(أ ف ب)
تجاوزت الحكومة البريطانية الانتقادات الموجهة إليها على خلفية دعمها العسكري للسعودية، فارِشةً «البساط الأحمر» أمام محمد بن سلمان الذي كافأ «تملقها» بوعود استثمارية بعشرات مليارات الدولارات. وفي وقت كانت فيه حكومة تيريزا ماي تعيد كلامها المكرور عن الحل السياسي في اليمن، كانت شركات الأسلحة تستعدّ لاستقبال «رجل الإصلاح»
لم تفلح الجهود التي بذلتها الحكومة البريطانية في «تبييض صفحة» ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وكذلك حملة العلاقات العامة التي أطلقها الأخير قبيل وصوله إلى المملكة المتحدة، في إسكات الأصوات الرافضة لزيارته.
سلسلة تصريحات ومقالات ومقابلات سجّلها المسؤولون البريطانيون في الإشادة بـ«رجل الإصلاح»، وإعلانات بالعشرات نشرتها مجموعات الضغط التابعة لابن سلمان في أرجاء العاصمة البريطانية تصوّره «قائداً للتغيير» في المملكة، أخفقت جميعها في الحيلولة دون احتدام النقاش على الزيارة، واندلاع احتجاجات بسببها. مشهدٌ أفهم الأمير الشاب أن صورته لدى الرأي العام الغربي ليست كما يشتهي أو كما يصوّر له مستشاروه، وأوصل إلى رئيسة حكومة بريطانيا، تيريزا ماي، رسالة مفادها بأن «التزلف» إلى السعودية ليس بلا ثمن داخلي.
لكن من صمّ آذانه، طيلة قرابة 3 سنوات، عن الدعوات إلى وقف صادرات الأسلحة البريطانية إلى المملكة، المتورطة في ارتكاب جرائم حرب في اليمن، لن يصيخ السمع، على الأرجح، للمطالبين بإعلاء شأن «القيم البريطانية»، واختيارها هي لدى المفاضلة بينها وبين المصالح. المفارقة أن حكومة ماي معرّضة لخسارة الأمرين معاً، في ظلّ ضعف التوقعات بأن تختار السعودية بورصة لندن لطرح أسهم شركة «أرامكو» فيها، وهو ما يُضاعف من حالة القلق والإلحاح لدى البريطانيين. ومع ذلك، لا ضير في استثمارات سعودية في بريطانيا بعشرات مليارات الدولارات، وفقاً لما أعلنه وزير الخارجية بوريس جونسون.
حتى قبيل ساعات قليلة من وصول ابن سلمان إلى لندن، حيث كان في استقباله جونسون، كان الأخير يذهب بعيداً في تلميع صورة ولي العهد السعودي، وخطب وده، حتى ليبدو ومن ورائه ماي «ملكيَّين أكثر من الملك». من على منبر صحيفة «الشرق الأوسط»، التي أجرت حواراً معه، امتدح الوزير البريطاني «برنامج الإصلاح» الذي أطلقه ابن سلمان، واصفاً إياه بـ«المشجع».
توصيف سرعان ما تتضح خلفياته مع تعبير عميد الدبلوماسية البريطانية عن أمله في استجلاب «استثمارات سعودية إلى بريطانيا بقيمة 100 مليار دولار أميركي خلال عشر سنوات»، وكذلك في إدراج أسهم «أرامكو» في سوق لندن. ولم ينسَ جونسون، بالطبع، مغازلة ابن سلمان في أحد أكثر ملفاته حساسية: اليمن. أشاح الوزير بنظره عن كل ما ارتكبته السعودية ليقول إنه «ليس مقبولاً أبداً أن تُستخدم الصواريخ الإيرانية ضد السعودية. نريد أن نرى نهاية لهذه الصواريخ».
حال رئيسة الحكومة لم يكن أفضل من حال وزيرها للشؤون الخارجية. في وقت كان فيه ابن سلمان جالساً إلى مأدبة غداء أقامتها الملكة إليزابيث على شرفه في قصر بكنغهام (الذي تقتصر الاستقبالات فيه على رؤساء الدول)، كانت ماي تتولى الدفاع عن ولي العهد السعودي أمام البرلمان. حاججت، رداً على سؤال توجّه به إليها زعيم حزب «العمال» المعارض، جيريمي كوربين، بأن «العلاقات التي تربطنا بالسعودية تاريخية، إنها علاقات مهمة، وأنقذت حياة مئات الناس على الأرجح في هذا البلد». محاججة قوبلت برد قاسٍ من قبل نواب المعارضة الذي قاطعوا إجابة ماي بهتافهم: «العار!». وكان كوربين أشار إلى أن المستشارين العسكريين البريطانيين المتواجدين في السعودية «يوجّهون الحرب» في اليمن، متهماً حكومة بلاده بأنها «متواطئة» في «جرائم الحرب» المرتكبة هناك.
على الأرض لم يكن المشهد مختلفاً. أمام البرلمان، تجمّع ناشطون عرب وبريطانيون احتجاجاً على زيارة ابن سلمان، قبل أن يتظاهر المئات أمام مقر رئاسة الوزراء في وسط لندن، تزامناً مع انعقاد جلسة المباحثات بين ولي العهد السعودي ورئيسة الوزراء البريطانية، رافعين شعارات مناهضة للسياسات السعودية، ومجددين مطالبتهم بوقف واردات الأسلحة إلى المملكة.
على المقلب السعودي، وبعدما تولى «فريق التطبيل» لابن سلمان في لندن نشر أعداد كبيرة من الملصقات المرحبة بالضيف في أنحاء العاصمة البريطانية، أطلّ «الملك غير المنصّب» من على صفحات «التليغراف» البريطانية، مغرياً المملكة المتحدة بأنه «ستكون هناك فرص صخمة لها نتيجة رؤية 2030»، في وقت كتب فيه السفير السعودي لدى بريطانيا، محمد بن نواف، في صحيفة «فاينانشال تايمز»، قائلاً إن «سبلاً تجارية ضخمة ستتاح أمام الشركات الخارجية للعمل مع السعودية والاستثمار فيها».
في نهاية المطاف، أُغلقت الأبواب دون الأصوات المتعالية من البرلمان، وشارع «داوننغ ستريت»، ليعلن الطرفان تأسيس «مجلس الشراكة الاستراتيجية»، الذي يستهدف، بحسب جونسون، «نقل العلاقات إلى مرحلة جديدة»، واتفاقهما على مشروعات تجارية واستثمارية بقيمة 90 مليار دولار على مدار الأعوام المقبلة. وفي وقت كان فيه جونسون يشدد على ضرورة «البحث عن حل سياسي في اليمن»، ويعلن الاتفاق على «مراقبة خطوط الملاحة تمهيداً لفتح الموانئ اليمنية» (من دون أن ينسى التذكير بتفهم بلاده «سعي السعودية لحماية حدودها»، وبأن إيران تلعب دوراً «تخريبياً وخطراً» في اليمن)، كانت مصادر بريطانية وسعودية تتحدث عن احتمال توقيع اتفاقات مع مجموعة «بي إيه إي سيستمز» الدفاعية البريطانية، وشركة «إم بي دي إيه» الأوروبية لتصنيع الأسلحة، تضاف إلى «تراخيص سرية مفتوحة» بتوريد أسلحة ومعدات إلى السعودية، باتت تشهد «تزايداً كبيراً»، نتيجة توجه الحكومة البريطانية إلى «إخفاء الحجم الحقيقي» للدعم العسكري المقدم من قبلها للرياض، وفقاً لما كشفه موقع «ميدل إيست آي» الأربعاء.
(الأخبار)
Related Videos
Related Articles
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment