وكالة أوقات الشام الإخبارية
يا أيها السيد المبجل، تُجلك الحروف إجلالاً، فاسمح لها بالمثول بين جلالين، جلال عمامتك وجلال عينيك، لتنثر كل ما أوتيت من خشوع محبةٍ بين يديك، ولتنسج لك كلماتاً من دموعٍ تواقةٍ شواقةٍ لرؤيتك في مسجدي القدس إماما، وقد يعتبر البعض هذا أضغاث أحلامٍ دونها وقائع العالم وواقعية القدرة، ولكني حين أغفو ليلاً، لا أشغل نفسي بالتفكير عمَّاذا لو لم تشرق الشمس صباحاً، ولا أي عاقل يفعل ذلك، فالمهووسون فقط هم من يفعل، والمهووسون اليوم هم من يشغلون أنفسهم بشروق شمس فلسطين وشمس إمامتك من سماء المقاومة، لأن غروب شمس الكيان أصبح عين يقين مثلما أنكم تنطقون، فمنذ ثمانية سنوات أذكر بالضبط كيف أنك افتتحت منحدراً وضعت بيديك (إسرائيل) على أوله، وقلت لها تمنياتنا برحلةٍ شقيةٍ نحو الجحيم، ومذاك اليوم وهي من أخو الجهالة أشقى، ونحن من الجبال الراسيات أبقى.
ثمانيةٌ من السنوات وأكثر قليلاً مرت على تلك الليلة، حين أعلنت المقاومة الفلسطينية عن أسر المغضوب عليه "جلعاد شاليط"، حينها ماجت غزة بين مصدقٍ وغير مصدق، ليس تكذيباً، ولكن بعضهم استنكاراً وبعضهم استهتاراً، فشعر الناس بحس التجربة، أن الأمر سيكون فاشلاً وقاسياً في آن، كما كل محاولات الأسر السابقة في داخل الأرض المحتلة، كانت قاسية وفاشلة، وبالفعل بدأت علامات القسوة في الظهور، فشنت (إسرائيل) حرباً مجنونة، كفيلٍ أعمى دخل حقلاً للطماطم، ولمدة أسبوعين متتالين بلا أدنى رحمة، حتى بدأ الناس يتساءلون عن جدوى تحرير ألف أسير مقابل التضحية بألف شهيد، ناهيك عن هدم البيوت والمؤسسات والمصانع والبنى التحتية، وبدا أن جيش العدو لن يتوقف قبل الحصول على جنديه، وأصبح قطاع غزة يعاني من شح الكهرباء والماء وأغلب الخدمات، وعليه لم تكن نشرات الأخبار متوافرة إلا بالتواتر وعلى ذمة الرواة.
فتواترت الأخبار وعلى ذمة الرواة بأن حزب الله قام بأسر جنديين صهيونيين، فتغير حال الناس، وبدأو يشعرون بالجدية والجدوى معاً، وأصبح البحث عن كهرباء لحضور خطابك فرضاً كالبحث عن ماء الوضوء للصلاة، فلا يجوز معه تواتراً ولا تيمماً، فأثمرت الإبداعات الغزاوية عما يوفر الكهرباء، كما في سني الحصار حيث دارت محركات السيارات على زيت الطبخ، فكان المشي في الشارع ينبئك عن أنواع الموائد في غزة،
وحين دقت الساعة الخامسة كنت معنا على موعدٍ لن تخلفه أبداً كما اعتدت، فخرجت بمهابةٍ تصفع صَغار أولمرت والآخر الذي لا أريد تذكيرك باسمه حيث أنك نسيته حتماً، ثم بدأ العدوان على لبنان، وبدأت (إسرائيل) بالسير كماردٍ أحمق، دون أن تدري بأنك رسمت لها طريقاً باتجاهٍ واحدٍ حيث المنحدر، وبدأت غزة تلملم جراحاً أثكلتها، ولكنها بوجودك لم تكن ثكلى.
لم يتسن لنا في غزة كثير كهرباء فاستعضنا بالبطاريات للاستماع للإذاعات، فكانت قلوبنا تهفو لعيتا ومارون الراس، وترتجف أوصالنا لقانا وبنت جبيل، ولم نعد نفتش في كتب التاريخ لنجد لأطفالنا أبطالاً، بل نجعلهم يستمعون فقط لنشرات الأخبار وأحداث الجبهات،
وحَرِصَ الجميع أن يرى أطفاله الميركافا في وادي الحجير، وكيف أن المؤمن بقضيته يستطيع أن يجعل من صندوق الفولاذ القاتل قبراً أضيق من سم الخياط، وعرفنا مذ قلت انظروا إليها تحترق، أن النصر بات أقرب إلينا من حبل الوريد، ولم يكن انطباق السماء على الأرض أهون من سماعنا لخبرٍ يقصف أعمارنا ويدمينا، حين سرت إشاعات متواترة عن استهدافك في آخر أيام العدوان، لذا وحين أعلنت نصرك في خطاب يا أشرف الناس، لم تساورنا الشكوك ونحن ننظر إلى جلال عينيك بأننا من المخاطَبين، ولكأننا كنا في جنوبك، قُصفنا وتشردنا وجُرحنا واستشهدنا، وحين أهديت انتصارك لكل لبنان ولكل العرب، أدرك المهزومون أنك أخطر من يهدد هزائمهم، فقالوا في شيعيتك الشعر والنثر والآيات الشيطانية.
فبدأت حملة على جبهتين، حملة على جغرافيا الأرض وأخرى على تضاريس العقل، فهبت رياح التمزيق على سوريا ليقتلعوا جغرافيا أسندتك وشاركتك، فالعراق إمعاناً في القطع، فتفاجأوا بأن الجغرافيا ليست إلا لمن يستحق، وهي مطواعةٌ لمن يملك قراره عصيةٌ على العبيد، ولكن تضاريس العقول كانت أسهل، فاقتلعوها واستبدلوها بأكوام الغرائز، حيث غزانا فكراً وهابياً أقصى ما يملكه من حضارة جداريات الكهوف، لحدٍ أصبحت معه فلسطين مجرد أمتارٍ عقارية وليست آياتٍ قرآنية، ففي عرف الوهابنة ألا عدو لهم إلا من عرف أن الإنسان لم يُخلق جاثياً، فهم لا يعرفون الوقوف إلا على بطونهم وفي عز الكرامة على ركبهم، ولكن فلسطين لا تعرف هؤلاء، فطالما هي في قلبك فهي ترى الأشياء بعينيه، ونحن اليوم في غزة تقتلنا الطائرات والمدافع والحر والتشرد والدمار وصمت الأعراب وتواطؤ وهابنة العصر، ونعرف أنك معنا ألماً ودعماً وتوقاً للمعركة الأخيرة، فأضغاث الأعراب في عرقلتك نحوها من خلال سوريا والعراق وعرسال وما سيلي، نحن على يقين بأنها لن تزيدك إلا قوة ولن تزيدنا إلا إصراراً وثقة.
فيا أيها السيد المبجل، في ذكرى انتصارك غزة تنتصر، فلولا مأزق العدو لما استجدى تهدئة، ولولا قسوة الأعراب لما تبجح بالهزيمة، ولولا وجودك كسيف مسلطٍ على رقبة الكيان بمحورك لأصبحنا اليوم في التيه كيهود التاريخ، فكل آبٍ وأنت منتصر، وكل تموز ونحن لفلسطين أقرب، وكل غزة وأنت لإمامة المسجدين أقرب.
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment