بقلم نارام سرجون
السياسة ليست الا مسرحا للحياة وفيها نرى الناجحين والفاشلين والمغامرين .. هناك سياسيون يتحولون الى أبطال وفرسان يقهرون الحياة .. وهناك من يتعرضون لحوادث سير في طرقات السياسة حيث تصدمهم عربات لسياسيين آخرين يقودون سياراتهم بسرعة جنونية ..
كما يحدث في السعودية حيث يقود شاب متهور هو ابن الملك سيارته الجديدة باندفاع وهو لايزال في طور التمرين ويصدم ولي العهد محمد بن نايف الذي أصيب بعجز كامل وهو يرقد في سريره ولاامل له في السير في طرقات السياسة بعد صدمة ولاية العهد .. الا على كرسي متحرك ..
أما السياسيون المحظوظون فهم مثل أولئك الذين يربحون ورقة يانصيب من غير توقع .. وهذا مايجعله مؤمنا بالحظ والمقامرات والرهانات .. وخير مثال على هذا النموذج هو الملك عبدالله الثاني ملك الأردن الذس كان يلعب الورق والروليت ويسابق الريح على دراجاته النارية .. وفجأة صار ملكا من حيث لايتوقع ..
وهناك سياسيون يتحولون الى رواد للمقاهي السياسية للمحالين على المعاش يشربون الشاي ويدخنون الشيشة .. يسعلون وهم يدخنون ويتحدثون عن أمجادهم القديمة .. وفي نهاية اليوم يذهب واحدهم الى الصيدلية السياسية ليشتري حبوب الضغط السياسي ومضادات الامساك السياسي وأحيانا حفاضات لمنع سلس البول السياسي كيلا ينفلت لسانه ويتحدث بما لايجب أن يتحدث فيه .. فلا فرق بين اللسان والمثانة في أواخر التقاعد السياسي .. وكلاهما يحتوي نفس المواد ..
وخير مثال على هذا النموذج المتقاعد هو الأمير الحسن بن طلال الأردني الذي لايبرح مقاهي المتقاعدين السياسيين حيث لم يترك له أخوه الملك حسين الا ذكريات ولي عهد مخدوع انتظر خمسين عاما .. ووجد نفسه في كرسي المقهى بدل كرسي العرش ..
وهناك سياسيون يشبهون أصحاب العيال والأسر الكبيرة التي تعاني من الفقر والعوز فلايجد رب الأسرة الفاشل حلا لمشكلاته الا العمل في حراسة أحد النوادي الليلية أو بيت الأثرياء ويتحول الى ناطور أو الى “بودي غارد” ويتحول تدريجيا الى بلطجي وأحيانا يتصرف مثل كلب من كلاب الثري .. ومع هذا يظل مفلسا فيقرر أن يؤجر أولاده أو يشغلهم باعة متجولين أو يبيعهم .. وهذا يمثله رئيس السودان عمر البشير .. الذي باع نصف بيته .. ونصف أولاده .. وقام بتأجير الباقي ..
ولكن اين هم الساسة الاوروبيون والاميريكيون في شارع السياسة؟؟ السياسيون الأوروبيون تجدهم في شارع السياسة مثل السماسرة وأصحاب المكاتب العقارية .. يبيعونك الأوهام والقصور ويورطونك في صفقات سياسية خاسرة ومغامرات تشتري فيها ابراجا على الورق .. وعندما تخسر الصفقة ينسحبون بأرباحهم ويتركونك محسورا ويقولون لك انها التجارة .. فيها ربح وخسارة .. ولذلك عندما تتعامل مع أي سياسي أوروبي فعليك ان تتذكر أنك أمام سمسار ليس الا ..
أما الساسة الأمريكيون في شارع السياسة فانهم ذلك النوع من “المحامين النصابين” وليس المحامين المحترمين .. المحامون النصابون الذين يعرفون سلفا أن قضيتك خاسرة ومع ذلك يؤكدون لك انهم سيكسبونها لك ويجرجرون خصمك الى المحاكم .. ويقومون برشوة القضاة ورجال الشرطة وتغيير افادات الشهود .. ومع ذلك فالقضية لاتكسب دائما لكنهم وعندما يصدر قرار القاضي النافذ والقطعي بان قضيتهم خاسرة .. يقولون لك سنستأنف الحكم ونطعن فيه .. ويعيدون لك الأمل في أن تكسب القضية الخاسرة .. ولكن ينهون اللقاء بعبارة: اعطنا دفعة على الحساب كي نستأنف الحكم .. وطبعا الزبون المسكين المغفل يصدق الأمل الخادع ويسير من محكمة الى محكمة .. كما سار ياسر عرفات وأنور السادات وسعد الحريري .. وماحدث هو ان ياسر عرفات توفي ولم تتقدم القضية وربما طوي الملف بسبب وفاة صاحب القضية ..
أما أنور السادات فانه أخذ الأرض التي ملك أمه وابيه .. ولكن سيادته على أرضه لم تتجاوز المكان الذي وصل اليه حذاء الجندي المصري على الضفة الشرقية للقناة (المنطقة أ) .. ومافعله المحامي الامريكي أنه لم يغير في الواقع شيئا .. فما حرره المصريون بالدبابات بالعبور هو مايملكونه ملكية كاملة غير منقوصة.. والباقي (المنطقة ب والمنطقة ج) فهي وقف من اوقاف الأمم المتحدة .. أي ملكية مصرية محدودة بدور المدير التنفيذي ربما !!! ..
أما محكمة الحريري فانها تحولت الى مسلسل مكسيكي طويل من طراز السوب اوبرا .. والى مايشبه سلسلة تيرمنيتر لشوارنزنكر .. أو جيمس بوند .. ولكن نكهتها الشرقية تجعلنا نحس أنها احدى مجموعات باب الحارة للمخرج بسام الملا .. حيث يموت أبو عصام ثم لايموت أبو عصام .. وحتى هذه اللحظة لانعرف ماهي نهاية باب الحارة .. الذي ستحل محله سلسلة محكمة الحريري .. محكمة حريري 1 .. ومحكمة حريري 2 ……. ومحكمة حريري 15 .. الخ ..
أحد المحامين الامريكيين النصابين اسمه تيلرسون الذي يعمل في مكتب محاماة معروف أنه من اكبر النصابين الذي تسلم من المحامي النصاب جون كيري الملف السوري الخاسر .. ولكن المحامي النصاب تيلرسون يعلم أن القضية انتهت وخاسرة 100% .. ومع ذلك فانه يقول لموكليه في المعارضة والسعودية:
(سأطعن في الحكم .. وسآخرج الزير من البير .. والأسد من قصر الشعب ..اعتمدوا علينا فالمحامي السابق ومعلمه اوباما حمار وفاشل .. اتركوها علي وسأنهي حكم الأسد .. ولكن هاتوا دفعة على الحساب .. ) ..
في شارع السياسة رجال مهندسون هم مهندسو العصور .. مخلصون أحرار .. يعملون بصمت ويبنون .. يعرفون كل من يمر في الشارع .. ويعرفون الأبنية المتهالكة والتي تحتاج الى ترميم .. ويعرفون من يملك العمارات ومن يستأجرها ومن يستولي عليها بالقوة وبقوة الفساد الدولية .. ويعرفون أين هي الأبنية المخالفة للقانون والمحتلة .. وهم يواصلون هدم الأبنية القديمة .. ويقودون عمالا فقراء ليغيروا خارطة الطرقات التي ملأتها الفوضى الخلاقة ..
شوارع السياسة لايغيرها محامون نصابون .. ولايغيره الرابحون في أوراق اليانصيب .. ولاالسماسرة ولا رواد المقاهي المتقاعدون ولا النواطير والرجال الذين يؤجرون انفسهم واولادهم .. شوارع السياسة يغيرها من يريد ربط البحار وفصل البحار وفصل العصور وربط العصور .. ومن يعرف كل مايدور في شوارع السياسة ولايغرق في أوهامها ومسارحها ..
شارع السياسة الذي بني في القرن العشرين يتهدم وكل الابنية فيه تجرفها بلدوزرات البريكس وجرافات الجيش الروسي والسوري والايراني التي تكنس كل الأنقاض .. وتجرف فيها كل مكاتب السماسرة والمقاهي وتمسح الأبنية المتهالكة والمخالفات .. وهناك أبنية جديدة يوضع الاساس لها .. وعمارات تنهض ..
شارع القرن العشرين الذي كان أميريكيا انتهى عمره .. وانهار .. وبدأ عصر جديد وملامح شارع جديد .. وعصر جديد سيظهر خلال سنوات قليلة .. شارع أميريكا السياسي سينتهي .. ولذلك يمكن أن نقول لمن يقول بأن عصر الأسد انتهى .. بأن حكم أميريكا انتهى ..
استمعوا الى الرئيس الأسد الذي بدأ مع حلفائه هدم شوارع السياسة القديمة عندما فهم السياسة واللاعبين على مسرحها .. ان من يقول هذا الكلام الذي قاله الأسد منذ زمن طويل قبل غزو العراق لايمكن الا أن يكون لديه مشروع بناء شرق أوسط جديد .. يبنيه على حطام الشرق الأوسط الامريكي .. انه أحد المهندسين .. الذين هدموا مابنته أميريكا لبناء جدران السياسة وخطوط الطاقة وانابيبها من الشرق الى البحر المتوسط .. وخوف أميريكا ليس مما هدمه الأسد وحلفاؤه بل مما سيبنيه مع مهندسي القرن العشرين في روسيا والصين وايران .. ان هذا العصر بدأ ولن يتوقف ..
ياسيد تيلرسون يمكن لأميريكا أن تخرج الزير من البير .. ولكن الأصعب من ذلك هو أن تخرج الأسد من قصر الشعب .. والأصعب هو أن تعود أميريكا كما كانت في الشرق .. لأن الأسد وحلفاءه يحضرون لرميها في البير ..
صح النوم ياسيد تيلرسون .. صح النوم أميريكا ..
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment