فيما العالم ينتظر الطلقة الأولى للمعركة القادمة التي ربما يعلن عنها الرئيس الأسد فانني كنت أنتظر آراء منظري الجرب المعرفي والسياسي والثقافي في تفسيراتهم وتوقعاتهم لما سيحدث .. فالعالم لم يبد حائرا كما يبدو اليوم ..
انه عالم يعيش انتظارا قلقا .. فنقلة الشطرنج الروسي كانت بالفعل مفاجئة لمعظم المتابعين لأن هناك قناعة ان الدول مهما اندفعت في مواقفها فانها تفضل ألا تنغمس أصابعها عسكريا في أي صراع خارج حدودها وكانت آخر الدول التي تلقت درسا قاسيا في ذلك هي الولايات المتحدة نفسها في العراق .. وبالرغم من أنني قلت عقب سقوط ادلب في مقالة سابقة بعنوان ( هل ينتظر السوريون العاصفة أم يصنعونها .. ومن يضع اللجام في فم العاصفة؟؟) ان القادم هو في صالح الموقف الوطني السوري وأنني مطمئن بالرغم من العاصفة الهوجاء التي أطاحت بادلب .. لأن لجام العاصفة في يدنا .. فانني كنت بانتظار تأكيد معلومات وصلتني في ذلك الوقت منحتني الثقة فيما أقول .. ونوهت الى أن الأشهر الثلاثة القادمة ستحمل معها لجام العاصفة الذي سيقود الرؤوس الحامية الى نتيجة لايريدون تصديقها من أن بينهم وبين حكم دمشق حربا عالمية ثالثة وأن عليهم احتلال موسكو أولا .. ربما تأخر ظهور تفسير هذا التفاؤل والتوقع شهرين أو بعض ذلك .. لكن المعلومات التي وصلت الي في نيسان الماضي كانت تقول ان علينا انتظار قرارات غير مسبوقة لجهة استخدام أسلحة نوعية لم تستخدم من قبل ستكون قد خرجت في الوقت المناسب .. وعلمت يومها أن بعض مخازن السلاح الحديث في روسيا تستعد للانتقال -مجازيا - الى سورية وسمعت من خبير روسي يفهم سيكولوجيا الكرملين أن رجالات الكرملين قد أخذوا قرارا لارجعة فيه باظهار مدى بأس روسيا في قدرتها على اقتلاع آخر مواسم الارهاب الاسلامي الذي تنتجه المخابرات الغربية ..
السلاح الروسي هو السلاح الوحيد في العالم الذي يتحدى تكنولوجيا الغرب .. وهو السلاح الوحيد الذي يتمنى السلاح الغربي ألا يقع في امتحان معه ومواجهته لأن السلاح الروسي هو الوحيد في العالم حتى اللحظة الذي قد يتسبب في الاضرار بشدة بتجارة السلاح الغربية باظهار السلاح الغربي فاشلا .. والكل يذكر أن هنري كيسنجر قد هدد السادات أن البنتاغون لن يغفر له اظهاره لتفوق السلاح الروسي على الأميركي عندما كانت دبابات السنتريون الاسرائيلية تذوب بقذائف الدروع المصرية والسورية الروسية المصدر وعندما كانت صواريخ سام تصطاد الفانتوم كالعصافير في اكتوبر 73 وخاصة بعد حفلة صيد رائعة في الجولان أسقط فيها السوريون 72 طائرة في يوم واحد حيث ظهر كاريكاتير في احدى الصحف الفرنسية في اليوم التالي يظهر الرئيس حافظ الأسد يرتدي ثياب الصياد وهو راض ومسرور ويمسك بندقية محشوة بطلقات سام وتتدلى على خصره رزمة ضخمة من الطائرات الاسرائيلية التي اصطادها وعلقها كالعصافير في حزامه ..
عقيدة الشيوعيين السوفييت العسكرية هي التي لاتزال سارية في أبناء المؤسسة العسكرية الروسية الآن حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي حيث كانت هناك قناعة شيوعية أن لاشيء يردع الرأسمالية الجشعة الا سلاح يتفوق على جشعها ويلجمه وهناك كلمات شهيرة لستالين يجيب فيها سائله عن كيفية انتصار النظرية الاشتراكية فقال: قل لي كم دبابة لديك أقل لك كم أنت اشتراكي .. اشتراكيتك هي بمقدار مالديك من دبابات .. ولذلك يمكن أن نفهم كيف أنفق الشيوعيون المال الذي كان يكفي لانتاج الرفاهية في المجتمع الاشتراكي من أجل تطوير سلاح لاجم للجشع الرأسمالي المتربص بالشيوعية لأن الرأسمالية كانت ترى أن النظرية الشيوعية جذابة جدا للمجتمعات وهي أشبه بالأفكار الدينية المثالية حتى أنها وصفت بأنها احدى الديانات الجديدة التي تحل محل الديانات القديمة .. ولذلك يجب تدميرها ولو بالقوة قبل أن تبتلع الغرب الرأسمالي ..
وتعلم الروس درسا عندما أخذوا على حين غرة بالهجوم النازي الذي كان تكنولوجيا في غاية التفوق وكادت الشيوعية تدفع حياتها مبكرا ثمنا لغفلة تطوير سلاح يتفوق على السلاح النازي ليحميها .. بل وكشفت أسرار لاحقة أنه بعد سقوط برلين عرض ونستون تشرشل على الحلفاء ضرب العدو الشيوعي الأشد خطرا من النازية متمثلا بالاتحاد السوفييتي بعد خروجه منهكا من الحرب العالمية الثانية .. ومنذ ذلك الدرس القاسي عاشت العسكرية الروسية بسبب ذلك القلق في جو من الاغداق على البحوث والتكنولوجيا العسكرية المتفوقة الرادعة فكانت أول صواريخ عابرة للقارات من انتاج الخبراء الروس .. ثم القنبلة الهيدروجينية الأقوى من بين كل أسلحة التدمير الشامل في العالم .. وكان أول غزو للفضاء في التاريخ من قبل الروس ..
ولكن بالرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي استمرت القناعة ان أعداء روسيا يأتون موسكو من الغرب غالبا منذ نابوليون الفرنسي الى هتلر الألماني وسيقتحمونها ان تخلت عن تطوير السلاح الأفضل في العالم .. ولذلك فان معاهد تطوير السلاح بقيت أثيرة على العسكريين الروس والقوميين الوطنيين الروس حتى في أحلك الظروف الاقتصادية وهم الذين يعلمون أن أعداءهم يحيطون بهم وأن المطلوب بعد تحطيم الامبراطورية السوفييتية هو اقتلاع الأسنان العسكرية والنووية لروسيا بأي طريقة لأن الغرب لايستقر قلبه الا اذا جرد العالم كله من السلاح وبقي هو من يحتكر القوة والسلاح .. ومن هذه الطرق لتجريد روسيا من سلاحها تدميرها من الداخل وتفكيكها أو تحويلها الى دولة فاشلة باكمال النموذج الأفغاني وادخاله اليها .. وكل من تلطخت يداه بدم السوريين اليوم ستتلطخ يداه بدم الروس عندما يحين الوقت .. ولذلك ومنذ أن ظهرت أزمة الشيشان التي يرعاها الغرب انصرف جزء من التصنيع الروسي لتطوير اسلحة فتاكة تناسب حروب الجيل الرابع الاميريكية حيث العصابات المنتشرة على مساحات واسعة وتديرها الايديولوجية الجهادية التي تحشد انتحاريين ومقاتلين يبحثون عن الشهادة ..
كان أول ظهور لعودة تفوق التكنولوجيا العسكرية الروسية هو في حرب عام 2006 حيث دمر الكورنيت الروسي مستقبل أفضل المدرعات في العالم (الميركافا) .. اليوم وبعد أن قرأ الروس الحرب على سورية وهي تمثل في تقنياتها الاستخبارية والأسلحة التي زودت بها المجموعات المسلحة الاسلامية من داعش والنصرة وجيش الاسلام ذروة العقل الاستخباري الغربي .. تردد أوساط غربية متابعة بدقة أنه من المرجح أن تخرج التكنولوجيا الروسية لتوجيه ضربة موجعة للمشروع الغربي بعد أن خرج من مستودعات البحث والأسرار على شكل موجات ارهابية اسلامية مزودة بالمال والتكنولوجيا والسلاح .. فالطريقة التي يمسك بها مقاتلو داعش البندقية هي الطريقة الاميريكية عينها للمارينز والسلاح الذي يستخدمونه والاستطلاع الذي يمكنهم من التحرك نحو الأهداف والمدن برشاقة كمن يهتدي بأقمار صناعية لايمكن الحصول عليه الا من تكنولوجيا غربية ..
لاأستبعد اليوم أن العالم سيشهد عرضا فتانا باهرا للتكنولجيا العسكرية الروسية الأفضل في العالم والتي ستحبس أنفاس العالم .. القاذفات الروسية والقنابل التكتيكية ذات التدمير الشامل التأثير وأجهزة التنصت والتشويش والشل الالكتروني والغازات التي لالون لها ولارائحة والتي تم تخدير الارهابيين الشيشان الذين اقتحموا مسرح موسكو في اكتوبر 2002 وكان بينهم ارهابيون شيشان وعرب (دواعش) .. كل هذه الأسلحة لايستبعد أن بعضا منها ستنزل قريبا الى المعركة لأنه الوقت المناسب لها .. التكنولوجيا الأفضل في العالم ستكون بيد الجندي الأفضل في العالم وهو الجندي السوري .. الجندي الوحيد منذ الحرب العالمية الثانية الذي يحارب على 2000 جبهة في آن معا ولم يستسلم ..
وقد لفت نظري تفسيرات منظري الربيع العربي الذين منذ خمس سنوات يضعون نظريات وتحليلات نكتشف كل يوم أنها كانت مجرد نظريات الجرب المعرفي وهم سبب البلاء والجرب الثقافي والأخلاقي الذي انتشر في العالم العربي لأنهم يوزعون تفسيرات جرباء لكل مايحدث .. هؤلاء خرجوا علينا بنظرية لن يتمكن حتى عزمي بشارة على الاتيان بمثلها مهما حاول ممارسة الفهلوية وفن تبييض الأحداث وتقول هذه النظرية: ان روسيا ذهبت بنفسها للدفاع عن نظام الأسد لأنه وصل الى نقطة حرجة عسكريا وميؤوس منها .. والقوات الروسية تذهب في رحلة عاجلة لمحاولة انقاذه من جيش الفتح وزهران علوش (تكبير) ..
ولمعرفة الحقيقة عليكم أن تنظروا الى التحركات التي اتجهت نحو موسكو وهي تعكس حالات القلق الجدي على الارهابيين الاسلاميين والثوار السوريين ومصيرهم وهم في مواجهة السلاح الروسي ولو كانت هناك ثقة بأن انهيار الدولة السورية صار وشيكا فان كل تحركات روسيا لن تواجه الا بالتحدي والتجاهل .. فأول زيارتين بعد الكشف عن الجسر الجوي الروسي كانتا من قبل نتنياهو وشقيقه اردوغان وهاتان الزيارتان المستعجلتان تدلان على مأزق ينتظر الرجلين عبر ضرب التنظيمات الارهابية .. وهما المشرفان على الثورة السورية والقائدان الحقيقيان لها لأن الباقي من العربان هم صندوق يدفع المال وتلفزيون ومنبر يضخ الدين المسموم .. هذان الرجلان يشدان الرحال الى موسكو حيث وصل نتنياهو وبعده سيصل أردوغان .. والحقيقة أنهما المشرفان الميدانيان حصريا على القاعدة وداعش في المنطقة وهما الأكثر قلقا على داعش والنصرة من الغضب الروسي .. ولكل منهما مطالبه وعروضه ومناوراته التي يتذرع بها لحماية مصالح شعبه ويتستر بها ولكن الهمّ الكبير هو انقاذ داعش والنصرة.. فحسب مصادر تركية مطلعة فان أردوغان يريد أن يقول لبوتين أنه يخشى أن ضرب موسكو للثوار سيزيد شوكة الكرد في شمال سورية وهو همّ تركي وروسي ولذلك فان ابقاء توازن بين الثوار والكرد هو من مصلحة تركيا أو على الأقل يجب أن يشمل سلاح موسكو حزب العمال الكردستاني .. أما نتنياهو فانه يريد أن يحمي جبهة النصرة في الجنوب ويطلب من بوتين أن تتعهد موسكو ألا تستخدم سورية السلاح جنوبا مع النصرة لأن هذا السلاح قد يستخدم ضد اسرائيل بحجة القضاء على النصرة كما أن اسرائيل تعلم أن هذا السلاح قد يصل الى حزب الله الذي يهدد أمنها وهذا مالن تتحمله اسرائيل واميريكا.
لكن دعكم من كل هذا الجرب السياسي فالرجلان يحاولان حماية داعش وجبهة النصرة أو التخفيف ماأمكن من حجم الضربة المعدة لحلفائهما الذين حمتهم الطائرات الأميريكية حتى هذه اللحظة .. وأردوغان ونتنياهو في موسكو في مهمة أميريكية لحماية الجولاني والبغدادي بسرعة قبل أن تنزل روسيا بثقل سلاحها النوعي المتفوق .. لأن حجم السلاح الروسي ان تم استخدامه اليوم سيجعل العالم يرى مشاهد لداعش والنصرة وجيش الفتح لم يشهد مثلها في عملية قبل اليوم وقد يسميه الاسلاميون يوم الفتك العظيم عندما يتعامل الروس مع هذه التنظيمات العنكبويتة جوا وبتقنيات الرصد والتنصت الفائق ويثبتون أن التنسيق مع القوات السورية البرية على الأرض هو الدواء الناجع والسريع لتحقيق التدمير المطلوب بدل تمثيليات الغرب والتحالفات الكاريكاتيرية لتدمير تنظيم مثل بيت العنكيوت يسمى داعش أو جبهة النصرة .. تمثيليات لايضاهيها الا تمثيليات العرب في حرب تحرير فلسطين منذ ستين عاما ولم يتحرر شبر واحد الا عندما قاتل حزب الله بالسلاح الروسي والايراني والسوري لأول مرة دون خيانات ملك الأردن حسين وبراغماتية أنور السادات وتذبذباته ودون معونة العرب وجيوشهم الجرارة التي تشبه جيوش التحالف الدولي ضد داعش .. جيوش العرب لم تنتصر على داعش اليهود في اسرائيل رغم 60 سنة انتظار وشراء أسلحة وعتاد وخطابات ومؤتمرات .. واليوم تقول جيوش التحالف انها تحتاج 30 سنة لتحرير الموصل من داعش !! ..
ماأشبه اليوم بالأمس .. فكما أن اول حرب أعد لها دون تخاذل وانتظار الجامعة العربية كانت عام 2006 وأثبت المحاربون فيها أن نظرية العربان من أهل "الخليج المحتل" بأن اسرائيل قدر لايقهر هي نظرية تخديرية استسلامية خيانية وأن بيت العنكيوت أقوى من اسرائيل الواهية .. اليوم سنكتشف ان بيت داعش والنصرة أوهى من بيت اسرائيل .. وهناك ثقة كبيرة متبادلة بين الروس والسوريين وحزب الله بأن أفضل من استخدم السلاح الروسي كانوا حلفاءهم السوريين وحزب الله ..
المواجهة التي ينتظرها العالم هي بين الجيش السوري المسلح بالسلاح الروسي الجديد وبين من سيرى العالم أنه بيت عنكبوت يسكن فيه البغدادي والجولاني وبقية الاسلاميين الذين ربّاهم نتنياهو وأردوغان في مزارع الاسلام الوهابي .. واعلان أن موسكو ستدرس ارسال قواتها الى سورية ان طلب منها ذلك رسالة مفادها أن أي تدخل تركي او ناتوي لحماية جيش الفتح أو داعش من الغضب السوري الروسي سيعني الحرب على روسيا لأن الحفاظ على هذه التنظيمات هو ماسيوصلها الى قلب موسكو .. ولاتزال موسكو تتذكر بمرارة وحشية مدرسة بيسلان ومسرح موسكو وهما جزء صغير جدا يعكس ما تفعله داعش والنصرة في سورية وماستفعلانه في روسيا .. ولذلك توجب تحجيمهما في سورية بيد الجيش السوري والسلاح الروسي الذي يحتاجه لردع تركيا وغيرها .. واذا اعتقد البعض أنه سيتحدى قرار روسيا وأن الأميركيين سيدفعون بسلاح نوعي أيضا فان عليه أن يعلم أن روسيا اليوم تقاتل عن "روسيا" وستنتقل الى التصعيد وستفتح مخازن سلاح جديدة .. وستذهب في التحدي الى آخر مدى ..
أنا لاأعرف حيثيات القرارات التي يتخذها الزعيمان السوري والروسي ولاأعرف حساباتهما الدقيقة جدا وتوقيت ساعتيهما .. ولكن يبدو أن بداية العرض العسكري الحي الفتّان تنتظر اشارة من الرئيسن بوتين والأسد .. فمتى يبدأ العرض الذي ينتظره العالم على أحر من الجمر؟؟ ..
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment