بقلم نارام سرجون
في نهايات الحكم الشيوعي للاتحاد السوفييتي كانت الدعاية الغربية تصف الشيوعيين القدامى الذين يرفضون البيريسترويكا (الربيع الروسي) بالتيوس لأنهم متشبثون بالخطاب الشيوعي القديم دون أن يتزحزحوا ..
وتبين فيما بعد أن التيوس كانوا على حق وأن الامبراطورية انهارت بسبب الاستسلام للربيع الشيوعي .. أما من ينطبق عليهم لقب التيوس بجدارة في الشرق الاوسط فهم فريق 14 آذار اللبناني .. الذين تظهر الأيام بسرعة أنهم فعلا تيوس وأن لافائدة من الكلام معهم ومناطحتهم .. الفارق بين تيوس لبنان وبين تيوس الشيوعيين هو أن تيوس لبنان ليسوا ضد الربيع بل مع الربيع كما أن هذه التيوس صارت ترى النتيجة الرهيبة لنظرياتها السياسية ولكنها تصر على تجاهلها .. وهي تنظر للسكين في يد الجزار على أنها مجرد جزرة أو خيارة أو ورقة خس ..
فريق 14 آذار اللبناني يجب ان يتم تدريسه كظاهرة للعناد السياسي والرؤوس السياسية التي تسمى في العلم السياسي بالتيوس وتمارس النطح في موسم التكاثر السياسي حتى تتكسر جماجمها وتندلق مادتها الدماغية دون أن تتكسر قناعاتها .. لأن الآذاريين جماعة مضغوطة بالتشنج الانتحاري واللامنطقية الانتحارية وتقرأ المشهد السياسي بعقل يابس دون مناقشة وتحل معادلة فيثاغورث الرياضية وكأنها دبكة لبنانية أو خلطة فتوش ..
ولذلك تتحول كل كتلة 14 آذار الى كتلة ايباكية في لبنان تبصم بالعشرة على اي تعليمات تصلها عبر نشرة ايباك السعودية التي تقرر لها أن داعش ليس خطرا على اللبنانيين وليس لديه اي طموح أو مشروع في لبنان .. ومن يستمع الى دفاع الآذاريين المستميت عن داعش والنصرة يعتقد أن الخليفة البغدادي ان انتصر على الرافضة والكفار سيحتفل "بالكريسماس" مع البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي .. وسيشرب المتة في المختارة مع وليد بيك جنبلاط ويضع اكليلا من الزهور على ضريح أخيه الراحل كمال جنبلاط الذي قتله "النصيريون" الكفار .. ولن ينسى أن يمر على الشيخ سعدو الحريري ليصلي معه في السوليدير الذي سيقطع فيه رؤوس الشيعة الكفار فقط من جماعة الممانعة .. وبعدها سيذهب الى ضريح الشهيد "رفيء الحريري" ولن يهدم قبره كما هدم كل قبور الصحابة والاولياء والأوابد بل سيعليه ويرفع الأذان من عنده ويطلب من الله أن يظهر "الحئيأة" على الدين كله وينصر تيار "المستأبل" على الكفار ليرتاح المؤمنون..
الغريب أن داعش لم يقل يوما انه لايريد دخول لبنان ولم يصدر اي توضيح يستثني به لبنان أو يلمح الى انه سيتوقف عند نقطة المصنع على الحدود السورية .. بل انه يقول انه مسؤول عن الخلافة والدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام كلها وكل بلاد وديار الاسلام .. وحسب مصطلح بلاد الشام التقليدي في القواميس الاسلامية فان لبنان ضمن بلاد الشام .. ومع هذا يتبرع الآذاريون بتبرئة داعش من نية اقتحام لبنان ويحلفون بروح "رفيء الحريري" أن داعش لايصوب على لبنان رغم ان امارات داعش في لبنان وراياته وشعاراته ورايات النصره وشعاراتها تقلع العين ..
والغريب أن داعش يقول علنا ودون تردد انه يريد محاربة الرافضة ضمن خطاب تعبوي طائفي مفرط في غلوائه للغاية .. وهو يجاهر بكراهيته للشيعة في كل الأرض ويسعى لاقصائهم وذبحهم في كل بلاد الشام لأنها بلاد الدولة الاسلامية النقية .. وهذا يعني ان شيعة لبنان كجزء من سكان بلاد الشام (بستان الخليفة) معنيون ومستهدفون بالعنف والمجازر سواء حاربوا مع سورية أم لم يحاربوا ..
ومع كل هذا الوضوح والصفاء في الخطاب والصراحة في رسم الخرائط والشعارات يقول لنا مجانين ايباك اللبناني من تيار المستقبل وفريق 14 آذار مثل سمير جعجع أن داعش لايريد دخول لبنان وليس في مخططاته السيطرة على لبنان أو الحاقه ببستان الخليفة .. بل ان حزب الله هو الذي يثير غضب داعش بالذهاب الى سورية وهو يوجه دعوة لداعش لدخول لبنان لتعقبه والانتقام من تورطه في حرب أهل السنة في سورية .. ولولا ذلك لما فكر داعش في اللحاق به الى لبنان .. ويزيدون أن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يبالغ في التخويف من داعش واثارة القلق من الدواعش من اجل ان يبرر تحالفه مع الأسد ..
ويريد هؤلاء الذين يلبسون السراويل القصيرة في مقاهي بيروت ويتسلون بشرب البيرة والعرق الزحلاوي على الروشة أن يقولوا لنا أنه لاداعي لقلق الشيعة اللبنانيين من داعش وان عليهم ألا يصدقوا السيد حسن نصرالله لأن داعش سيقضي على الشيعة في العراق وسورية فقط ويبني دولته هناك ويترك شيعة لبنان ودروزه دون أن يمسهم بأذى لأنهم في لبنان تحت مظلة سمير جعجع ووليد جنبلاط والحريري وشواربهم .. وقد وضع الثلاثة ايديهم على شواربهم لتوثيق الوعد والتطمين ..
كلما استمعت الى ايباك لبنان من جماعة 14 آذار أحس أن الديمقراطية الاقطاعية هي اللعبة الخطرة والقذرة التي تأتي بالمال وتضع هؤلاء ممثلين للشعب اللبناني ولكنهم ممثلون لنتنياهو كما هو الكونغرس الاميريكي .. يصفق له ويقف خاشعا أربعين مرة .. وتحمر الأيدي من التصفيق لابداعاته ..
ايباك 14 آذار لايريد ان يقول الحقيقة للبنانيين من أجل حفنة من الريالات والدولارات .. لأن الايباكيين اللبنانيين يعتقدون ان تنظيم داعش سيدخل لبنان ولكنه سيهاجم حزب الله والشيعة فقط وتنتقي رصاصاته وسكاكينه فقط الأعناق الجنوبية كما انتقت دواعش اسرائيل الضاحية الجنوبية في حرب 2006 وحطمتها وحولتها الى رماد ولكنها تركت مقاهي بيروت (الصديقة) دون أن تمس على بعد أمتار من الضاحية .. وكان مشرط الطيران الاسرائيلي يمر على رصيف الضاحية ويترك الرصيف الآخر لللآذاريين على بعد أمتار سالما بفناجين القهوة وجمر الأراكيل .. والايباكيون الآذاريون يسوقون لجمهورهم أن لاداعي للقلق من تهويلات نصرالله لأنهم محميون بالغرب وفرنسا واسرائيل التي ستحطم داعش اذا اقتربت من لبنان كما تحطمت عند حدود اربيل وعين العرب .. وهؤلاء لايمانعون ان مات حزب الله وحاضنته بينهم بسكين اسرائيل او سكين داعش وان مرت المذابح في طريقها الى الجنوب عبر غرف نومهم ..
وكذلك فانهم في منتهى الصفاقة اذ يريدون من جمهور حزب الله أن ينام بهدوء وألا يقلق من داعش وألا يهاجم داعش قبل أن يصل اليه في قراه ومدنه لأن سمير جعجع وأحمد فتفت تعهدا بأن داعش تنظيم يمكن التفاهم معه بالحوار وسيزجره القبضاي سعدو الحريري حتى تتقصف ركبتا البغدادي من الرعب ..
هذا ليس قصر نظر بل طول باع في الخيانة الوطنية التي تبيع جزءا من الشعب اللبناني أولا وكل الجغرافيا اللبنانية ثانيا ولاتتفهم قلق البعض وهو يرى شعارات لذبحه وذبح مقدساته وليس لاقصائه .. ولكنها اللامبالاة .. الا أن طول باع الخيانة يولد قصر البصر في مجال آخر .. فالايباكي اللبناني لايرى أن هناك في البعيد البعيد محاولة لاجتثاث الوجود المسيحي نهائيا من الشرق .. لأن وجود اسرائيل لايستوي ببقاء المسيحية المشرقية وهي التي كانت تناصب العداء لمشروع اسرائيل الكبرى ولأن المسيحية المشرقية هي التي كانت الجسر والناقل أو "الكبل الحضاري" بين الشرق والغرب لتطوير المشرق واشعال فتيله الحضاري ثانية .. وتألق في ذلك بالذات مسيحيو بلاد الشام .. فالاحتكاك المسيحي الاسلامي في الحروب الصليبية ولد شرارة النهضة في اوروبة اثر صدمة اللقاء مع الشرق المتطور آنذاك في الطب والفلك والعلوم والصناعة والفلسفة وحركة الترجمة عن اليونان .. ولكن تيار الحضارة الآن بدأ بالانتقال بشكل معاكس عبر المسيحيين المشرقيين الذين قادوا الى حد ما عملية نقل التنوير والتثقيف من أوروبة ضد الظلام العثماني .. وربما كان اشد الثوار تطرفا في مشروع نهوض الشرق هم من المسيحيين .. فأكبر الاحزاب شوفينية ووطنية مثل الحزب القومي السوري وحزب البعث أسسها سوريان مسيحيان هما أنطون سعادة وميشيل عفلق .. بل ان أول عملية استشهادية ضد الغرب لم يقم بها مسلمون بل نفذها مسيحي عربي سوري من مدينة اللاذقية اسمه جول جمال ضد بارجة حربية فرنسية (اي مسيحية) في العدوان الثلاثي على السويس عام 1956 عندما دعم السوريون الشعب المصري لرد العدوان ..
ولذلك فان داعش كفكر لن يعفي اللبنانيين من مختلف الشرائح وسيقود عملية تدمير الوجود المسيحي أولا في لبنان اذا تمكن لأنه هدف اسرائيلي بتنظيف الشرق من التنوع ومن المكون المسيحي الذي يشكل نقيضا مهما له لايقل عن النقيض الاسلامي الحقيقي والنقيض القومي العربي .. لأن المسيحي العربي لاينظر الى القضية الفلسطينية كالمسيحي الاوروبي الذي تسيّره ايباكيات اوروبة ..
وغني عن القول أن استرخاء هؤلاء الايباكيين وتخدير السنة والمسيحيين بالجزر والخيار سيدفع ثمنه السنة والمسيحيون في لبنان .. فالى جانب تهجير المسيحيين فان المسلمين السنة سيحظون برعاية أمير المؤمنين بدفعهم الى الجنة وهم بنظره رعية الخلافة الذين سيدفع بهم الى الفتوحات وفق الفكر الداعشي وفكر جبهة النصرة الذي تسيره العقول الصهيونية .. وسيحمل هذا الفكر المسلمين السنة للقتال في حروب بلانهاية وعبثية وسيشحنهم الخلفاء في سيارات الدفع الرباعي كالغنم الى حروب القرن القادم في أوراسيا ليقتلوا ويقتلون .. وبذلك ينتهي الغرب نهائيا من المارد الاسلامي الذي ينتحر في حروب عبثية في العالم .. دون عناء .. وينتهي من الوجود المسيحي الذي يشكل زيت المصباح في الشرق .. والسبب هو هذه النخب الاقطاعية الايباكية التي تصوت بالدولار والريال ولاتعنيها مصالح شعبها وطوائفها تريد اقناعنا أن داعش لايريد من لبنان الا أن يبقى بلدا يصنع له الكبة النية والتبولة والدبكة اللبنانية والعتابا والزجل ..
ولذلك وفي نوع من التحدي يجب أن نطالبهم باثبات وجهة نظرهم بأن يضغطوا على أمير المؤمنين البغدادي كي يصدر الخليفة أمرا عاجلا بمثابة الفتوى التي لاترد ويقضي بتغيير اسم الدولة الاسلامية في العراق والشام الى اسم جديد هو (الدولة الاسلامية في العراق والشام الا لبنان) .. حيث يتخلى الخليفة أمير المؤمنين عن أمارة لبنان وتصدر ملاحق فورية بتغيير الخرائط السابقة التي استثنت لواء اسكندرون السوري (لأنه هبة الدولة الاسلامية الى تركيا الأم العثمانية) حيث أن الخرائط الجديدة ستستثني لبنان من أرض الخلافة .. وسيكون اسم التنظيم الجديد (داعش الا لبنان = داعشال) ..
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment