Pages

Sunday, 17 September 2017

حق تقرير المصير للكرد… ومعهم للعرب والترك أيضاً؟



سبتمبر 16, 2017

د. عصام نعمان

هزمت بريطانيا وفرنسا السلطنة العثمانية في الحرب العام 1918. أعلن مصطفى كمال اتاتورك وفاتها بإقامة الجمهورية في تركيا العام 1924. اختلف الورثة من تركٍ وعرب وكرد على حصر إرثها وتقاسم تركتها وما زالوا. المفارقة أنّ «قاتلَيّ» السلطنة تولّيا، من خلال مؤتمرات ومعاهدات نظّماها، تحديد هويات الورثة وعددهم وحصصهم الارثية. أقرّا للترك دولةً في برّ الاناضول. اصطنعا للعرب بضع دويلات في بلاد الشام وبلاد الرافدين. وعدا الكرد بدولة في مفاوضات معاهدة سافر Severes 1920 ثم أنكراها عليهم لاحقاً. منذ ذلك التاريخ تدير دول أوروبا، ومعها أميركا، نزاعاً متمادياً بين ورثة شرعيين وآخرين مفترضين للإرث العثماني التليد.

الكرد كانوا وما زالوا ساخطين على ما انتهت إليه قسمة التركة العثمانية: غالبيتهم أُبقيت في تركيا الكمالية. أقليتهم جُعلت من نصيب العراق وسورية. أما مَن كان منهم يعيش خارج السلطنة العثمانية فقد أُلحِق بالكيانات السياسية القائمة وأهمّها إيران.

دول الغرب قرّرت، اذاً، مصير الكرد. ليس مصير الكرد فحسب، بل مصير الترك والعرب والأرمن أيضاً، وهي ما

زالت تتلاعب بمصائر هذه الأقوام بقدر ما تتيحه موازين القوى الدولية. في هذا المجال، نشأت مفارقات لافتة. فالترك الذين أسقطت أوروبا امبراطوريتهم وتصرفت بـ «ممتلكاتها» انحازوا إلى دولها في الصراعات الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية 1945-1939. والعرب الذين كانت بريطانيا وعدت الشريف حسين الهاشمي بدولة تضمّ الولايات العربية المطلوب سلخها عن السلطنة العثمانية أُحبِطوا فارتضى بعض قادتهم نصيبه من التركة التي جرى تقاسمها، واعترض بعضهم الآخر. أما جمهورهم الأوسع فكان وما زال يتوق الى إقامة دولة واحدة تضمّ الشتات.

اليوم يعود بعض الكرد بقيادة مسعود البرزاني الى طرح مسألة حق تقرير المصير، وأقرّ تنظيم لذلك استفتاء في 25 الشهر الحالي ليشارك فيه سكان المناطق العراقية الواقعة تحت سلطة قواته البيشمركة . الدول الحاضنة لسكانٍ أكراد تركيا، العراق، سورية، إيران رفضت مشروع الاستفتاء، كما أنّ الولايات المتحدة أعلنت رفضها ؟ له أيضاً. بعض هذه الدول رفض مبدأ الاستفتاء وطلب إلغاءه. بعضها الآخر طلب تأجيله. البرزاني أعلن تمسكه بإجرائه في موعده مع انّ قوى سياسية كردية عدّة تعارض إجراءه في الوقت الحاضر. الى أين من هنا؟

يرسم إصرار البرزاني على إجراء الاستفتاء رغم المعارضة الدولية الواسعة علاقة استفهام كبيرة. ذلك أنّ القيادات الكردية المتعاقبة حرصت بعد الحرب العالمية الثانية على التعاون مع دول الغرب، ولا سيما بريطانيا والولايات المتحدة، والانخراط في مخططاتها وسياساتها وحروبها لدرجة حملت بعض معارضيها في العراق على تسميتها «تاكسي الدول»، فهل يتجاوز البرزاني تقليداً اتبعه معظم أسلافه ويمضي في الاستفتاء إلى النهاية برغم الدول المعارِضة… وكيف ستكون النهاية؟

يرى بعض المراقبين أنّ البرزاني يناور ولا يصادم، وأنه يحاول استغلال حال الاضطراب والفوضى التي يعيشها العراق وحال الشجار والاختلاف التي تمرّ بها الدول الإقليمية والدول الكبرى كي يعزّز مركزه التفاوضي إزاء حكومة بغداد بغية حملها على تقديم تنازلات في مسألتين رئيسيتين: إقرار «حق» الأكراد في محافظة كركوك وفي المناطق المتنازع عليها في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى التي تضع البيشمركة يدها عليها، وتكبير حصة إقليم كردستان في ميزانية الدولة الاتحادية وفي عائدات النفط المستخرَج من منابعه في الإقليم المذكور.

فوق ذلك، يبتغي البرزاني تنازلاً آخر: موافقة جميع الأطراف، العراقية والإقليمية والدولية، على تأجيل الاستفتاء وليس على إلغائه. ذلك أنّ تأجيل الاستفتاء ينطوي على معنى الإقرار بحق تقرير المصير، رغم الانصياع إلى مطلب إرجاء تنفيذه، بينما يعني إلغاء الاستفتاء إنكار حق تقرير المصير برمّته.

قد يتوصّل أطراف النزاع إلى تسويةٍ للخلاف بالتوافق على مصطلح ديبلوماسي يؤمّن مخرجاً ولو مؤقتاً من حال التأزّم والحرج، أو قد يُترك البرزاني لمصيره في تنفيذ استفتاء لن يكون له في الظروف الراهنة مفعول أو مردود عملي. لكن سؤالاً مصيرياً يبقى مطروحاً وضاغطاً على جميع أطراف الصراع: كيف يمكن الخروج من المعضلة التاريخية؟

المعضلة التاريخية هي حاجة جميع أقوام السلطنة العثمانية المهزومة إلى تقرير المصير من جهة، ومن جهة أخرى ضرورة ألاّ يمارس كلٌّ من هذه الأطراف حقه في وجه الآخرين وعلى حسابهم. فالعرب والكرد والترك وغيرهم من الأقوام لهم الحق بتقرير المصير الذي مارسته عنهم عنوةً بريطانيا وفرنسا غداةَ انهيار السلطنة العثمانية باصطناع كياناتٍ سياسية هشّة وقيامهما بتوزيعهم عليها اعتباطاً بينها أو في داخلها.

كيف تمارس هذه الأقوام حقها في تقرير المصير بعد أن انتهت الرقعة الجغرافية التي كانت تسيطر عليها السلطنة العثمانية في المشرق الى ما انتهت اليه من كياناتٍ متعددة، ركيكة ومتنازعة؟ أبالاحتراب في ما بينها أم بالحوار؟ وكيف يكون الحوار في هذا الزمن الصعب؟

الجواب: برسم مسار طويل يبدأ بتعايش الأقوام داخل كلّ كيانٍ من كيانات بلاد العرب والترك واتحادها في طلب الحرية والديمقراطية وفي بناء دولة مدنية على أسس حكم القانون والعدالة والتنمية. والمأمول أنّ بلوغ هذه الأقوام حال الدولة المدنية الديمقراطية يضعها أمام خيارين: 1 البقاء فيها بإطار نظام مركزي ديمقراطي أو اتحادي فدرالي ديمقراطي، أو 2 الحوار والتفاوض مع الأطراف المعنيين لتحقيق الاستقلال بمودة وإحسان.

كِلا الخيارين أقلّ كلفةً من النزاع والاحتراب.

وزير سابق

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments:

Post a Comment