من قتل رئيس المخابرات القطرية فى الصومال ؟
|
أوقات الشام
أحمد الحباسي – تونس
في كتاب ” قطر ، أسرار الخزنة ” للكاتبين جورج مالبرونو و كريستيان شينو ، يخصص الكتاب حيزا مهما للدور القطري في الأحداث الدموية الدائرة في سوريا ، بحيث صار الأمير القطري مهموما بهذا الملف معتبرا أن مآل المؤامرة في دمشق مسألة شخصية، بمعنى أن نجاة الرئيس الأسد هي كارثة قطرية وطنية ، لذلك وضفت الخزينة القطرية لإسقاط النظام البعثى في سوريا بكل التكاليف.
في مقال منشور على موقع جريدة المنار في أواخر شهر جانفى 2013 بعنوان “جلسات سرية في تل أبيب بين قطر و تركيا و إسرائيل لمناقشة ضرب سوريا”، هناك حديث عن علاقات متقدمة بين هذا الثالوث لغاية إسقاط النظام السوري ،و هناك بحث عن إنشاء تحالف لإسقاط النظام تمت تسميته ب “تحالف الخوف من بقاء النظام السور ى ” ، و هناك حديث عن حضور رئيس المخابرات القطرية شخصيا هذا الاجتماع ، و هناك حديث أيضا ، عن وعود مالية خيالية للنظام الصهيوني لغاية دفعه لضرب سوريا عسكريا و إسقاط نظامها ، بعد أن فشلت المجموعات الإرهابية المسلحة في اسقاط النظام رغم المهل الكثيرة ، و بعد أن باتت تمثل خطرا على دول الجوار ، و بعد أن ظهر حديث أمريكي حول نية الإدارة الأمريكية وضعها على لائحة الإرهاب ( جبهة النصرة مثالا ) خاصة بعد تفجيرات بوسطن الأخيرة ، و عودة المخاوف لدى بعض الدول الغربية من هذا الخطر.
في مقال مهم للكاتب الفرنسي بونوا مارقو بتاريخ 5/2/2013 في صحيفة ” لوموند ” الفرنسية المعروفة بجديتها ، هناك إشارات حول وجود حالة من الامتعاض و الاحتقان بين فرنسا و قطر حول ملفات كثيرة في المنطقة و يأتي على رأسها بالطبع ملف الأحداث الجارية في مالي ، و إذا كانت العلاقات القطرية مع الرئيس السابق نيكولا ساركوزى قد تميزت بكثير من التفاهم ، فان الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا هولاند له عدة تحفظات حول الدور القطري ، و حول تداخل هذا الدور في عدة ملفات حيوية مهمة في أفريقيا ، هذه التحفظات يتم ترجمتها في مقالات و تسريبات صحفية تتحدث بصوت عال عما تتحدث عنه الحكومة الفرنسية بصوت خافت ، يذكر مثلا أن الأوساط الفرنسية تتوجس كثيرا من الاستثمارات القطرية بل هناك من يتحدث عن قوة “استعمارية ” مثلما حصل في ملتقى ضم عددا من الدبلوماسيين و الدارسين في فرنسا منذ مدة قصيرة ( مقال منشور بجريدة المساء بتاريخ 8/1/2013 ).
العلاقة الوطيدة بين الجماعات الإرهابية المتطرفة و بين النظام القطري لم تعد سرا للمتابعين ، هذه العلاقة يستثمرها النظام لقلب الأنظمة العربية تحت ذريعة مساندة التطلعات الشعبية ، و بالمقابل فان تواجد هذه المجموعات و اكتساحها لساحات أفريقية معينة بدعم قطري واضح هو الذي أصبح يشكل هاجسا مزعجا لبعض الدول الغربية و على رأسها طبعا النظام الفر نسى و لبعض الدول الأخرى مثل الصين ،و لعل محاولة قطر اللعب في المناطق المحرمة كما يقول المقال الصادر بمجلة “أفريقيا-آسيا”(Afrique- Asie ) بتاريخ 16/1/2013 بعنوان ” الدور القطري الغامض في مساندة الجهاديين في شمال أفريقيا ” ، قلت هذا اللعب المحرم هو الذي يقلق إلى حد بعيد المخططات الغربية في المنطقة الإفريقية و يدفعها إلى كثير من الأسئلة حول حقيقة الدور القطري في مجال حيوي لا يتركه الكبار إلى صغار الأنظمة خاصة العربية منها.
هذا التمويل القطري للجماعات الإرهابية ، كما تقول صحيفة “لوكانار أونشينى “(Le canard enchainé ) ، في مقال منشور في شهر جوان 2012 ، خاصة الجماعات الموجودة في الصومال و بعض البلدان المجاورة هو ما يفسر الاهتمام المتزايد للمخابرات القطرية بهذه الجماعات ، و لعل تواجد رئيس المخابرات شخصيا في الصومال هو علامة تثير كثيرا من الأسئلة المهمة ، لان تحول أي رئيس جهاز مخابرات في العالم إلى منطقة ما يعطى إشارات مزعجة و خطيرة للأجهزة الأخرى المتابعة للحركات المتطرفة و يمثل إشارة قوية على تدبير أمر مهم ، هذا الانزعاج من الدور الإرهابي القطري تعبر عنه كثير من الأنظمة الإفريقية ، بل هناك من يتحدث عن دعوات إفريقية ملحة للدول الغربية لإعادة صياغة علاقاتها مع النظام القطري و التثبت من الأهداف الحقيقية لهذا الدور في المنطقة مثلما جاء في مقال منشورة بموقع “كابيتاليس ” منذ أسابيع ، خاصة و أن “الوقاحة” القطرية قد وصلت حد معارضة التدخل الفرنسي في الأحداث الأخيرة في مالي ، مثلما يشير إليه المقال المنشور بمجلة “أفريقيا-آسيا” بتاريخ 16/1/2013 .
في الحقيقة ، هناك أسئلة مهمة طرحتها عديد الأوساط الأمنية الفرنسية خاصة بعد التدخل الفاشل لعناصر المخابرات لإنقاذ عميلها دونيس الاكس المحتجز لدى الجماعات الإرهابية الممولة من النظام القطري في الصومال خلال شهر جانفى 2013 ، بطبيعة الحال ، هذه العملية الفاشلة تلقى بضلالها و تعمق التوجسات الفرنسية من الدور القطري خاصة بعد حصول غموض حول مصير العميل المحتجز لدى هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة ، هذه الأسئلة تتمحور حول الدور القطري في عملية الاحتجاز ، في الأسباب الداعية للمخابرات القطرية للقيام أو الإيعاز للجماعات بهذا الاعتقال ، حول قدرة القطريين في السيطرة على هذه المجموعات ، حول الأسباب التي دعتها إلى عدم التعاون مع الأجهزة الفرنسية ، حول الإرادة القطرية في تحجيم الدور الاستخبارى الفرنسي في منطقة حساسة و حيوية لفرنسا ، و خاصة حول عدم التعاون القطري للإعلام حول مصير المعتقل، يضاف إلى هذا طبعا ما حدث مؤخرا في الصفار ة الفرنسية في ليبيا ، ومحاولة تفجيرها ، و ما يقال عن دور المجموعات الإرهابية المتطرفة التي “تنتسب” للمخابرات القطرية
لا ينكر المتابعون أن استهداف مدير المخابرات القطرية هو حدث مهم و خطير في عرف الدول و في عرف المخابرات بصورة خاصة ، لكن من المهم الإشارة إلى أن هناك اتهامات يمكن توجيهها إلى عدة أطراف متفرقة أخرى لا تخفى انزعاجها من الدور القطري في منطقة حساسة تعانى أصلا من التطرف و من الهشاشة الأمنية ، هناك انزعاج جزائري معروف خاصة بعد اشتباه السلطات الجزائرية في دور قطري في أحداث عين أميناس الأخيرة ، هناك انزعاج سوري من الدور القطري في المؤامرة على سوريا ، هناك انزعاج إيراني خاصة بتنامي التواجد الإيراني في المنطقة الإفريقية ، هناك انزعاج سوداني واضح خاصة بالنظر إلى العلاقة المخابراتية المزدوجة بين النظام القطري و الدولة الصهيونية التي لها تأثير على توتير الأجواء بين الشمال و الجنوب السوداني ، بطبيعة الحال ،لا يمكن اغفال أن هناك صراع بين الجماعات الإرهابية على النفوذ في المنطقة الإفريقية ، و هناك تموقع جديد لهذه الجماعات بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ، و من الممكن أن الدور القطري يعطل هذه المصالح المختلفة لبعض الجماعات الإرهابية التي لا تميل لأسباب متعددة للعلاقة مع النظام القطري ، لا يمكن في النهاية إغفال التوتر بين النظام القطري ، و بين النظام السعودي ، خاصة أن هذا الأخير لا ينظر بعين الرضي لهذه العلاقة القطرية مع الإخوان في العالم العربي ، و يرى فيها بالعكس خطرا كبير على مستقبل النظام السعودي نفسه.
“اغتيال رئيس مخابرات قطر عمل خطير يكشف مدى الاستطلاع المسبق لحركة قطر، أو حركة الأجهزة الأمنية في المنطقة كلها ، و تكشف أن صراع أجهزة مخابرات تمر بالقمة ، و أن الوضع خطير بشكل أن المخابرات تجاوزت الخطوط الحمراء ، التي عادة لا تصل إليها ، ذلك أن من المتعارف عليه أن أجهزة المخابرات لا تقوم بقتل رئيس مخابرات لبلد ثان دون أن تكون هناك حرب حقيقية بين الأطراف ، و يبدو أن تنظيم القاعدة الذي سهل وصول رئيس مخابرات قطر إلى الصومال لم يكن لديه القدرة على ضبط الوضع الاممى فقام تنظيم اسلامى آخر بضرب موكب رئيس مخابرات قطر و دمر سيارته و قتله.
ان مقتل رئيس مخابرات قطر سيجعلها تعيد إلى حد ما نظرتها إلى التحرك ، و كيفيته، و كيفية التعاطي ، فزمن دفع الأموال للأسلحة ، و إرسالها من ليبيا إلى تركيا إلى المعارضة السورية المسلحة أمر ليس سهلا ، و بالتالي فان قطر التي خاضت معركة طرد سوريا من الجامعة العربية بدأت تصاب بأعمال بقمة الخطر ، لان رئيس مخابراتها تم قتله ، و بالتالي فان استهداف شخصيات كبرى قطرية ستظهر أكثر و أكثر ، و بالتالي فان قطر أخذت رسالة كبيرة ، هي اغتيال رئيس مخابراتها”.. هذا ما جاء على موقع ” كل الأردن ” بتاريخ 8/5/2013 .
يبقى التساؤل حول إغفال القناة القطرية ” الجزيرة” لحادث الاغتيال لرئيس مخابرات الدولة ” المضيفة” لهذه القناة ، رغم أهمية الحدث ، و رغم أن كل القنوات الجادة قد تناولته بالنشر و التحليل ، يظهر – و الله اعلم – أن قناة الجزيرة تريد التأكد من الخبر من مصدر مستقل …كعادتها.
بانوراما الشرق الأوسط
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!
No comments:
Post a Comment