مارس 2, 2017
العميد د. أمين محمد حطيط
عندما أعلن ترامب خطته بشأن حماية اميركا من النازحين والمهاجرين وبدأ في تنفيذها بقرار منع سفر مواطني سبع دول عربية وإسلامية الى اميركا، أرفق الخطة بما أسماه «حل للاجئين» يتضمّن إنشاء مناطق آمنة، والبحث في توطينهم في مناطق اللجوء الحالية أو مناطق أخرى. وللوهلة الأولى انصرف ذهن معظم المتابعين الى النازحين السوريين الذين لجأوا الى دول الجوار أو إلى أبعد منها، وغاب عنهم أن خطة ترامب تعني كل لاجئ بما في ذلك اللاجئون الفلسطينيون يعزّز هذا القول إن ترامب نفسه أعلن عن تخلي اميركا عن حل الدولتين للقضية الفلسطينية وتخلّيه عن أي حل لا يرضى به الطرفان الفلسطيني و«الإسرائيلي» معاً، وبما أن «إسرائيل» وهي الفريق الأقوى حالياً في المعادلة في مواجهة الفلسطينيين بما أنها لا ترضى بعودة اللاجئين الى أرضهم مهما كانت شروطها وظروفها، فيكون طبيعياً القول بان أي حل تطرحه للقضية الفلسطينية سيكون عبر مدخل إلزامي هو توطين الفلسطينيين في أماكنهم لجوئهم الحالية، ومنها لبنان الذي يستضيف حالياً ما يزيد عن 400 الف لاجئ فلسطيني، ربعهم يسكنون في مخيم عين الحلوة الذي يعتبر من أكبر المخيمات الفلسطينية في المنطقة كلها.
وعندما قام رئيس السلطة الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقية أوسلو محمود عباس الى لبنان، أبدى تساهلاً مفاجئاً حيال السلاح الفلسطيني انقلب فيه على كل مواقف منظمة التحرير السابقة في ما خصّ أمن المخيمات. حيث كان قديماً أي حديث عن دخول الجيش اللبناني الى المخيمات وضبط الأوضاع فيها، كما كانت قبل العام 1967، من المحرّمات لأنه كما كانت الذريعة انه سيؤدي الى المسّ بالبندقية الفلسطينية ومنعها من أداء الدور المطلوب منها في المقاومة وفي المحافظة على خصوصية تحتاجها المخيمات من أجل بقائها شاهداً على التهجير ومنجماً للمقاومة وطريقاً للعودة الى فلسطين. وقد قبل لبنان بقناعة أو تحت ضغط الأمر الواقع بمعادلة «أمن المخيمات للمقاومة الفلسطينية شرط عدم انتهاك الأمن اللبناني خارجها»، ونظمت الاتفاقيات الخطية او الضمنية الواقعية على اساس هذه المعادلة. وفجأة أتى محمود عباس وتنازل عن «المكاسب الفلسطينية والخصوصية الأمنية الفلسطينية»، بموجب المعادلة ويطلب دخول الجيش اللبناني إلى المخيمات ونزع سلاح الفلسطينيين منها.
في المبدأ لا يمكن أن يرفض لبناني واحد في السلطة كان أم كان خارجها العرض الفلسطيني الرسمي الذي قدّمه محمود عباس، لأنه موقف يستجيب للمنطق السيادي للدولة المسؤولة عن الأمن في كل أراضيها، ولكن تفسير الموقف وتحليله على ضوء ما تقدم وفي الظروف المتشكّلة في المنطقة يثير الريبة والهواجس، ربطاً بما تبعه مباشرة من اندلاع مواجهات دامية داخل مخيم عين الحلوة أدّت في أقل من 4 أيام الى تهجير أكثر من ثلث سكان المخيم الى خارجه طلباً للملاذ الآمن بعيداً عن نار المسلحين. ثم فاقم الهواجس ما تسبب به النزاع المسلح من آثار وتداعيات امتددت الى الخارج وأدت الى قطع طريق الجنوب بالقنص الذي ليس له أي مبرر والذي استهدف كل الطرق المحاذية للمخيم من الغرب والتي تشكل الممر والمعبر الإجباري للجنوب عبر صيدا بوابة الجنوب الرئيسية.
هذا المشهد، بما ظهر منه أو ما بقي مستوراً يوحي او يجعل المتابع يتصور بأن النزاع المسلح في عين الحلوة ليس نزاعاً عفوياً عابراً بل هو عملية مدبرة تتعدى الفرقاء المحليين وترتبط بخطة دولية أبعد من صيدا وأبعد من لبنان ترمي الى تحقيق اكثر من هدف. وهنا لا يمكن لنا أن نغيب عن المشهد ما يروج له أو يكثر تداوله من احاديث وتسريبات او تهديدات «إسرائيلية» بالقيام بعملية عسكرية خاطفة في لبنان تستهدف المقاومة التي باتت تشكل كابوساً مرعباً لـ»إسرائيل»، بشكل تفاقم أثره بعد الخطاب الخطير الأخير للسيد حسن نصرالله الذي اطلق فيه التهديد الاستراتيجي المثلّث الرؤوس التي اذا استهدفت بنار المقاومة حرمت «إسرائيل» من أي مكان أو ملاذ آمن داخلها حيفا ديمونا- باخرة الأمونيا في البحر .
وعلى هذا الأساس نرى أن نار مخيم عين الحلوة التي ترافق إضرامها مع زيارة محمود عباس والأحاديث عن مشاريع التوطين والتهديد بالعدوان «الإسرائيلي» على لبنان ترمي أو قد تكون ترمي الى تحقيق اهداف ثلاثة أساسية:
تهجير سكان المخيم في مرحلة أولى، ثم تدمير المخيم على غرار ما حصل في مخيمات أخرى منذ العام 1945 في لبنان وسورية تل الزعتر النبطية نهر البارد اليرموك . وبالتالي التخلص من عبء أكبر مخيم في لبنان وتذويب سكانه في المناطق الآهلة في لبنان تمهيداً أو تسهيلاً للتوطين.
قطع طريق الجنوب ما يشكل إرباكاً أو إرهاقاً لسكانه وهو بيئة المقاومة وحضنها، ما يؤثر على المقاومة مباشرة وغير مباشرة ويمسّ بحريّة تنقلها ويعقّد عملها الدفاعي، الامر الذي يسهّل على «إسرائيل»، إذا قررت العدوان، قيامها به.
القاء أعباء أمنية إضافية على كاهل الجيش اللبناني، بما يشكل ارهاقاً له يؤثر على أدائه العملاني والاستخباري والأمني المميز حالياً في مواجهة الإرهاب. الامر الذي ينعكس على الامن والاستقرار في لبنان كله ويشكل ضربة موجعة للعهد الجديد الذي جاهر وفاخر بالتكامل الدفاعي بين الجيش اللبناني والمقاومة.
وعلى هذا الأساس نرى أن ما يجري في عين الحلوة ليس شأناً فلسطينياً، كما يحاولون الإيحاء وليس شأناً صيداوياً، كما يحاول البعض إظهاره، بل هو شأن لبناني استراتيجي وموضوع رئيسي من جزئيات القضية الفلسطينية التي يعملون على تصفيتها، فضلاً عن كونه قضية لا تنفصل عن الصراع المحتدم في المنطقة بين محور المقاومة وأعدائه وخصومه. ولذلك نرى ان مواجهة الأمر ينبغي ان تكون بأقصى درجات الحرص والحسم من قبل الدولة اللبنانية وجيشها والمقاومة والشعب اللبناني عامة، والجنوبيين خاصة، بدءاً بسكان صيدا المتضررين الأول مما يحصل. وحذار الاستخفاف بما يحصل في ظل تسارع الأحداث في المنطقة التي يكتب فيها تاريخ يُرسى عبره نظام سيحكمها لمئة عام أو أكثر.
(Visited 58 times, 58 visits today)
Related Videos
Related Articles
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment