Pages

Tuesday, 25 October 2016

المعركة الأخيرة في حلب قريبا .. والتاريخ يسأل الأسد: كم تساوي حلب؟؟



نارام سرجون

في المشهد شبه الأخير من فيلم “مملكة السماء” للمخرج البريطاني ريدلي سكوت الذي يصور نهايات (المملكة الصليبية) المقدسة في فلسطين وساعاتها الأخيرة في القدس حيث يحاصرها صلاح الدين ويستميت من بقي من حاميتها لمنع اقتحامها دون جدوى ..

في ذلك المشهد يقف صلاح الدين لاجراء آخر المفاوضات مع “باليان” آخر من تبقى من المدافعين عنها ممن يسمون (فرسان الصليب) حيث يسلم باليان المدينة وهو يعترف أن الصليبيين (أو المجاهدين المسيحيين في ذلك الزمان) عندما اقتحموا المدينة قتلوا كل اعدائهم وارتكبوا المجازر وهو ماكان باليان يخشاه من سقوط المدينة بيد صلاح الدين الذي لاشك سيثأر من الصليبيين لتلك الذكرى القاسية .. ولكن صلاح الدين يصحح له اعتقاده ويقينه ويقول له: أنا صلاح الدين .. ولست مثل أولئك القتلة .. ويسأل باليان صلاح الدين وهو يدير ظهره عائدا: قل لي .. كم تساوي القدس؟ فيرد صلاح الدين بسرعة : “لاشيء” .. ثم يهمّ صلاح الدين بمتابعة المسير لكنه يقف ويستدرك مصححا وهو يبتسم قائلا: “بل كل شيء” ..هذا المشهد يعود اليوم في الشمال حيث حلب هي قدس الشمال السوري التي أسقطتها الهجمة الأطلسية الصهيونية التي ترتدي للخداع غطاء رقيقا عثمانيا دينيا مقدسا للأسف .. وعند اقتحامها عام 2012 قام السفاحون من (فرسان الاسلام) هذه المرة بارتكاب المجازر وتعليق الرؤوس على المآذن تشفيا وانتقاما وسادية في القتل لارهاب الناس من كل الأديان من المسلمين والمسيحيين لاسكات كل من يعترض على قرار الله الذي أوكل أمر اقامة المملكة الاسلامية المقدسة (الخلافة) الى فرسان الاسلام .. كما أوكل يوما أمر المملكة الصليبية الى فرسان الصليب ..

اليوم حلب المقدسة التي احتلها فرسان الله المسلمون يحاصرها منطق صلاح الدين المنتصر ذاته الذي يريد تصويب الحقيقة واعادة ماللشرق للشرق واعادة ماللغرب للغرب .. ويتكرر التاريخ بحذافيره بشكل لايصدق حتى يصبح المشهد مزاحا ثقيلا يمارسه التاريخ .. حيث تواجه ارادة صلاح الدين وعزمه نفس العناد الأجوف لقرسان الصليب في غابر الأيام ممن بقي من “فرسان الاسلام” في داخل حلب هذه الايام .. ومايدهش أن خطاب المفتي الدكتور محمد أحمد بدر الدين حسون على أبواب حلب وهو يعيد على فرسان الصليب الجدد (فرسان المسلمين اليوم) نفس عروض صلاح الدين على باليان في المشهد .. أي اخرجوا بسلام الى أي أرض (اسلامية) تريدونها ان كانت أرضنا ليست اسلامية برأيكم .. وخذوا معكم من تريدون وماتريدون .. ومن هاجر الينا من بلاد بعيدة مقاتلا (مثلما جاء الفرسان الصليبيون مجاهدين الى القدس) وأراد البقاء لأنه لم يعد له وطن فاننا سنعطيه وطنا وحياة لأننا لسنا هواة قتل وثأر .. اننا لسنا مثل هؤلاء القتلة ..

التاريخ يحب أن يمازحنا أحيانا مزاحا ثقيلا وهو يعيد علينا المشاهد المأساوية .. فما كان بين صلاح الدين وبين باليان كان بين فارسين من أجل مدينة محاصرة .. وفيها فرسان يعتقدون أنهم فرسان الله ويحاصرها منتصر لن يتخلى عن قرار اقتحامها ولكنه يرأف بها وبهم ويريد حقن الدم له ولأعدائه .. أما اليوم فلا نعتقد أن صلاح الدين الذي يحاصر المدينة السورية المقدسة في الشمال (حلب) يريد اقتحامها من اجل الله بل من أجل الانسان والحضارة .. وهو لايتكلم مع فارس له أخلاق الفرسان كما ظهر في مشهد تفاوض باليان مع صلاح الدين .. لأن باليان اليوم هو الجولاني وأصحابه .. فأخلاق الفروسية اقتضت أن يعترف باليان لصلاح الدين أن عرضه فيه فروسية وكرم لم يتوقعهما من منتصر بل توقع الثأر .. فلايمكن أن يكون للجولاني أخلاق ذلك الفارس الصليبي باليان في المشهد الذي خشي على سكان أمارته ورضي بنصف هزيمة بدل انتحار كامل .. أما الجولاني فانه لايكترث بما سيصيب الناس ويرغمهم على البقاء بالقوة ليتمترس بهم ليموتوا على صدره وهم يتلقون عنه الطعنات .. الفارس المجاهد الجولاني واخوانه من فرسان الاسلام يقتلون كل من يحاول النجاة بأهله وأبنائه ونفسه وحياته .. ليقنعنا ان الناس لاتغادر لأنها معهم .. وهو يعرف انه مقبل على انتحار كامل ولكنه يريده انتحارا على جثث المدنيين الحلبيين ..

التاريخ ذو المزاح الثقيل سيعيد حلب المقدسة كما أعاد القدس (المقدسة) رغما عن فرسان الله المسلمين .. سيعيدها للمغاوير من الجيش السوري الذين لم يأتوا ليرجعوا عنها بعد كل هذه الرحلة الطويلة .. وهم يقفون على أسوارها ولن تقف قوة في الأرض في وجه القرار النهائي .. وهنا مزاح التاريخ الثقيل .. حيث أن فتح القدس كان بعد حطين التي أبيد فيها فرسان الصليب والجهاديون المسيحيون الأوروبيون .. وباتت المدينة من غير سلاح الفرسان .. ومايحدث هنا أن المحاصرين في حلب اليوم يعتقدون أن سلاح الفرسان لم تتم أبادته بعد كما حدث في حطين وهم ينتظرون الفرج و ينتظرون المعركة الأخيرة ووصول فرسان الله من ادلب وحماة وشمال حلب ليكسروا الجيش السوري الذي وصل وحاصر حلب قبل أن يبيد الفرسان الذين سيبيدونه في غزوة مجهزة بصواريخ التاو وصواريخ مضادة للطائرات .. وهم يبشرون بهجوم عنيف من خارج حلب ومن داخلها .. وكل من يراهم ويزودهم بالسلاح يعرف أنه يضللهم بالنصر لانهم لاشك مقبلون على حرب ابادة على تخوم حلب ..

هناك ملحمة ستحدث في حلب .. ومزاح التاريخ الثقيل يكمن في أنه فقط سيغير في تسلسل الحدث .. ففتح القدس بدأ في حطين بابادة سلاح الفرسان قبل محاصرة القدس .. والدخول الى حلب سيبدأ بابادة سلاح الفرسان حول حلب وفي حلب في معركة ستباد فيها فرق جيش الفتح المهاجمة ونواته الصلبة مما يجعل فرسان الله في داخل حلب على موعد مع الانتحار الكبير .. لن تنفع فرسان الله لاأميريكا ولا صواريخ استينغر ولا صواريخ التاو ولا الانغماسيون ولا الملائكة .. ولامبالغة ان قلت ان الجيشين السوري والروسي يمددان الهدن ويظهران الرحمة لأنهما يدركان أن القوي هو من يرحم من لايبالي بحياته وحياة الآخرين .. ولكنهما تواقان لأن يبدأ فرسان الله الهجوم الذي وعدوا به لأن حطين الحلبية التي تأخرت هي التي ستبيد جيش الفتح حول حلب وستكسر الجولاني وحلفاءه داخل حلب ولن يكون بعد ذلك عرض للخروج الآمن بل للاستسلام والخضوع لقرار المنتصر .. ومن يعرف حجم النار التي أعدها الروس والسوريون في حلب سيتوسل الى الله أن يرحم أعداءهم ويتلطف بهم في موتهم في هذه النهاية ..

ومن تدمير نواة المقاتلين الصلبة في حلب سيكون فتح ادلب أسهل مما يتخيل البعض وهذا مايفسر قبول الدولة السورية لنزوح المسلحين من أحياء دمشق وحمص الى ادلب .. لأن من المتوقع أن هؤلاء سيستسلمون بعد أن يروا المحرقة التي أبادت جيشا كاملا من فرسان الله .. فرسان الناتو المسلمين .. وستنكسر ارادتهم للقتال .. ويقبلون بنصف هزيمة ..

ومن جديد .. يتكرر مزاح التاريخ الثقيل في مملكة السماء الجديدة في حلب .. فيسأل كل سوري قبل معركة حلب الأخيرة: وماذا تساوي حلب؟؟ أما من سيجيب على هذا السؤال فانه الرئيس المظفر بشار الأسد الذي سيقول: كل شيء .. كل شيء .. كل شيء ..


River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments:

Post a Comment