مايو 24, 2018
– يتيح اليوم الانتخابي الرئاسي في مجلس النواب اللبناني استشعار زمن جديد يطلّ على المنطقة ولبنان، منذ بداية الانقلاب الدموي الذي نفّذ بدماء الرئيس رفيق الحريري لعزل سورية والمقاومة تمهيداً لحرب تموز وبعدها للحرب الشاملة على سورية وفيها ومَن حولها. فثمة حقيقة تختفي وراء ما قاله وزير الداخلية نهاد المشنوق تبريراً لخروجه من جلسة مجلس النواب قبيل انتخاب نائب رئيس المجلس النائب العائد بقوة التمثيل الشعبي، عن أن زمناً جديداً يطل علينا والمؤشرات كثيرة، متحدثاً عن زمن الوصاية العائد، وهو الآتي وحلفاؤه من زمن وصاية سعودية علنية ظهرت جلية بحضور الوزير السيادي بابتسامة عريضة لإفطار السفارة السعودية الممنوع الغياب عنه، وغيابه متعمّداً عن إفطار رئيس الجمهورية.
– كان في المنطقة حرب وتكاد تنتهي، فالجغرافيا هي التي تتحدّث بلسان مَن يُمسك بها. وهي تقول بالفم الملآن إن سورية تستعيد عافيتها، وتتجه للمزيد، وإن المقاومة منتصرة في حروبها كافة، وأن المأزق الوجودي الذي يعترف به قادة كيان الاحتلال، في زمن انتصارات المقاومة، لا يغيّر فيه نقل السفارة الأميركية إلى القدس، بل يزيد من الاحتباس والتصعيد اللذين يسرّعان مفاعيل تحسس كيان الاحتلال لهذا المأزق، والانسحاب الأميركي من التفاهم النووي مع إيران لن يسقط قوى المقاومة بالضربة القاضية. وقد كان ما كان قبل التفاهم وانتقلت المقاومة من نصر إلى نصر، ولم يهبط عليها المنّ والسلوى من عائدات التفاهم، ولم تكن إيران طيلة عقود دعمت خلالها المقاومة، إلا في حصار كالذي يهدّد الانسحاب الأميركي من تفاهم «دخل القصر أمس العصر»، وصاحب قرار الانسحاب وهو يصرخ ويعلم في سره أنه لا يريد أن يرى إيران تعود للتخصيب المرتفع وهو لا يملك جواباً على ما سيفعل، فيترك هوامش المناورة مفتوحة للأوروبيين من تحت الطاولة.
– كل شيء كان مرتبطاً بهذه الحرب التي استمرت لعقد ونيّف بوسائل متعددة، وجالت نصف الكرة الأرضية، من اليمن وصولاً إلى أوكرانيا، وقلبها كيف يسيطر الغرب على سورية، واستعمل فيها كل السلاح وكل الجيوش، وكل المال وكل الإعلام وكل الغيب وكل المحسوس، فجيء بتنظيم القاعدة ليبذل الدم الذي لا تملك جيوش الغرب القدرة على بذله، وجيء بفتاوى الوهابية لتحل مكان الخصخصة في مواجهة عقيدة أهل المقاومة، وأنفقت مئات المليارات من الدولارات، والحصيلة باتت واضحة، بتبلور حلف روسي صيني متماسك مع إيران وسورية والمقاومة، لن تضعفه أوهام السعودية بالحديث عن خلافات وتشققات حول مطالبات روسية موهومة لإيران والمقاومة بالانسحاب، بينما لا يزال التركي والأميركي يحتلان بعضاً مهماً من الجغرافيا السورية. وهو انسحاب لا يضير إيران والمقاومة دون طلب روسي عندما يصير لسورية مصلحة فيه، وهي حليف استراتيجي ما يربطه بإيران والمقاومة أعمق بكثير من هذه المفردة، التي لم يحن أوان بحثها بعد.
– القطاف السياسي للانتصارات الإقليمية الكبرى يظهر في وجدان الناس ووعيهم وذاكرتهم، فترحل الغيوم السوداء، ويظنّ أصحابها أنها مقيمة، ويتوهّمون أن كذبتهم صارت حقيقة، فكيف للذين بنوا مكاسب ومناصب على ظهر العلاقة مع سورية أن يتحدثوا عن دورها كزمن وصاية يخرجون من عباءته بمزاعم السيادة، وخروجهم لا وصف له إلا الغدر والانقلاب، وكيف يستحضرون السعودي وصياً ويسمّون الالتحاق به والتلحُّف بغطائه، «لبنان أولاً»، ويعطلون بحثاً عن الرضى السعودي مصلحة لبنان بالتفاهم مع الحكومة السورية تحت عنوان عودة النازحين، فيصير الفيتو السعودي قبل عامين على وصول العماد ميشال عون إلى بعبدا ممكناً تحت عنوان لبنان أولاً، ويصير انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية متى رضيت السعودية عملاً وطنياً خالصاً، بينما يحق لهؤلاء أن يوزّعوا بطاقات الوطنية على لبنانيين آخرين أخلصوا للمصلحة العليا للبنان التي رأوها مبكراً بقوة التاريخ والجغرافيا، في خيار المقاومة والعلاقة المميزة بسورية.
– الحساب لم يقفل، بل هو يفتح الآن، وللكثير ممن أدمنوا كثرة الكلام في سنوات عجاف مضت أن يتقنوا منذ اليوم فضيلة الصمت.
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!