بقلم نارام سرجون
عجيبة هذه الاقدار .. ولاشبيه لها الا مسائل الرياضيات .. تحل المسألة على صفحات دون أي خطأ .. وفي السطر الأخير ترتكب الخطيئة الوحيدة والأخيرة برقم صغير أو فاصلة .. وتخسر كل المسألة .. فالجواب خاطئ .. وربما تخسر كل عمرك ..
وفي رياضيات المفاوضات بين سورية وكيان اسرائيل كان المتر الأخير في الجولان هو المتر الذي جعل مسألة الاتفاق مستحيلة حيث تمسك به الرئيس حافظ الأسد وكان هذا المتر يعادل كل الجولان وفلسطين .. وكان بامكانه أن يقبل بالتنازل عن المتر الاخير دون أن يبلل قدميه في ماء طبرية ويمشي على خطا السادات
.. ولكنه كان يعلم ان السادات لم يأخذ من سيناء مترا واحدا بل سمح له بوضع محافظين وبلديات وفنادق .. وكان ماحصل عليه السادات مثلما حصل عليه ياسر عرفات ومحمود عباس في اوسلو .. مجرد بلديات بلا حرية ولاسيادة .. فكامب ديفيد هي طبق الاصل عن أوسلو .. سلام بلا أرض ..
فالأسد لم يحس بجاذبية عرض كامب ديفيد .. لأن الارض لاتتحرر اذا بقي للاحتلال مسمار واحد فيها .. ومسامير اسرائيل في سيناء ومصر كثيرة جدا .. في حركة القوات ونوع سلاحها وفي الاقتصاد والغاز والنفط والزراعة .. ولكن لايحس بها الناس كما يحسون بها في الضفة الغربية .. فالتنسيق الامني وشروط دخول السلاح وتحرك القوات في الضفة وفي سيناء واحدة ويجب ان توافق اسرائيل على كل فقرة وكل حركة في كلتا المعاهدتين .. ولايمكن ابرام اي اتفاقية دفاعية مع اي دولة قد يمس اسرائيل سوء منها .. وهذا مسمار ضخم في السيادة .. أي ليس المتعاهدون أحرارا الا اذا وافقت اسرائيل .. وغير ذلك لايهم اسرائيل من يكون محافظا في مدن سيناء ولايهم من يرأس البلديات والمخافر فيها أو في الضفة ولا الأعلام والصور والشعارات التي ترفع .. ولكن الاستقلال قطعة واحدة ولاتستطيع ان تكون حرا في السياحة ولست حرا في السلاح والتجارة والدفاع والاتفاقات ..
ولذلك فان كامب ديفيد واوسلو اتفاقيتان تشبهان الأواني المستطرقة ولافرق بينهما اطلاقا الا ان كامب ديفيد ترتدي اقنعة أكثر وتختفي مخالبها تحت قماش كثيف من القفازات الديبلوماسية .. وستظهر هذه المخالب في مشروع نيوم وتيران وصنافير وسد النهضة ..
الجولان لايمكن أن يتذوق مأدبة كامب ديفيد ولا أوسلو ولن يمد يده الى اي شيء في هاتين الوليمتين ولن يلبي الدعوة اليهما .. ولاشيء يناسب الجولان الا مائدة جنوب لبنان ووليمة النصر .. وهو سيسير في ذات الطريق وسيلتقي مع جنوب لبنان المحاذي له ..
ربما كانت كل الحرب على سورية في كفة والمتر الأخير فيها في كفة أخرى .. فالحرب على سورية اذا اردنا تحليلها كما نحلل الكيمياويات في المخابر تقول ان الحرب على سورية كانت من أجل ان تنتهي آخر عقبة في وجه اسرائيل لابتلاع فلسطين والجولان حتى آخر متر .. حيث تتفكك سورية ويتفكك جيشها وشعبها .. وتفكك الامم يعني ان الكيانات الوليدة لاتعرف من منها يحق له ان يرث تركة الأمة الكبرى .. بل ويرمي كل كيان وليد عن كاهله عبء مسؤولية وراثة وجع الامة وخساراتها ويعتبر نفسه أنه أمة جديدة لاشأن له بما ورثته بقية الكيانات .. فعندما تم تقسيم بلاد الشام عبر سايكس بيكو كانت الفكرة ان يكون هناك امة أردنية وأمة فلسطينية وأمة لبنانية .. بحيث الأردن لايهمه من كل تركة سورية الا ان يستعيد وادي عربة وليس فلسطين ولا الجولان ولا جنوب لبنان .. وينشأ في لبنان “فينيقيون” يقولون ان فلسطين للفلسطينيين ولبنان للبنانيين .. وفي سورية من يقول سورية اولا ..
ولذلك فان الحرب على سورية كانت من اجل تفكيك سورية وعندها سيكون السؤال على المفككات والقطع المتناثرة والشظايا السكانية والدويلات الوليدة: من سيرث همّ الجولان او غيره مثل لواء اسكندرون؟؟ ومن يجب عليه حق التحرير أو حتى واجبه أو المطالبة به أو التفاوض عليه؟؟ .. أهي دولة حلب العثمانية أم دولة دمشق أم دولة الساحل أم دولة حوران وجبل العرب أم دولة الاكراد.. ؟؟ النتيجة ان لاأحد سيجد ان عليه وحده واجب حمل هذه التركة .. ويصبح الجولان مثل الولد اليتيم الذي ماتت عائلته كلها وتشتت من بقي من أبناء عمومته .. ويصبح ملكا طبيعيا لمن سرقه ووضعه في ملجأ وميتم الأمم المتحدة .. فقد أمسى مشاعا ولا مالك له الا من وجده وسرقه .. اي اسرائيل .. ومن نافلة القول ان فلسطين كلها ستصبح نسيا منسيا ..
وكنا نلاحظ ن اسرائيل استماتت لخلق شريط عازل وجيش لحدي من جبهة النصرة .. ودخلت المعارك جوا وبرا والكترونيا .. وأحيانا كيماويا .. وكانت تستقبل المعارضين وتعالجهم وتدعوهم الى مؤتمرتها مقابل شيء واحد هو أن يعلنوا ان الجولان هو ثمن تقدمه الثورة راضية لاسرائيل مقابل مساندتها للمعارضة لاحتلال دمشق .. وكان أكثر مايهمها هو ألا يتصل الجولان بعد اليوم بالارض السورية ويبقى منطقة عازلة واسعة تسمح لها باقامة مشاريعها النفطية والسياحية وهضم هذه الهضبة في معدة التوراة ووعدها .. في الطريق لهضم مايبقى بين الفرات والنيل في هذا القرن ..
اليوم صارت احلام اسرائيل في مهب الريح .. الجيش السوري وحلفاؤه لايحتاجون كثيرا لاجتياح الارهابيين في الجنوب السوري والوصول الى ان يكونوا مع الاسرائيليين وجها لوجه من جديد .. ووجوه السوريين الجديدة شديدة البأس لاتسر عيون اسرائيل .. والمعركة مع الارهابيين ستكون من اسهل المعارك .. وسيكون طيران نتنياهو في خطر شديد اذا قرر التدخل في المعركة .. بل ان القوات البرية الاسرائيلية المرابضة في الجولان صارت في مرمى الصواريخ وسينالها الجحيم اذا تدخلت في المعركة كما بدا واضحا من العشاء الصاروخي الاخير في الجولان .. ولذلك تم الاستنجاد باميريكا وترامب وصارت اسرائيل ترسل رسائل التهديد عبر وزارة الخارجية الاميريكية .. ان المنطقة الجنوبية خط أحمر .. وانها تخضع لشروط خفض التصعيد التي ترعاها روسيا .. بل وتطالب اسرائيل بحماية اميريكية لاعلان ضم الجولان رسميا ..
ولكن اسرائيل تعرف وأميريكا تعرف ان المتر الاخير في المعركة هو المتر الأهم .. وتحرير سورية كلها مع بقاء الجولان رهينة في اسرائيل مسورة بمقاتلين ارهابيين في حزام آمن يعني أن معظم اهداف اسرائيل تحققت في ابعاد الجولان أكثر عنا وسيطرتها اللامباشرة عليى المزيد من الاراضي حوله عبر تنظيمات اسلامية .. وهذا يعني ان الحرب على سورية حققت أهم ماتريده اسرائيل .. فاسرائيل تدرك ان المدن السورية مدمرة ولكن سيتم اعمارها .. وتدرك ان ادلب عائدة قريبا .. وان بقاء الاميريكيين في الشرق مزحة ثقيلة .. لأن الاميريكيين سيهربون عندما يبدا جسر جوي من النعوش الوصول من الرقة الى واشنطن .. ولكن انهيار المعارضة في الجنوب السوري يعني لاسرائيل (انك ماغزيت ياابو زيد) وعادت الامور الى ماكانت عليه .. والأسوأ قادم .. لأن السوريين لن يعودوا الى المفاوضات وهم يعلمون ان المفاوضات كانت وسيلة اسرائيلية لكسب الوقت .. وكلما فاوضنا أكثر كانت اسرائيل تملك هامشا لاطلاق مؤامرات جديدة كان أولها اسقاط بغداد ثم اخراجنا من لبنان وآخرها الربيع العربي .. ولذلك فان محور سورية وايران وحزب الله سيبدا العمل مباشرة في نطاق الجولان .. لأن كسر هيبة اسرائيل في الجولان سيكون اهم انجاز .. وسيكون خطرا جدا .. واضطرارها للانسحاب منه بعد انسحابها من جنوب لبنان بقوة المقاومة والسلاح من بعد شعار المعارضة وذريعتها (40 سنة بلا رصاصة) سيعني نهاية لمشروع اوسلو وكل مشاريع السلام في الاردن وحتى في مصر لأن الجولان من نتائح هزيمة 67 التي استندت عليها ذريعة كامب ديفيد .. فاذا ماعاد الجولان بالقوة سقطت كامب ديفيد وغيرها معنويا واخلاقيا .. لأن مايحمي هذه الاتفاقيات هو هيبة اسرائيل وقوتها .. وسقوط الهيبة هو أول النهاية .. وأن شعار (99% من اوراق الحل في امريكا) سينتهي ببساطة لأنه سيكشف ان 99% من اوراق الحل بأيدي الشعوب التي لاتستكين .. وهذا ماتعمل عليه ايران وسورية وحزب الله .. كسر هيبة اسرائيل في معركة تحرير .. الجليل أو الجولان ..
وهنا نفهم كيف ان ترامب ألغى الاتفاق النووي مع ايران ليس لانه يريد الغاءه بل لأنه يريد ان يعيد التفاوض بشأن أمن اسرائيل .. أي الجولان يعود الى مرحلة المفاوضات الماراثونية .. وتنكفئ ايران وحزب الله عن سورية وتبتعد عن خط الجولان الأحمر ولايتم اتخاذ تحرير الجنوب اللبناني نموذجا .. وبدا الاميريكيون والاسرائيليون يهاجمون الجيش السوري في الشرق والوسط للايحاء ان لديهم القدرة على طعنه في الخلف اذا توجه جنوبا أو حاول التلاعب بالاستقرار الحالي في الجنوب والشرق الى ان تنتهي المفاوضات غير المباشرة عبر الروس .. وهي رسائل تحذير من ان الجنوب خط أحمر .. غير قابل للتفاوض .. وان روسيا نفسها ستكون في خطر الاصطدام اذا لم “تلجم” حلفاءها عن الجنوب ..
يقولون ان الكلاب التي تنبح تموت وهي تنبح ولاتتعلم ان النباح لايقدم ولايؤخر .. الكلاب نبحت عند تحرير حلب .. والكلاب نبحت عند تحرير حمص .. والكلاب نفسها نبحت عند تحرير الغوطة .. والكلاب نفسها نبحت عند تحرير القلمون .. وعند تحرير تدمر .. ولكن ماذا انت فاعل مع مخلوق خلق لينبح ولم يتعلم ان النباح لم ينفع الكلاب منذ آلاف السنين .. الكلاب نبحت .. وكل قوافل الدنيا تابعت مسيرتها .. وقافلة التحرير .. ستصل الى الجنوب السوري شاءت الكلاب السوداء الأوبامية أو الكلاب الشقراء الترامبية ..
ويتوجب على ترامب ان يعرف كتاجر ورجل صفقات ان السياسة مثل التجارة أيضا .. فليس كل الزبائن لهم نفس الطباع وليس كل من يمر بالسوق يشتري كل مايعرضه عليه .. وأن في السوق أحرارا لايشترون من اللصوص وسوق الحرامية الذي تديره عصابة البيت الأبيض والكنيست.. والاهم ان دكان ترامب الذي افتتح له فروعا في كل الشرق الاوسط لبيع منتجاته الصهيونية عبر قرارات لارصيد لها .. لم يسمح له بدخول دمشق .. لبيع منتجاته ونباحه .. فيمكن لترامب ان يبيع السعوديين والخليجيين نباحه .. ووبره .. ولهاثه .. ويمكنه أن يبول في كل ركن من الخليج كما تفعل الكلاب التي تبول في كل الزوايا وجذوع الاشجار والجدران لتحديد الاقليم الذي تسيطر عليه وتكون مثل رسائل التهديد والوعيد للكلاب الأخرى كيلا تقترب من نطاق ملكوتها .. وهناك زبائن خليجيون لايرفضون أن يشتروا النباح .. وبول الكلاب .. ويستحمون ببول الكلاب التي تبول على وجوههم .. لأنها تعتبر ان بعض الوجوه جدران واعمدة تحمل رسائل الكلاب وتحدد نطاق اقليمها ..
وأستطيع اليوم أن أستنتج أن لقاء الأسد وبوتين كان لبحث السياسة والدستور وانهاء الملفات الحساسة الديبلوماسية .. ولكن انذارات الاميريكيين من الاقتراب السوري من الجنوب وتحميل روسيا مسؤولية ذلك تعني أن الكلاب الاميريكية تشممت أنوفها رائحة معركة قادمة في الجنوب .. رائحة المعركة كانت تنطلق من سوتشي حيث التقى الأسد .. وبوتين .. وربما هذا هو السر الذي كنا نفتش عنه عن لقاء سوتشي الاخير ولم نهتد الى اي سر من أسراره الى أن سمعنا نباح الكلاب الاميريكية ..
والكلاب التي تنبح اليوم .. تعلم أنها نبحت .. في دير الزور .. وفي حلب .. وفي حمص .. وفي البوكمال .. وفي تدمر .. وفي الغوطة والقلمون .. وفي دوما .. وكلما ازداد النباح .. نعلم أن هناك حجرا سيلقم في أفواه الكلاب ..
( الأحد 2018/05/27 SyriaNow)
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment