يعاتبني بعض المصريين لما يشعرون بأنه اهتمام زائد بالشأن السوري وينتقدني بعض السوريين بما يعتبرونه تدخلا في شؤون بلدهم.
من الواضح أن الفئة الأولى لديها قصور شديد بأهمية مستقبل سورية على مصر والأمن القومي المشترك أما الفئة الثانية فموقفها يثير الدهشة العارمة؛ فهم يقبلون تدخل عنان والإبراهيمي والجبير وكيري وفورد وأوباما وأولاند وكاميرون وأردوغان بل إن بعضهم ينادي، من دون خجل، بالتدخل الأجنبي والحماية الدولية، والبعض الآخر يتعاون مع الكيان الصهيوني. أقول بالبلدي «اشمعنى». علي أي حال فإن مساهمتي ليست تدخلا بل مشاركة واجبة في شأن يخص مباشرة كل مصري وسوري وعربي ملتزم، إن كنتم لا تعلمون! وحتى على المستوى الفردي نجد أن حريقاً في منزل مجاور يستدعي فوراً مساعدة الجيران، ليس فقط حماية لهم، بل لدرأ الخطر عن النفس فما بال الأمر عندما يكون متعلقاً بمصالح شعب ومستقبل أمة!
وفي الوقت الذي تتعرض فيه سورية لعدوان قوى الرجعية العربية والتكفيرية والصهيونية بقيادة الإمبريالية العالمية فمن القصور الذهني الشديد والجهل العميق عدم التمسك بمنهج الرؤية الشاملة الواعية بالأبعاد الجغرافية والتاريخية والتنموية والثقافية في إطار علاقات القوى العالمية.
المعارضات السياسية وأنواعها
ليس غريباً أن تكون هناك ألوان وأطياف مختلفة بين معارضين للسلطة قي أي مكان وأي زمان والمعارضة السورية الحالية لا تتميز عن معارضات أخرى في هذا الأمر. وعلينا أن نتذكر على سبيل المثال ما حدث إبان الغزو الثلاثي على مصر عام 1956 عندما استعدت عناصر معادية لنظام عبد الناصر لاستلام الحكم أما الإخوان المسلمون فلم يخف بعض عناصرهم فرحتهم بقرب وصول المنقذ الأجنبي. وهل ننسى عندما أعلن الشيخ الشعراوي صلاته شكرا لله لهزيمة 1967. عندما نقول إن هذا التصرفات متوقعة من عناصر لا تكترث بالوطن وكرهها العميق لقيادات الدولة تؤدي لانحرافها، إلا أن هذا لا يمنعنا من الشعور بالاشمئزاز العميق والاحتقار الشديد لأصحابها.
عندما نعطي أي معارضة صفة الوطنية أو غير الوطنية، لا بد أن أردنا الموضوعية أن نحدد مقاييس واضحة وثابتة لما هو وطني أو غير وطني. إن أهم هذه المعايير أنه إذا واجه الوطن خطر داهم كعدوان خارجي أو إرهاب مدمر، يتحتم علي المعارضين الوطنيين تنحية كل الخلافات جانباً مؤقتاً حتى يزول الخطر، وعدم إعطاء أي فرصة للمعتدي أن يستغل أياً من هذه الخلافات لمصلحته. ولا يمكن اعتبار من يكسر أو يتخلى عن هذا المبدأ الراسخ شعبياً عبر العصور معارضاً وطنياً.
المعارضة التابعة
تعلمنا أن أوقات الشدة سواء على المستوي الشخصي أو الوطني تفرز ما هو أصيل وما هو زائف. فعندما بشرت قوى العدوان أن النظام السوري على وشك الانهيار سارعت شخصيات معارضة لإعلان مواقفها الانتهازية تحت رداء الحماس المخادع «للديمقراطية» و«الحرية» دون اكتراث بمصير الوطن أو الأهداف المدمرة التي سعى المعتدون لتحقيقها. رأينا البعض ينادي بالحماية الدولية والبعض الآخر يشجع ضباط وجنود الجيش الوطني على التمرد أو الانشقاق بل تبني البعض علما استخدم أيام الانتداب الفرنسي بدلا من علم الجمهورية العربية المتحدة. وقابل البعض السفير الأميركي فورد، رمز العدوان والتآمر. هل طلب الحماية من أطراف مارست العدوان والنهب والاحتلال على الأمة العربية مثل أميركا أو دول أوروبية عاتية في الاستعمار، حتى لو كانت مرتدية الثوب الدولي، وهيئة الأمم، هل يكون هذا عملاً وطنياً؟ والمهم أن هناك نماذج حديثة أمامنا لمثل هذا التدخل الأممي في العراق وليبيا ويوغسلافيا، والتخريب الهائل الذي لحق بهذه الدول وشعوبها.
ورغم تطور الأمور ووضوح طبيعة ما تتعرض له سورية، ما زال يطل علينا عبر التلفزيون نماذج مختلفة من المعارضة السورية فمنهم من يردد نفس مقولات ومصطلحات الأعداء ما يجعل من الصعوبة التمييز بين مواقفهم ومواقف العدو المتربص. وهناك من يخفي منطلقاته العنصرية والمذهبية فيجيء خطابه متسما بالبلاهة والعته. وهناك من يغير مواقفه فيفقد احترام الجميع لانتهازيته الفجة. مشهد جنوني، هزلي يشبه مسرحيات اللامعقول. عندما يقول أحدهم إن الحل السياسي لا بد أنه سبق الحل العسكري، وهو لا يملك أي حضور في الواقع، فالأجدر به أن يقول صراحة «على السلطة أن تستسلم لإرهابيي النصرة وأحرار الشام وجيش الفتح وداعش… إلخ».
تعويذة «بشار لازم يرحل»
لماذا يصر كيري وفورد وأولاند وأردوغان وغيرهم على رحيل الأسد؟ وكما عبر مواطن مصري في مقهى شعبي «مال أهلكم». ما شأن هؤلاء؟ هل هم مواطنون سوريون؟ فإن هذا الأمر تحديداً يخص السوريين وحدهم. أصبحت هذه المقولة بمنزلة تعويذة للقيادات الأميركية وتوابعهم العرب تردد كل صباح ومساء قبل الأكل وبعده.. «لابد من رحيل الأسد».. «الأسد قاتل لشعبه».. «الأسد دكتاتور لا بد من إزاحته» مقولات تردد من دون وعي أو منطق كأي إعلان لمنتج أميركي. فكيف أن رحيل الأسد سيجلب الرخاء والنعيم للشعب السوري؟ وهل أصبحت سعادة الشعب السوري شغلكم الشاغل فجأة؟ أن أحد ألاعيب قوى الهيمنة هي اختزال شعب ودولة ومؤسساتها وتاريخها في شخص تم تصويره كأنه صاحب كل المصائب وبذلك لا بد من إزاحته وهذا يتطلب بالضرورة حملة لتسويق واسعة. أعطي هذا الأسلوب غطاء للتآمر والعدوان والاحتلال في أماكن عديدة مثل العراق وليبيا ورومانيا وبنما وكوبا… لم تستعمل تعويذة الرحيل في حالات أخرى مثل حكم آل ـسعود والكيان الصهيوني والسفاح بينوشييه في شيلي وساليزار في البرتغال وغيرهم الكثيرون من أتباع الإمبريالية. لن ينجح هذا الأسلوب في الحالة السورية لأسباب موضوعية أهمها صمود الشعب وجيشه الوطني.
الوجه المضيء والمشرف للمعارضة الوطنية
هناك وجه آخر يستدعي الإشادة الكبيرة به، أصحابه معارضون ملتزمون بوطنيتهم رغم اختلافاتهم القوية مع النظام. هذه العناصر تعطي نموذجاً رائعاً لماهية المعارضة الوطنية. فالمبدأ الأساسي الذي يرقى لمستوى القانون هو: «عندما تقع الدولة ومؤسساتها ومستقبلها تحت تهديد مباشر من أعدائها يصطف المعارضون الوطنيون وراء النظام وتؤجل الخلافات من دون تناسيها لحماية الوطن». أعرف أحد هؤلاء المعارضين السوريين الذي قال «أعارض النظام بشدة ولكني مستعد تضحية بحياتي لحمايته» إن مثل هذه الشخصيات هي التي تشكل حماية قوية للوطن كما أنها تمثل عنصراً أساسياً للصمود، وبعد ذلك الانتصار. يذكرني هذا الموقف لمساجين سياسيين حبسهم عبد الناصر عندما بكوا بحرقة عند علمهم بوفاته».
من المنطقي إذاً أن نجد على الساحة السورية مواقف واضحة ومعلنة من معارضين سوريين يقفون مع النظام في مواجهته للإرهاب وأعداء الأمة كأولية تمليها المخاطر المحدقة من دون التناسي أو التخلي عن طموحاتهم من أجل بناء مجتمع سوري أكثر عدلاً وحرية ونهضة تشمل تقدماً علمياً وتكنولوجياً. لا نستبعد بل نتوقع مواقف جماعية معلنة في هذا الوقت تحديداً لأصحاب هذا التوجه. سيمثل هذا الموقف دعماً قوياً للجبهة المناوئة للإرهاب والقوى المساندة له. إن إعلان هذا الموقف المساند للدولة في هذا التوقيت تحديداً، سيكون له أهمية بالغة لعزل المعارضين الانتهازيين وإغلاق الباب على النهج الطائفي والمذهبي للحفاظ على سيادة الوطن واستقلالية قراراته.
أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية وجامعة ولاية ميشجان سابقاً
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment