أغسطس 21, 2018
روزانا رمّال
إحدى أبرز علامات المتغيرات الواسعة الآفاق في المنطقة بعد عام 2003 وعشية اجتياح العراق وقبلها ببضع سنوات غزو افغانستان بعد هجمات 11 أيلول، وبدعم من عدد من حلفاء واشنطن، كان التوجه الدولي نحو تكريس الخطط الأميركية بالمنطقة كقدر لا مفرّ منه. فأحد في البيت الابيض لم يكن بوارد التراجع عما يسميه حماية الامن القومي الأميركي. وقد خصصت معاهد الدراسات الكبرى أسس غزو المنطقة بشكل واضح لا لبس فيه وتعددت اسباب الاجتياح بين النفط وتأمين المدى الحيوي الأميركي الإسرائيلي بالمنطقة.
دارت أحداث هذه الحرب مباشرة بعد انتهاء فترة ما سمي بالحرب الأهلية في أفغانستان 1996 2001 وكان الهدف الرئيسي للغزو الأميركي نسف تنظيم القاعدة وإنشاء قاعدة عمليات لواشنطن في أفغانستان عن طريق إزالة طالبان من السلطة. بدعم مباشر من حلفائها، أبرزهم بريطانيا التي كانت جزءاً لا يتجزأ من هذه الحرب منذ انطلاقتها، تتحدّث المراجع ان تلك هي الحرب الأطول في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.
تتكرر الأحداث بشكل لافت في سورية حتى أن المفردات المستخدمة لجهة اعتبار الحرب التي دارت فيها لمدة سبع سنوات هي حرب أهلية أيضاً تماماً، كما تمّت تسمية الحرب في افغانستان قبل الغزو. وعلى هذا الأساس كان لا بد من يد خارجية تدخل لإعادة فرض السيطرة على منطق الاحداث. المحاولة في سورية كانت مباشرة وقد دعم البريطانيون حليفتهم واشنطن بالطريقة نفسها واستنفر الأوروبيون من فرنسيين وألمان لأجل هذا الغرض. وكان للناتو ايضاً موقف مشابه لموقف من الحرب الافغانية ولتركيا الجارة الأكثر تأثيراً رأس الحربة في القتال المسلح وتأمين المطلوب لوجستياً لهذا الحلف.
السؤال عن الوصي المفترض أن يأخذ بيد سورية من أجل استعادة عافيتها كان من المفترض ان يكون اميركياً او ما يعادله «حليفاً» إقليمياً قادراً على ضبط عقارب الساعة الجديدة بدون أن تتكبد القيادة العسكرية الأميركية خسائر مباشرة. هذا فيما لو سارت الأمور باتجاهها المنشود منذ بداية الحرب. الامور كانت تتجه نحو تعزيز القواعد الأميركية في سورية وهي خطة ذكية لتأمين حماية أخيرة وكاملة لـ»إسرائيل» وخنق أعدائها بالكامل من بينهم إيران وحزب الله أما اقتصادياً فيتم ربط مرافق النفط بين العراق وسورية وما حولهما حتى الخليج وتوضع اليد أميركياً على ما تبقى من دول المنطقة عملاً بحسمها من جهة الأردن ومصر فتحسم بالعراق حكماً حتى اليمن.
المؤسف ان واقع المنطقة الذي يفرض وجود وصايات تاريخية من العثمانية حتى الفرنسية لا يزال موجوداً مع أنه بالحالة السورية منذ عام 2011 صار شكله مختلفاً وأوضح في ما يتعلق بالأسباب والتبريرات، الا انه وبالواقع قد تحول لعبة مصالح بعد أن ولدت لاول مرة «إمكانات» قتالية منتجة او ناجعة تحقق اهدافها وتقدم عناصر مسلحة مقاتلة على الارض فبدل أن تكون «وصاية» روسية بحتة صارت شراكة مع الدول المعنية أي إيران وما قدمته من سلاح وما تكبّدته تكلفة مالية ولوجستية، اضافة الى سورية والجيش المقاتل، ومعهما حزب الله وإنجازاته الحية. ويبقى العنصر البشري الأكثر تفوقاً في ما يقدّم من لوجستيات الحرب وهو ما لم تقدّمه لا روسيا ولا الولايات المتحدة الأميركية.
خسارة المشروع الأميركي جاءت بعد تكاتف كامل من هذا المحور روسيا وسورية وإيران ومعهم حزب الله الذي يشكل عملياً او بالحساب الاستراتيجي للدول الكبرى «لبنان» الذي صار واقعاً حكماً تحت «مقاومة» هذا الحزب المباشرة في ما لو طرح تنفيذ اي مشروع أميركي في لبنان. وقد تم اختبار ذلك غير مرة منذ اغتيال الحريري عام 2005 وكان لبنان أول من افتتح ثورات المنطقة المتهالكة والمشكوك فيها. هذا الشك صار حتمياً بقراءة نتائج ثورات عام 2011 ولا دخل له بحسابات أبعد عن سيادية يطمح اليها اللبنانيون.
تتكشف اول معالم التموضع الأميركي الجديد في المنطقة وادارة الحروب ونتائجها منذ قمة هلسنكي التي كرّست روسيا شريكاً كاملاً للأميركيين في اقتسام مواطن النفوذ بعد الحروب الطويلة. وإذا كانت سورية المدى الحيوي الروسي فإن واشنطن وبعد هزيمة مشروعها فيها واقعة ضمن هذا الحساب لكن أكثر مَن يجيدون تلقي الإشارات الدولية وقراءة المتغيرات السياسية هم الأفرقاء في لبنان وأغلبهم من لهم باع طويل وعميق في التعاطي مع الدول الكبرى واولوياتها.
افتتح رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط الزيارات اللبنانية لروسيا للاستفسار عن أكثر من ملف يحيط بالوضع الدرزي داخل وخارج لبنان ويحيط بالمتغيرات عامة… رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان طار الى موسكو هو الآخر أيضاً وعاد منها ممتناً لوقوفها بجانب لبنان بملف النازحين مستفسراً أيضاً عن وضع الدروز في سورية… لكن اللافت هنا مسارعة الرئيس الحريري الى تلقف المبادرة الروسية حيال إعادة اللاجئين وايفاده مبعوث خاص من قبله «جورج شعبان» للقاء القيادات الروسية بغض النظر عن نتيجة هذه الاجتماعات، وأخيراً زيارة وزير الخارجية الثانية بعد تلك المخصصة للحديث عن ملف النزوح تشرين الثاني الماضي مع خطوط عريضة لمتابعة روسية شاملة للملف.
ليس مهماً ماذا طرح كل فريق أو ابتغى من هذا الاجتماع او ذاك في موسكو… الأهم ان اللبنانيين وعلى مختلف توجهاتهم وتناقضاتها انسجموا سريعاً مع تكريس روسيا قوة نافذة كمرجعية سياسية دولية كبرى بدل واشنطن في ما يتعلق بشؤون المنطقة.. وقد سبق اللبنانيون بكثير رئيس حكومة «إسرائيل» بن يمين نتنياهو أكبر «الخاسرين» من هذا التكريس بعد أن كان طموحه أكبر بأضعاف في ما لو سيطرت الارادة الأميركية على الملف السوري كاملاً ولو بدت روسيا في بعض الاوقات اكثر حرصاً على مصلحته كشريك إقليمي، لكن الواضح أيضاً أن ذلك يجري بدون تخطي مصالح حلفائها إيران وسورية في الوقت عينه!
إنه الحج اللبناني نحو موسكو الذي ستلحقه فصول وفصول..
مقالات مشابهة
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment