بقلم | وضاح عبد ربه
لا يمكن تشبيه المهرجان الذي أقامه بنو سعود لاستقبال سيدهم الأميركي دونالد ترامب، سوى بيوم الغفران الذي يعتبره اليهود «اليوم المتمم لأيام التوبة العشرة»، وهذا اليوم، حسب التراث اليهودي، هو الفرصة الأخيرة لتغيير المصير الشخصي أو مصير العالم في السنة الآتية!
فبنو سعود قدموا للسيد كل ما يملكون من مال وما تبقى لهم من كرامة، طمعاً فقطبغفران الولايات المتحدة الأميركية وإعلان «التوبة» من الإرهاب الذي مارسوه، ولا يزالون، في أيلول ٢٠٠١ وفي أفغانستان حيث أسسوا تنظيم القاعدة، وفي سورية والعراق من خلال دعمهم المباشر للإرهابيين، لا بل نفضوا التهمة عنهم وألصقوها مصطحبة بمليارات الدولارات الإضافية بإيران، عسى ولعل ينسى أو يتناسى الأميركيون أن كل أو أغلبية العمليات الإرهابية التي تمت خلال العقود الأخيرة، كان منفذوها سعوديي الجنسية أو من خريجي المساجد الوهابية الممولة من الأمراء بشكل مباشر، وأن داعش مكون أولاً من السعوديين، وكذلك التنظيمات الإرهابية الأخرى، ولعل السعودي عبد اللـه المحيسني أحد أبرز قادة ومنظري جبهة النصرة في سورية خير مثال على ذلك!
المشهد كان سوريالياً بامتياز!! فالسيد الأميركي يخطب بالأمة الإسلامية، فيعتبر كل من يدعم الإرهاب شريكاً له! وأمامه يجلس الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مؤسس تنظيم القاعدة في العالم، ومقابله أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ممول وداعم جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات المصنفة دولياً إرهابية، ويصنف ترامب حزب اللـه إرهابياً أمام أعين شريك الحزب في الحكومة اللبنانية سعد الحريري، أما حماس التي وضعها ترامب في سلة الإرهاب ذاتها، فيمولها آل ثاني ويستضيفون قادتها ويحاربون من خلالهم مصر وسورية!
وما أن انتهى من خطابه، حتى بدأ التصفيق الحار من قادة ومؤسسي التنظيمات الإرهابية ليس فقط تجاه الاتهامات والإهانات التي وجهها ترامب لهم، بل من أجل الغفران الذي حصلوا عليه ومن أجل الصفحة الجديدة التي فتحت وتكون إيران المتهمة الوحيدة فيها بتهم الإرهاب ولو كلّف ذلك كل أموال الخليج للعقود المقبلة، وهو في المحصلة هدف ترامب الأول والأخير من زيارته، ولم يخف ذلك.
ترامب أراد من خلال زيارته الأولى إلى الخارج وتحديداً الرياض، تصنيف بني سعود من «الإسلاميين المعتدلين» وتكريسهم زعماء للإسلام السني، والمقابل تابعناه جميعاً، كان مئات المليارات من الدولارات ثمناً لهذا «الاعتدال» و«للزعامة»، ملغياً بذلك دور أهم موطنين للإسلام الحقيقي المعتدل وهما دمشق والقاهرة على مر العصور.
لا يختلف اثنان على أن ترامب رجل أعمال وناجح، وزيارته كانت بدورها ناجحة تجاه ما كان يتطلع إليه من أموال الخليجيين الذين يحتقرهم، ولم يخجل من التصريح علناً بذلك، ومن الإعلان أنه يريد أخذ أموالهم من أجل حمايتهم! وحمايتهم مماذا؟ من شعوبهم التي قد تنتفض عليهم في يوم من الأيام للمطالبة بأبسط الحقوق المدنية والسياسية، أم من «بعبع» جديد أرادوا أن يكون إيران وتهويل دورها ولصق تهم الإرهاب بها وإدانة «تهديداتها» لدول الخليج؟
عملياً لم نسمع حتى الآن أن إيران هددت أي دولة في جوارها أو خارجه، ولم نسمع أن إيرانياً واحداً نفذ عملية إرهابية في أي دولة في العالم، كل ما نعرفه عن إيران أنها دولة إسلامية أغلقت سفارة الكيان الصهيوني ومنحتها الفلسطينيين ودعمت حركات المقاومة الشرعية وساندت الدول التي تتعرض لعدوان خارجي احتراماً لسيادة واستقلال الدول.
لسنا بصدد الدفاع عن إيران، فهي قادرة على الدفاع عن نفسها، لكن اللافت في كل ما جرى في الرياض، هو الكم الهائل من التهم التي ألصقت بإيران لتبرئة السعودية التي كانت أيام الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مهددة بفضح دورها في دعم وتأسيس الإرهاب حول العالم.
«الحلف» الورقي الذي نشأ فجأة في الرياض، هدفه الأول «الغفران»، ومن بعده انتزاع كل ثروات ممالك وإمارات الخليج لحمايتها من تهديد إيراني غير موجود أساساً!
إنها «قمة الغفران الترامبي» لبني سعود وآل ثاني وغيرهما، وهذا الغفران سيجعل السعوديين يصومون ليس في شهر رمضان فقط، بل في كل أشهر العام إرضاءً للسيد الأميركي الذي قد يهدد بسحب «غفرانه» بأي لحظة، ما لم تصل الحوالات في وقتها المحدد، وما لم يتم تنفيذ شروط سياسته الجديدة التي ستتبلور بعد زيارته لإسرائيل، حيث سيلتزم أمامها بأن العرب لم يعودوا أعداء للكيان الصهيوني، بل يمكن اعتبارهم أصدقاء ومستثمرين مستقبليين، وأن السلام الاقتصادي بات واقعاً، وأن المحور الذي شكلته زيارة ترامب ليس مع دول الخليج ودول إسلامية فقط، بل يمتد ليشمل إسرائيل، الرابح الأكبر من كل هذا العداء لإيران.
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment