«دونالد ترامب غبيّ، فنّان في بيع الهواء، ومصدر حرج لأميركا»
روبرت دي نيرو
الحراك الشعبي في قلب الولايات المتحدة الأميركية ليس من النوع الذي يشبه الحراك عندنا. نحتاج إلى صبر لنعرف ما إذا كان الشعب الأميركي قادراً على إحداث تغيير حقيقي.
في انتظار ذلك، علينا، نحن أبناء هذه المنطقة المجبولة بالدم والنار، التدرّب على تلقّي فنون أكثر رؤساء أميركا جنوناً.
دونالد ترامب يريد إنعاش أميركا، والفهم المبسّط للرأسمالية الأميركية يفيدنا بأنه يريد المزيد من الأموال. وهو، في مراجعته الحالية لموازنة حكومته، يفكّر في إلغاء معظم نفقات الإدارة الأميركية خارج البلاد والتي ترد ضمن «برامج الدعم». وقد يصل به الأمر الى تعديل خريطة الانتشار الدبلوماسي لبلاده. وهو عندما يفعل ذلك، يقول للعالم إنه لا يريد أن تنفق بلاده قرشاً واحداً على أي برنامج لمساعدة أحد من غير الشعب الأميركي. كما يريد رفع مستوى التحصيل المالي من الخارج، ما يؤدي الى استنتاج بسيط: كل خدمة تقوم بها أميركا تريد مقابلها الواضح والمباشر والمضمون.
في الطريق الى تحقيق ذلك، يحتاج برنامج ترامب الى نسف القواعد التقليدية في بناء علاقات أميركا مع العالم. وعندها، قد لا يجد ترامب حاجة الى أوروبا كما هي اليوم. وفي حال تقرر تعزيز حلف الناتو، فعلى الجميع دفع الأموال.
إلا أن كل تراجع أميركي عن أدوار قائمة في أكثر من منطقة عالمية لا يعني أن الأمور ستكون بخير. فليس محسوماً أن المؤسسات القابضة على القرار في الولايات المتحدة ستترك الرجل يفعل ما يريد. كما أن ما يسمى المصالح القومية الأميركية يفترض الانتقال الى الخارج، لا الانزواء في الداخل تحت شعار «أميركا أولاً». وهذا يقودنا، من جديد، الى التركيز على المصالح الجوهرية للولايات المتحدة في منطقتنا، وسط تعاظم الخشية من أن يكون ترامب أكثر عنفاً وجنوناً من كل أسلافه. وهنا بيت القصيد.
من هم أعداء القيم التي يمثلها ترامب في منطقتنا؟
بالتأكيد، للرجل ولرجاله نظرة مختلفة تجاه السعودية ودول الخليج، وحتى تركيا. ولكن، ليس في اتجاه التخلي عن هؤلاء. وكل شكوى من خلل في النظام الصهيوني لا تعني استعداد الولايات المتحدة للتخلي عن إسرائيل. ولا يجب توقع تعديلات على لائحة الأعداء، حتى عندما يظهر الرئيس الأميركي حماسة إضافية لمواجهة تنظيم «داعش» وإخوته، إذ لن يكون ذلك بالطريقة التي تفيد الخصوم الأساسيين.
الجبهة التي يريد ترامب مواجهتها تضم، اليوم، روسيا وإيران والعراق وسوريا وحزب الله، وكل قوة تمثل خطراً على إسرائيل. وعندما يقرر المواجهة مع هذا المحور، سيعمل على جمع كل حلفاء أميركا التقليديين، ومن بينهم إسرائيل، استعداداً لهذه المواجهة. ولأن الأمور لا تتم دفعة واحدة، فإن ما يجري منذ فترة في منطقتنا هو جزء من المسار الذي تعمل عليه كل الإدارات الأميركية. أما التعديلات، فهي المناورات التي بإمكان الرئيس الجديد القيام بها. وفي هذا السياق يمكن إيراد الآتي:
أولاً: في ملف روسيا، لا يسعى ترامب الى مواجهة شاملة مع موسكو، ولا إلى مصالحة تمنحها الأدوار الكبرى التي تريدها. لكنه مستعد لتسوية تعطيها مساحات وهوامش إضافية، شرط أن تبقى الإمرة في يد واشنطن. وهذا يستلزم إبقاء الضغوط على روسيا، بكل الأشكال، ومنعها من توسيع دائرة نفوذها في فضائها الجغرافي، وفي المساحات الأبعد، وخصوصاً في منطقتنا. وترامب كان صريحاً مع كثيرين التقاهم بعد انتخابه، عندما قال إن ما يجري في سوريا وعلى حدودها الشرقية يمثل النقطة التي تخيّرنا بين التفاهم أو الاشتباك مع روسيا. وهذا يعني أن واشنطن تريد العمل بقوة في هذه المنطقة.
ثانياً: في ملف إيران، يعرف الرئيس الأميركي الجديد أن بلاده لم تربح شيئاً من اتفاقها النووي مع إيران. فلا هي ضمنت عدم لجوء طهران الى إعادة تفعيل البرنامج، ولا هي حصلت على أي تغيير في سياسات إيران الخارجية، وخصوصاً في المنطقة المشتعلة من العراق وسوريا، إلى اليمن، وسط قلق على مصير الجزيرة العربية وإسرائيل. واليوم، يريد ترامب العودة الى المواجهة مع إيران، لإجبارها على التفاوض على ما رفضت البحث به أثناء التفاوض على البرنامج النووي.
ترامب معني، هنا، بالعمل بقوة على عزل إيران. وتسعى أميركا إلى توسيع دائرة انتشارها ونفوذها في العراق، لا لامتلاك حق الفيتو سياسياً، بل أكثر من ذلك. فكيف عندما يصل عدد الأميركيين في العراق الى أكثر من 15 ألف شخص، بين عسكر وأمن وموظفين ودبلوماسيين. وبالتزامن، يجري بناء قواعد عسكرية برية وجوية أميركية في مناطق عراقية، يصدف أنها تشرف على طول الطريق الذي يوصل إيران بسوريا من خلال العراق. وهو ما يترافق مع شروط وتعقيدات تضعها الولايات المتحدة على معركة إطاحة «داعش» في غرب العراق.
ثالثاً، في ملف سوريا، الجديد الوحيد بالنسبة الى إدارة ترامب هو استعداده العملي للتعامل علناً مع الوقائع القائمة، مثل تحضير نفسه والعالم للتخلي عن شعار إسقاط الرئيس بشار الأسد. وربما يذهب الى أبعد من ذلك، تحت شعار التعاون مع القيادة السورية في مواجهة «داعش» وإخوته. لكن، في هذه النقطة، لا يتصرف ترامب كممثل لجمعية خيرية، بل إن هاجسه الوحيد رسم إطار للنفوذ الروسي في سوريا للتفرغ لطموحه بإخراج إيران من سوريا، ما يدفع الى الاعتقاد، بقوة، بأننا سنكون أمام محاولة احتواء جديدة للقيادة السورية، تقوم على مقايضة: يستعيد الأسد حكمه على كل سوريا وتلقي الدعم لإعادة الإعمار، مقابل التخلي عن تحالفه مع إيران.
وبالتالي، فإن تعاظم التهديد الإرهابي للغرب بقيادة الولايات المتحدة، لا يعني حكماً ذهاب أميركا نحو معركة مع «داعش» تكون نتيجتها لمصلحة الأسد وحلفائه في إيران وحزب الله. وهي خطة تقتضي تعاملاً مختلفاً مع تركيا والأكراد، والتعجيل في محاولة إنتاج قوة عسكرية موالية تماماً للإدارة الأميركية، كالتي يجري العمل عليها بين عشائر شرق سوريا.
رابعاً، في ملف حزب الله والعدو الإسرائيلي، سيكون من الغباء توقع تبدّلات جوهرية ــــ أو حتى شكلية ــــ في التعامل مع هذا الملف. فواشنطن لا تزال مقتنعة بأن إسرائيل تمثل الحليف الاستراتيجي، فيما يمثّل حزب الله العدو الاستراتيجي. وقد أضافت الولايات المتحدة على هواجسها التوسع والنفوذ الإضافيين لحزب الله خارج لبنان وفلسطين، وحيث تشعر به أميركا بوضوح في العراق واليمن، إضافة الى دوره المركزي في سوريا.
ولأن محاولة الاحتواء المحتملة مع الحكم في سوريا ستفشل حتماً، فإن السلاح الوحيد بيد واشنطن وإسرائيل هو رفع مستوى مشاركة أطراف وحكومات عربية، في معركة آتية حكماً مع الحزب، سواء في لبنان فقط، أو في لبنان وسوريا وأماكن أخرى. وهذا يوجب إبقاء الاستنفار السياسي والإعلامي ضد الحزب، والعمل أكثر على إعادة تفعيل الفتنة السنية ــــ الشيعية، وربما العمل على فتنة شيعية ــــ شيعية حيث يمكن القيام بذلك. لكن الأساس هو توفير الجاهزية الضامنة لشن حرب رابحة ضد الحزب من قبل إسرائيل.
خامساً، في اليمن، تشعر الولايات المتحدة بأن الفشل السعودي في تحقيق نصر قد ينعكس تراجعاً متسارعاً في قدرات السعودية داخل حدودها، وعلى مستوى المنطقة. فكيف إذا ترافق مع تراجع إضافي في قدرة الإمارات العربية المتحدة على تثبيت الوضع في جنوب اليمن، حيث ليس متوقعاً أبداً ترتيب الوضع هناك، بطريقة تصلح لاستخدام الجنوب منصّة فعّالة للحرب ضد صنعاء والشمال.
لكن الهاجس الإضافي الأميركي، والإسرائيلي، يتصل بكون الحكم القائم شعبياً وعسكرياً في مناطق واسعة من اليمن، إنما هو في الحقيقة جزء من التحالف الذي تقوده إيران. وبالتالي، فإن أي نجاح لهذا الفريق يعني، بالنسبة إلى الأميركيين، مدخلاً لتغييرات كبيرة في الجزيرة العربية. وهو الأمر الذي لا تتحمّله واشنطن ولا أوروبا ولا إسرائيل. فماذا عن موقف واشنطن بعد إعلان الجيش اليمني أمس نجاح تجربة إطلاق صاروخ باليستي يصيب العاصمة السعودية؟
في هذا السياق، يظهر الأميركيون اهتماماً عملانياً بإعادة تكوين تحالف سياسي وعسكري، يكون عنوانه «مواجهة النفوذ الإيراني»، لكن غايته توجيه الضربات لكل أطراف المحور الذي تقوده إيران. وفي هذه الحالة، يجب التدقيق في الحوار القائم اليوم بين إدارة ترامب والقيادة المصرية، التي بات الغرب مقتنعاً بأنها صاحبة الدور العملي الوحيد في أي حلف يراد قيامه في مواجهة إيران.
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment