د. وفيق إبراهيم
يونيو 28, 2017
انتصارات الجيش السوري في بوادي سورية وأرياف عاصمتها دمشق، تفرض على السياسة الأميركية البحث عن «أوراق جديدة» لزجّها في الميدان درءاً لهزيمة مدوّية قد تؤثّر على نفوذها في المشرق العربي كله.
مؤشرات تراجعها تتكشّف من مستويات عدّة: الأول إطلاق البيت الأبيض اتهامات للقيادة السورية بأنّها تنوي استعمال السلاح الكيميائي، مستدلّاً على ذلك بمعلومات تناهت إليه واستعدادات سوريّة ضبطها بإمكانات أجهزته، على حدّ زعمه.
لجهة المستويات الإضافية، تحرّكت قوات عسكرية أميركية وفرنسية وإنكليزية قرب الحدود السورية العراقية، ويجري تجهيز وحدات أردنية بدأت تتربّص بشكل عدائي قرب الحدود السورية مع السرعة في إعداد تشكيلات إضافية من العشائر لإطلاقها بين الحدود وحتى درعا…
هناك مستويات ثانية تتربّع على رأس قائمتها «إسرائيل» التي تحشد قواتها في الجولان السوري المحتلّ بذريعة أنّ حزب الله أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحرّك داخل فلسطين المحتلة. أمّا المستويات الجديدة التي تعتمدها السياسة الأميركية للدفاع عن نفوذها في المشرق العربي، فتذهب باتجاه تأسيس «ناتو» خليجي عربي، وربما إسلامي، يأتمر بالقيادة الأميركية مباشرة، وأبرز مهامّه الحلول مكان المنظمات الإرهابية التي بدأت تتقلّص وتتهاوى أمام الجيشين النظاميين الوطنيّين في سورية والعراق، وصولاً إلى الانهيار الكامل.
بالعودة إلى احتمال الاستخدام الوشيك للأسلحة الكيميائية من قِبل النظام السوري، فيبدو الأمر مضحكاً وشديد الفبركة، لسببين: أنّ جيش الدولة السورية يحقق الانتصار تلو الآخر مخترقاً البوادي ومنتزعاً قسماً من حدود بلاده مع الأردن والعراق، فلماذا يلجأ إلى الكيميائي الذي يُعتبر سلاح «اليائس» المقبل على خسارة يحاول تعديلها باستخدام أسلحة قتل شامل؟
وكيف استدلّت واشنطن على نيات السوريّين باستخدام قريب للكيميائي؟ أتراها تقرأ الأفكار؟! أم رصدت معلومات تلقّتها من «داعش» و«النصرة» وربما من القراءة الوهابية للأحداث!!
الأمر الذي يؤكّد أنّ القوّات الأميركية الغازية تحتاج إلى مسوّغات لمواصلة عدوانها على الجيش السوري، وذلك لوقف تقدّمه لناحية دير الزور والحدود الأردنية العراقية، لأنّ البيت الأبيض يعرف أنّ نجاح الجيش السوري في تحقيق هذه الأهداف معناه انهيار المعارضات السوريّة والإرهاب ومجمل أصناف التدخّلات الخارجية. أمّا «فبركة» كيميائي خان شيخون فليست إلّا الدليل على خزعبلات الأميركيين المحتاجين إلى «أعذار خيالية» لتفسير سياساتهم التدميرية.
وعلى الرغم من الإصرار الروسي على التحقيق في حادثة استعمال سلاح كيميائي في خان شيخون، فإنّ الأميركيين رفضوا أيّ تحقيق مكتفين بالاتهامات الإعلامية التي برّرت لهم كما «يزعمون» الهجوم على مطار الشعيرات والاعتداء على الجيش السوري في البادية وقرب دمشق، بينما كان في حالة قتال مع «جبهة النصرة» ومشتقاتها…
لجهة تحرّك قطعات أميركية وأخرى من التحالف الدولي قرب الحدود العراقية السورية، فهي معلومات تؤكّدها روسيا وتفسّرها على أنّها دعم للإرهاب من جهة، والقوات الكردية المتقدّمة من الشرق إلى الجنوب من جهة ثانية، وتجسّد تهديداً للجيش السوري المندفع جنوباً وشرقاً من جهةٍ ثالثة. ويبدو أنّ أمراً أميركياً صدر لتحريك وحدات أردنية مكشوفة وأخرى مموّهة بلباس العشائر وراياتها، فالمهم هو وقف اندفاعة الجيش السوري التي تهدّد النفوذ الأميركي هذه المرّة، وليس فقط المعارضة التكفيرية.
ويبدو أنّ الأردنيين والسعوديين مكلّفون بإعادة إنتاج «جبهة نصرة جديدة» بلبوس أكثر مدنية من طريق التخفيف من «الإعلام الديني» والنزوع التكفيري، كأن تصبح «النصرة حركة مقاومة سوريّة لديها مشروع سياسي يختلف عن القاعدة وداعش». وهذه من الفبركات الأميركية الوهابية التي سبقت أن أنتجت قبل أربعين عاماً منظمة القاعدة ودعمتها في أفغانستان والجزائر وحالياً في سورية والعراق ومصر، ما يؤكّد أنّ السياسة الأميركية تنوي إطالة الحروب في المنطقة لسنين عدة مقبلة تحتاج إلى قرابين بشرية، وأكبر كمّية ممكنة من التدمير والتفجير والقتل. وهذا صعب من دون اختراع منظمات تكفير من إنتاج سعودي غيبي يعمل في خدمة أجهزة المخابرات الأميركية.
لكن أخطر الأوراق الأميركية لوقف هجوم الجيش السوري المدعوم من روسيا وإيران، هي ورقة الدور «الإسرائيلي» الذي تعكس إعادته إلى «الخدمة الدائمة» في سورية مدى سوء أوضاع الأميركيين في المنطقة.
وتنشيط الدور العسكري «الإسرائيلي» في سورية انطلاقاً من الجولان وبأوامر أميركية، يعكس أيضاً التعاون الخليجي «الإسرائيلي» الذي أصبح علنياً ويدعم الغزو «الإسرائيلي» بشكل مباشر، بالإضافة إلى أنّ السلطة الفلسطينية أصبحت أقرب إلى الموقف السعودي الأميركي «الإسرائيلي». ما يغطّي احتمالات شنّ حروب «إسرائيلية» على سورية ولبنان.
فهل لهذا «السيناريو» مرتكزات فعليّة؟
يؤكّد أولاً على انحسار النفوذ الأميركي السعودي مقابل تقدّم سورية وحلفائها، ما يدفع واشنطن إلى الاستنجاد بأوراق جديدة. أمّا لجهة قدرته على إنقاذ «الحَشرة الأميركية»، فهذه مسألة أخرى تبدأ من إصرار الدولة السوريّة على تحرير أراضيها واستغلال «الانكفاء الأميركي» الحالي للاستمرار في التقدّم حتى لو أدّى الأمر إلى إشعال حرب إقليمية. فما يحدث الآن لن يكون أكثر سوءاً من أية حرب مقبلة.
ولا يمكن نسيان الدور الإيراني الإيجابي الذي يعاون الجيش السوري على مكافحة الإرهاب التكفيري والنفوذ الأميركي، ويبدو أنّ طهران عازمة على «القتال الواسع المدى» في وجه أيّ «تطوير للأوراق الأميركية» في سورية خصوصاً، وما أرسلته من صواريخ باليستية من همدان إلى مواقع الإرهابيين في سورية إلّا الدليل على عزمها على خوض المجابهة مهما كانت واسعة ودولية. لذلك، فهم كل الذين استمعوا إلى الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، الذي توعّد بفتح الجبهات لمئات آلاف المجاهدين لقتال «إسرائيل»… أليس هذا الدليل الشافي على أنّ الحلف السوري الروسي الإيراني في أجواء استخدام أميركا للورقة «الإسرائيلية» في الحرب على الدولة السورية؟ ومستعدّ للتعامل معها..
لجهة الدور الروسي، فلن يسمح أبداً بتعطيل عودته إلى منطقة «الشرق الأوسط» من خلال البوّابة السوريّة الكبرى. ويعمل على جبهتين سياسية تبحث عن «تفاهمات أوّلية» مع الأميركيين، وعسكرية من خلال هجمات سلاح الجوّ الروسي على قواعد الإرهاب وتغطية هجمات الجيش السوري والمنظمات الحليفة. والحضور الروسي في الساحة السورية وازن، يفرض على واشنطن التعامل معه بحذر.
وبالنتيجة، فإنّ محور الدولة السورية هو الذاهب إلى انتصار وشيك مقابل هزيمة وشيكة للمحور الأميركي السعودي «الإسرائيلي»، الذي استنفد وسائله كلّها مع ازدياد وعي السوريين أنّ ممثّلهم الفعلي الراعي لمصالحهم هو الدولة السوريّة وجيشها الباسل.
(Visited 65 times, 65 visits today)
Related Articles
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment