سبتمبر 10, 2018
د. عصام نعمان
وسائل الإعلام تتحدّث دائماً عن الوجود الإيراني في سورية. تنسى أو تتناسى الوجود الأميركي في العراق. أميركا لم تغادر العراق، في الواقع، مذ اجتاحته العام 2003. وجودها كان، وما زال، عسكرياً وسياسياً. أدركت أخيراً أنّ تنامي نفوذ فصائل المقاومة، داخل «الحشد الشعبي» وخارجه، يهدّد وجودها ونفوذها كما وجود وكلائها السياسيين. خططت ونفذت بالتعاون مع السعودية لاحتواء نفوذ فصائل المقاومة وتأثيرها بدعم أحزاب وتكتلات وشخصيات سياسية متعاونة معها ومعادية لإيران. نجحت في استمالة حيدر العبادي وإقناعه بأنّ بقاءه رئيساً للحكومة ورجل مرحلة ما بعد الانتخابات الاخيرة مرهون بتعاونه مع المتعاونين معها من تكتلات سياسية مناهضة لإيران داخل البرلمان وخارجه.
فصائل المقاومة المناهضة لأميركا و»إسرائيل» أقلقها إعلان العبادي التزام العراق تنفيذ العقوبات الأميركية ضدّ إيران. قرّرت، بلا إبطاء، إزاحة العبادي من رئاسة الحكومة بالتعاون مع منافسيه. أسهمت، لهذه الغاية، في مساعٍ حثيثة لتكوين الكتلة الأكبر في البرلمان ليصبح من حقها رئاسة الحكومة الجديدة والحصول على غالبية أعضائها. كادت تنجح لولا أنّ واشنطن تداركت الخسارة بالتدخل مع التكتلات البرلمانية الكردية وإقناعها بأن ترهن دعمها لأيٍّ من التكتلات المتنافسة باستجابة مطالبها السياسية. هكذا عطّل الكرد العراقيون، إلى حين، تأليف حكومة جديدة مناهضة لأميركا في العراق.
الكرد السوريون حاولوا، بإيعاز من أميركا، تعطيل إمكانية تعاون تركيا مع سورية في تحرير محافظة إدلب من الفصائل الإرهابية. «مجلس سورية الديمقراطية» مسد الجناح السياسي لـِ «قوات سورية الديمقراطية» قسد التي يقودها الكرد، أعلن البدء بتشكيل إدارة موحّدة للمناطق الخاضعة لسيطرتها بفضل تمركز القوات الأميركية شرق الفرات في خطوة من شأنها إثارة مخاوف الأتراك وحملهم، في ظنّ واشنطن، على مراجعة موقفهم المؤيد، ظاهراً في الأقلّ، لتفاهم محور إيران ـ سورية ـ روسيا.
أميركا لم تكتفِ بما أنجزته مع الكرد العراقيين والسوريين. أعلنت أنها ستوجّه ضربة شديدة للجيش السوري إذا ما قام باستعمال أسلحة كيميائية ضدّ المتمرّدين في إدلب. إلى ذلك، صرّح كلّ من وزير الحرب «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان وبعده رئيسه بنيامين نتنياهو بما معناه انّ «إسرائيل» ستقوم بضرب الصواريخ البالستية الإيرانية الجاري توضيعها في العراق.
في غمرة هذه التهديدات، انفجر الوضع المضطرب في البصرة وجرى تصعيده بقيام عناصر معادية للمقاومة ولإيران بإحراق وتدمير جملة مقارّ لفصائل المقاومة المعادية لأميركا و»إسرائيل»، كما القنصلية الإيرانية. فصائل المقاومة حمّلت حكومة العبادي مسؤولية الاضطرابات الأمنية المفتعلة ودعت العبادي، بالاشتراك مع كتلة «سائرون»، إلى تقديم استقالته، في حين فسّر قادة في محور المقاومة ما جرى في البصرة بأنه افتتاح صهيو-أميركي معجّل التنفيذ لجبهة عسكرية في موازاة ومواجهة جبهة إدلب التي تعتزم سورية فتحها بين يوم وآخر.
إلى أين من هنا؟
من المبكر القطع بتطوّرات سياسية وعسكرية حاسمة، لكن يمكن ترجيح الآتي:
ـ لا تأثير رادعاً لافتتاح جبهة البصرة على محور المقاومة بدليل انّ جابري أنصاري أعلن بِاسم الخارجية الإيرانية، حتى قبل انعقاد قمة طهران للرؤساء بوتين وروحاني وأردوغان، بأنّ البيان المشترك للقمة قد جرى إنجازه وهو يتضمّن تأكيداً على مواصلة مكافحة الإرهاب وعلى ضرورة عودة اللاجئين السوريين الى ديارهم.
ـ سورية تبدو مصمّمة على تحرير إدلب من الفصائل الإرهابية، وفي مقدّمها جبهة «النصرة»، التي تسيطر على أجزاء واسعة من المحافظة، وأنها عازمة أيضاً على التصدي لأيّ طرف خارجي يتدخل لدعم الفصائل الإرهابية بقصد استئخار معركة التحرير.
ـ تركيا متخوّفة من تداعيات معركة إدلب، ولا سيما لجهة تدفق آلاف السوريين الهاربين من معمعتها الى الأراضي التركية. لذا بذلت وتبذل جهوداً حثيثة لإقناع مختلف الفصائل بعقد تسوياتٍ مع الحكومة السورية لتفادي إراقة الدماء وتهجير المدنيين، كما ركّزت في قمة طهران على جدوى إعطائها المزيد من الوقت للفصل بين الفصائل «المعتدلة» وجبهة «النصرة» الإرهابية.
ـ فرص التسوية مع الفصائل «المعتدلة» متوافرة، لكن المشكلة هي في صعوبة إيجاد حلّ للعناصر الإرهابية غير العربية – كالإيغور الصينيين والتركمانستيين والشيشان – الذين تعارض حكوماتهم في عودتهم إلى بلادهم.
ـ من المستبعد ان تخوض أميركا معركةً في سورية أو العراق بجنودها، لكن من الممكن ان تنخرط بطائراتها وصواريخها كما حدث في الماضي القريب بقصفها مطار خان شيخون السوري.
ـ «إسرائيل « تدرك أنّ بشار الأسد كسب معركة سورية ضدّ الفصائل الإرهابية ومن يقف وراءها، غير أنها تؤكد عزمها على متابعة تصدّيها لتموضع إيران في سورية كما لتزويد حزب الله بالسلاح والعتاد عبر الأراضي السورية.
ـ لا يُعقل ألاّ يضع قادة سورية وإيران وروسيا في حسبانهم أن يكون لدى أميركا و»إسرائيل»، بسببٍ من حماقة ترامب وضغوط نتنياهو ونفوذه في الكونغرس، مخطط لشنّ ضربة مدمّرة وموجعة لكلٍّ من سورية وإيران بقصد إضعافهما وإخراجهما من دائرة الصراع الإقليمي. لكن لا يُعقل في المقابل ألاّ تتخذ قيادات محور المقاومة من الاستعدادات والتحوّطات ما يكفل إحباط المخطط الصهيو-أميركي وتدفيع أطرافه ثمناً باهظاً.
ـ أنهى اتفاق كتلة «الفتح» فصائل المقاومة وكتلة «سائرون» مقتدى الصدر خطة أميركا الرامية الى ترئيس العبادي. وأصبح من الممكن تأليف حكومة توافق وطني مناهضة للمخطط الصهيو-أميركي، وربما للوجود الأميركي في العراق.
يُستفاد من مجمل ما رشح من محادثات قمة طهران ومن التطورات الميدانية اللاحقة أنّ الصراع على جميع المستويات في سورية والعراق طويل الأمد، ومثله الصراع السياسي والعسكري في مجمل المنطقة، ولا سيما في وجه المخطط الصهيو-أميركي.
وزير سابق
Related Videos
Related Articles
- بغداد: «سائرون» و«الفتح» يدعوان إلى استقالة الحكومة
- مآزق سعودية متتالية: هل ينتقل التصعيد من البصرة إلى لبنان؟
- Terrorists & White Helmets met to discuss faking chemical attack in Syria’s Idlib
- Idlib: Al Qaeda’s Last Stand and the USA’s Last Stand in Syria
- Interview with Ambassador Ford Part 1: Idlib and False Flag chemical Attacks
- Treka: ‘Who are the people fighting the Syrian Army in Idlib?’
- It is Hormuz’s tale not Idlib إنّها حكاية هرمز وليست إدلب
- Will the Trump Regime Clash with Russia and Iran Over Syria’s Offensive to Liberate Idlib?
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment