I
سبتمبر 18, 2017
زياد حافظ
فجأة وبعد حالة إنكار غريبة يركّز الإعلام الغربي والعربي على التطوّرات العسكرية التي تحصل في الميدانين السوري والعراقي. المقالات والتعليقات والمداخلات التلفزيونية وغيرها من وسائل التواصل العام والخاص تغصّ بمعلومات وآراء متعدّدة. معظم هذه الآراء تجمع على أنّ التطوّرات الميدانية ستحمل تطوّرات سياسية. فما هي هذه التحوّلات السياسية المرتقبة؟
في رأينا لقد بدأت منذ فترة التحوّلات السياسية على الصعيد الدولي والإقليمي والعربي، لأنّ التحوّل الاستراتيجي حصل مع إيقاف المشروع الأميركي في العراق، وصمود المقاومة في لبنان وغزّة، ومع صمود سورية في وجه العدوان الكوني. أما التداعيات السياسية فهي متعدّدة. فلا يمكن إجراء مقاربة للتحوّلات الدولية من دون مقاربة انعكاساتها إقليمياً وعربياً، وكما لا يمكن قراءة المشهد الإقليمي بعيداً عن التطوّرات الدولية والعربية، وأخيراً لا يمكن فهم التطوّرات في المشهد العربي من دون الالتفات إلى التحوّلات الدولية والإقليمية. فأيّ قراءة لأيّ مشهد تصبح قراءة متعددة الأبعاد.
فعلى الصعيد الدولي نشهد بروز كتلة سياسية وجغرافية وبشرية واقتصادية وعسكرية في العالم أكبر وأفعل من مجموعة «المجتمع الدولي» المكوّن أساساً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك منذ تبيّن أنّ الهيمنة الأميركية تتعثر في مطلع الألفية الجديدة. المجموعة الجديدة هي مجموعة بريكس. لن نسترسل في سرد التطوّرات التي رافقت نشأة بريكس، بل نكتفي بما حصل في اللقاء الأخير لقمة تلك الدول التي عُقدت في مدينة زيامين الصينية. فالقمة الأخيرة لها دلالات عديدة إضافة إلى أنها المدينة التي كان عمدتها في السابق الرئيس الصيني الحالي زي جين بينغ.
الدلالة الأولى تكمن في طريقة الاستقبال الحارّ والفائض في الاحترام لمسؤولي الدول المشاركة خلافاً عن الاستقبال الرسمي والمتعالي والبارد أحياناً الذي يحصل في الغرب تجاه الدول التي تعتبرها دول الغرب أقلّ شأناً لا ننسى دفع الرئيس الأميركي لرئيس الجبل الأسود في اجتماع قمة الأطلسي الأخير أمام الشاشات .
الدلالة الثانية هي مضمون المحادثات سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. ففلسفة هذه المجموعة هي الاستقرار ضمن حدود القوانين الدولية واحترام الدول، وبهذا تختلف مع دول «المجتمع الدولي» التي تضرب عرض الحائط المواثيق الدولية والقانون الدولي. فقرار رفض أيّ مغامرة عسكرية في الأزمة الكورية كان بمثابة «نقض» لبعض التوجّهات الأميركية التصعيدية تجاه كوريا الشمالية. ويأتي هذا التوافق بعد اهتزازات في العلاقات بين الصين والهند ومحاولات الأخيرة في بلورة مبادرة منافسة لمبادرة الحزام والطريق الواحد، وذلك مع اليابان وبعض الدول الأفريقية تحت عنوان الممرّ الأفريقي الآسيوي للنمو.
أما على الصعيد الاقتصادي فكانت القرارات تثبّت المضيّ في إنشاء منظومة مالية دولية مستقلّة عن الدولار ما يحصّن الاستقلالية السياسية التي تتّسم بها هذه الدول. وعلى ما يبدو فإنّ هذا التوجّه يقلق الإدارة الأميركية التي وجّهت على لسان وزير المال ستيفين منوخين تحذيراً للصين بمنعها من «الدخول إلى النظام المالي الأميركي والدولي للدولار»، كما ذكر موقع «فورين بوليسي» و «روسيا اليوم». جاء هذا التحذير بعد اعتراض الصين على عقوبات قاسية بحق كوريا الشمالية غير أنّ التهديد الأميركي أبعد من ملابسات الأزمة الكورية. غير أنّ الصين وحلفاءها ماضون في إنشاء المنظومة المالية الموازية للدولار لردع الهيمنة الأميركية على العالم من الناحية الاقتصادية. فما يحصل في الميدان السوري والعراقي يُترجم على الصعيد الدولي بالمزيد من الاستقلالية عن الهيمنة الأميركية.
الدلالة الثالثة، وهي ربما الأهمّ في اللقاء الأخير، هو الانفتاح على العالم. فدعوة مصر وغينيا وتايلاند والمكسيك وطاجكستان ترمز إلى إقناع العالم أنّ الغرب ليس المرجع الوحيد للقرار السياسي والاقتصادي العالمي. دعوة مصر لها دلالات عديدة. فعبر مصر تدخل بريكس الوطن العربي كما تركّز وجودها في القارة الأفريقية مع وجودها في الجنوب عبر جمهورية جنوب أفريقيا إحدى الدول المؤسسة لمجموعة بريكس، ووجود غينيا الغنية بالموارد الطبيعية من معادن بوكسيت، ذهب، الماس والتي رفضت منذ استقلالها الهيمنة الفرنسية على مقدّراتها. فهي منذ حكم الرئيس المؤسس للجمهورية الغينية أحمد سيكو توري خارج منطقة الفرنك الأفريقي «سي أف آه» والنفوذ الفرنسي المباشر. فثلاث دول أفريقية وازنة مشاركة أو مدعوّة كمراقب في مجموعة بريكس لها معانٍ كثيرة أهمّها أنّ الدول المستعمرة القديمة تراجعت سيطرتها وهيمنتها بشكل ملحوظ على القارة الأفريقية. أما دعوة المكسيك فهي مع البرازيل الدولة في أميركا اللاتينية صاحبة الشأن الاقتصادي الأبرز وعلى أبواب الولايات المتحدة. فيما بعد نعتقد أنّ فنزويلا وكوبا ستصبحان ضمن مجموعة بريكس اللاتينية.
أما على الصعيد الأميركي فحالة الإرباك هي المسيطرة على مفاصل الإدارة والحكم كافة. فالتحوّلات الميدانية في سورية والعراق لا تساعد على حسم الإرباك. فمن جهة هناك نزعة الرئيس إلى عدم التورّط في حروب جديدة، ومن جهة أخرى هناك نزعة القيادات العسكرية التي لا تعرف كيف تنهي الحروب لتقلّل من خسائرها. فبعد الحرب العالمية الثانية لم تربح الولايات المتحدة حرباً في العالم رغم انخراطها في حروب مستمرة. والآن هي منخرطة بشكل أو بآخر في حروب في سبع دول من دون نتيجة إيجابية لها تذكر. فالميل الطبيعي عند القيادات العسكرية هي المزيد من التدخل لأنها لا تستطيع أن تقرّ بهزيمة ميدانية. هذا هو الحال في أفغانستان والعراق وسورية واليمن والصومال وباكستان وكاميرون.
هنا لا بدّ من ملاحظة تطوّر جديد في موقف المؤسسة العسكرية وهو عدم الرضوخ لمشيئة الكيان الصهيوني. هناك دلائل عديدة عن ذلك التحوّل الذي بدأ منذ بضع سنوات في جلسات استماع للقيادات العسكرية في الكونغرس الأميركي مفادها أنّ سياسات حكومة الكيان تهدّد الأمن العسكري للقوّات الأميركية في المشرق العربي.
أما الحضور العسكري الأميركي في الساحتين العراقية والسورية فهو محدود، ولا يستطيع تغيير المعادلات الاستراتيجية التي ترسم في الميدان. كلّ ما يمكن أن تفعله هو محاولة في إمساك ورقة للتفاوض. فروسيا التي تقود الحملة السياسية للحلّ السياسي للصراع في سورية تحرص على حفظ ماء الوجه الأميركي من دون أن يسبّب ذلك أيّ ضرر لمصالحها في سورية والعراق وعامة المشرق، ولكن كلّ ذلك يُبقي اليد العليا لروسيا وحلفائها الإقليميين والدولة السورية.
وأخيراً على الصعيد الأوروبي، فبات واضحاً أنّ الدول الوازنة في الاتحاد تجنح إلى الإقرار بالهزيمة الميدانية والسياسية في سورية وتحاول التخفيف من الخسائر وحفظ دور ما في المعادلة السياسية الجديدة، وربما المساهمة في إعادة إعمار سورية. فالاتحاد الأوروبي يتعرّض لهزّات عديدة وقوية نتيجة سياسات خاطئة أدّت إلى تدفّق اللاجئين من سورية والعراق ما مسّ بالأمن القومي الداخلي لدول الاتحاد.
سبتمبر 19, 2017
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment