مارس 10, 2018
روزانا رمّال
يوماً بعد الآخر يحتلّ ولي العهد السعودي جزءاً لا يتجزأ من أخبار الإعلام الدولي ويأخذ مساحة هامة من القراءات السياسية التي تحاول قراءة حركته بين إخفاقات ونجاحات. وهو بدون شك صار منذ حملة اعتقال الأمراء خلال الأشهر الماضية يُضاف اليهم رئيس وزراء لبنان سعد الحريري اسماً مثيراً للجدل ينتظر منه ما لا يُتوقع حتى ولو كان كارثياً على سير المعادلات السياسية. وحتى الساعة تبدو خطوات الأمير الشاب واقعة ضمن إطار تحدٍّ واضح ممزوج باستعداد لعدم التراجع من دون أن يعني ذلك عدم خضوعه للحليف الأميركي الحاضر دائماً، خصوصاً في ما يتعلّق بحرب «عبثية» في اليمن صارت خسائرها أكثر من فوائدها على اطراف النزاع كافة، فيما يبقى المدنيون ضحية عناد اللحظة الأخيرة في وقت يؤخذ على السعودية أنها غرقت في انتقادات الفشل والخسارة بعدم تمكنها من مواجهة منظمة عسكرية «الحوثيين» لا توازي لوجستياً القوى الكبرى التي تواجهها من خلال التحالف الدولي. وهذا من دون شك إخفاق عسكري جعل إبن سلمان يُعيد ترتيب القيادة العسكرية كوزير للدفاع ورغم كل شيء ورغم عدم تحقيق أهداف يُعتدّ بها من سقف ما وضعته برمجة عاصفة الحزم يتابع الحرب…
يزور إبن سلمان المملكة المتحدة «بريطانيا» في زيارة تاريخية بعد أن اختار مصر كمحطة عربية سياسية مهمة ليؤكد أنّه «تعافى» من القلق، مما كان يحضّر إليه في الداخل من مؤامرات تهدّد تسلّمه الحكم إضافة إلى تداعيات حملة التطهير من الفساد كما أُسميت وليرسل رسائل، بهذا الإطار محلياً ودولياً. والزيارة لم تخلُ من تظاهرات معارضة اللافت فيها أنه غالباً ما كانت تنظم مظاهرات كهذه لمسؤولين مؤيّدين لحركات التطرف او لـ«إسرائيل» ولزعماء بحجم القضايا الكبرى تلك. أما اليوم فإن وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان يواجه تظاهرة بريطانية أمام مكتب الحكومة في لندن العاصمة تتهمه بجرائم الحرب في اليمن واسمها «تحالف أوقفوا الحرب»، مندّدة بالزيارة في شارع «داونينغ ستريت»، رافعين لافتات كتبت عليها: «ارفعوا أيديكم عن اليمن ، القاتلون غير مرحَّب بهم في لندن، وإبن سلمان مجرم حرب». وردّد المحتجون هتافات ضدّ العملية العسكرية للسعودية في اليمن، وطالبوا بـ«وقف بيع السلاح لها».
هذه الحرب التي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من أمن الخليج صار الخروج منها أصعب في كل يوم يمدّد فيها بعد أن دخلت عامها الرابع هذا الشهر. وصار لزاماً على «الأمير» إيجاد حلّ قبل أن يقترب موعد استلامه السلطة لئلا يحارب مجدداً من أصوات داخل العائلة تلومه على المضي قدماً في العملية، علماً ان السعودية ليست صاحبة القرار في هذا وحدها. والأمر يتعلق بمعادلة استراتيجية تريد واشنطن رسمها من بوابة اليمن مقابل ايران ونفوذها في المنطقة.
وبين هذا وذاك تستقبل الصحافة البريطانية إبن سلمان وعلى رأسها صحيفة فايننشيال تايمز بالترحاب الشديد مع الإضاءة الموضوعية على الزيارة. فتشيد الصحيفة بمواقف إبن سلمان وبـ»الأمير القوي» وخطواته التغييرية، لكنها بالمقابل تحذر من تسارع هذه الخطى. وتقول في مقال بعنوان «الرجل القوي في السعودية يريد تغيير الكثير في وقت قياسي».. «في الماضي كان حكام المملكة يسيرون خطوتين إلى الأمام، ثم يعودون خطوة إلى الوراء»، في إشارة إلى بطء التغيير الذي كان يجري في السعودية، قبل أن يظهر ولي العهد محمد بن سلمان في الحلبة السياسية… وتضيف السرعة الحالية لا تقل خطورة عن البطء في الماضي، وأن على حلفاء السعودية أن يدعوها للحذر من السرعة المفرطة في التغيير»، لافتة إلى ان «المنطقة التي تتحول فيها أوضاع التوتر بسهولة إلى حروب لا تحتمل زعيماً يتعلم أثناء ممارسته لمهام عمله».
لكن يبدو أن حلفاء السعودية، وفي طليعتهم واشنطن ولندن، يريدون مساعدة السعودية وتحديداً إبن سلمان على طريقتهم ووفق خطوات تحمي صورته من أي تشويه لاحقه بسبب حرب اصلها اميركي بامتياز. وبعد قانون جيستا الذي سمح لأهالي ضحايا 11 ايلول محاسبة المتورطين وأغلبهم سعوديون وبعد توقيع الكونغرس من دون تمكن اوباما من رفض ذلك حينها صار لزاماً تلميع صورة السعودية. وكان ترامب اول من أشاد بجهود السعودية خلال قمة الرياض، بحضور ممثلي الدول الاسلامية ويعلن التعاون في مركز مشترك لمكافحة الارهاب. واليوم الامر نفسه يتكرر في لندن بدعم الرياض تأسيسها مركزاً دولياً لمكافحة الارهاب. لكن اللافت أن يخرج بيان مشترك عن الطرفين يستحضر حزب الله، وكأنه إيحاء بأنه أهم اهداف العمل المشترك وأنه الارهاب الاخطر، واضعين ذلك بموازاة داعش وهو هدف بذاته. ليخرج البيان بـ «العزم على تركيز الجهود لمكافحة الإرهاب والتطرف ودعم الحكومة اللبنانية لتمكينها من بسط سيادتها ونزع سلاح ما سُمّي ميليشيا «حزب الله» والتصدي لدورها المزعزع للاستقرار».
حزب الله الذي يرى في ذلك رسالة مباشرة وتصعيد مقبل «متوقع» يدرك أيضاً ان هذا المسعى هو هدف تسعى اليه «اسرائيل» دائماً. والجديد ان ضم مكافحة الارهاب الى حزب الله وداعش بشكل متوازٍ جاء بعد إحدى زيارات نتنياهو الى البيت الابيض ليتكرر اليوم ذلك بمساعٍ سعودية بريطانية. وحسب المعلومات فإن «صفقات هائلة وقعت ما بين لندن والرياض إثر زيارة ولي العهد لا تقل أهمية عن تلك التي وقعت إثر زيارة ترامب للرياض، خصوصاً بعد إظهار بريطانيا الرغبة في إدراج شركة «أرامكو« السعودية في بورصة لندن».
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment