يوليو 23, 2018
ناصر قنديل
– لن تنجح محاولات التموضع السريع لبعض المراهنين في لبنان على استمرار الحرب على سورية، في تغيير حقيقة وقوفهم على ضفة الخاسرين لرهانين معاً، رهان الحرب ورهان ربط عودة النازحين بالحلّ السياسي، كما لن تنجح محاولات مماثلة لمراهنين غير لبنانيين على تضييع حقيقة الاستثمار الاستخباري للملف الإنساني. منذ اليوم الأول للحرب، وهم يخسرون الرهانين، رهان استعمال العنوان الإنساني لوظائف استخبارية سقط إلى غير رجعة بترحيل الخوذ البيضاء إيذاناً بتفكيك منظمتهم وإنهاء مهمّتها، ورهان تصوير هذا الإجلاء الاستخباري عملاً إنسانياً.
– منذ بداية الحرب على سورية كان لافتاً الظهور المبكّر لمنظمة تعمل على الطريقة الغربية إعلامياً، وتمتلك مقدّرات وتواصلاً خارجياً يفوقان حجم ما تملكه التشكيلات الأكثر التصاقاً بجسم المعارضة السياسي والعسكري، هي منظمة الخوذ البيضاء، التي تدلّ تسميتها المبكرة على أنّ إنشاءها جاء بخطة حسبت حساب كلّ شيء، كما كشفت الاستخبارات الروسية لوكالة «نوفوستي»، وأكد وزير الخارجية الروسي ذلك لاحقاً ومراراً، عن الدور الاستخباري البريطاني المباشر في تأسيس المنظمة، وتمويلها وتحريكها، بما يتعدّى ما أوكل إليها علناً من توجيه اتهامات استخدام السلاح الكيميائي للجيش السوري، من ضمن العنوان الإنساني الممنوح لها، إلى كونها مكلفة بمهام استخبارية رفيعة كالتفجير والقتل والتجسّس والتنصّت، كمهام تلقى أفرادها تدريبات متخصّصة على تنفيذها، لتشكل عصب الدور البريطاني في الحرب على سورية.
– اللافت هو الاستنفار البريطاني لإجلاء قواتها الخاصة العاملة في سورية تحت مسمّى الخوذ البيضاء، واللافت الدور «الإسرائيلي» السريع والمباشر في عملية الإجلاء، والتحرّك الأردني الفاعل والسريع في تنفيذ المهمة. وهذا وحده يكشف مَن هم هؤلاء. فلو كان الأمر إنسانياً محضاً يصير السؤال ماذا عن حملة تدار منذ أيام حول المراسلين العاملين إعلامياً لوكالات المعارضة والعالقين في درعا، والذين لم يهتمّ لأمرهم أحد وكان سقف ما قدّم لهم هو التضامن وبعض الاتصالات الهادفة للحصول على ضمانات لهم، بينما استنفر العالم كله للمنظمة الجاسوسية البريطانية، كما استنفر يوم تمّ منحها جوائز عالمية للأفلام التي أنتجتها، كما تحوّلت تقاريرها المادة الرئيسية للتحقيقات الأممية حول سورية، وصولاً للتساؤلات التي تحيط بعمليات مخابراتية دقيقة قالت الصحف البريطانية إنّ مخابرات حكومية قامت بتنفيذها ولم تُعرف أدوات التنفيذ، التي يرجح المحللون الروس أن تكون الخوذ البيضاء مَن قامت بها، ومنها قتل خبراء الصواريخ السورية، واغتيال كبار الضباط القادة في تفجير مركز الأمن القومي بدمشق، وتصفية ضباط الحرب الإلكترونية في موقع نوى بداية الحرب على سورية.
– منذ بداية الحرب أيضاً، كان لافتاً عدم تناسب النزوح السوري مع المخاطر الأمنية، بحيث توضح أية متابعة للأرقام، أنّ النسبة الأكبر للنزوح إلى لبنان والأردن وتركيا، تمّت في عامي 2011 و2012، بينما المعارك الضارية جاءت أعوام 2016 و2017 و2018، كما أنّ اللافت هو أنّ النسبة الرئيسية من النزوح الداخلي من مناطق الحرب كانت في مناطق خاضعة للدولة السورية، بينما لم تشهد مناطق خضعت لسيطرة المعارضة لزمن غير قصير أيّ نزوح نحوها، بحيث يبدو واضحاً أنّ النزوح كان ترجمة لدعوات منظّمة وتسويقاً إعلامياً وإغراءات متعدّدة الوجوه، يعرفها المتابعون جيداً. وكانت كلما شحّت مصادر النزوح ترتفع وتيرة العروض المغرية، بما في ذلك التوزيع الطائفي لها بين سفارات الغرب، قبل أن تتكشف عملية النزوح عن مخاطر داخلية عديدة للدول الأوروبية.
– منذ بداية العملية السياسية، ومع تغيّر موازين القوى لصالح الجيش السوري، كان لافتاً أيضاً وجود خطة للإمساك بملف النازحين، وتحويله ورقة ضاغطة في مفاوضات الحلّ السياسي. وكان محور ذلك الرهان على ربط إجراء أول انتخابات تلي الحلّ السياسي قبل عودة النازحين، ليتمّ توظيف وجودهم تحت ضغط الحكومات المضيفة وحلفائها وفرص التأثير الإعلامي والمالي على خياراتهم لتوظيفها في صناعة معادلة سياسية مناسبة لخيارات هذه الحكومات، ولم يكن خافياً ما قيل في مؤتمرات عقدت تحت عنوان النازحين وما واجهه لبنان عندما قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل بالفصل بين العودة والحلّ السياسي من اتهامات وهجمات، كان البعض اللبناني منها لا علاقة له بأيّ مصالح لبنانية.
– سورية تنتصر وأولى الإشارات إجلاء الشبكة الجاسوسية الأهمّ في الحرب، الخوذ البيضاء، تمهيداً لتفكيكها، ودور «إسرائيل» والأردن في الإجلاء بأمر عمليات بريطاني، وثانية الإشارات الموافقة الأميركية على ارتضاء التسليم بانتصار الرئيس السوري، وانتفاء الحاجة لاحتجاز النازحين رهائن، والقضية ليست قضية ضمانات أميركية للعائدين كما يعلم كلّ الذين واجهوا الرئيس عون والوزير باسيل، بل أمر عمليات أميركي عنوانه فكّوا أسر النازحين فقد انتهت المهمة. والمهمة هي إسقاط الرئيس السوري، الذي عليكم الاستعداد للجلوس معه، إن قبل هو، لا إنْ قبلتم أنتم. فهل ثمّة من يصدّق أنّ العودة صارت مسموحة بين ليلة وضحاها وستتحقق دون تنسيق دولي واعتراف دولي سيتبعها تحت هذا العنوان بالحكومة السورية. وللأسف الفارق بين بعض الغرب وبعض اللبنانيين أنّ بعض الغرب سيتخذ من قضية النازحين ذريعة للتواصل مع الحكومة السورية كحاجة سياسية وأمنية بعنوان إنساني، وبعض اللبنانيين كان يرفض الاتصال بالحكومة السورية تسهيلاً لعودة النازحين كحاجة إنسانية لبنانية سورية ولأسباب سياسية وأمنية.
– بلا لفّ ولا دوران… «لحقوا حالكن».
Related Videos
Related Articles
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment