أحمد الشرقاوي
إستراتيجيـــة ‘أوبامـــا’
لا يحتاج المتابع اليوم للتطورات السياسية والأمنية والعسكرية والإقتصادية التي تعصف بالعالم لكثير ذكاء، لإدراك أن أمريكا وحلف ‘الناتو’ أعلنوها حربا بلا هوادة على روسيا، لمحاصرتها في عقر دارها من بوابة ‘أوكرانيا’، وتحجيم دورها من خلال ضرب سورية، منفذها الرئيس والوحيد إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبذات المناسبة شرذمة العراق وتفجير لبنان لإنهاء محور المقاومة إلى الأبد، لتعيش “إسرائيل” بأمن وأمان سيدة على عرش المنطقة.
والغاية من هذه المغامرة الخطيرة، هي الهيمنة على مصادر الطاقة وممراتها البحرية والبرية لخنق الصين إقتصاديا وحرمان روسيا وإيران – التي ترقد على أكبر مخزون عالمي من الغاز الطبيعي – من هذه الورقة الإستراتيجية التي تسعى روسيا لتحويلها إلى سلاح لتدمير نظام الرأسمالية المتوحش واستبداله بنظام رأسمالي إنساني أكثر عدلا، وذلك من خلال منظمة ‘شانغهاي’ ومنظمة ‘البريكس’ الفتية. وهو ما حدى بأمريكا والأطلسي الذين أدركو خطورة الإستراتيجية الروسية الهادئة والذكية على نفوذهم ومصالحهم، ليتحركوا سريعا قبل أن يصبح لموسكو مخالب وأنياب تفرض بها رؤيتها الجديدة لإدارة شؤون العالم.
وبهذا تتأكد مرة أخرى النظرية التي تقول أن كل حروب أمريكا “الإنسانية” ورائها أهداف سياسية خبيثة تخدم مصالح إقتصادية غير مشروعة، ولا تستطيع تأمينها إلا بمنطق القوة.. وهذا الدور قامت به “إسرائيل” بالوكالة أحسن قيام زمن جمهوريات العسكر العربية، لكن الوضع تغير اليوم بعد أن أنعم الله علينا بالمقاومة الشريفة التي أجهضت كل مشاريع أمريكا في المنطقة وحولت “إسرائيل” إلى قلعة من ورق في إنتظار العاصفة القادمة لإقتلاعها وإنهاء شرها..
وبنهاية دور “إسرائيل” العسكري وفشلها في تحقيق ولو هدف يتيم واحد في عدوانها الأخير على غزة، كان لزاما أن تقرر أمريكا العودة إلى المنطقة لإعادة تشكيلها بعد شرذمتها وفق رؤيتها القديمة الجديدة للشرق الأوسط الكبير.
إستراتيجية ‘أوباما الذي أعلن عن ظاهرها وفشل في إخفاء باطنها، هي وصفة ناجعة تضع المنطقة على حافة الهاوية لحرب إقليمية قد تتطور سريعا إلى حرب عالمية لن تجد إمبراطورية الشر من ينقذ ماء وجهها للتراجع عنها حين تنطلق الشرارة فينفجر ببرميل البارود الذي تقبع فوقه المنطقة برمتها، وهذا ما أشار إليه السيد ‘لاريجاني’ محذرا أمريكا، ومتهما إياها بأنها تلعب بالنار التي ستحرق أصابعها.
إستراتيجيـــة المقاومـــة
وإذا كانت إستراتيجية ‘أوباما’ قد تأسست على كذبة شبيهة بكذبة “أسلحة الدمار الشامل” التي إستعملتها قبل 11 سنة لإحتلال العراق، فإن تبريرها العودة إلى المنطقة من بوابة “الحرب على الإرهاب” الذي يهدد مصالحها، وفق ما تقول، هي كذبة أخرى واهية لا تنطلي على أحد، لأن الجميع أصبح يعرف أن “داعش” هي صناعة مخابراتية أمريكية، أطلسية، صهيونية، وهابية، تستعمل اليوم كأداة مثل ما استعملت “القاعدة” في أفغانستان من قبل.
والسؤال الذي أصبح يقلق واشنطن ولا تجد له إجابة منطقية، هو أين كانت أمريكا قبل ثلاث سنوات عندما كانت “داعش” وأخواتها يعيثون قتلا وفسادا وخرابا في سورية؟.. ولماذا كانت تقول للعالم أن ما يحدث في سورية هي “ثورة مسلحة لمعارضة معتدلة ضد نظام ديكتاتور دموي يقتل شعبه”؟.. وها هي ‘هيلاري كلينتون’ وزيرة الخارجية الأميركية السابقة تقول بصريح العبارة في مذكراتها التي سجلت أكبر رواجا عرفه كتاب في العالم: “نحن أسسنا داعش لتقسيم منطقة الشرق الأوسط”.. فلماذا لم يكذب ‘أوباما’ ما كشفته وزيرته السابقة؟.. ناهيك عن التقارير الغربية الكثيرة بمن فيها الصادرة عن مراكز دراسات أمريكية مرموقة، تتهم السعودية وقطر والإمارات والكويت وتركيا والأردن بتمويل الإرهاب ودعمه وتدريب الإرهابيين وتسليحهم وتسهيل مرورهم إلى سورية.
الإمام الخامنائي، وبخروجه من المستشفى الإثنين، وبعد أن فضح كذب ‘أوباما’ و وزير خارجيته بشأن إستبعاد إيران من حلف الأربعين، وكأنها جمهورية موز لا يعنيها ما يحاك لمحورها من مؤامرات، ليتبين أن أمريكا حاولت في أكثر من مناسبة وعبر أكثر من قناة إقناع إيران بالمشاركة في حلفها لمحاربة الإرهاب، الأمر الذي رفضته طهران بالمطلق، مفضلة التعاون مباشرة مع العراقيين على الأرض، أكراد وجيش ومقاومة شعبية لدحر “داعش”، كما تتعاون مع الحكومة الشرعية في دمشق من أجل ذات الهدف، لأنها لا تثق بنوايا أمريكا وخططها الجهنمية الغامضة.. ولهذا إختصر الإمام عنوان المرحلة المقبلة في مقولة، أن “هدف أمريكا من محاربة ‘داعش’ هو التواجد العسكري بالمنطقة”.
قد لا أبالغ إذا قلت أن ما قاله الإمام خامنائي هو “أمر عمليات” بامتياز صدر للمقاومة، لتبدأ التحضير لمرحلة المواجهة الجديدة التي ستنتقل من الحرب على الإرهاب إلى الحرب على أمريكا التي صنعت الإرهاب وأرادت أن تستعمله لشردمة المنطقة والهيمنة عليها.. ومرد ذلك، أنه إذا كانت حرب أمريكا على الإرهاب هي حرب مصالح ونفوذ، فإن حرب محور المقاومة ضد أمريكا مدعومة من روسيا والصين، هي حرب وجود ومصير، إنها تلك الحرب التي تحدث عنها سماحة السيد في خطابه الأخير، ففهمنا من كلامه أن المنطقة مقبلة على جحيم، الأمر الذي يضع محور المقاومة وحلفائه الدوليين أمام خيار: “إما أن نكون أو لا نكون”.
من محاربة داعش إلى مواجهة أمريكا
هذه هي إستراتيجية محور المقاومة لمواجهة إستراتيجية ‘أوباما’، أما من حيث التنفيذ، فبما أن الحرب ستنطلق من العراق لتتمدد إلى سورية بعد شهر ثم لبنان، فالرد يجب أن يبدأ من العراق مع التحضير للمسرح في سورية ولبنان.
السيد ‘الصدر’، وفي تناغم تام مع ما جاء في كلمة الإمام ‘خامنائي’، بعث برسالة واضحة لأمريكا من خلال الإعلام اليوم، ومفادها، أنه سيسحب كل قواته وقات المقاومة الشعبية من محاربة “داعش”، ليبدأ المقاومة ضد التواجد الأمريكي في العراق.. لاحظوا، أن الإمام ‘خامنائي’ ذكر في كلمته الإثنين أمريكا بما حصل لها قبل عشر سنوات حين غرقت في مستنقع العراق، وقال أن المصير الذي ينتظرها هو ذات المصير الذي جربته حينذاك وخرجت تهز أذيال الهزيمة والخيبة.
أما سورية، فقد بعثت برسالة واضحة إلى أمريكا من خلال السيدة ‘بثينة شعبان’ التي قالت صراحة أن أي إنتهاك للمجال الجوي السوري سيعتبر إعتداء على السيادة السورية، وسيتعامل معه بما يتطلب من رد. وهو ما يعني أن سورية ستسقط أي طائرة تخترق مجالها الجوي دون إذن، دفاعا عن أرضها. والسيدة ‘بتينة شعبان’ لا تنطق عن الهوى، بل كشفت وجها من إجراءات الرد المقررة، في إطار إستراتيجية شاملة لمواجهة أمريكا وحلفها الفاشل.
روسيا بدورها، بعثت برسالة تقول أنها أصبحت تملك القدرة على التدخل العسكري الخاطف في أي مكان في العالم، وهذا يعني أنه في حال تطور الأمر ليتحول إلى عدوان على سورية، فإن روسيا لن تقف متفرجةن لأن إستهداف سورية كما سبق وأن أكدت أكثر من مرة هو إستهداف لموسكو نفسها.
أما حزب الله، فكل المؤشرات تقول أنه، إذا كانت المقاومة في العراق ستواجه أمريكا على الأرض، فإن حزب الله سيفجر المقاومة في الجولان ولبنان، ليحول الجحيم إلى “إسرائيل” فيخلط الأوراق كلها.. فإما تسوية مرضية بشروط محور المقاومة وحلفائه الدوليين أو حرب إقليمية لا تبقي ولا تذر، ولن تكون السعودية في مأمن منها، لأنه من المحتمل جدا أن تنفجر الأوضاع في اليمن والبحرين والمنطقة الشرقية، وسيكون أما “داعش” ألف سبب وسبب لعدم مواجهة محور المقاومة، وإغتنام الفرضة لغزو الأردن والسعودية.
وهناك بعض المحللين في الغرب شككوا في أن عملية إنسحاب الجيش العربي السوري من الرقة دون قتال وتركها لـ”داعش” كان في إطار خطة تكتيكية تسمح لـ”داعش” بالتمدد جنوبا نحو الحدود الأردنية، بحكم أنها ستكون مستهدفة في العراق وفي سورية.. لا نستطيع تأكيد أو نفي صحة هذا المعطى، لأن الأمور لا تزال سرية، وكل ما يمكن أن يقال في هذا الشأن هو من باب التحليل، لكن، لا دخان من دون نار كما يقول المثل.
هذه بعض من معالم إستراتيجية المقاومة، كما يمكن رصدها من خلال تصريحات ومواقف وتحركات والتدابير المتخذة من قبل مختلف مكوناتها، ومؤداها، أن الأولوية لم تعد “داعش”، بل حلف المؤامرة الذي صنع هذا الوحش وأطلقه ليعثوا فسادا في هلال المقاومة، وأتى اليوم ليركبه كما ركب ثورات الربيع العربي ليهمن على المنطقة من باب الفوضى والتشرذم، حتى يعيد تفصيلها على مقاس مصالحه وأمن “إسرائيل” وأهواء السعودية التي تمول الحرب بمعية مشيخات العهر والخيانة.
ومن نظرة شمولية أولية، نستطيع القول، أن كل مكونات محور “بيكين – غزة” إن صح التعبير، يتحرك كل في مجاله وبتكتيكات وأهداف مختلفة، لكن الجميع يعمل كأوركيسترا متجانسة لعزف ملحمة النصر الكبير الذي يرتسم في أفق جميل واعد، والذي يرونه بعيدا ونراه قريبا..
فخذوا منا دمنا وارحلوا، لتبقى المنطقة حرة خالصة بعد ذلك لأبنائنا، فما النصر إلا صبر معركة.
خاص بانوراما الشرق الاوسط - نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment