Pages

Thursday, 20 September 2018

رسائل صاروخية برسم مؤتمر سوتشي



سبتمبر 19, 2018

د. وفيق إبراهيم

Image result for ‫د. وفيق إبراهيم‬‎
ما كاد الرئيسان الروسي بوتين والتركي أردوغان، يعلنان من مدينة سوتشي الروسية عن اتفاق يُمرحل أزمة منطقة إدلب السورية، حتى شنّ الفرنسيون والإسرائيليون وإرهاب النصرة سلسلة اعتداءات متزامنة شملت مناطق مختلفة من محافظة اللاذقية المحاذية لإدلب.

هناك ملاحظتان تستدعيان الانتباه الشديد، الأولى هو التزامن إلى درجة التنسق بين فرنسا وإسرائيل وجبهة النصرة الإرهابية في تنفيذ هجمات على مواقع للجيش السوري. أما الثانية فهي تزامن هذه الهجمات أيضاً ومباشرة مع إعلان بوتين واردوغان عن التوصل إلى اتفاق حول إدلب يخفض التوتر العالمي بين المحور الروسي، الإيراني ـ السوري من جهة ثانية، ويلعب بينهما بهلوان تركي يجيد القفز من حبل إلى آخر، متوهماً أنّ كل الحبال متينة لحمل ثقل مطامعه.

فهناك مَن كان يطمح من خلال معركة تحرير إدلب، دفع الأمور نحو حرب إقليمية ذات أفق عالمي تعيد الأوضاع في سورية إلى ما كانت عليه قبل خمس سنوات.. فتسمح للمحور الغربي الخليجي ـ الإسرائيلي خنق المنطقة بكاملها من اليمن وحتى لبنان، وتردها إلى عصر «افرنجة». ما أزعج هؤلاء الطامحين هو الاتفاق الروسي ـ التركي، الذي تأسس على نقاط عدة: إبعاد الإرهاب عن محافظة اللاذقية بعمق ثلث محافظة إدلب مع فتح الطرقات بين حلب وحماة واللاذقية. فيتبقى قسم كبير من إدلب مع معارضات تزعم أنقرة أنها معتدلة، وبذلك يحفظ الأتراك أيضاً دورهم السياسي في سورية إنما على أساس تخوفهم من المشروع الكردي المغطى أميركياً. والذي قال اردوغان علناً انه لا يقل إرهابية عن مشروع النصرة وداعش.. أليس هذا اتهام تركي لواشنطن برعاية الإرهاب والاستثمار فيه؟

وهكذا نجح مؤتمر سوتشي في إرجاء الحرب الإقليمية الكبرى.. بما يكبح التحشيد الغربي الذي دعا إليه الأميركيون، وانتظمت فيه معظم الدول الأوروبية الأساسية.. بدءاً من فرنسا وانكلترا.. إلى ألمانيا التي ألقت بترددها جانباً، عندما استشعرت بنيات أميركية لتقاسم الشرق الأوسط مع حلفائها حيث النفط والغاز والاستهلاك وأنظمة القرون الوسطى.. لتعاود اقتحام ميادين الاستعمار.

ماذا يريد المعتدون على اللاذقية؟

أرادت النصرة تخريب اتفاق سوتشي بإرسال أربع «طائرات مسيرة» تستهدف القواعد الروسية على الساحل السوري في حميميم وطرطوس.. فبدت رسالة أميركية التفافية برسم نفوذ روسي لا ينفك يتصاعد، باعتبار أنّ هذه الأعداد الكبيرة من الطائرات المسيرة التي تهاجم القواعد الروسية منذ سنة تقريباً، ليس بإمكان النصرة إنتاجها. وبما أنّ «الكرد» المحتمين بالقوات الأميركية شرق الفرات، يعرفون الإصرار التركي على تدمير مشروعهم السياسي، فقد يكونون هم من ينقل الطائرات المسيرة من راعيهم الأميركي إلى جبهة النصرة.

أما لماذا تفعل النصرة هذه الأمر فسببه واضح، فهي تستهدف طرفاً تركياً لا يزال يستعملها في سبيل طموحاته السياسية التركية، وبدأ يستعد لبيعها في سوق الصراع بين الأحلاف الدولية مقابل طموح تركي متعدد في الميدان السوري، ويقبع على رأس لائحته ما يعتبره الترك خطراً كردياً على وحدة بلادهم، لا حل له إلا بالقضاء عليه، ولا تجوز عليه التسوية.

لجهة «إسرائيل» فكانت تراهن بدورها على حرب عالمية في ميادين إدلب.. تعيد سورية إلى ما كانت عليه قبل ثماني سنوات، أيّ متشرذمة، مفتتة، ويعبث الإرهاب فيها قتلاً وتنكيلاً. وتتجه إلى الانفجار الديموغرافي والاجتماعي وولادة كيانات سياسية متناقضة ومتحاربة.

لذلك راهنت على إدلب بما هي محطة أخيرة لنفوذ الإرهابيين، وميدان لصراعات القوى الدولية.. فاعتقدت أنّ تركيا لا تلبث أنّ تعاود الارتماء ضمن المنظومة الأميركية من دون تحقيق مطالبها، وخصوصاً الكردية منها. لكنها فوجئت بالروس الأقوياء بالتأييد السوري ـ الإيراني، يؤمنون لتركيا استمراراً مؤقتاً لدورها بموازاة استمرار الخطر الكردي الآتي من الشرق وقرب حدودها الشمالية، وبوغتت بأنّ لقاء سوتشي أدى إلى تعميق التحالف الروسي ـ التركي بعمق سوري، إيراني فعكست انزعاجها، وضيق صدر الأميركيين من موسكو الصاعد في سماء الإقليم الشرق أوسطي انطلاقاً من المنصة السورية، فهاجمت مراكز للجيش السوري في اللاذقية، وكسرت اتفاقاً سابقاً مع الروس، بأن غاراتها يجب أنّ تتركز على قوافل عسكرية للإيرانيين أو حزب الله فقط، ما يوحي بأن قرار الغارات التي استمرّت ساعات عدة متواصلة وللمرة الأولى، كان قراراً أميركياً.

ألا يوحي هذا التزامن بين غارات إسرائيلية وهجمات للنصرة بطائرات مسيرة، أنّ القرار واحد ومن دون مغالاة؟ ألم يسبق لإسرائيل أنّ دعمت وبإقرار منها مجموعات الإرهاب عند حدود سورية مع جولانها المحتل؟ وماذا يفعل إرهابيو داعش في قاعدة التنف عند الحدود السورية ـ العراقية ـ الأردنية؟

فرنسا بدورها، أطلقت إحدى فرقاطاتها البحرية صواريخ من البحر المتوسط باتجاه أهداف للجيش العربي السوري في محافظة اللاذقية.. بالتزامن مع هجمات النصرة و»إسرائيل».. بما يؤشر بشكل واضح إلى الدور الأميركي الواحد الذي يقف خلف هذه الهجمات.

إنّ هذا الاعتداء الفرنسي يأتي من بلد يزعم أنه عرين ديموقراطية تاريخية، وكانت تهديداته تحذر من قتل المدنيين في إدلب جراء احتمال استعمال أسلحة كيماوية أو قصف عنيف.. لكن كلا الأمرين لم يحدثا، ولم تندلع حرب تحرير إدلب ولم تسقط أسلحة كيماوية على إدلب. الأمر الذي يكشف نفاق الدولة الفرنسية، واستتباعها منذ وفاة بطلها الاستقلالي الكبير شارل ديغول، ضمن الهيمنة الأميركية على العالم.. حاول ديغول التصدي لاستتباع أميركا لقارته العجوز أوروبا، فنجح حينها.. وتردّد خلفاؤه حيناً آخر، إلى أنّ سقطت فرنسا في السلة الأميركية منذ منتصف عصر جاك شيراك. وكان هذا الأخير حاول التصدّي للأميركيين، فعجز مستسلماً ومتحولاً أداة أميركية.

ماكرون بدوره قدم في المراحل الأولى من رئاسته صورة «ديغول»، باحث عن عظمة فرنسا ومنتهياً بتقمص أدوار سلفه ساركوزي الذي أدّى دوراً أصغر من أي موظف أميركي في البيت الأبيض جرى انتدابه لإدارة قصر الأليزيه.

إذاً كانت واشنطن هي من يقف خلف الهجمات الثلاثية على اللاذقية فما هي أهدافها؟

تريد ترويع التركي وإعادة ضبطه ضمن سياسات الناتو.. وإفهامه أنّ المشروع الكردي غير قابل للاضمحلال حالياً. وتحذره من تبعات القضاء التدريجي على النصرة التي لا تزال كما يبدو حاجة أميركية وأوروبية وخليجية وإسرائيلية.. بما يؤكد أنّ المطلوب إرجاء الحل السياسي في سورية وتمديد أزمتها لعرقلة عودة سورية إلى سيادتها وأداء أدوارها في المنطقة.

ويريد الأميركيون أيضاً حشر الروس في الداخل السوري في المناطق الغربية فقط ومنعهم من الزحف نحو الإقليم.

وكانوا يراهنون على حرب تشنها الدولة السورية وتحالفاتها على منطقة إدلب فيتهمونها باستخدام سلاح كيماوي أو أنها أوقعت عدداً كبيراً من القتلى بين المدنيين.. فيهاجمونها في مناطق سورية واسعة، الأمر الذي قد يؤدي حسب رأيهم إلى حرب واسعة يعيد تحجيم الدولة السورية والدورين الروسي والإيراني مقللاً من حركة حزب الله.

ويبدو أنّ الحلف الغربي الخليجي، كشف قناعه بهذه الاعتداءات، معلناً بذلك أنه مستعد لخوض حرب مبرراتها الوحيدة المزيد من تدمير سورية وإعادة إنتاج الإرهاب ومنع التحوّل نحو التعددية القطبية والتأسيس لإلغاء الصعودين الروسي والصيني.. وبذلك تستطيع واشنطن إعادة إنتاج مرحلة الأحادية القطبية التي تمتّعت بها خلال مرحلة 1990 ـ 2017.

فهل هذا ممكن؟

مصير إدلب مشابه لما جرى في حلب، حيث حاول الحلف الغربي منع تحريرها، وكانت الهدنات تتواتر في كل شهر حتى تأمنت ظروف داخلية وخارجية سمحت للجيش السوري بتحريرها.. وهكذا إدلب فإنها عائدة إلى حمى وطنها مهما مكر الماكرون الدوليون وأعوانهم في الخليج و»إسرائيل».. وتركيا.


River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments:

Post a Comment