السعودية تقف على كفّ عفريت وتنتظر مصيراً حالك السواد
فهد الريماوي
نوفمبر 18, 2017
رغم أنّ عالم اليوم متخم بعلامات التعجّب والاستغراب، ومفعم بمحركات الذهول والاندهاش، إلا أنّ الجاري حالياً في المملكة السعودية على يد المراهق السياسي الأمير محمد بن سلمان يتخطّى كلّ لوائح الشذوذ والضلال، ويتجاوز أفدح فوضويات العبث والهوس واللامعقول.
وحتى لو أنّ ما يفعله هذا الأمير المتسرّع يحظى برعاية العرّاب ترامب، ويتغطّى بزفة إعلامية صاخبة ومتعدّدة الأبواق والأناشيد والزغاريد، فهو محضُ مغامرة بل مقامرة مجنونة وطاعنة في الطيش والتهوّر، من شأنها وضع المملكة المرتبكة في عين العاصفة وبؤرة المخاطر الجسيمة.
وما دام ترامب غشيماً في ميدان السياسة الخارجية، ومأزوماً في عقر البيت الأبيض، ومشكوكاً في صحة فوزه بالانتخابات الرئاسية، ومرشحاً للعزل والسقوط في أية لحظة.. كيف يجوز لأمير آخر الزمان، محمد بن سلمان، أن يعتمد على دعمه، ويطمئنّ إلى حكمته، ويضع كلّ البيض السعودي في سلته؟ وكيف يحق له أن يتجاهل ويتغافل عن درس مسعود أو متعوس البرزاني الذي حرّضه نتنياهو وشجّعه ترامب على التمرّد والانفصال عن العراق، ثم تخلّيا عنه قبل صياح الديك، وتركا له أن يتجرّع وحده سمّ الهزيمة وعلقم الاستقالة؟
بأقلّ القليل من الملاحظة، وبغير حاجة للكثير من المتابعة والتمعّن والتدقيق، يستطيع أيّ مراقب سياسي التأكّد أنّ هذا المستهتر يحرث في البحر، ويكتب خلف السطر، ويرسم فوق الغيم، ويزرع خارج الحقل.. بل يريد أن يحصد قبل ان يزرع، ويقرّر قبل أن يفكر، ويصلّي قبل أن يتوضّأ، ويبلغ الخاتمة دون ان يبدأ، ويُمعن في «حرق المراحل» وسلق الأحكام وخرق نواميس الطبيعة، بغير روية وتبصّر وتحسّب للعواقب.
لا يمكن لفاسد أن يحارب الفساد، ولكن يمكنه محاربة الفاسدين ليحلّ محلهم، او يستولي على ما لديهم.. ولا يمكن لوزير دفاع فاشل في «عاصفة حزمه» على اليمن لما يقارب ثلاثة أعوام، أن يحرز النجاح ويجترح المعجزات حين يستغلّ سلطات والده الملكية، لاغتصاب ولاية العهد وتسلّم زمام الحكم.. ولا يمكن لأعرابي يتلفع بالعباءة الأميركية، ويطمئن لصداقة العمّ سام، أن يسلك دروب الصلاح والإصلاح، أو ينتهي على خير وسلام.. وشاهدنا ما حصل للملك فيصل بن عبد العزيز، ومن بعده لشاه إيران وحسني مبارك وغيرهم.. ولا يمكن لأمي في العلم الاستراتيجي يخوض حرباً على جبهتين: داخلية تطال شيوخ الوهابية وأمراء الفساد معاً، وخارجية تطال إيران واليمن وسورية وحزب الله، أن يخرج من هذه الحرب المزدوجة سالماً غانماً، او تظفر بلاده برايات العزّ والفخار والانتصار.
هذا المدلّل يلعب بالنار، ويدفع بلاده إلى التهلكة، ويحمّلها فوق طاقتها، ويزلزل أركانها ويخلخل مكوّناتها الأهلية وسلامها الوطني والاجتماعي، ويرفع أفضل العناوين وأرقى الشعارات لتحقيق أرذل الأهداف والغايات، وفي مقدّمتها الاستئثار بالسلطة والوصول إلى كرسي العرش دون وجه حق، او مستند كفاءة وعبقرية.
آجلاً أو عاجلاً، سوف تثبت الأيام أنّ أعدى أعداء السعودية لم يستطع التجنّي عليها، وإلحاق الهزيمة بها، وجرّ الويلات والنكبات عليها، مثلما فعل محمد بن سلمان الذي عاث في بلاده، من خلال الارتجال والاستعجال، خراباً وتفكيكاً ودماراً… وقديماً قال الشاعر:
لا يبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ
ما يبلغ الجاهلُ من نفسهِ
كم من حاكم عربي وأجنبي خسر حياته، وضيّع بلاده، ومزّق شعبه، من دون أن يقصد ويتعمّد، وإنما لأنه اعتدّ بنفسه، واغترّ بقوّته، واستبدّ برأيه، واستأثر بصنع القرار، واصمّ أذنيه عن النصح والمشورة، واندفع بتأثير الصلف والغرور والحماس وليس الحكمة والروية لتحقيق أحلامه وبلوغ مقاصده.
يخطئ مَن يتوهّم أنّ الحكم صنعة سهلة ورحلة ممتعة، فالحكم الرشيد الذي يستحقّ اسمه هو جماع مشقة ومسؤولية وقوة ذكية لا بدّ أن تستند إلى جملة شروط وقواعد وحيثيات معروفة في أبسط كتب السياسة، ومبادئ القانون، ودروس التاريخ… الحكم علم وفنّ وخبرة وممارسة حصيفة لإدارة شؤون الدول، وتنظيم علائق المجتمعات، ورعاية الصالح الوطني العام، وتوفير مستلزمات الأمن والعدل والنماء والتقدّم والعيش الكريم للناس.
وعليه… فالحكم في أصله وغايته عقد وثيق وعميق بين الحاكم والمحكوم، ورباط توافقي بين أهل السرايا وأهل القرايا، وهمزة وصل ديمقراطية بين القمة الرسمية والقاعدة الشعبية.. وكلّ ما عدا ذلك محضُ تسلّط وتحكّم وتجبّر مهيمن، ولكنه غير قابل للدوام.
كلّ مَن يسكت عن تخبيصات ابن سلمان المركبة والثلاثية الأبعاد هو شيطان أخرس، وكلّ مَن يسايره أو يشاركه في هذا الشطط هو خادع ومخادع يريد توريطه في ما لا تُحمد عقباه، وكلّ مَن يهلل ويصفق له، ويتغزّل بعبقريته هو كاذب ومنافق يتلهّف على كسب ودّه ونيل شرهاته وعطاياه.
واقع الحال أنّ هذا الأمير الغرير والمغرور والمغامر قد رجّ مملكة التكاسل والتثاقل رجّاً عنيفاً، ووضعها على كفّ عفريت، وقذف بها في دوامات «الربيع العربي» وحرائقه وفتنوياته التي حسب أهل الخليج عامة أنّ رياحها وأعاصيرها لن تبلغهم أو تصل إلى بلادهم، فإذا بها تجتاحهم وتعصف بادئ الأمر بما كان يسمّى «مجلس التعاون الخليجي» وتمزقه شرّ ممزق، ثم لا تلبث أن تحصل من ابن سلمان على تأشيرة دخول للديار السعودية عامة، ولمخادع الأسرة الحاكمة بشكل خاص.
رحَم الله المملكة العربية السعودية، فهي سائرة إلى الموت والهلاك، ولا تجوز على الميت إلا الرحمة مهما كانت ذنوبه وعيوبه وسيئات حياته…!
رئيس تحرير جريدة «المجد» الأردنية
مقالات مشابهة
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment