شارلوك هولمز في السعودية حائر .. والكلاب البوليسية حائرة
لايحار الانسان في تفسير حدث الا عندما يجهل بدايته وجذوره .. لكن وقوف العقل الانساني الجبار على ذرى المعرفة والمنطق يجعله قادرا على أن يرسم الأحداث التي غابت بنظرة فاحصة حاذقة الى أحداث الزمن الحاضر ..
وهو قادر على رؤية المستقبل اذا تأمل الماضي والحاضر .. ولكن حذار من أن تطلوا على حدث من خلال منطق المثقفين العرب ونخب الدولار الذين داخوا لأن هؤلاء يقرؤون حكايات مجتمعاتهم ومصائرهم بالمقلوب ..وخير دليل على القراءة الضحلة بالمقلوب هو تفسيرات هؤلاء للربيع العربي التي تسهب في سرديات الظلم والاضطهاد والقهر الديكتاتوري وبيع الوطن للعائلات وسرديات السلمية وقتل الاطفال .. وتقترن التفسيرات المقلوبة لهؤلاء بسلوك مقلوب أيضا مثير للقرف .. فجميع المعارضات العربية والاسلامية منها تحديدا التي تطلق نظريات العدالة والحرية تجلس في أحضان عائلات حكم خليجية فاسدة جدا الى حد الزنخ والتعفن وتطحن عظام من لايخضع لها من مواطنيها .. وكلها مستعمرات محتلة علنا بالقواعد العسكرية للناتو الذي ينام في فراش تركيا منذ ستين عاما .. وهو الفراش الذي نامت فيه المعارضات الاسلامية بثياب رقيقة شفافة وهي تعرف ان من يداعب أعضاءها الحميمة في السرير العثماني ويتمرغ على جسدها ويهمس لها مغازلا هو الناتو نفسه .. لأن تركيا هي قرن الناتو ..
هؤلاء المتثاقفون هم الذين تم توظيفهم في تشكيلة الفرق الثقافية البوليسية العربية وتم تقديمهم على أنهم جهابذة التحليل السياسي .. وكلفوا بالاشراف على تحقيق العدالة واكتشاف الجناة على الديمقراطية والحرية وأحلام الشعوب .. ولازلنا حتى اللحظة نتذكر جميع الفطاحل وجهابذة التحليل البوليسي ورجال البوليس الثقافي الذين كانوا ينتشرون دون دعوة ودون تأخر في كل وسائل الاعلام والجرائد ويتجولون بمجساتهم الدقيقة في الحدث السوري ويدوسون في بقع الدم بأحذيتهم ووجوهم عابسة وقد بدت عليها الجدية والصرامة وهم يمسكون عدسات مكبرة وينحنون على الأرض يجمعون الأدلة الجنائية ويقومون برفع البصمات عن كل تفصيل .. ويتحول واحدهم على الفضائيات الى كلب بوليسي أو الى شارلوك هولمز يكتشف دون تلكؤ وفي دقائق أن كل التفجيرات التي ضربت دمشق وحلب كانت من صنع النظام الذي رفعت بصماته عن السيارات المفخخة والذي وجد البوليس الثقافي النفطي أن مواصفات دي ان ايه الانتحاريين متطابقة مع دي ان ايه المخابرات السورية التي جندتهم .. وأن زمرة دم الرصاص والديناميت التي اغتالت العلامة محمد سعيد رمضان البوطي والتي قتلت خلية الأزمة بما فيها وزير الدفاع وصهر الرئيس .. والتي نسفت شوارع حمص .. هي من زمرة دم النظام ..
البوليس الثقافي ومحللو شارلوك هولمز (الشارلوكيون الهولمزيون) كانوا قبل ذلك قد جاؤوا على جناح السرعة الى حيث قتل "رفيء الحريري" وفي نصف ساعة رفعوا البصمات وطابقوا الدي ان ايه وحللوا زمرة دم الديناميت وزمرة دم الرصيف وبصمات الأصوات على أذني الحريري واكتشفوا الجاني السوري ثم وبسرعة متناهية أطلقوا الكلاب البوليسية الى الشوارع بحثا عن الجاني والتي كانت تنبح (بدنا الحئيأة .. بدنا الحئيأة) ..
وهؤلاء أنفسهم غمسوا أنوفهم في الغوطة الشرقية كما الكلاب البوليسية وتشمموا رائحة الاسلحة الكيماوية وتذوقوا غبارها ومسحوقاتها وتنشقوا غازاتها فعرفوا فصيلتها وعرفوا صانعها وراميها قبل أن يصيح الديك في فجر ذلك اليوم .. وهؤلاء هم انفسهم الذين كانوا مع حمزة الخطيب وسمعوه يتأوه من التعذيب ووجدوا على جسده البطاقة الشخصية للجلاد من المخايرات السورية والتي نسيها معلقة على أشلاء قضيبه المبتور .. وهم الذين استنطقوا الرصاصة التي اختبأت في جسده والتي أقرت انها قتلته بقرار رئاسي لأنه أراد الحرية ..وهؤلاء هم جميعا الذين جمعوا أظافر أطفال درعا قطعة قطعة كما تجمع قطع الماس .. وعرفوا دون عناء أن الأظافر الماسية اكتشفت في مكتب الرئيس الأسد الذي يتمتع بهواية جمع أظافر الأطفال الاحرار كما تجمع الطوابع ..
اليوم تقع أحداث خطيرة في السعودية ولكن كما نتوقع فان جميع الفطاحل وجهابذة التحليل البوليسي ورجال البوليس الثقافي قد بدت عليهم الحيرة الشديدة .. فالتفجير في بلاد تطعمهم وتنفق عليهم وتصنع وسائدهم من رزم الدولارات .. رغم أن بعضهم استل على الفور عدساته المكبرة وانحنى يلتقط الأدلة الجنائية ويحلل زمر الدم ليكتشف فورا أن النظام السوري هو الذي نسف مسجد الامام علي في السعودية لاحداث فتنة في بلد مسالم آمن مؤمن يحب البشرية .. ولايعرف الا السلام ولغة السلام !! وبعضهم قال ان بوتين يثأر من شجاعة السعوديين في تحطيم حلفاء روسيا وتحطيم اسعار البترول وهو الذي وعد بأن سعر النفط سيتوازن في هذا الصيف !!!
ويحاول الشارلوكيون الهولمزيون الآن أن يقولوا ان الجاني يريد خلخلة الاستقرار في المملكة السعودية السعيدة .. وطبعا فان هؤلاء من مفتشي البوليس الثقافي يستحقون ان نساعدهم قليلا كما "ساعدونا" في سورية ولبنان في اكتشاف الجناة ولكنهم طبعا جهابذة وفطاحل وانتربول ثقافي واعلامي ولايحتاجون مساعدة منا نحن مجتمع الشبيحة والمنحبكجية وسيرفضونها .. ومع هذا فاننا لن نلجأ الى عبقريتهم الفذة في التحقيق واكتشاف الجناة في نصف ساعة وأحيانا قبل حدوث الجريمة .. ولن نلعب لعبة الفتنة والتضليل الحقير .. ولكن من حقنا أن نسأل عن صحة بعض الفرضيات ..
فمثلا هل يمكن أن نطبق نفس المعايير الشارلوكية لبوليس الفضائيات العربية ومحققي الجزيرة والعربية الهولمزيين من أن التفجير قد نفذته المخابرات السعودية لأنها تريد ارسال رسالة مرعبة لسكان المنطقة الشرقية بأن داعش بانتظاركم اذا تمردتم على النظام .. ؟؟ أم أن التفجير هو الترجمة الفعلية لكلام اوباما عن ان الخشية على أنظمة الحكم الخليجية آتية من شعوب تلك المناطق لا من ايران .. وهذا يعني أن الاشارة قد بدأت لتفكيك السعودية لاستكمال دورة حياة التقسيم الجديد للمنطقة ؟؟ أم نفذت الهجوم عناصر غير منضبطة من قوى الاستخبارات السعودية التي تريد احراج بعض الخصوم بتهديد استقرار البلاد كما يقول الاعلام الخليجي والسعودي عن عناصر غير منضبطة من حزب الله قتلت الحريري؟؟ ..
وبالطبع لاأريد أن أتقمص دور شارلوك هولمز الذي يحبه كل نجوم السياسة العربية ورجال الانتربول الثقافي والاعلامي وكل الكلاب البوليسية العربية في الصحافة والفضائيات .. لأنني في الحقيقة لاأحب هذا الدور البوليسي عند التحليل وعند دراسة الأحداث ولاأحب الكلاب وخاصة البوليسية منها .. بل أميل لأن أستعين بالأسئلة الفلسفية لفتح النوافذ في العقول السجينة في أبراج الجهل .. وأحب أن ألوي قضبان السجون الذهنية التي تحتجز المنطق منذ سنوات .. وارغب بأن أدخل مفاتيحي في أقفال الضمائر ..علها تخرج عن صمتها ..
المنطق يقول بان السعودية هي أكاديمية لتخريج الدواعش .. ولذلك فان عش الدواعش قد فاض وان فترة الحضانة للبيض قد أنضجت عصر التفقيس الوهابي .. ولذلك فان ثعابين داعش لاشك ستلسع بعضها .. فثمرة تعاليم الاكاديمية الوهابية يوزعها خريجو داعش في قلب المملكة .. لكنني شخصيا أشكك بشكل كبير ان داعش هي التي قامت بالعملية من أجل مشروعها في السعودية حتى وان قال البغدادي ذلك بعظمة لسانه .. فالغريب أن البغدادي استهدف مسجدا لمعارضي آل سلول كما يقول ولم يستهدف رجال ومساجد السلطة الذين يجندون له الانتحاريين والمقاتلين ويجمعون التبرعات له رغم أنهم يحرضون عليه ظاهريا .. كما أن البغدادي لديه خزان هائل من القرابين العراقية والسورية من الكفار وخصومه المذهبيين الذين يقتلهم مع رجاله ليتسلى رجاله بلعبة الموت والسبي .. وهو ليس غبيا لكي يفتح على نفسه جبهة ثالثة فيما هو في حرب على جبهتين (سورية والعراق) ..وتذكرني تهديدات البغدادي للسعودية بتهديدات الظواهري والقاعدة لأميريكا ووصف أحداث سبتمبر بالمناوشات الأولى مع الصهاينة والكفار الصليبيين التي تبين أنها مقدمة لتدمير الشرق العربي والمسلم فقط .. ولم تطلق رصاصة واحدة حتى هذا اليوم على الصهاينة والصليبيين الكفار وأن التهديد لاميريكا كان دعائيا وباطنه مشروع اميريكي لنشر القاعدة في الشرق تحت مظلة خادعة اسمها العداء لأميريكا لتجنيد مقاتلين ومجانين ..
ورغم انني لاأستبعد نهائيا مسؤولية عناصر غبر منضبطة لداعش وحتى تورط داعش الا أنني أجد أن المنطق يميل أكثر الى تفسير التفجير في مسجد الامام علي على أنه مغامرة حمقاء من قيادات شابة من صفوف العائلة المالكة تتصرف برعونة وعصبية ازاء بعض التغيرات الدراماتيكية المجاورة والداخلية وبما هي التي حركت داعش في ذلك الاتجاه .. فهناك دلائل تشير الى طيش يتحكم في ردود أفعال الحكم السعودي وهناك قرائن تشير الى أن صناعة القرار السعودي تنجزها خبرات أغرار في السياسة بدليل التورط في حرب اليمن التي ستكون فييتناما سعوديا اذا لم تتوقف .. ولاأدري ان كان هذا الطيش يتم ركوبه من قبل أجهزة استخبارات غربية أو تركية تستدرج العائلة المالكة الى موقف لاتحسد عليه أمنيا مليء بالتوتر وذلك لاستكمال ابتزازها بالتهديد من انفلات الأمن .. وكل الاشارات تدل على أن كمّا قليلا من المعرفة والحصافة والحكمة هي التي تطبخ القرار السعودي .. وفي هذا الجو يمكن أن نقبل أكثر أن التفجير اختير بشكل متهور كرسالة قمعية قاسية ووسيلة رادعة وبالتخويف من وصول داعش اذا تمرد المواطنون في المنطقة الشرقية ..
احدى التفسيرات المسربة من شخصية انكليزية تكتمت المصادر على هويتها تقول بأن فريقا من الأمراء السعوديين المتوترين من الاتفاق النووي الايراني يمكن أيضا أن يقوم بهذه المغامرة وهم ربما يسابقون الزمن لابتزاز الولايات المتحدة بتصوير خزان نفط العالم تحت التهديد الذي قد يهدد استقرار العالم الاقتصادي ..وهذا الابتزاز يمكن أن يثمر في الحصول على تفويض غربي لعقد صفقة مع البغدادي وجماعته بتركه في العراق والشام والاعتراف بدولته التي ستقلق ايران .. وهذه عملية لتبرير اسباغ الاعتراف بدولة داعش ودفع شرها بمقايضة أمن السعودية والخليج باعتراف أممي بدولة داعش ..
ومع هذا فان أيا من هذه التفسيرات يعني أن قصور البصر والبصيرة وفقدان التوازن العقلي والنفسي هو الذي يسير بالسعودية لأن هذه لعبة خطرة وتشبه اللعب بلغم معقد جدا .. وكل من يعتقد أن المشهد يسير لصالح السعودية وحلفائها عليه أن ينتظر قليلا ويتريث ..
هذا صيف ليس كأي صيف .. وقد يكون أسخن صيف في القرن الواحد والعشرين .. مهما قال الشارلوكيون من انتربوليي الثقافة والبوليس الفكري والصحافي والدوريات الفضائية من تفسيرات .. انني ولأول مرة أحس بالشفقة على هؤلاء الذين بمرون بأكثر المواقف احراجا وحيرة .. ويتصببون عرقا .. ويشربون الماء ليبللوا حلوقهم التي جفت وهم حائرون .. فالكلاب البوليسية أنوفها مشوشة .. وشارلوك هولمز النفط حائر .. حائر جدا .. ولاتنفع هنا العدسات المكبرة .. ولا رفع البصمات والادلة الجنائية التي كان يتلاعب بها ويخرج النظام السوري كل مرة متلبسا بالجريمة في اي مكان في العالم .. لكنه الآن لايقدر على التلاعب بالبصمات والأدلة .. فكيفما تشمم الكلب البوليسي من المثقفين والكتاب خرشت خياشيمه رائحة آل سعود .. وكلما تحرك المحقق وجد نفسه أمام أسئلة سبقته الى مسرح الجريمة وهي ترفع نفس بصمات المجرم الذي يدفع له راتبه وأتعابه ..وتكشف زمرة دمه وزمرة نفطه ..
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment