوحاً للدولة وللحاكم. ويضيف أحد عارفي الشيخ البوطي عن قرب فيقول،
" لقد تحدث البوطي رحمه الله مع الأسد بشفافية شديدة ووجه إلى الدولة انتقادات لاذعة، ولكنه قدم ما يمكن اعتباره عهداً إلى الأسد نص على أن البوطي سيمنع الفتنة الأهلية بعمامته وسيقف سداً أمام من سيتدخلون لتخريب سوريا من الخارج، بشرط أن يفِ الرئيس بمطالب المتظاهرين التي منها الكثير مما طالب به البوطي مراراً".
" لقد تحدث البوطي رحمه الله مع الأسد بشفافية شديدة ووجه إلى الدولة انتقادات لاذعة، ولكنه قدم ما يمكن اعتباره عهداً إلى الأسد نص على أن البوطي سيمنع الفتنة الأهلية بعمامته وسيقف سداً أمام من سيتدخلون لتخريب سوريا من الخارج، بشرط أن يفِ الرئيس بمطالب المتظاهرين التي منها الكثير مما طالب به البوطي مراراً".
فلما التزم الأسد بوعوده، حينها فتح الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي صفحة جديدة لعلاقة وطيدة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فرغم معارضته لنظام البعث طوال مسيرته الدينية والسياسية، ورعايته لمن بقي في سوريا من معارضي الرئيس حافظ الأسد، بعد أن قضى الأخير على تنظيم الإخوان المسلمين في الداخل، إلا ان المسيرة السياسية للشيخ الشامي الكردي الاصل، وازنت بين رفض الواقع المرفوض والممكن اصلاحه، ورفض المجهول الغير مأمون العواقب لسوء سيرة الداعين اليه والقائمين به (الاخوان الفتنويين والتكفيريين السلفيين) ، بحسب وصف "عدي عربي كاتبي"، احد معارف الشيخ الراحل.
هو المفكر الإسلامي المرموق، الذي اشتهر منذ أكثر من نصف قرن كمرجعية دينية وفقهية في مختلف بلدان العالم الإسلامي، وتتلمذ على دروسه وأفكاره آلاف من رجال الدين المنتشرين في مختلف بقاع الأرض. البوطي وقف إلى جانب النظام في محنة اعتبر أنها لا تمس الحكم تحديداً، إنما كانت تستهدف السوريين السُنة، الذين يتبعون الإسلام "الشامي" العريق، ورأى أن الخطر ليس من النظام، بل من مسعى السعوديين إلى تبديل مذهب أهل السنة السوريين، وتحويلهم إلى وهابيين، كما اعتبر أن "الثورة " التي ينادي بها المعارضون، ليست سوى وجهاً جديداً لعملة باتت معروفة، ألا وهي " استغلال دعوات الاصلاح والثورة لتسويق الوهابية التي لا تعترف لا بثورة ولا بديمقراطية ". موقفه الرافض لما اسماه تلامذة الشيخ "بدع الوهابية"، دفعه إلى الوقوف في وجه ثورة أساسها برأيه "التحريض الوهابي الخليجي ضد الاسلام السني الشامي". وكان البوطي من أبرز المعارضين للوهابية، لدرجة أنه كان يرفض أي تمويل سعودي قطري، لأي مجموعة خيرية، معتبراً ان في "الشام"، أي سوريا، رجال أعمال وممولين قادرين على تمويل العمل الخيري. رفضه للتمويل القطري والسعودي لم يكن عن عبث أو عنصرية "شامية"، فرجل الدين السوري، كان واعياً للمخطط الوهابي الذي تسعى كل من الدولتين العربيتين إلى نشره في منطقة الشرق الأوسط، بعدما نجحت في نشره في شمال افريقيا وجنوب شرق آسيا، معتبراً أنها حرب وهابية على الإسلام السني. خلال فترة الاحتجاجات عام ٢٠١١، رفض البوطي الحراك الشعبي وانتقد المحتجين، ودعاهم إلى «عدم الإنقياد وراء الدعوات المجهولة المصدر التي تحاول استغلال المساجد لإثارة الفتن والفوضى في سوريا». للشيخ البوطي أتباع في مختلف دول العالم الإسلامي، إن كان في السعودية، التي يعانون من اضطهادها الأمرين، من جهة قمعهم واعتقالهم، أو حتى في العراق، وهم الذين نقلوا إليه كيف تحولت الأنبار من مذهب أهل السنة إلى الوهابية المتطرفة، وكذلك الأمر في السودان ومصر واليمن. تجدر الإشارة إلى ان البوطي ورغم حياده بين الاخوان والنظام في الصراع الذي حصل بينهم في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات، الا انه هو من أم صلاة الجنازة التي اقيمت للرئيس الراحل حافظ الاسد، بعدما شكل بموقعه الشخصي العباءة التي حمت التيار الديني، ووسعت من نفوذ العاملين في الشأن الاسلامي في سورية رغم قمع النظام للحركات السياسية الساعية للسلطة باسم الاسلام. أفكاره وارائه
يعد البوطي من علماء الدين السنة المتخصصين في العقائد والفلسفات المادية وقد ألف كتاباٌ في نقد المادية الجدلية، لكنه من الناحية الفقهية يعتبر مدافعاً عن الفقه الإسلامي المذهبي والعقيدة السنية الأشعرية في وجه الآراء السلفية، له كتاب في ذلك بعنوان "اللامذهبية أكبر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية"، وآخر بعنوان "السلفية مرحلة زمنية مباركة وليست مذهب إسلامي"، ولم تكن علاقته أيضا بجماعة الإخوان المسلمين التي كانت تعتبره مرجعا دينياً لها في فترة سابقة بالجيدة، كما كان من نابذي التوجهات السياسية والعنف المسلح، وقد سبّب ظهور كتابه "الجهاد في الإسلام" عام ١٩٩٣، في إعادة الجدل القائم بينه وبين بعض التيارات السياسية ذات التوجهات الإسلامية. يعتبر ابنه توفيق وريثه الفقهي، وله ايضاً انصار واتباع كثر مثل والده وهو يشغل موقعاً هاماً على الصعيد الشعبي في دمشق وعموم سوريا. وفي حين تبرأ المعارضون من قضية اغتياله، الا ان الطريقة التي قتل فيها تشير إلى أن مرتكبي فعل الاغتيال هم من التنظيمات السلفية المقاتلة، فقد قال شهود عيان، " إن الانتحاري الذي فجر نفسه وسط مريدي الشيخ البوطي في مسجد الايمان في حي المزرعة الدمشقي"، صرخ مكبراً ثلاث مرات قبل ان يضغط على زر التفجير ويقتل نفسه ومن حوله.
وكالة أنباء أسيا
River to Sea Uprooted PalestinianThe views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!
No comments:
Post a Comment