رغم انقشاع غيمة السقوط المدوّي للديمقراطية الأميركية على أعتاب جزمات ميليشيات ترامب وحراب الجيش الأميركي وشرطته القاتلة مؤقتاً، الا ان مجرد التفكير بهذا الامر من قبل رئيس أكبر دوحات الديمقراطيات الغربية إنما يمثل بحدّ ذاته سقوطاً مدوياً لكلّ معاييرهم المزدوجة والمخادعة والتي روّجوا لها زوراً وبهتاناً على مدى عقود طويلة!
فماذا كان يعدّ ترامب وميليشياته ليلة الانقلاب على «الديمقراطية»!؟
لم يكن هدف الرئيس الأميركي، ومن يقف وراءه من القوى العميقه في الولايات المتحدة، من وراء حملة التصعيد، التي نفذها ترامب ضدّ المتظاهرين السلميين، تبرير مواصلة استمرار العنف المفرط ضدّهم واتهامهم بالإرهاب والبلطجة وما الى ذلك، وإنما كان الهدف تنفيذ انقلاب عسكري، تمّ الإعداد له بدقة، من قبل القوى العميقة المذكورة أعلاه، وذلك عبر الخطوات التالية:
أولا ـ أن يقوم ترامب بإصدار أوامره للجيش الأميركي بالانتشار في مدن الولايات المتحدة الرئيسية، بحجة السيطرة على الأوضاع الامنية الخطيرة، وذلك في خرق واضح وفاضح للدستور الأميركي، الذي لا يعطيه هذا الحق وانما يحصره في حكام الولايات فقط.
ثانيا ـ ان يتمّ تعليق العمل بالدستور، بعد الخطوة الاولى، لحرمان المتظاهرين من حقهم الدستوري في التظاهر وحرية التعبير عن الرأي، وذلك تمهيداً لخلق او اختلاق ازمة بين المواطنين وبين قوات الجيش، وتحويل المواجهة الى مواجهة مسلحة، لا ينقصها الوقود. خاصة أنّ لدى القوى الأميركية العميقة مئات الآلاف من الميليشيات المسلحة والتي تمتلك حتى الاسلحة الثقيلة. وغنيّ عن القول طبعاً انّ هذه الميليشيات كانت ستوجه أسلحتها الى صدور المواطنين، بحجة مساندة الجيش في السيطرة على التمرّد.
وقد بدأت هذه الميليشيات بالانتشار في المدن الأميركية، وبلباس عسكري موحد وبأسلحتها الكاملة، ولكن دون اي إشارات او علامات عسكرية على ملابسها تحدّد تبعيتها.
ثالثاـ أما الخطوة التالية، في ما لو نجح مخطط القوى الأميركية العميقة، فإنها كانت تهدف الى نقل الرئيس الأميركي وفريق إدارته كاملاً، الى مجمع الحصون السرية والمسمّى: مجمع حصون جبال شيني (Chyenne Mountain Bunker) الموجود في ولاية كولورادو بحجة المحافظه على رئاسة الدولة، ليتمّ إثر ذلك تعيين الجنرال في سلاح الجو: تيرينس اوشاوغنيسي ( Terrence O‘shaughnessy )، حاكماً عسكرياً عاماً للولايات المتحدة الأميركية. وهو قائد القيادة الشمالية في الجيش الأميركي حالياً NORTHCOM المسؤولة عن الدفاع الجوفضائي في الولايات المتحدة وكندا.
ولم تكن عملية إنزال ترامب الى القبو المحصن، تحت البيت الابيض، يوم الجمعة إلا تجربة او تدريباً على عملية إخلاء أوسع، كالمشار اليها أعلاه، والتي نشرتها مجلة «نيوزويك» الأميركية قبل بضعة اسابيع.
رابعا ـ الا انّ وجود معارضة واسعة النطاق، في صفوف الجيش الأميركي، لسياسة التخبّط التي يمارسها ترامب، مدفوعاً من القوى العميقة (غير الدولة العميقة… انجيليين جدد وغيرهم من قوى الضغط)، بهدف تدمير الدولة الأميركية والقضاء على مبادئها وسمعتها داخلياً وخارجياً، قد دفعت العديد من جنرالات الجيوش الأميركية، الحاليين والسابقين، الى تجميع ما يزيد عن مائة ألف محارب قديم لتشكيل جبهة معارضة فعّالة، ضدّ سياسات ترامب المشبوهة، ولتشكل ايضاً قوة ضغط فاعلةً على المعسكر الداعم للرئيس. وكذلك لخلق شبكة أمان لجنرالات البنتاغون الحاليين، في وجه بطش الرئيس المدعوم من القوى العميقة، وتشجيعهم على رفض توجهات ترامب.
خامسا ـ وقد تتوّجت هذه الجهود، ورغم مرافقة الجنرال مارك ميللي، رئيس هيئة الاركان العامة المشتركة للجيوش الأميركية، الى زيارة الكنيسة الشهيرة في واشنطن قبل ايام، نقول انّ هذه الجهود قد تتوجت يوم الثلاثاء ٣/٦/٢٠٢٠، بظهور الجنرال مارك إسبر، وزير الدفاع الحالي، ليعلن عن معارضته لخطط ترامب، ومن يقف وراءه، لنشر الجيش في المدن الأميركية، ثم قيام الجنرال جيمس ماتس، وزير الحرب الأميركي السابق، الذي استقال من منصبه بسبب رفضه قرار ترامب بالانسحاب من سورية، في وقت سابق، بنشر رسالةٍ غاية في الحدة والوضوح والقوة، تحمل انتقادات حادة مدعومة بحجج غاية في المنطقية والقوة شارحةً، بشكل مفصل، للأخطار الشديدة التي تسبّبت بها، ولا زالت، سياسات ترامب والقوى العميقة، على مصالح الولايات المتحدة، داخلياً وخارجياً.
سادسا ـ ولم يكتفِ الجنرال ماتيس، وهو جنرال من سلاح المارينز منذ ٥٠ عاماً، ويتمتع باحترام واسع جداً في كافة أوساط القوات المسلحة الأميركية، نقول انه لم يكتف بالانتقاد والتفنيد فقط، وانما طالب بمحاسبة من هم مسؤولون عما يحدث حالياً في الولايات المتحدة. فقد قال في رسالته حرفياً، وباللغة الانجليزية، ايّ في النص الأصلي، قال :
» We must reject and hold accountable those in Office who Would make a mockery of our Constitution «.
وهذا الكلام لا يعني المحاسبة على خطأ صغير قد ارتكب هنا او هناك، اذ ان الرجل يقول: يجب ان نرفض (أو ان لا نقبل) بهؤلاء الموجودون في المكاتب (أيّ الذين يتقلدون المناصب) والذين يمكن ان يحوّلوا دستورنا الى مهزلةٍ (مسخرة او محطاً للسخرية).
وهذا الكلام يعني، نصاً وروحاً، الدعوة المباشرة لمحاكمة ترامب نفسه، وكل من يدعمه، في سياساته المعروفة للجميع.
سابعا ـ إذن فلقد كانت رسالة وزير الحرب السابق، الجنرال ماتيس، التي نشرت امس على نطاق واسع، ليست فقط الشعرة التي قصمت ظهر البعير، دونالد ترامب والقوى العميقة، وإنما كانت أيضاً إعلاناً عن انتصار هذا الجنرال لدستور البلاد وتطبيق نصوصه، التي تدعو الى مساواةٍ حقيقيه، وليس نظرية فقط، بين المواطنين الأميركيين، والعودة بأميركا الى مبادئ القيم والأخلاق المنصوص عليها في الدستور.
وبمعنى آخر فإنّ التحرك السريع والفعّال، للجنرال ماتيس، قد وضع حداً لعبث القوى الأميركية الخفية، الأمر الذي اضطر ترامب ان يعلن، أنه «قد لا يكون مضطراً لاستدعاء الجيش للسيطرة على الوضع».
ثامنا ـ وهذا يعني ان هناك، في الولايات المتحدة الأميركية، من يفكر بطريقة تختلف، عن طريقة تفكير الانجيليين الجدد. ذلك التفكير الذي لا يخرج عن اطار التآمر والعمل على إثارة الفتن والحروب ولا يتورع عن التآمر حتى على الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وليس فقط في اقطار العالم كله، خدمة لمصالح دوائر رأسمالية بعينها، تمثل ليس فقط مجمع صناعة الأسلحة، في أميركا، وانما هي تتحكم برؤوس الأموال العظمى التي تسيطر على أسواق البورصات في العالم، وبالتالي الأدوات النقدية الدولية، التي يطلق عليها اسماء مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الأوروبي وما الى ذلك من أدوات تستخدمها هذه القوى في فرض العقوبات المالية والاقتصادية على الدول المختلف، تحت حجج الإصلاح الاقتصادي والمالي، أو الحفاظ على حقوق الإنسان، التي يدوسها مجرمو الشرطة الأميركية بأقدامهم، حتى الموت، في مينيابوليس الأميركية. فهل نجت أميركا حقاً من انقلاب ترامب وميليشياته!؟ وهل اقترب ترامب من الفصل الأخير من حياته ام انه لا يزال قادراً على تعطيل كلّ مظاهر الديمقراطية الأميركية المزيّفة أصلاً، ولكن بإجراءات جديدة ستقدم عليها ميليشياته المسلحة التي انتشرت في المدن الأميركية استعداداً لمفاجآت متعددة تحضر للمواطنين الأميركيين في دهاليز كولورادو وأقبية البيت الأبيض..!؟ هذا ما ستكشفه الأزمنة المتبقية من الان حتى نوفمبر المقبل..!
لكلّ نبأ مستقرّ، بعدنا طيبين قولوا الله…
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!