بقلم نارام سرجون
في العروض الكبيرة ينتظر الناس بشوق وتلهف .. ومن كثرة الانفعال والتوق لرؤية العرض فان الخيال يجنح ويصبح اي عرض أقل مما يتوقعه الحالمون .. وهذا ماقد يكون عليه الأمر في معركة ادلب .. التي ينتظرها الطرفان على أنها العرض الكبير وعرض العروض ..
تتطلع العيون وتشخص اليوم الى ادلب وينتظر الجميع المعركة الأخيرة .. التي يطلق عليها البعض اسم أم المعارك .. ويسمع أحدنا أرقاما هائلة عن جيوش واتحادات واندماجات واستعدادات وغرف عمليات جهادية .. والبعض من الثورجيين ينتظر موقف اردوغان الذي وعدهم بأن يقاتل حتى آخر لحظة وحتى آخر رجل فيهم .. دون أن يخسر تركيا واحدا من أجلهم .. فقد دفعهم أمامه لقتال الاكراد واستعملهم كما كاسحات الألغام ..
ولو استمعنا الى نشرات أخبار الاعلام الثوري وتحليلات الخبراء الاستراتيجيين الذين رافقوا الثورجيين منذ سنوات وحقنوهم بالوهم تلو الوهم تلو الوهم .. فهذه المعركة رغم تواضع النبرة في التحليلات الثورية فانها - حسب زعمهم ووهمهم - لاتشبه اي معركة لأن الثوار أكثر عددا وكثافة وعدة وتوافقا وانسجاما .. ويرددون كما ردد المسلمون يوم غزوة حنين (لن نهزم اليوم من قلة) والمسلمون يومها يعدون 12 ألف مقاتل خرجوا من مكة للقاء ثقيف وهوازن .. لكن في غزوة حنين كاد المسلمون يهزمون رغم كثرتهم لأن ابناء الطلقاء الذين اسلموا في مكة وعفى عنهم النبي بقوله (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ودخلوا في الاسلام من باب التقية ذهبوا مرغمين الى حنين .. وهناك فروا من المعركة منذ بداياتها وتركوا النبي يقاتل تقريبا مع نفر قليل من اصحابه وكثير منهم تمنى ان يهزم النبي على يد هوازن وثقيف ليعودوا الى الشرك .. ولولا ثبات النبي الذي استعاد عزم المسلمين وغير اتجاه المعركة لصالحه فان غزوة حنين كادت تكون يوم (أحد) آخر .. وربما الضربة القاصمة للدعوة المحمدية ..
الكثيرون من الثورجيين الذين ينتظرون المعركة بفارغ الصبر يملأ رؤوسهم الوهم الذي يحشوه جنرالات الثورة ومعارضو الفنادق في رؤوس الناس .. فادلب ليست درعا .. وليست القنيطرة .. فهناك أردوغان القائد المسلم المظفر بنصر الله وجنوده وهو لن يفرط بحياة آخر الثوار وربما يدخل حربا من أجلهم .. كما أن الثوار أضعاف مضاعفة وهناك عشرات الألاف منهم مع سلاح كثيف لم يواجه مثله الجيش السوري .. وسيكون اقتحام جبال ادلب وقراها مكلفا جدا للجيش السوري وحلفائه .. كما أن هذه المعركة هي التي قد تقصم ظهر النظام وتكون المغارة التي يدخلها الجيش السوري الذي سينتهي هناك ..
ولكن كي لاأغش أحدا فانني على عكس كل التوقعات على يقين ان أسهل المعارك ستكون في ادلب وأن الجيش السوري سيكون في نزهة حقيقية هي نزهة نهاية الحرب .. فآخر المعارك في نهاية أي حرب هي نزهة الحرب ..
فالجيش الارهابي الضخم في ادلب هو جيش جريح ومحطم وتجمع لفارين وهاربين ومهزومين خرجوا من حصونهم الطبيعية في مناطقهم وهو شظايا جيوش وتجميع لذكريات أليمة .. وهو جيوش هجينة غير منسجمة وتنظيمات لقيطة من كل المناطق التي خرجت بتسويات .. أي أنه بحق جيش ابناء الطلقاء الذين أطلق سراحهم الجيش السوري وهو يعفيهم من المنازلة لأنه يعلم أنهم ليسوا للحرب ولا للطعان وأنهم خرجوا من المعركة عمليا .. وهم غادروا ونفذوا بجلودهم التي لن يبيعوها بسهولة هذه المرة .. وهم لهم روح ابناء الطلقاء الذين ينتظرون كيف يترجح كفة المعركة الآن في ادلب ليقرروا اما الاسستسلام او الهروب .. فلم تعد لديهم ارادة القتال .. فهؤلاء هم ممن بقي من معارك الامس العنيفة وذهبوا واراواحهم كسيرة .. أو كسرت بالشتات .. فمن مات منهم على يد الجيش السوري في معارك تحرير المدن هم القتلة العقائديون وهم نخبة المقاتلين الارهابيين .. وأما من سلم سلاحه فانه مقاتل متقاعد وخرج من المعركة نهائيا وغالبا لن يعود الى القتال .. في حين ان من خرج الى ادلب ورفض تسليم السلاح فانه مقاتل نصف عقائدي ونصف متقاعد .. وكثيرون منهم خرجوا الى ادلب كمعبر الى تركيا واروربة واحرق سفنه خلفه ولن يعود .. وسيبقى في ادلب ثمالة المقاتلين الذين فقدوا العزم وفقدوا الارادة وفقدوا الامل .. والناقمون على زعمائهم الذين تركوهم وأبرموا مصالحات او ذهبوا الى المنافي .. فحتى عتاة جبهة النصرة ارتدوا الخوذ البيضاء كأقنعة وخرجوا الى كندا واوروبة وتركوا الصعاليك المجاهدين للموت .. فلماذا سيقاتل المقاتلون الصعاليك الجهاديون ومن أجل ماذا؟؟ كما أن هناك ثمالة من المرتزقة الذين سدت في وجوههم ابواب الرزق والحياة ولم يعد له امل الا في وظيفته كمقاتل مأجور يهربون من الحر .. ومن القر .. وهم من السيف أفرّ .. خاصة ان الجيش السوري لم تعد لديه جبهات وثغرات وانتشار على امتداد الجغرافيا السورية .. وهناك قرار حاسم وواضح أن المعركة يجب ان تكون خاطفة وصاعقة وان يتم تركيز الطاقة النارية الى حد هائل لم تشهده اية معركة لانهاء ملف الحرب بسرعة للانتقال الى الملف السياسي الذي لاينتهي الا عندما تنتهي الحرب العسكرية ..
اما أردوغان الذي ينتظره الاسلاميون ان يخبط على الطاولة ويرفض المساس بادلب في آخر لحظة فانه لن يفعل وسيجلس عاقلا ومهذبا ولن يقلل أدبه .. والغريب ان اسرائيل نفسها لم تجرؤ على ان تتدخل لصالح احد واكتفت بالمطالبة بمصالحها فقط في شريط فض الاشتباك .. فكيف يغامر ادروغان بشيء لم تقدر عليه اسرائيل .. وبكل تأكيد فانه سيسلك نفس السلوك وسيبحث عن مصالح تركيا وحزب العدالة والعودة بالحدود الى ماقبل عام 2011 .. والسبب هو انه يعرف كل هذا ولكن وجعه في مكان آخر .. وسيضع الثورجيين المطحونين والمسحوقين مثل مرهم على وجعه الكردي .. فهو يطلق تصريحات ضبابية وعنتريات من أنه قد لايسمح لأحد بالمساس بادلب لأنه يريد ان تتم صفقة كبيرة لصالحه .. فهو قد ابلغ من الحلفاء ان ملف ادلب سينتهي سلما لو حربا وعليه ان يختار .. وتبين ان كل ماسيطلبه الرجل هو العودة الى اتفاق أضنة وحدود 2011 .. ولكن يتردد ان السوريين ينظرون الى اتفاق أضنة على انه انتهى وسيعامل مثل اتفاق فض الاشتباك الذي سقط وتحول الآن غالبا الى تفاهم .. والتفاهم ليس اتفاقا بل هو حالة ظرفية مخلخلة .. وكل جهود التفاوض الاردوغاني منصبة على ايجاد الحل النهائي للمسألة الكردية على الحدود ..
والاقتراحات التركية متمسكة وتهلوس باجراء مصالحات في ادلب ونقل المسلحين وعائلاتهم الى الشريط الحدودي لبعثرة التواجد الكردي وتمييعه ديموغرافيا وتحويله الى أقلية او على الأقل الى وجود ديموغرافي مثقوب بمستعمرات ومستوطنات عربية للاسلاميين الجهاديين (مثل مستوطنات اليهود في الضفة الغربية) الذين سيصالحون الدولة السورية وسيكون وجودهم خادما للأمن التركي والسوري ضد عدو مشترك كما يسميه اردوغان (العدو الكردي الانفصالي) .. ولكن هذا الطرح لم يكن جذابا للسوريين لأنه نفسه طرح مفخخ .. فهذه الجيوب التي تخردق المناطق الكردية ستبقى خطرا على السوريين طالما انه تم تتريكها ثقافيا وعقائديا وستبقى مستوطنات نائمة لمعركة من المستقبل .. كما أنها ستجعل الأكراد السوريين لايثقون بالدولة السورية طالما انها تعاهدهم على المواطنة الكاملة ولكنها تحاصرهم بمستوطنات تركية ..
لذلك الكل ينتظر الانفجار الكبير في ادلب وماستؤول اليه الامور .. ولكن بدل القنابل قد نسمع بعد القنبلة الاولى الصادمة بالونات صغيرة وتنتهي المعركة ونجد أرتالا طويلة للمستسلمين بعد أن يقدم الجيش السوري عرض (الصدمة والروع كما في الفيديو المرافق) .. فلا الرجال ستنازل الرجال ولا النصال ستتكسر فوق النصال .. ولا الجيش الانكشاري سيعود الى مرج دابق ..
مشاعري في الحقيقة تجاه من ينتظروننا في ادلب أنني لاأتعاطف مع أي مجرم فيهم واي ارهابي الا أنني أنصحهم أن لايتأخروا في حسم خياراتهم وممرات النجاة .. رغم انني اتمنى أحيانا ألا يستمعوا لنصيحتي وأن يقرروا الاصغاء لوعود من وعدهم وخذلهم .. فربما تنهي النار ترددهم .. ونتخلص من المقاتلين نصف العقائديين دفعة واحدة في محرقة ادلب القادمة ..
سبحان من سيجعل أم المعارك في ادلب .. معركة مع الصعاليك .. انها معركة أم الصعاليك .. ونزهة الحرب .. وبعدها ستسكت المدافع .. وستسكت الأقلام .. وسنقلب الصفحة السوداء في تاريخ هذا الشرق ونبدا صفحة يكتب فيها الأبطال .. التاريخ .. حيث لاصعاليك .. ولا طلقاء .. ولا ابناء الطلقاء .. بل ابناء الشهداء هم من يجب ان يمسكوا المستقبل الذي رسمه دم آبائهم ..
( السبت 2018/08/04 SyriaNow)
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment