تاريخ النشر : 2017-05-10
عبد الباري عطوان
التوتر على الحدود السورية الأردنية يتفاقم، ولكن قبل الغوص في التفاصيل، ومحاولة استقراء ما يحدث من تحشيد وتصعيد، وتلاسن اعلامي بين الجانبين الأردني والسوري، لا بد من سرد هذه الرواية التي كنت طرفا فيها.
في أوائل التسعينات على ما اذكر، زرت الأردن والتقيت العاهل الراحل الملك حسين بن طلال في مكتبه في الديوان، وكان بصحبتي الزميل بسام بدارين، مدير مكتب صحيفتنا في ذلك الوقت، العاهل الأردني كانت بادية عليه علامات الغضب وعدم الارتياح عبر عنها بالتدخين بشراهة لافتة، بعد ان هدأ قليلا، تجرأت على سؤاله عن أسباب هذا الغضب، فرد علي بصوته الجهور قائلا ما معناه: “تصور يا اخي اتصلت قبل مجيئكم بالرئيس السوري حافظ الأسد، للاطمئنان، والتواصل، فنحن جيران وأعضاء في ناد واحد (الزعماء)، وكانت المكالمة “باردة”، لاعرف بعدها ان الرئيس “ابو باسل” كان في اجتماع مع الرئيس المصري حسني مبارك في مطار دمشق الدولي، ولم يقل لي انه مجتمع مع الرئيس المصري، ماذا سيحصل لو ذكر لي ذلك مثلا، وقال لي انني مع “ابو جمال” وهو يبلغك تحياته”.
الملك حسين قال بعد “تنهيدة” يا سيدي (وكانت هذه طريقة مخاطبته لضيوفه رحمه الله) لا نريد أي صدام مع سورية، ونبذل جهودا كبيرة حتى تكون العلاقات طبيعية بعيدا عن أي توتر، لان هذا التوتر ينعكس سلبا على الأردن وامنه واستقراره، وقد عانينا كثيرا من تبعات الخلاف بعد احداث حماة على شكل تفجيرات إرهابية في قلب عمان، سورية مصدر خطر كبير علينا.
***
تذكرت هذه القصة وانا اقرأ انباء تقول ان الحدود السورية الأردنية تنجرف بسرعة نحو التوتر، وربما الصدام العسكري، فقد رد الطيران الحربي السوري بقصف مواقع لتنظيمي “اسود الشرقية” ولواء “شهداء القريتين” قرب الحدود الأردنية على هجمات للتنظيمين على قوات سورية في البادية، ولأول مرة منذ سنوات.
هذا الاشتباك يتزامن مع تصريحات لمسؤولين سوريين تؤكد ان هناك تحركات عسكرية أمريكية وبريطانية واردنية ضخمة على الحدود الجنوبية لمحافظتي السويداء ودرعا مدعومة بدبابات من نوع تشالينجر، و2300 جندي مسلح، وغطاء جوي من قبل مروحيات من طراز “كوبرا” و”بلاك هوك”، علاوة على 4000 عنصر مسلح جرى تدريبهم في الأردن باشراف امريكي بريطاني، ويتواجدون حاليا في منطقة “التنف” داخل الحدود السورية في طريقهم الى البوكمال والقائم على الحدود العراقية السورية.
الدكتور محمد المومني الوزير الناطق باسم الحكومة الأردنية، فسر بشرح أطول مقولة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني التي تحدث فيها بأن “موقف الأردن ثابت تجاه سياسة الدفاع عن نفسه بالعمق السوري، دون الحاجة الى تدخل عسكري” معتبرا “ان تأمين الحدود أولوية اردنية”.
السيد وليد المعلم، نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية السوري قال في مؤتمر صحافي عقده امس، “ان بلاده ستعتبر أي قوات اردنية تدخل الأراضي السورية ودون تنسيق مع الحكومة على انها قوات معادية”، بينما قال “حزب الله” في بيان له “ان هناك خطة لاحتلال أراضي سورية تحت عنوان محاربة داعش التي ليس لها أي تواجد فعلي على الحدود الأردني السورية”.
الروس والايرانيون حلفاء سورية لم يصدر عنهم أي رد فعل تجاه هذا التصعيد الذي انفجر في الجنوب بعد أيام من وثيقة الآستانة التي صنفت منطقة درعا ضمن المناطق الأربع التي سيشملها اتفاق “تخفيف التصعيد”، ووقف اطلاق النار بالتالي.
اللافت ان هذه التحشيدات على الحدود السورية الأردنية تتزامن مع بدء مناورات “الأسد المتأهب” التي تشارك فيها 20 دولة الى جانب الأردن بقيادة الولايات المتحدة وممثلين عن حلف “الناتو” الى جانب بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والسعودية ومصر، وهي مناورات بدأت قبل سبع سنوات بشكل دوري قرب الحدود السورية الأردنية، وهذا الأسد يتأهب للقفز الى العمق السوري في أي لحظة، ولا يمكن ان يتأهب للهجوم على السعودية او العراق مثلا.
هناك تقارير إخبارية تفيد بأن أمريكا تريد إقامة منطقة عازلة في البادية السورية بدعم منها، تسيطر قوات موالية لها على مربع الحدود السورية العراقية الأردنية السعودية، ومعبر التنف السوري العراقي خاصة، وجرى تدريب قوات سورية معارضة لهذا الغرض في الأردن وانطلقت من منطقتي درعا والسويداء، وأول أهدافها قطع الامتداد الجغرافي للهلال الشيعي، الامر الذي سيرضي اطراف إقليمية عديدة من بينها السعودية وإسرائيل وتركيا.
***
اشعال الجبهة السورية الأردنية “مقامرة” خطيرة، قد يكون الهدف منها “تعطيل” اتفاق الآستانة وإعادة الازمة السورية الى المربع الأول، وليس من قبيل الصدفة، تواتر التصريحات عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بعد لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيرلسون في واشنطن، حول رحيل الأسد، حيث اكد الوزير القطري، وبعد صمت طويل، ان اتفاق الآستانة ليس بديلا عن هذا الرحيل.
إدارة الرئيس ترامب تريد إقامة قواعد على الأرض السورية وفي مدينة الرقة خصوصا، كبديل عن قاعدة “انجرليك” الجوية التركية، وتقاسم النفوذ مع روسيا وايران.
أيام الأردن المقبلة صعبة جدا، ولا نعتقد ان قيادته تملك “ترف” القبول او الرفض، خاصة تجاه المخططات البريطانية الامريكية، ولدينا قناعة راسخة بأن التهديد الأكبر للاردن واستقراره يأتي من سورية، مع تسليمنا بأن سورية اليوم هي غير سورية قبل 28 عاما، وما علينا الا الانتظار وهو قد لا يطول.
رأي اليوم
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment