مايو 31, 2018
صابرين دياب
ودائماً، كلّ شيء مُسخَّر لاجتثاث المقاومة المسلحة وبعديد الأساليب، بالسلاح، بالثقافة، بالسياسة، بالحرب النفسية، بالاختراق المخابراتي، بالصهاينة العرب، بالتطبيع الفلسطيني، بالأنجزة ، بالمقاومة «السلمية السلبية»، قل ما شئت، اطلب ما تشاء، وما نريده فقط هو… لا مقاومة! هذا هدف الأعداء أو إنْ شئتَ، «الثورة المضادة.»
لن نعود طويلاً ولا تفصيلاً إلى الوراء، يكفي فقط أن نعيد للذاكرة بعض المحطات من جانب العدو:
«مبادرة» بيريس عام 1976 لإقامة كيان سياسي في الضفة وغزة، وقد تمّ رفضه.
بعد خروج قيادة م.ت.ف. من لبنان 1982 باستثناء بعضها، قال «جورج شولتس»، وزير خارجية العدو الأميركي وقتذاك: حان الوقت لـ «تحسين شروط معيشة الفلسطينيين»، أيّ أنّ القضية مجرد مسألة إنسانية، وليست قضية وطنية قومية سياسية، لكن أتت لاحقاً الانتفاضة، لتنسف كلّ هذا اللغو والتشفي.
ما كتبه نائب رئيس بلدية القدس المحتلة «ميرون بنفنستي» قبل اشتعال الانتفاضة الأولى عام 1987 : «إننا في ربع الساعة الأخير من انتهاء المقاومة، وعلى إسرائيل ان تعمل على هذا الأساس تجاه الضفة وغزة»، أيّ الابتلاع، واندلعت الانتفاضة الأولى بعد أيام، إذ قلبت المعادلة تماماً، ولم تكن الانتفاضة نضالاً سلمياً على نهج الأنجزة التي تباركها وتدعمها «السلطة الفلسطينية»، لا سيما في ريف رام الله وبيت لحم، وتصنيع رموز لها، بل النضال الجماهيري الحقيقي لا الشكلاني، الذي حلّ مؤقتاً محلّ نضال النخبة المسلحة، ولعب دور رافعة للكفاح المسلح.
كانت اتفاقات أوسلو تحت تسمية سلام الشجعان! وإنما هي «سلام المستجدّين»، ولكن الشعب ابتكر أساليب كفاحية عدة، سواء العمليات الاستشهادية، أو العمليات المسلحة الفنية الفردية الموجعة، أو الإضرابات المديدة عن الطعام في باستيلات الاحتلال، وجميعها كانت روافع للكفاح المسلح، إنه جدل الموقف الجمعي الشعبي مع نضال المفارز المسلحة، كطليعة.
ثم كانت الانتفاضة الثانية، والتي كُتب الكثير من الإدانة لممارستها الكفاح المسلح! وتمّت تسمية ذلك بـ «عسكرة الانتفاضة»، بغرض تقزيم النضال المسلح من قبل مثقفي الطابور السادس، وتنفير الناس منه وتكفيرهم به، لأنّ المطلوب دوماً، الذراع التي تطلق النار!
هذا إلى أن كان الخروج النسبي الصهيوني من قطاع غزة تحت ضغط المقاومة، او إعادة الانتشار الصهيوني على حواف القطاع، الأمر الذي حوّل غزة إلى بُندُقة يصعب كسر بندقيتها.
وأما التالي، فأطروحات متضادّة… بالضرورة :
منذ اتفاقات اوسلو على الأقلّ، والتي هي بمثابة ضمّ الضفة الغربية بالتدريج، مقابل رشى مالية ريعية، لشريحة من الفلسطينيين، أيّ ريع مالي مقابل مساومات سياسية. وهذا أحد المشروعات التصفوية، ثم تبع ذلك الضخ الإيديولوجي الهائل، في مديح «السلام العادل»! ولم تتورّط في هذا، قيادة م.ت.ف. وحدها، بل الكثير من المثقفين الفلسطينيين او الطابور السادس الثقافي، من ليبراليين وما بعد حداثيين ومتغربنين ومتخارجين، ناهيك عن كثير من المثقفين العرب وكثير من الحكام طبعاً، وتواصل تسويق الفلسطيني «كمؤدّب، ناعم، حضاري إلخ…»، وجرى ضخّ أموال كثيرة في الضفة الغربية، كي تُطفئ الشحنة الوطنية في الجماهير، لدفع المجتمع نحو الشره الاستهلاكي، ولو حتى بالوقوع تحت عبء القروض وفوائدها، وخاصة قروض الرفاه والاستعراض الاستهلاكي، وعامل تقليد الفقير للغني، والعالمثالثي للغربي!
زُرعت في رحم الوطن مئات منظمات الأنجزة، وتمتعت بإمكانيات هائلة، وامتصّت العديد من اليساريين الجذريين ليصبحوا دُعاة سلام! وينضمّوا إلى شريحة تعتمد على الريع الأجنبي كتحويلات من الخارج، لتصبح شريحة العائدات غير منظورة، وجرى تسويق أطروحة الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة المنبثقة عنه، عن «السلام العادل»، وحل الدولتين، واحدة سيدة استعمارية وأخرى مسودة وتابعة، وأطروحات لآخرين مثل «دولة لكلّ مواطنيها» لصاحبها عزمي بشارة وحزبه،
ووصل الأمر إلى طرح مشروع الدولة الواحدة بين المستعمِر والمستعمَر، وهي ليست سوى دولة لكلّ مستوطنيها! وترافق مع كلّ هذا الضخ الإعلامي لصالح ما تسمّى «المقاومة السلمية».
لكن المقاومة السلمية، لها مضمونان:
الاول.. المضمون الاستسلامي، الذي يرفض ويعاقب ويقمع أية مقاومة مسلحة، والذي يمكن تلخيصه في ما كتبه د. صائب عريقات «الحياة مفاوضات»،
وردّ عليه أحد العروبيين «الحياة مقاومة»، ولا يُخفى، انّ المفاوضات لم تصل فقط إلى طريق مسدود، بل تمّ انتزاعها من أيدي الفلسطينيين لصالح الأنظمة العربية المعترفة بالكيان الصهيوني، بل بعضها متآمر على القضية. بإيجاز، وقف هذا النهج ضدّ أيّ كفاح مسلح فلسطيني في أيّ مكان كان، والتوجه حتى الآن، إلى أمم العالم للتضامن مع هذا النمط الاستسلامي من المقاومة! في محاولة للتبرّؤ، بل ونفي، الكفاح المسلح ليبدو كما لو كان إرهاباً!!
والثاني.. المضمون المقاوم، الذي يرفض المفاوضات، ويرفد الكفاح المسلح، ويضاد الأنجزة، ويتبادل الأدوار، طبقاً للتكتيك مع الكفاح المسلح، ويعتبر نفسه جزءاً من محور المقاومة، ويعمل على شق مسارات جديدة، سواء في تحشيد الشارع العربي أو التضامن الأممي، لتكريس حقيقة، أنّ التحرير هو الطريق للمقاومتين الرديفتين، الشعبية السلمية والكفاح المسلح.
يمكننا اعتبار معركة خلع البوابات الإلكترونية في القدس، التي هدفت الى أسر المسجد الأقصى، مثالاً على المقاومة الشعبية السلمية، ذات الطابع التضحوي والصدامي. وقد أخذت هذه المقاومة تجلّيها الأوضح والأوسع، في الحراك الشعبي السلمي في قطاع غزة منذ شهر ونصف الشهر، ولم تتوقف الا بتحقيق مطالبه، ولكن، بينما المقاومة الشعبية السلمية تبتكر أنماطاً جديدة لمواجهة العدو، يقوم دُعاة المقاومة السلمية السلبية، بتلغيم هذه المقاومة بشعاراتهم التصفوية مثل «السلام العادل»، و»حلّ الدولة الواحدة»، و»حلّ الدولتين» ويتظاهرون إعلامياً انتصاراً لغزة !!..
وعليه، فإنّ اللحظة الراهنة الساخنة، تشترط الوقوف في وجه تمييع المقاومة الشعبية السلمية الحقيقية والجذرية، ومحاولات امتطائها وتطويعها لصالح الاستسلام، وخاصة حيث أخذت تنجز هذه المقاومة الحقيقية تضامناً في العديد من بلدان العالم على المستوى الشعبي خاصة.
لقد أعاد حراك غزة، مسألة التحرير إلى الأجندة الكفاحية بعد أن تمّ خصي النضال الفلسطيني، في استعادة المحتلّ 1967، وتبني الاستدوال بدل التحرير، وفي تبني شعار العودة فقط تحت راية الكيان الصهيوني، وهي الخديعة التي تورط فيها الكثير منذ عام 1948.
وعود على بدء، فإن إطراء المستوى السلبي من المقاومة السلمية مقصود به، التكفير بالمنظمات المسلحة والتطاول عليها، ونفي اية إيجابية للكفاح المسلح، وإطراء المقاومة الناعمة ضد العدو، وهي جوهرياً، استجدائية إحباطية لا تخرج عن إيديولوجيا استدخال الهزيمة.
ما من شك، في أنّ ثمة شهوة وغاية للمحتلّ، بتشويه صورة الكفاح السلمي الحقيقي الذي يمقته ويبغضه هو وكثير من العرب وبعض الفلسطينيين للأسف، لأنه ظهر الكفاح المسلح القوي، ولعل ما اقترفه الاحتلال بحق سفينة الحرية امس الاول، يؤكد مدى خشيته من مسألة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، ومن ناحية أخرى، تجري محاولات لسرقة حراك غزة على أيدي الاستسلاميين والأنجزة، وتوجيه النقد للمنظمات المسلحة المقاومة، بيد أن ما حدث في اليومين الأخيرين، قد أكد أنّ الحراك السلمي في غزة وهو شعبي لا شك، في أنه رديف بل من اشتقاقات الكفاح المسلح، ولا سيما بعد رشقات الصواريخ ضد الجزء الجنوبي المحتل من فلسطين، وصولاً إلى عسقلان.
حتى كتابة هذه المقالة، راجت أخبار عن دور رسمي مصري «لإطفاء النار»! ليس هذا موضوع نقاشنا، ولكن هذا الدور، هو الشرح البليغ للحال الرسمي العربي، وهو ما يجدر أن يحفزنا لاستعادة الشارع العربي، الذي حُرم من التقاط واحتضان الانتفاضة الأولى، حيث تمّ الغدر بها قبل أن تكون بداية ربيع عربي حقيقي، فهل سينجحون في اغتيال حراك غزة؟ يجب أن تُفشِل غزة ذلك.
بقي أن نشير إلى أنّ المقاومة الشعبية السلمية الحقيقية، اللاشكلانية واللاتمييعية للنضال الوطني، هي رافد المقاومة المسلحة، وهما معاً جناحا حرب الشعب، ضمن محور المقاومة، وهكذا، لن يتمكنوا من كسر فوهة البندقية.
مناضلة وكاتبة فلسطينية في الأراضي المحتلة
الأنجزة – ngo مصدر الاشتقاق اللغوي – وهي منظمات مموَّلة من الغرب «أوروبا وأميركا»، باسم خبيث – منظمات غير حكومية – كي تخفي علاقتها بالغرب، وتدّعي التنمية كذباً وتبتلع الثوريين بالمال. وتسميتها الكاملة بالانجليزية:
non govermental organizaition
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment