ستون دقيقة عن اشتشهاد البطل عصام وهر الدين والحكم باعدام البطل منفذ حكم الشعب في العميل بشير الجميل
«أنا حبيب الشرتوني أقر وأنا بكامل أهليتي القانونية بأني نفذت حكم الشعب بحق الخائن بشير الجميل وأنا لست نادماً على ذلك بل على العكس إذا آتى مرة آخرى فسوف أقتله وستصح مقولة لكل خائن حبيب وأبشركم أن هناك ألف ألف حبيب لكل خائن عميل في بلادي».
مع الاعتذار من حبيب الشرتوني
أكتوبر 21, 2017
ناصر قنديل
أنّ عملية الشهيد خالد علوان في شارع الحمراء وعملية الاستشهادي أحمد قصير بتفجير مقرّ الحاكم العسكري «الإسرائيلي» في صور وعملية المناضل حبيب الشرتوني شكّلت ثلاثي الاستنهاض للمقاومة وثقافتها، وثلاثي الانهيار لمشروع الاحتلال،
——
– سأكتفي بوضع النقاط على حروف وعينا المتشكّل خلال الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان وولادة المقاومة بوجهه، بعيداً عن جدل عقيم حول معاني القوانين واستنسابية تطبيقها، عندما تدخل في زواريب الاسترضاء السياسي والزبائنية بين العائلات الحاكمة، وإعادة إنتاج الحصانة للبكوات بوجه تبعات ارتكابهم لفعل خيانة الوطن، وسقوط حصانة العمل الوطني النبيل والشريف للمقاومين عن أبناء الفقراء والبسطاء والفلاحين إذا مسّوا شعرة من رأس البيك وابن البيك، فكيف إذا صار بلقب رئيس جمهورية، ولا أظنّ أنّ بين اللبنانيين المأخوذين بغير الغريزة العمياء، والخاضعين لفعل العقل وحده، مَن يجادل بكونبشير الجميّل صار رئيساً بقوة الاحتلال، وأنّ وصوله للرئاسة كان من رهانات اجتياح «إسرائيل» للبنان، ولا مَن يناقش في أنّ الطريق الدستوري للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى مغلق بقوة التركيب السياسي المريض، وبقوة حضور الاحتلال، وأنّ كلّ حكم قضائي هو ثقافة ورسالة، وأنّ محاكمة حبيب الشرتوني هي خلاصة مضمون سلّم القيم الذي يحكم لبنان اليوم بعيون التاريخ والأجيال القادمة، فما هي الرسالة التي يحملها الحكم اليوم؟
– من الزاوية المنطقية ارتكاب جرم التعامل مع العدو وخدمة سياساته والعمل على تحقيق أهدافه يصير أخطر، كلما ارتفعت المكانة التي يحتلّها مرتكب الجرم في بنية المجتمع وهيكلية الدولة ومؤسساتها، ومنطقياً يجب أن ترتفع العقوبة بالتناسب مع ارتفاع حجم الخطر المترتّب على ارتكاب الجرم ذاته، وأعلى مراتب الجرم بالتعامل هي التي ترتكب من موقع رئيس جمهورية، والذي يصير في لبنان هو العكس تماماً، فجرم سعد حداد وأنطوان لحد أكبر من جرم بشير الجميّل، وربّما جرم عريف في جيش العملاء تحت إمرة حداد أو لحد أكبر من جرمهما، فكلّما صار العميل برتبة أعلى وينتسب لمكانة اجتماعية أقرب لقيمة البكوات ورتب الشرف الإقطاعية، وصارت بالتالي خدماته للعدو أخطر وأكبر، صغر جرمه ولو كان خطره أكبر وضرره أكثر، لا بل صارت ملاحقة مَن ينفذ به حكم الشعب، واجبة ولا تموت بتقادم الزمن.
– من الزاوية المنطقية أيضاً عندما يقع بلد تحت الاحتلال، يُمنع إجراء أيّ تغيير في المواقع الدستورية تشتمّ منه رائحة التأثر بما نتج عن الاحتلال، فكيف عندما يجلب الاحتلال النواب بدباباته وتحت تهديد عملائه لانتخاب مرشحه الرئاسي الوحيد بلا منافسة، ويُصاب نواب بالجروح، ويُنتخب المرشح الأوحد الذي تكتب عنه صحافة العدو علناً كحليف وصديق، ويقيم حفل التهاني العائلي بحضور جنرالات الاحتلال. وفي مثل هذه الأحوال يستحيل الرهان على اشتغال آليات دستورية لعزل الرئيس المنتخب بحراب المحتلّ، كما تشكّل الدعوة لترك الرئيس التابع للاحتلال في منصبة يخدم المحتلّ دعوة لتحقيق أهداف الاحتلال. فما هي بالضبط الدعوة التي وجّهها المجلس العدلي للمواطن حبيب الشرتوني ورفاق جيله الذين رأوا جريمة الاحتلال والتعامل مع الاحتلال من موقع رئاسة الجمهورية، والرسالة المماثلة للأجيال القادمة تجاه خطر مماثل، أن تدع الرئيس يُتمّ المهمة وتدع الاحتلال ينعم بالنعمة، أليست الوظيفة الأصلية للأحكام القضائية ثقافة؟ فما هي الثقافة التي أراد القضاة توجيهها؟ دعوا الاحتلال يحقق أهدافه كي لا تحاكَموا لاحقاً وتدانُوا، لأنّ الاقتصاص ممن تعامل مَنْ هم دون الرئيس لن يؤثر طالما بقي الرئيس، والاقتصاص من الرئيس إذا تعامَلَ يُدينكم، حتى لو ارتكب الخيانة العظمى فهو طالما لا يُحاكَم بتهمتها، فلا يُدان بارتكابها، أليست هذه هي الثقافة التي يطبّقها نظامنا في جرائم الفساد، الرؤوس الكبيرة لا يطالُها قانون، وإنْ طالَها الشعب يحاسَبْ ويُدَنْ.
– من الزواية المنطقية ليس أشدَّ من توهين وإضعاف للحال الوطنية من تعامل رئيس جمهورية مع محتلّ، وليس أشدّ من رفع معنويات المقهورين في ظلّ الاحتلال كمثل النيل من أعلى رموز التعامل معه، وإصابة مشروعه في الصميم، ويعرف كلّ أبناء أجيال المقاومة التي قاتلت المحتلّ أنّ عملية الشهيد خالد علوان في شارع الحمراء وعملية الاستشهادي أحمد قصير بتفجير مقرّ الحاكم العسكري «الإسرائيلي» في صور وعملية المناضل حبيب الشرتوني شكّلت ثلاثي الاستنهاض للمقاومة وثقافتها، وثلاثي الانهيار لمشروع الاحتلال، وأنّ إدانة حبيب الشرتوني اليوم تشبه إدانة مفترضة لخالد علوان وأحمد قصير بتهمة حيازة السلاح والمتفجّرات من دون ترخيص وتأسيس جماعة مسلّحة خارج التشكيلات النظامية للدولة. فأيّهما يوهن الروح الوطنية ويُضعفها، فعلُ المقاومين أم الأحكامُ التي تنال من شرف المهمة التي أدّوها، وارتقى بها الوطن إلى مراتب الشرف والكرامة لتليقَ به المقاومة؟
– الحكمُ على حبيب الشرتوني لا يُقاس بمفاعيله العملية، بل بنتائجه الثقافية. ومضمون الرسالة التي يحملها لمنظومة القيم التي يُدار الحكم على أساسها، في أعلى مراتب العقل، حيث يتولّى القضاة الكبار النظر في الأمر، ولو كنّا في بلد آخر يريد كتابة تاريخه عبر أحكام قضاته، بدلاً من كتابة مجاملات العائلات التي تتداول الحكم وتدير النظام، وتقيم الحصانات لبعضها البعض، لكانت المحاكمة فرصة لفتح ملف تلك المرحلة، وبالحدّ الأدنى كان الحكم المقبول، اعتبار ظروف الانتخاب الرئاسي مشتبهاً في صحتها وقابلة للطعن، وشروط الإحالة للمجلس العدلي غير مستوفاة، واعتبار العملية وجهاً من وجوه الصراع الذي تداخل فيه القتال ضدّ الاحتلال بماضي الحرب الأهلية واصطفافاتها، وشمول الفعل بقانون العفو.
– سؤال بريء:
لماذا لم تتمّ محاكمة حبيب الشرتوني خلال وجوده في سجن أمين الجميّل لسنوات؟ أليس لأنّ حالنا الوطنية كانت أفضل؟ وكان التجرّؤ على المقاومين دونه الكثير من التهيّب والخوف والرهبة؟ وكانت ثقافة النفاق تخجل من نفسها أكثر؟
Related Videos
Related Articles
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment