نارام سرجون
لن أستعمل دم الشهيد ناهض لأرشق به عدوي، ولن أصنع منه حبراً أو رصاصاً أذخر به غضبي، فهذه الدماء لا يصنع منها الا الضوء، ولن نجعل دمه منصة نعتليها لنلقي الخطابات والمقالات كما يفعل الثوار الذين يبيعون خطاباتهم الصناعية في أسواق النفط، ولن أسمح لنفسي أن ألوث دمه كما لوث سعد الحريري دم أبيه بأحذية تيار المستقبل وانتهازييه ووصولييه، الدم الذي لعقته ألسنة كلّ المنافقين كما تلعق العناكب دم ذبابة، والتصق دمه بأحذية لجان التحقيق والمحاكم الدولية التي مرّت عليه كما لو كان رصيفاً في شارع مزدحم،
لن أفعل أيّاً من هذا، بل سأحمل كلّ قطرة من دم ناهض وأسجيها على سطوري، وسأصنع من قلبي زجاجة أخبّئ فيها هذا الزيت الأحمر المضيء ليشعّ نورها في هذا الظلام، نوراً على نور، فأولئك الشهداء لا يجوز أن يكون دمهم الا زيتاً مقدّساً يضيء ونتبارك به، وغرسة زيتون نزرعها في أرواحنا لتكبر فينا وتتحوّل أرواحنا إلى حقول زيتون.
لكني يجب أن أخاطب دم فقيدنا وأحدّثه وهو مسجى أمامي ولا يزال ساخناً تملؤه حرارة الأرض وحرارة الحب لهذا الشرق الذي نملكه جميعاً، لأقول بأنّ لديّ اتهاماً لا يحتاج إلى لجنة تحقيق ولا إلى استجواب الجاني، فالجاني المجنون لا يختلف عن رصاصاته على الإطلاق، فكلاهما لا يفكر بل يستجيب لأصابع تضغط على الزناد، وأنا أبحث عن البصمات والأصابع التي تضغط على زناد القتل،
وإذا كان الكاتب الفرنسي إميل زولا صاحب رسالة «اني أتهم»، الشهيرة التي وجهها إلى الرئيس الفرنسي منذ أكثر من قرن من أجل إظهار الحقيقة في قضية دريفوس الشهيرة، فإنني سأعيد اليوم استعمال العنوان لأوجهها إلى الشعب الأردني والى الأحرار لأعلن أنني أتهم السلطات الأردنية بأنها وراء اغتيال الكاتب الأردني والمفكر التقدمي الكبير ناهض حتر، ولن أوجهها إلى الملك وذاته الملكية الانكليزية اليهودية التي نزلت علينا بالبريد العاجل في الحقيبة الديبلوماسية للسفارة البريطانية على غير توقع وانتظار، فآخر ما يعني هذا الملك الذي يستضيف القتلة هو أن يحمي فكر ناهض حتر.
منذ أن أثير الضجيج حول قضية الذات الإلهية التي مسّها ناهض حتر كان من الواضح انّ القضية أتفه من أن تستدعي هذا الضجيج، لأنّ ما ينشر على صفحات اليوتيوب وتويتر أكثر خطورة بكثير مما نشره ناهض ببراءة، ولكن الضجة المفتعلة والمعدّة بعناية أريدَ بها أن يتمّ التحضير لإلصاق التهمة بالإسلاميين وهم الذين حوّلوا أنفسهم إلى حمير تحمل كلّ أسفار القتل، وصاروا قتلة وأشرار العالم لأنهم يباهون بالعنف ويدعون اليه على شاشات التلفزيون وفي برامجهم، ويدافعون عن الجريمة ويسمّونها جهاداً، ويدافعون عن الزنى ويسمّونه جهاد النكاح، ولذلك أثيرت قضية إهانة الذات الإلهية كذريعة سابقة لتصوير اغتياله على أنه بسبب تهوّر الإسلاميين الغاضبين، ولكن الحقيقة هي أنّ الذات الملكية أهانتها حرية ناهض حتر وليست الذات الإلهية، والذات الملكية أهانها تمرّده من أجل فلسطين والمقاومة وسورية رغماً عن إرادة الغرب وليّ نعمة الذات الملكية، وناهض لم يتردّد في أن يضرب العاصفة في خاصرتها عندما انضمّ إلى الأحرار، وأعلن عدم قبول المشروع التقسيمي والطائفي للمنطقة، ودافع عن وحدة الشرق العربي بكلّ مسلميه وكلّ مسيحييه، ولا شك أنّ الذات الملكية لا ترى إلا الذات اليهودية ومشروعها، وكان من الصعب جداً التخلص منه مباشرة فكان لا بد من تطوير سيناريو يزيّن للإسلاميين اغتياله ويكون تكليف الإسلاميين بتصفيته مبرّراً.
انّ المبالغة في معاقبة الكاتب بسجنه بسبب رسم لا علاقة له به كان تحريضاً وإشعاراً للإسلاميين انه تمّ رفع الغطاء عنه، وأنه ارتكب الكبائر التي لا يجامل فيها، لأنّ السجن كان بذريعة انه من أجل احتواء غضب الإسلاميين، الا أنّ السجن منح الإسلاميين شعوراً أنّ الذات الملكية تتفهّم غضبهم وتتفهّم ردود أفعالهم وهي استجابت لضغوطهم، وهنا منحهم النظام الملكي الشعور انّ ناهض حتر صار هدفاً سهلاً لأنّ سجنه لفت أنظار الإسلاميين اليه على انّ ذنبه كبير وأنّ قصاصهم صار مشروعاً، ولولا هذه التوطئة الدنيئة بإثارة القضية وسجن المفكر لما مات ناهض حتر، ولكان بيننا الآن.
ولذلك، ومن كلّ ما تقدم، فاني أتهم النظام الاردني بكلّ أركانه.
اني أتهم النظام الأردني بأنه هو الذي مهّد لعملية الاغتيال وهيأ لها الرأي العام باختلاق مشكلة من نشر الشهيد ناهض حتر رسماً نشره عشرات الآلاف مثله، ولكن التسديد والتحريض كان على ناهض حتر وحده بشكل مقصود في زمن يجول فيه القتلة باسم الله في الشرق، وينحرون البشر باسم الله، فعندما يقدّم لهم النظام الأردني اسم ناهض حتر على أنه أهان الله فإنه يريد منهم قتله، وتبدو اية إشارة إلى مسّ بالله حكماً بالإعدام كلف به الإسلاميون الوهابيون.
وإني أتهم النظام الأردني بالتحضير لعملية الاغتيال عبر سجن الكاتب ناهض حتر وإثارة الرأي العام حوله بسجنه وتعريضه للدعاية الوهابية السوداء وتصويره على أنه أغضب الذات الإلهية مما أغضب الذات الملكية التي غضبت لغضب الذات الإلهية.
واني أتهم النظام الأردني بأنه بسجنه للشهيد ناهض حتر سلّط الضوء عمداً على قضية الرسم الذي يمسّ الذات الإلهية والتي كانت مجهولة ولم يكترث بها الرأي العام إلا عندما اصطنعت السلطات الأردنية الضجة حول ناهض حتر والتهويل مما فعله، مما أثار ردّ الفعل الغاضب.
وإني أتهم النظام الأردني بأنه هيأ الأجواء لعملية الاغتيال بالترويج انّ الناهض حتر يتلقى تهديدات بالقتل داخل السجن وهذه دعاية سوداء كان يريد منها أن يستبق عملية التخلص من الكاتب الحرّ والمناضل والمفكر الناهض بالإيحاء انّ أجواء الانتقام منه لا يمكن التحكم بها وأنّ اغتياله أمر متوقع.
إني أتهم النظام الأردني أنه أراد التخلص من ظاهرة ناهض حتر لإرضاء «إسرائيل» والسعودية لأنّ الذات الملكية الأردنية لا تريد أصواتاً مناهضة لـ»اسرائيل» وللسعودية ومشاريعهما التكفيرية، ولا تريد ظاهرة المفكرين الأحرار العابرين للطوائف الذين يبارزون الأعاصير ويكونون مثل الغابات في وجه العواصف.
واني أتهم النظام الأردني بأنه تخلص من ناهض حتر كرمز من رموز المقاومة الفكرية التي لم تخف من العاصفة الإسلامية الهوجاء ولم يختبئ في الملاجئ بذريعة انّ العربي المسيحي لا يحق له أن يكون له قول في القضايا الوطنية التي يدلي فيها الإسلاميون المؤمنون بدلوهم، خرج ناهض وصفع العاصفة على فمها وضربها بسوط المسيح الذي ضرب فيه التجار والصيارفة في الهيكل.
أني اتهم النظام الأردني باغتيال ناهض حتر لأنّ هذا الكاتب والمناضل الحرّ أعاد لنا بشخصه أزمنة الكفاح الفكري الجميلة واختصر زمنين جميلين هما: زمن غسان كنفاني، وزمن ناجي العلي، وهؤلاء لا يحبون الذوات الملكية من أيّ نوع ومن أيّ مذاق لأنه لا توجد ذات ملكية ليس للانكليز يد فيها في كلّ الشرق،
«إسرائيل» وأذيالها من كلّ الذوات الملكية العربية لا تريد أن يكون بيننا مفكرون وقادة رأي وأحرار وقادة كبار وزعماء، لا يُراد أن يكون في هذا الأمة غسان كنفاني ولا ناجي العلي ولا جمال عبد الناصر ولا حافظ الأسد ولا بشار الأسد ولا حسن نصرالله، تريدنا أمة من طراز حمد بن خليفة وجاسم بن جبر وابنته وفيصل القاسم والجربا والشقفة وميشيل كيلو وجورج صبرة، وهي تستعمل الإسلاميين هذه المرة للتخلص من أعدائها،
أخيراً، ماذا عساي أقول محتجاً ومعاتباً الذات الإلهية التي ادّعى النظام الأردني أنه غضب للمساس بها؟؟
يا أيتها الذات الإلهية كيف تأخذين منا ناهض حتر وتتركين لنا ميشيل كيلو وجورج صبرة، فأيّ ذات الهية أنت؟ وما هذه الذات الإلهية التي تأخذ دوماً المسيح وتترك لنا دوماً يهوذا الاسخريوطي، منذ زمن المسيح وحتى اليوم…؟
Related Videos
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment