Pages

Wednesday, 12 October 2016

حلب: الفصائل المسلّحة تتحضر لهجوم «النفس الأخير» Aleppo: armed factions preparing to attack «last breath»




جندي سوري يحمل قاذف «آر بي جي» على كتفه خلال عملية للجيش على أطراف دمشق لتعزيز تواجده على الطريق السريع بين العاصمة وحلب (أ ف ب)

عبد الله سليمان علي

جريدة السفير بتاريخ 2016-10-12 على الصفحة رقم 1

«فراغُ الجعبة» ليس الهاجس الوحيد الذي يُؤرق قادةَ الفصائل المسلّحة في مدينة حلب ومحيطها القريب. فأمامَهم أيضاً «تضاربُ الأجندات والأولويات»، الذي تجلّى مؤخراً بضغوط تركية متصاعدة لزيادة عديد المسلحين المشاركين في عملية «درع الفرات»، واعتبار المعركة في الريف الشمالي ذات أولوية قصوى لا تتقدمُها أولويةٌ أخرى. وقد تزايدت هذه الضغوط بعد فشل محاولات تجنيد النازحين في مخيمات اللجوء رغم إغرائهم برواتب وتعويضات مالية مُجزية، وهو ما يعني أن المطلوب من الفصائل رفع مُستوى مشاركتها في المعركة ضد «داعش»، على حساب المعركة في حلب التي يبدو أن تركيا تضعُها حالياً في مرتبة متأخرة عن سابقتها.

وهناك أيضاً «عامل الوقت» الذي يدرك قادةُ الفصائل أنه لا يسير لمصلحتهم، خصوصاً في ظلّ الاحتدام الدولي الحاصل على خلفية ما يجري في حلب، وإمكان أن ينعكس هذا الاحتدام سلباً عليهم، لا سيما لجهة تحرّر موسكو من أي التزامات تجاه واشنطن بخصوص ضبط المعركة أو وضع خطوط حمراء من شأنها أن تكبح تقدم الجيش في الأحياء الشرقية من المدينة.

كما أن تصاعد الخلافات بين الفصائل، ووصولها في بعض الأحيان إلى درجة التهديد بالإبادة ضد بعضها بعضاً، بات يشكل عبئاً إضافياً يُثقل كاهلها، ويُقللّ من قدرتها على التقاط الأنفاس، خاصةً أن الجيش السوري، مدعوماً بالطيران الروسي، أخذ يُكثّف في الأيام الأخيرة من ضغوطه العسكرية على هذه الفصائل، عبر شنّ موجات متتالية من الهجمات من دون أن يترك أي فاصل زمني بين موجة وأخرى. وخيرُ مثالٍ على ذلك، الهجمات التي يشهدها حي الشيخ سعيد، الذي يُعتبرُ بوابةَ الأحياء الشرقية، وكان آخر هذه الهجمات، فجر أمس، حيث تمكن الجيش من التقدم إلى بعض النقاط قبل أن ينسحب منها، وسط معلومات تؤكد أن إحدى غايات الجيش في هذه المرحلة من وراء الهجمات المتتالية، هي التأثير على مخزون السلاح لدى الفصائل، من خلال إجبارهم على خوض معارك دفاعية مستمرة.

هذا الواقعُ المُزري وضعَ الفصائل المُسّلحة أمام خيارات محدودة أحلاها مرّ. فإما الاستمرار في وضعية الدفاع ومحاولة التصدي لهجمات الجيش السوري التي لم تتوقف لحظة منذ أيام عدة، لكن مشكلة هذا الخيار أنه يجعل من «فراغ الجعبة» شبحاً ماثلاً أمام أعين قادة الفصائل طوال الوقت، لأن ما يجري استهلاكه من ذخيرة في صدّ الهجمات المتتالية للجيش غير قابل للتعويض بسبب الحصار وانقطاع خطوط الإمداد. أما الخيار الثاني، فهو المبادرة إلى الهجوم، من باب أن فتحَ مستودعات الذخيرة والسلاح لشنّ محاولة أخيرة تهدف إلى فكّ الحصار عن معاقلهم في الأحياء الشرقية يبقى أفضل من استهلاك مخزوناتهم في حرب دفاعية ليس لها أي أفق استراتيجي.

ويبدو أن «جبهة النصرة»، المتحمسة لخيار الهجوم، نجحت في إقناع باقي الفصائل بجدوى هذا الخيار وحظوظه من النجاح، وذلك بعد عدد من الاجتماعات التي عُقدت في الآونة الأخيرة بين قيادات الفصائل لبحث معركة أحياء حلب الشرقية وكيفية التعاطي معها. وما شجّع الفصائل على تبنّي هذا الخيار، برغم أنه سيكون بحكم المغامرة في ظل الحصار المطبق المفروض عليها، هو الحاجة إلى شدّ عصب «جيش الفتح» وحلفائه من الفصائل الأخرى بعد سلسلة الهزائم التي تعرضوا لها، سواء في حلب أو حماه، والتي تزامنت مع اندلاع «الفتنة» بين «أحرار الشام» و «جند الأقصى» التي كادت تطيح وحدة هذا «الجيش» وتمزقه إرباً، لولا مساعي اللحظات الأخيرة التي انتهت بفرض حلٍّ لم يحظ بالحماسة المأمولة.

وفي الاجتماع الأخير الذي عُقد في اليومين الماضيين، اتفقت الفصائل، وعلى رأسها «جيش الفتح» و «فاستقم كما أمرت» و «جيش المجاهدين» و «الجبهة الشامية»، على تبني خيار الهجوم المعاكس. وفي خطوةٍ تشير إلى جدية هذا التبني بحسب مصادر إعلامية مقربة من بعض هذه الفصائل، فقد تمّ الاتفاق على اسم القائد العام لمدينة حلب الذي يُرجح أنه ينتمي إلى «أحرار الشام» واسم القائد العسكري للهجوم وهو من «جبهة النصرة» ويرجح بعض النشطاء الإعلاميين أن يكون أبو حسين الأردني الذي ذكرت معلومات سابقة أنه تولى قيادة «جيش الفتح» مكان أبي عمر سراقب.

وقد يكون الهجوم الذي أطلقته بعض الفصائل في ريف اللاذقية، أمس الأول، تحت مسمى «معركة عاشوراء»، أحد المؤشرات على أن ساعة الصفر بالنسبة للهجوم المعاكس في حلب باتت قريبة. لأن الهدف من إطلاق هذه المعركة التي لم تحرز أي تقدم على الأرض، قد لا يكون سوى محاولة لصرف انتباه الجيش السوري والضغط عليه للتخفيف عن جبهة حلب، وهي الخطوة ذاتها التي اتخذتها الفصائل قبل هجومها الأخير على ريف حلب الجنوبي ومنطقة الكليات، حيث تعمدت استباقه بهجوم في ريف اللاذقية.

وفي هذا السياق، كشف أبو عمر الحلبي، وهو قائد عسكري في «أحرار الشام» لوكالة «قاسيون»، أمس، أن الفصائل ستبدأ معركة كسر الحصار عن مدينة حلب و «أن العمل العسكري المقبل سيشمل الفصائل العسكرية كافة، على أن يكون بمجلس عسكري واحد، وبقيادة قائد عسكري واحد للفصائل كافة، بما فيها جبهة فتح الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية»، مشيراً إلى أن الهدف لن يقتصر على كسر الحصار، بل «ستكون حلب بأكملها في قبضة المعارضة السورية».

ودعا الحلبي «المدنيين في حلب الشرقية إلى التحلي بالصبر، لأن الاقتحاميين والانغماسيين سيدخلون إليهم قريباً»، وهو ما يذكّر بتصريحات سابقة أطلقها السعودي عبد الله المحيسني إبان معركة الراموسة والتي تحدث خلالها عن «تحرير كامل حلب» بواسطة «ألف انغماسي»، إلا أن النتيجة كانت كارثية بالنسبة له، سواء لجهة أعداد القتلى الذين سقطوا في منطقة الكليات أو لجهة الخسارة الميدانية المهينة التي لحقت بقواته، وتمكن الجيش من إعادة الطوق على الأحياء الشرقية ومن ثم التقدم شمالاً وجنوباً.

وكان ملهم عكيدي، القائد العسكري في «فاستقم كما أمرت»، قد تحدث قبل أيام عن نية الفصائل شنّ هجوم معاكس، لكنه كان أكثر تواضعاً في تقديراته، حيث وضع احتمال الهزيمة في الحسبان، مشيراً إلى أن أكبر التحديات التي تواجه الفصائل هي الحصار وقطع خطوط الإمداد بالسلاح، وكذلك الافتقار إلى أعداد كافية من المقاتلين لتغطية كل المحاور، وهو ما دفعه إلى طرح اقتراح بتوزيع السلاح على الراغبين بالقتال من دون الاشتراط عليهم الانضمام إلى فصيل معين.

وأياً تكن التحضيرات التي تقوم بها الفصائل المسلحة في سبيل شن هجومها المعاكس، فإن جميع المؤشرات تدلُّ على أنه سيكون «هجوم النفس الأخير» بالنسبة لها لأنها ستكون مضطرة إلى استهلاك القسم الأكبر من مستودعات أسلحتها ومخازن ذخائرها وقذائفها من أجل فتح ثغرة نحو الأحياء الشرقية لا أحد يعلم إذا كانت ستتمكن في حال فتحها من الحفاظ عليها، كما حدث مع ثغرة الراموسة من قبل. كما سيؤثر ذلك على قدراتها الدفاعية بوجه هجمات الجيش السوري التي ستلي هجومها سواء نجح أو فشل. وهذا ما دفع العديد من النشطاء إلى القول إن الهجوم المعاكس سيكون له «طابع انتحاري».


River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments:

Post a Comment