سيستيقظ الحالم قيس ويظن أنه في بيت ليلى العامرية ليكتشف أنه نام في بيت العنكبوت .. وليست هناك ليلى بل أنثى عنكبوت صهيونية ستأكله حتى قبل رقصة الحب والزواج ..
بقلم نارام سرجون
من المعيب أننا في خصومتنا مع الآخرين وصراعنا معهم حتى الموت نمسك كل ماتقع عليه ايدينا لنرجمهم به من أجل الفوز بأي ثمن .. نرجمهم بلحم البشر ونرشقهم بدماء الناس ونرميهم بالكتب المقدسة ونضربهم بالمآذن والأجراس والصلبان والقرآن ..
القتال مع الخصوم أيضا قتال مع جشع الذات وحيوانيتها .. فليس المهم أن ننتصر كما تفكر الثقافة الغربية الرأسمالية بل المهم أيضا كيف ننتصر .. فالثقافة السياسية الغربية تحنث بالعهود والوعود وتطعن في الظهر وتكذب وتقسم أن الله قد أعطى أرضك لشعبه المختار وترشقك بجثث اخوانك وتفبرك الحكايات والشهود لتقول أنك قتلت الناس بالسلاح الكيماوي وهي التي لاتزال يدها مخضبة باليورانيوم المنضب ولاتزال تقطر من أصابعها دماء هيروشيما الساخنة الملوثة بالاشعاع .. وتشكوك وتتهمك بأنك تقتلع أظافر الأطفال في السجون وتجتث الحناجر وتقطّع أجساد الصبايا .. وهي التي قتلت أطفالا أكثر مما قتل في حروب البشر مجتمعين ..
وأجمل مافي نصرنا أنه نصر نظيف جدا .. لم نغلفه بالأكاذيب والادعاءات .. وسنحافظ على أجمل شيء في الحرب والنصر وهو طهارتهما من نجس الدعاية والكذب والترويج .. ولذلك اياكم أن يغريكم النصر فتستسهلوا ظلم الحكايات والروايات وتستسهلوا القاء الذرائع والادعاءات ..
في حربنا مع الأسرة المالكة السعودية تبدو المعركة أسهل جدا من غيرها لأن مالدى المملكة من آثام ورزايا وعار يكفينا الحاجة لان نبحث عن ذرائع ووسائل لهدمها .. فأنى يممت وجهك شممت في الهواء رائحة السعودية قادمة مع دخان الحرائق وملفات الفساد والجريمة والخيانة .. وتنبعث رائحتها من جراح أطفال فلسطين واليمن الذين تقتلهم رصاصات بارودها من رمال جزيرة العرب ..ولذلك فنحن في غنى عن الاختلاق والتلفيق .. ولدينا فائض من الحقيقة عندما نكتب .. ولذلك فاننا عندما نتناول شأنا سعوديا فاننا لانجعله جذابا ومقروءا بتزيينه بالأكاذيب بل نزخرفه بالحقائق ونعلق عليه أجراسا صنعناها من أعماق الضمير ..
من الأسئلة التي يتداولها الناس هذه الأيام هذا الاندفاع المستميت لاعلان الزواج بين اسرائيل والسعودية .. حيث يتشاطر السعوديون في عملية التسريع في التحالف العلني مع الاسرائيليين .. فيما يبدو الاسرائيليون مستعجلين أكثر في هذا السباق .. وتقوم السعودية باطلاق بالونات اختبار وعملية حقن بلقاح التطبيع التدريجي عبر تصريحات ومصافحات ولقاءات بين شخصيات سعودية واسرائيلية وتسريبات مدروسة التوقيت بعناية بحيث تتوالى الاخبار وفق تكرار مدروس وروتين يحافظ على الاستمرار كيلا تغيب أخبار التطبيع أكثر من اسبوع لتحقن في الاعلام أخبار جديدة لتتابع عملية هدم المناعة النفسية للناس المضادة للتطبيع بلقاحات الأخبار عن لقاءات سعودية واسرائيلية علنية وترحيب من قبل اعلاميين وصحفيين من الطرفين بهذا التغيير .. فهناك من يصافح صباحا وهناك من يعانق مساء .. واليوم هناك من يدعو للسياحة في تل ابيب كي يرد عليه الاسرائيليون بسياحة أحسن منها في الحرم المكي والتقاط الصور قرب قبر النبي .. ومصادر المملكة الرسمية لاتنفي اطلاقا عبر القصر ووزارة الخارجية أي اتهامات وتتجاهل عمدا كل الانتقادات الحادة الموجهة لها بهذا الشأن .. وتريد بهذا الوجه المتحجر الذي لاتبدو عليه امارات التعجب او الاستهجان او حتى القبول ان تصبح عملية التطبيع مع الاسرايليين سهلة جدا وناضجة ويكون العقل العربي والاسلامي قد تهيأ لها لأنه يتلقى الأخبار الصادمة دون نفي او استهجان فيتكرر التلقي الى أن يصبح اعتياديا كما يحدث عند حقن اللقاحات التي فيها فيروسات مضعفة لاتسبب المرض لكن الجهاز المناعي يتعرف على خصائصها كيلا يتفاجأ بها عندما تهاجمه وهي قوية ..
ولاندري من شدة الشوق بين الطرفين من الذي يسعى أكثر الى اللقاء .. ولكن الاسرائيليين مستعجلون جدا للتطبيع مع السعودية لأنها بالنسبة لهم الفرصة التي لن تتكرر حيث تحس السعودية أن التذرع بالخطر الايراني الداهم وتخويف المسلمين والعرب من الغول الايراني ذو الفك الشيعي هو فرصة لن تتكرر بعد أن ابتلعت الجماهير الطعم المذهبي وهي تستعمله من أجل تبرير التحالف مع الاسرائيليين بشكل علني بعد أن كان سرّيا (على شكل تفاهم مديد منذ تأسيس الكياني السعودي الوهابي والصهيوني اليهودي) ..
وستكون السعودية في حرج كبير اذا ماتغير نظام الحكم فجأة في ايران وحل محله نظام موال للغرب وصديق للسعودية لأن مبرر التحالف مع اسرائيل او التطبيع معها سيتلاشى .. فقد واجهت السعودية خصوما أخطر من ايران تمثلوا بالرئيس جمال عبد الناصر والرئيس صدام حسين .. وكلاهما قالا في السعودية أكثر بكثير مما قالته ايران ودعيا الى اسقاط نظامها العميل ووصلا بجنودهما الى حدودها في اليمن والكويت بل وتجاوز صدام حسين الحدود السعودية في الخفجي ودخل اليها بقوات عراقية وهو مالم تفعله قوة معادية لاايرانية ولا من حزب الله .. ولكن السعودية لم تجد حاجة ماسة أو جرأة كافية للتحالف العلني مع اسرائيل ضد ناصر او صدام حسين بالرغم مما فعلا واكتفت بالتنسيق المطلق في الظلام مع اسرائيل حتى دحرت تجربة ناصر وهزمت مشروع صدام حسين ..
ولكن مع ايران الوضع مختلف جدا لأن ايران ليست عربية مثل مصر والعراق عندما لم يكن ممكنا تبرير التحالف حتى مع الشيطان – كما تدعي – من أجل الدفاع عن المملكة لأن هذا لن يبدو سهل الهضم في المساجد والمقاهي من المحيط الى الخليج .. رغم أن صدام حسين فعل بالخليج أكثر مما فعلته ايران اذ دفع بدباباته الى الخليج وتحدث عن عصر تنتهي فيه الاسر المالكة الخليجية “المقبورة” .. ومع ذلك لم تجرؤ السعودية على الصراخ والاستغاثة بتل أبيب رغم ان عدو العدو هو صديق وكانت تستطيع الى حد ما تبرير التحالف مع اسرائيل ضد صدام حسين الذي قالت انه غزا الكويت حيث ألقى “جنوده المتوحشون” الأطفال من الحاضنات في المشافي كما روت سعاد الصباح في شهادتها الشهيرة الكاذبة التي تفوق كذبة اسلحة الدمار الشامل .. وحاول صدام حسين بالحاح ان يظهر هذا التحالف بين اسرائيل والسعودية باطلاق صواريخه على اسرائيل وعلى السعودية معا ودفع بقواته الى مدينة الخفجي السعودية كي ترد عليه السعودية واسرائيل ويظهر الجيش العراقي يواجه السعوديين والاسرائيليين معا كحلفاء .. ولكن الحذر السعودي والاسرائيلي كان أكبر بكثير من محاولته .. لان اظهار التحالف السعودي الصهيوني كانت له خطورته في تلك الايام بسبب تأجج المشاعر التي التهبت بخطوة صدام حسين الذي تجرأ على الممالك النفطية وقال لها مايقال في كل بيت عربي من المحيط الى الخليج .. والتي أظهرت ان الجماهير العربية تكره بشدة حكومات دول الخليج النفطية (المحتلة) وتكن لها الاحتقار الشديد وتنظر اليها على أنها مستعمرات يجب تحريرها وهي تشبه اسرائيل في تكوينها اللاشرعي واحتلالها للشعوب .. وأظهر تأييد الشعوب العربية لضدام حسين أن لهذه الشعوب ثأرا مع حكام النفط ..
أما اليوم فان ايران يمكن ببساطة أن تصنف بتصنيفات لانهاية لها .. فارسية .. صفوية .. مجوسية .. شيعية .. الخ .. ولكنها ليست عربية .. ولذلك تسقط حرمة كل من يتعاون معها حتى لو كان عربيا مثل حزب الله وحماس وسورية .. وتستطيع السعودية ان تعزف على هذه الاوتار العديدة كل الالحان النشاز وتنتقل الى تحالف علني بذريعة أنها اليوم تتزعم قومية عربية تواجه قومية فارسية .. أو مذهبا سنيا يواجه مذهبا شيعيا .. وهذا كله يتيحه التحالف مع قومية أخرى وديانة أخرى متوفرة في اسرائيل ..
مايلفت النظر هو هذه العجلة السعودية والاسرائيلية لانهاء هذا التردد والانتظار الذي طال بضعة عقود .. ويبدو الطرفان في سباق مع الزمن حتى أننا صرنا عاجزين عن اللحاق بتصريحات الغزل والحب والصداقة والتعاون والمصير المشترك بين اسرائيل والسعودية .. حتى أن من يستمع الى الغزل بينهما يحس بالحرج والخجل لأنه صار أكثر مايشبه الغزل بين قيس بن الملوح وبنت عمه ليلى العامرية ..
ولكن لم هذه العجلة في اعلان الحب بين قيس وليلى اليهودية؟؟
هذه العجلة تفسر على أنها خوف مشترك بينهما من نتيجة الحرب في سورية التي هزمت فيها طموحات السعودية واسرائيل معا .. وصار من الواضح أن الحرب قد تسببت بخسائر كبيرة معنوية للسعودية التي كشفت الحرب انها حليف أصيل لاسرائيل منذ النكبة وقد انقشعت كل الحجب بعد أن بدا جليا ان السعودية ساعدت اسرائل على تدمير العراق وعزل مصر ومشروع اسقاط سورية .. وهذه الدول الثلاث هي الدول التي يمكن لها وحدها اسقاط المشروع الصهيوني .. وكشفت الحرب أيضا ان السعودية هي النبع التكفيري الذي أنتج داعش والنصرة والحركات الاسلامية العنيفة وكشفت الحرب السورية فشل أهم جيش سري للناتو وهو القاعدة ومشتقاتها وصار من الضروري اخفاء البصمات وأدوات الجريمة .. كما أن الحرب قد تسببت بتغيرات عسكرية دراماتيكية لم تكن تخطر على بال أحد فالجيش السوري وحلفاؤه من حزب الله وايران قد صار بحوزتهم جيش متناسق موحد منسجم ومتناغم وهو يمتلك أثمن ماتمتلكه الجيوش المحاربة وهو الخبرة القتالية في أصعب ظروف قتالية .. فما حدث لم يكن مجرد حرب عادية بل هي مناورات هائلة المساحة والانتشار ومزج بين قوام الجيش وقوام وحدات الكوماندوز .. فولد مخلوق جديد في العلوم العسكرية لم تعهده الجيوش وهو (الجيش المكمدز) اي مزيج الجيش النظامي الذي يدرب تدريب الكوماندوز .. وجرت عملية تحديث شاملة تبنتها روسيا للأسلحة والوسائط النارية وتجهزات الحرب الالكترونية المعقدة .. أي أن نتائج الحرب كانت كارثية على السعودية واسرائيل على عكس التوقعات ..
السعودية تريد ان تقبض على اللحظة الاخيرة التي شرب فيها الجمهور العربي والاسلامي كله من بول البعير .. وتحول الى جمهور لايكترث بفلسطين بل بالمذاهب في فلسطين وحولها ولم يعد يعنيه مشروع صدام حسين لتحرير الخليج من الاسر الحاكمة بل صار مسكونا بهواجس الهلال الشيعي والخلافة والخرافة .. ولكن نهاية الحرب السورية ستعيده الى لحظة فلسطين وتخرجه من رحلة البحث عن المذاهب حول فلسطين ..
ان كل ماأنجزته اسرائيل من عملية التطبيع المستمرة دون كلل عبر كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة قد ينهار تماما بنهاية الحرب السورية عندما يجد العرب والمسلمون أنهم أمام قوة عسكرية هائلة للحلفاء من سورية الى ايران تلجم اسرائيل وتحدد حركتها .. وسيعود الجمهور الى لحظة تاريخية قاسية جدا على اسرائيل عندما بهر السيد حسن نصرالله وحزب الله العرب والمسلمين بتحديهم اسرئيل عام 2006 رغم كل مابذلته ورغم كل المؤامرة العربية والتحالف السعودي (السري) مع اسرائيل .. ولذلك فان من الضروري لاسرائيل والسعودية المتابعة بنفس زخم التذخير المذهبي والقومي والطائفي والعنصري والتخويفي من ايران لخلق حالة التحام عاطفي ونفسي ومصيري مع اسرائيل قبل ان يتم الالتحام من جديد مع مشروع مناوئ لاسرائيل ..
ولكن بكل تأكيد فان السيف قد سبق العذل بالنسبة للسعودية واسرائيل .. لأن عملية التطبيع كانت تسير بنجاح منقطع النظير مع انتصارات مشروع داعش والنصرة وجيش الاسلام .. غير أن مشروع التطبيع وتغيير العدو يحتاج الى انتصار كي يكمل مسيرته .. لأن التطبيع يفرضه المنتصر وليس المهزوم ..فالسادات احتاج الى نصر (ولو تلفزيوني) وليس الى هزيمة ليبرر لنفسه ركوب التطبيع .. ولو انه لم يحقق نصرا نسبه لنفسه لكانت عملية السلام مع تل ابيب صعبة جدا عليه وتسبب رد فعل كبيرا .. ومن هنا كانت مراجعات سينار الحرب في اوكتوبر وثغرة الدفرسوار التي مهدت لقبول مشروع السادات بعد اداعئه أنه صانع الانتصار ولديه مشروع مكمل للانتصار .. ولذا فانه كان قادرا أن يتكئ على معركة العبور التي نسبها لنفسه ليبرر قراره التالي بالسلام .. أما الأسرة السعودية فان مأزقها كبير جدا وعملية التطبيع مع اسرائيل خرقاء جدا في توقيتها لأنها تواجه محورا منتصرا في الشمال على اسرائيل التي تريد ان تتحالف معها وهذا المحور يمسك أوراقا قوية وخطيرة للغاية أمام اسرائيل المقيدة والخائفة من الحرب .. فما هو مبرر هذا التحالف مع طرف لم ينتصر ؟؟ .. وسيزداد الأمر تعقيدا اذا لحقت باسرائيل هزيمة أخرى من اي نوع ولو في معركة صغيرة فكيف اذا نفذ حزب الله مشروعه باجتياح الجليل أو محاصرته في اية مواجهة مقبلة ؟؟ .. وهنا سيكون الناس أمام مشروعين: مشروع تطبيع بلا انتصارات تبرره وتمثله السعودية .. ومشروع تحرير ممانع للتطبيع ومتسلح بانتصار كبير تمثله ايران وسورية وحزب الله .. والناس تميل الى الانتصار لأنه جذاب وتصدق نظريات المنتصر وتسكن اليها .. فالنصر مهما كان هو المغناطيس الذي يجذب الناس وخاصة في الشرق الذي أدمن الهزائم والذل والانكسار .. وسيلحق الناس بالمنتصرين كما لو كانوا منومين مغناطيسيا ..
ولذلك لاأمل من مشروع بن سلمان في التطبيع بذريعة ايران العدوة والخطرة على الأمن العربي والسني لأنه ببساطة يحتاج نصرا واضحا ساطعا وكاسحا في جبهة ما كي يؤمن الناس بنظريات المنتصر ..
ولكن
ماأصعب النصر اليوم .. انه أصعب شيء يمكن ان يناله ملك مأزوم يحارب عدة حروب ويخشى عائلته .. يحاول يوما أن يكون نابوليون بونابرت في الصباح .. وفي المساء يحب ان يلعب دور المجدد ومؤسس الجمهورية السعودية مثل مصطفى كمال أتاتورك .. وفي الليل قيس بن الملوح .. وفي الفجر يستيقظ مذعورا على صوت صاروخ يمني يسقط في حديقة قصره .. انه كابوس أنه لم يستطع حتى ان يهزم الجياع في اليمن .. فكيف سينتصر في الشمال؟؟ .. وكيف يمكن لقيس الحالم أن يطبّع وأن يراقص ليلى ويتزوجها على سنة الله ورسوله .. من غير نصر على حلفاء نصر الله .. ؟؟ سيستيقظ الحالم قيس ويظن أنه في بيت ليلى العامرية ليكتشف أنه نام في بيت العنكبوت .. وليست هناك ليلى بل أنثى عنكبوت صهيونية ستأكله حتى قبل رقصة الحب والزواج ..
( الخميس 2017/11/30 SyriaNow)
Related Video
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment