نارام سرجون
وكالة أوقات الشام الإخبارية
تكاد أميريكا تثير الشفقة هذه الأيام .. فهي تبدو مثل الأشخاص الذين كانوا أعزة أقوياء وهم سادة البوكر والقمار ولكنهم تحولوا مع الخسارات المتتالية وانكسار الأحلام الى أشقياء لايقدرون على شيء الا مهنة قطاع الطرق ..
أميريكا هذه التي جاءت كالوحش الجريح عام 2003 وافترست الثور العراقي المجنح في ثلاثة اسابيع .. وهي التي خبطت على طاولة الأمم المتحدة بقبضتيها ورمت كل الأوراق والمواثيق المطبوع بأناقة على الأرض واشاعت الهلع والرعب وقررت أن تسير وحدها في درب الانتقام هاهي صارت تخشى على نفسها أن تسير وحدها في طرقات الشرق الأوسط المخيفة المليئة بالرعب والذكريات القاسية ..
أميريكا التي كانت تملك نادي القمار وكانت أثرى اللاعبين وأمهر اللاعبين وصل بها الأمر أنها تخشى الدخول الى ناديها الذي كانت تسرح وتمرح فيه لتقامر وتربح بالشعوذة والبلطجة والتهديد بالمسدس .. تجد نفسها اليوم تخسر كل رهاناتها ووعودها وأوراقها وتجد أن من يكسب الحرب هم خصومها الذين هزمتهم منذ عقدين .. صار الروسي اللاعب الأكبر في منطقة نفوذها ومعه اللاعب الصيني والايراني وتغير الكازينو الدولي وروليت القمار الى مسرح للجودو والكونغ فو .. ولذلك خرجت أميريكا من النادي في الظلام وقررت أن تكون كما كانت منذ قديم عهدها وميلادها عصابة تلعب لعبة قطاع الطرق .. اللعبة التي تجيدها جدا وتلجا اليها كثيرا والتي لايتقنها لاعبو الجودو والكونغ فو ..
هذه الأميريكا المفتولة العضلات اليوم توحي أنها تحمي الأكراد وتحمي قسد وتتحدى الجيش السوري وترفع اصبعها في وجهه .. ولكن الحقيقة التي لايريد الأميريكيون لأحد ادراكها كيلا تذهب هيبة أميريكا هي أن أميريكا تحتمي بالأكراد وبقسد وليست هي من تحميهم .. وتخشى أن تنزل الى الميدان بنفسها لأنها تعلم أن طعم الموت في الشرق لابد منه ولامنجاة منه .. ففي الشمال تسير القوافل العسكرية وهي ترفع العلم الأميريكي ولكنها محاطة بسوار كردي .. وعلى الحدود السورية العراقية تسير أميريكا وهي ترسل قسد الى المقدمة وتبقى هي على جانب الطريق مثل قاطع الطريق الذي اذا شاهد الشرطة قادمة لتعقب لصوص في مكان آخر قطع الطريق واطلق النار من مكمنه .. وهذا ماحصل .. فالقوات الاميريكية لاتريد لداعش أن يهزم هزيمة منكرة وقد صار التنظيم قاب قوسين أو أدنى منها .. لأن نهاية التنظيم ستعني نهاية التحالف الدولي الذي يبرر وجوده في المنطقة بوجود داعش ويجب أن يرحل بنهاية داعش .. كما أن نهاية داعش تعني نهاية مشروع مايسمى الثورة السورية التي ستنهار أوتوماتيكيا بانهيار داعش ظهرها العسكري الذي يشاغل الجيش السوري عن تحرير ادلب والجنوب السوري في درعا ..
يقف قاطع الطريق مختبئا خلق ساتر كردي أو ساتر من (قسد) ويطلق النار فيصيب أحيانا بعضا من الشرطة المارين على الطريق في مسيرتهم نحو داعش ولكن مهمة الشرطة ورجال القانون مستمرة وقاطع الطريق يعلم أنه لايقدر على لعب دور أكثر شجاعة من دور قاطع الطريق الشقي .. خاصة أن السوريين والروس صارت لديهم معرفة بنقاط ضعف قاطع الطريق ..
مشكلة قطاع الطرق اليوم أنهم يخوضون حربا ضروسا مع قطاع طرق آخرين .. فالأميريكيون في القيادات العسكرية والبنتاغون والاستخبارات فيما بينهم مختلفون وهم في حالة شك متبادل مع الجيل الجديد من رجال المال والأعمال الذين يريدون أميريكا جديدة تكسب دون خسائر .. وكل فريق يقوم بقطع الطريق على الآخر .. ولذلك فان فريق ترامب خائف من الفريق العسكري الذي يكمن له ويتصيد أخطاءه ويتهمه بالاتصال مع الروس والخيانة العظمى .. ولكن الفريق العسكري والاستخباري المناوئ يخشى ايضا أن يدفع الى قرار متهور على الساحة الدولية يلام فيه من قبل خصومه (الاميريكون الجدد) .. ولذلك فان الرهان بينهم اليوم قائم على أن يخاف الروس أو الايرانيون أو يخاف الأسد من طلقات النار على الحدود ومن سلوك قطاع الطرق .. ولكن الحقيقة هي ان الأسد وحلفاءه يدركون معضلة قاطع الطريق .. وانه ليس في مقدوره أن ينزل الى وسط الطريق .. فقاطع الطريق قد يواجه معركة قد تعيده الى مرحلة جورج بوش وورطة العراق .. ولكن الأخطر هو مايعتقده فريق من العسكريين الاميريكيين المحافظين الذين طرحوا معضلة عسكرية حقيقية وهي احتمال سقوط أول طائرة عسكرية اميريكية في مواجهة مع مقاتلة غير اميريكية وتحديدا الروسية .. فالأميريكيون يهابون جدا سقوط هيبتهم العسكرية تكنولوجيا وهم حريصون على ألا يخوضوا اية مواجهة تكنولوجية مالم تكن محسوبة 100% ..
وحسب الخبراء العسكريين فان سقوط أول طائرة اميركية بسلاح روسي سيكون الأول من نوعه منذ عام 1998 عندما تمكن الصرب (الميالون للروس والذين يتسلحون من روسيا) من اسقاط أول مقاتلة ستيلث في الحرب .. ومن يومها والشغل الشاغل للعسكريين الاميريكيين اذا ماكان الروس قد تطوروا جدا وسبقوهم أميالا في تكنولجيا الحرب .. لأنه منذ لك الحادثة في سقوط ستيلث فان العقبة التي واجهت التكنولوجية الاميريكيية هي أنهم حاولوا تطوير رادارات لطائراتهم تحدد الهدف في الجو ثم تجري مايسمى الاقفال على الهدف وهي عملية معقدة جدا .. أي ان الصاروخ الذي تطلقه الطائرة يتم تحديد هدفه والاقفال على الهدف راداريا اي أن يكون الهدف مؤمنا لرادارات الصاروخ كأن الهدف في قفص ثابت لايتحرك الصاروخ الا باتجاهه مهما غير من مكانه أو شيفراته .. ولكن هذا الأمر فشل في طائرات ف 35 على حين أظهر الروس أنهم وفق مصادر استخبارية غربية أنهم أنفقوا وقتا ومالا كبيرين لانجاح تلك البحوث الصاروخية وتمكنوا من تقنية اقفال الهدف في رادارات طائراتهم بدليل اسقاط طائرة ستيلث في صربيا عام 1998 وهي الهدف العصي غير المرئي الذي لايمكن اسقاطه الا بالاقفال الراداري وهذا يعني أنه بعد كل هذه السنوات فان تقنية الاقفال الراداري الروسية صارت فوق كل التوقعات مما يجعل المواجهة حتما لصالح الطائرات الروسية الحديثة ..
ومما يعزز الخشية الاميريكية هي احجامهم عن اقتناص الفرصة التي منحتهم اياها تركيا عندما أسقطت طائرة السوخوي الروسية (القديمة) وكانت تركيا تتلفت حولها تبحث عن الاميريكيين وهي تقول لهم .. تفضلوا ال فرصتكم لمواجهة الطيران الروسي الحديث .. ولكن الاتراك وجدوا أن الاميريكيين المفتولي العضلات ابتعدوا بشكل مريب ومخز وفضلوا تجنب المواجهة مما أكد للاتراك ولغيرهم أنهم مع حليف غير مجهز تكنولوجيا أو أنه تأخر تكنولوجيا ويحتاج زمنا طويلا لردم الهوة التقنية والا لما تردد في التورط لكسر هيبة السلاح الروسي .. ولذلك وبسبب هذه النتيجة اختار الأتراك سياسة الخروج .. وكانت طائرة السوخوي الروسية هي التي فتحت ديبلوماسية الخروج التركي وليس الانقلاب العسكري لأن الطيران التركي التزم الصمت المطبق حيال القرار الروسي بنشر بطاريات اي 4000 ونسر طائرات أكثر تقدما .. وكان الجيش السوري يقتحم حلب ليحررها فيما الطائرات التركية تتنزه بعيدا ولاترى الطائرات الروسية التي منعت قوة في الناتو من التدخل لصالح الارهابيين .. ومن يومها بدأت مفاوضات استسلام تركيا لقرار روسيا في سورية .. والذي سيظهر كليا في معركة ادلب القادمة ..
مالفت النظر في حادثة الطائرة السورية التي أسقطها الأمريكيون أن البعض من الخبراء الغربيين ينظرون اليها على أنها ديبلوماسية الخروج بدلا من ديبلوماسية المواجهة .. لأن اسقاط الطائرة السورية استدعي انفعالا روسيا وتهديدا صريحا وهذا ماسيساعد فريق ترامب الآن والفريق المحافظ في الجيش الأميريكي في أنه وضع الكرة أمام العسكريين الاميريكيين لاتخاذ الخطوة التي تناسبهم حتى وان كانت المواجهة مع روسيا .. وهو يدرك أنهم متوجسون جدا من مواجهة مع السلاح الروسي الذي قدم استعراضا للتفوق في سورية وكانت الأقمار الصناعية وكل قدرات التجسس الأميريكة تتابعه مبهورة بأدائه .. ولن يجرؤوا على اتخاذ قرار التصعيد .. وكما كانت الطائرة الروسية التي أسقطتها تركيا مخرجا لتركيا فان الطائرة السورية قد تكون افتتحت ديبلوماسية الخروج لأميريكا أيضا .. لأن سقوط هيبة أميريكا سيكون في سقوط أول طائرة لهم منذ عقود بسلاح روسي .. منذ عام 19733 اذا استثنينا سقوط مقاتلات امركية في البقاع في الثمانينات والتي أسقطت بأسلحة تقليدية شبه بدائية بالقياس الى تقنيات اليوم .. وهذا التوجس ماسيعطي ترامب العذر في انتهاج ديبلوماسية الخروج أو التفاوض للخروج مقابل صفقات بعد أن صار واضحا أن الجيشين السوري والعراقي قد أحكما الاتصال والاطباق على الحدود ومنع التمدد الأميريكي .. وان الشرق السوري بدأ يخرج من الحسابات الامريكية .. ولايمكن الرهان على الأكراد لفترة طويلة خاصة أن هناك مرحلة قادمة سينتقل فيها السوريون وحلفاؤهم على الأرض لعمليات نوعية برية وينشرون فرق العمليات الخاصة السرية التي ستتخصص باصطياد الجنود الأميركييين تحديدا .. وربما تتورط الاستخبارات التركية في ذلك لأن التحالف الاميركي مع الأكراد لايروق لتركيا وهي تريد للأكراد أن يفقدوا الظهير الاميريكي ..
دعونا نمر نحو أهدافنا رغما عن قطاع الطرق دون أن نكترث برصاصاتهم على الطرقات .. فربما كان قطاع الطرق أحوج الناس هذه الأيام لمن يمد لهم يد المساعدة ويدلهم على طريق الخروج بعد ان ضلوا الطريق .. سندلهم على الطريق ولكن ان لم يستغلوا الفرصة .. فان عليهم أن يتوقعوا ديبلوماسية تعقب قطاع الطرق .. ونصيحتنا لهم ألا يدخلوا أنفسهم في عصر ديبلوماسية اسقاط الطائرات الامريكية .. لأنها لن تكون في صالح أي فريق من قطاع الطرق حتما ..
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment