( الخميس 2018/09/13 SyriaNow)
الحكايات التي تبحث شخصياتها عن كنز أو سر أو خريطة أو حب تخبئه لنا حتى النهايات والأسطر الأخيرة وربما الأحرف الأخيرة تبقى الحكايات الأثيرة لدينا .. تأسرنا منذ الكلمات الاولى ونبقى معلقين بأحداثها بالسلاسل المقفلة بالاقفال حتى الصباح .. ونظل نمشي مع الأحداث شئنا ام ابينا الى أن تفتح الأقفال ونفك الأسرار ..
والحكاية الروسية في سورية هي من ذلك النوع من الحكايات التي تشد السامع لأن اللغز الذي يحيره هو ذلك السر الذي يجعل دولة تقاتل في معركة أخرى لبلد آخر وكأنها تخوض معركتها الوطنية أو كأن روحها معلقة بها .. وفي حالة روسيا وسورية يظن الناظر الى المشهد السياسي ان روسيا تقاتل بضراوة كما لو أنها تستعيد لحظات معركة ستالينغراد بكل ضراوة في ادلب ..
وقد كثيرا ماسمعنا عن مبررات قرار روسيا بأنها اضطرت للخروج من سيبيرية للقتال في سورية قبل ان تضطر لقتال الارهابيين داخل حدودها .. وهي في حالة الضربة الاستباقية قبل ان تعاجلها الخطة الغربية باطلاق الوحوش الاسلامية داخل روسيا بعد ان تزنرها بحزام عملاق من الدول الاسلامية الفاشلة التي تصبح مصانع وقواعد واسعة لاطلاق موجات من الارهابيين نحو روسيا ..
وسمعنا كذلك عن ان روسيا في مبررات أخرى تعتبر سورية منطقة نفوذ تاريخية وحيوية وحصرية لها لن تسمح لأحد بالاستيلاء عليها .. وأنها تحمي خطوط غازها عبر الامساك بالعقدة السورية لنقل أنابيب النفط من الخليج الى اوروبة .. وسمعنا الكثير من التفسيرات التي حاولت ان تقارب الحالة التي تجعل روسيا تقاتل كما تقاتل الأم دفاعا عن ابنتها وحلت محل فرنسا في الشرق التي كانت تعتبر نفسها الأم الحنون للمسيحيين الشرقيين .. فاذا بالام الحنون الفرنسية تترك الشرق ومسيحييه نهبا للاسلاميين والاسرائيليين والاميريكيين ينكلون بهم بالمسلمين .. واذا بروسيا تندفع للدفاع عن الشرق كله بمسيحييه ومسلميه ..
الحقيقة ان كل التفسيرات قابلة للحياة وللبقاء والقبول .. ولكن السلوك الروسي يدل على ان القضية أبعد كثيرا من أهداف آنية وقصيرة المدى ومناطق نفوذ .. ولا نجانب الصواب ان قلنا ان المعركة الحالية في سورية هي الفصل التالي للحرب الباردة بين السوفييت والغرب بعد أن استفاق الروس على حقيقة انهم خسروا معركة الحرب الباردة .. ولذلك فانهم اندفعوا نحو الهجوم المعاكس في رد على أول مواجهة مع الأميريكيين في سورية .. ورغم ان الرئيس فلاديمير بوتين يقول في خطابه للشعب الروسي انه لم يأخذهم في مغامرة من مغامرات الشيوعيين القدامى بل كان عليه ان يقاتل على اسوار دمشق كيلا يضطر الشعب الروسي للقتال على تخوم موسكو لأن دمشق هي خط دفاعه الحيوي والأخير ..
الا ان معركة فلاديمير بوتين في معركة سورية كان قرارا في غاية الخطورة لأنه وضعه وجها لوجه مع أشرس عتاة الشر في العالم وفلاسفة الحروب من الغربيين ومن حلفائهم العرب الذين جندوا العالم الاسلامي وساقوه كالقطيع في مواجهة روسيا بكل مشاعره وطاقاته الارهابية وانضم الى الحفلة الماسونية العالمية اتحاد علماء المسلمين والحرم المكي والأزهر والاخوان المسلمون وورثة العثمانيينوكل ممثلي الحقب الاسلامية مجتمعين .. حتى ان الحج في احدى السنوات خصص الدعاء فيه على جبل عرفات يوم العيد لاهلاك روسيا التي “تقتل المسلمين في سورية”.. ومع ذلك فان بوتين لم يتزحزح قيد شعرة عن تحالفه المتين مع السوريين .. وثبت أكثر حتى عندما صارت طائراته المدنية العسكرية تستهدف في تهديد صريح له من انه سيدفع الثمن غاليا .. وهذا كله لايفسره منطق المصالح الروسية وحده لان المساومات والعروض التي وضعت على طاولة بوتين تكاد لاتصدق ويسيل لها لعاب اي رجل يبحث عن المصالح والصفقات الكبرى ..
بوتين طبعا ليس تحت تأثير لوبي سوري يعاكس اللوبي الصهيوني في أميريكا .. لكن بوتين كان يتحدث أحيانا بانفعال وغضب وهو يدافع عن الموقف السوري ضد املاءات الغرب مستندا في تبريراته الى انه يدافع عن الأخلاقيات والمبادئ البسيطة في السياسة من أن من حق الشعوب حصريا حق تقرير مصيرها وشكل حكمها وليس للأمم المتحدة ولا للولايات المتحدة أي دور في ذلك ولايجوز ان يكون لها دور .. وهو في الحقيقة استند الى موقف أخلاقي صلب جدا في هذا .. ولكن اللوبي الذي يحرك بوتين ليس سوريا طبعا وهو أكثر صلابة من أخلاقيات الموقف الظاهر .. فالرئيس الروسي يرى في معركة سورية من وجهة نظر قائد يستأنف معركة قديمة مع أميريكا العدو الأزلي الذي لن يهدأ حتى تموت روسيا .. وهي ليست معركة ثأر بل هجوما معاكسا تشنه روسيا بكل معنى الكلمة .. يهدف الى تحييد قوة اميريكا كثيرا في المحيط الروسي .. أي تنظيف النطاق المحيط بالأمن الروسي لأن أميريكا لن تخرج من محيط روسيا الا بتحييدها في الشرق الاوسط أولا كي تتوقف عن حصار روسيا .. لأن الشرق الأوسط هو نقطة ارتكاز أميريكا الأقوى التي تستند اليها كل نقاط ارتكازها حول فضاء روسيا .. ولذلك لاشيء يعادل الهجوم المضاد في أقوى نقطة ارتكاز أميريكية .. وهذه المعركة بدأت في سورية ولن تتوقف .. وادلب هي معركة صغيرة تلت معارك في الحرب الكبرى التي وضعتها روسيا في مشروعها الكبير الذي التقى مع المشروع السوري الايراني الكبير في بناء جدار مقاوم ..
اليوم وبعد ان عشنا هذا التجاذب الغربي في معركة سورية ومعركة شد الحبل في آخر متر في ادلب بين الغرب وبين الروس صارت الأمور تتبلور أكثر .. وهي ان روسيا تخوض في سورية واحدة من أهم معاركها التاريخية بعد معارك الحرب العالمية الثانية حتى آخر متر وهي معركة تحجيم قوة أميريكا كليا في الشرق الاوسط والمحيط الروسي متكئة في ذلك على تحالف ايران وسورية اللتين التقطتا اللحظة الروسية المناسبة في توقيت دقيق جدا ومهم جدا لهما وعملان مع روسيا بشكل يكمل كل منهما الآخر .. ولكن أمريكا تستميت في محاولة البقاء والتشبث بالشرق الأوسط الذي يتم دفعها خارجه بالتدريج .. ولذلك فانها كانت تعد نفسها للانتقال للخطة (ج) بعد انهيار الخطتين (أ) و (ب) .. لأن الخطة ( أ ) كانت تهدف الى اسقاط الدولة السورية عبر الربيع الاسلامي الاخواني وتحويلها الى دويلات ممزقة فاشلة تخضع لأمراء حرب تحركهم الدول المجاورة انتهت .. وهاهم كل أمراء الحرب يتجمعون في ادلب قبل طحنهم .. واما الخطة (ب) المتمثلة في عملية تقسيم سورية – وهو تقسيم أقل ايلاما يتمثل بسلخ بعض المناطق من جسد الدولة المركزية – عبر تقاسمها مع الروس الذين سيترك لهم مابقي من سورية وحكومتها التي وصلوا اليها عام 2015 بحكم الأمر الواقع وتثبيت نقاط التماس .. وهذه الخطة انتهت كليا من لحظة تحرير حلب وتآكل المناطق المنسلخة عن الدولة .. واليوم يلجأ الاميريكوين الى الخطة (ج) وهي التثبت في الشرق السوري وفي ادلب لأطول فترة ممكنة وانتظار أي تحول في معادلات المنطقة المتغيرة .. فقد تتغير موسكو أو طهران أو تتغير دمشق .. وعندها تتم العودة الى الخطة (ب) .. ومنها الى الخطة (أ).. لأن الهدف لايتغير بل تتغير و سائل الوصول اليه وطرق التنفيذ وآلياتها ..
ولذلك فان القبول بالمماطلة مع الغرب وتركيا في تحرير ادلب ريثما تهيأ ظروف تتغير فيها معادلات ومعطيات الصراع سيعني للسوريين وحلفائهم الروس والايرانيين ان كل ماانجز من تحرير في حلب والغوطة وتدمر والجنوب سيظل ناقصا وكأنه لم يتم كمن يبني جسرا من عدة كيلومترات ويبقى المتر الاخير فيه (ادلب) غير متصل بالضفة الاخرى .. فهو لايستطيع استعمال الجسر وكأن كل مابناء بلا فائدة .. فادلب ان بقيت من غير تحرير فانها ستكون نقطة باردة تنتظر معادلات جديدة وفرصة جديدة لابقاء كل السياسة السورية القادمة رهينة في ادلب .. بل وماهو أهم من ذلك ستتعثر عملية اخراج الاميريكيين من الشرق السوري ومن التنف لأن ادلب ستشكل مسمارا للوجود الاميريكي يثبته بابقائها نقطة ملتهبة ترد على اي تحرك او ضغط لاسترداد الشرق السوري سلما او حربا .. كما هو جيب داعش الباقي حول التنف والذي تم تحريكه نحو السويداء في توقيت ما حول معركة الجنوب ودرعا .. أي ان جيب ادلب الكبير سيتم تحريكه باستفزازات ورسائل ضاغطة وابتزازبة اذا ما تحركت سورية وحلفاؤها في اي اتجاه لا يريح اميريكا واسرائيل .. فهي بؤرة ابتزاز يصل تأثيرها الى كل قضايا الشرق .. في لبنان والعراق وفلسطين .. ستبقى كل سورية رهينة بسببها .. وستبقى الخطة (أ) أو الخطة (ب) قابلة للتنفيذ والحياة بسرعة في أي لحظة اختلال توازن سياسي تحت اي مستجدات .. ولكن اذا ما خرجت اميريكا من ادلب بخروج مسلحيها فانها لاتقدر الا على ان تتلو ذلك بخروج من الشرق السوري لأن قواتها هي التي ستتحول في الشرق الى رهائن .. وهذا يعني تدحرجها الى الخطة (د) التي تعني أن عليها أن تحمي مابقي لها في الشرق .. لأن ما سيتلو الخروج من سورية اخراجها نهائيا من العراق في المدى المنظور او المتوسط .. ومن ثم الخوف من الخروج مما بعد العراق !! .. وهو يتماشى مع الهدف البعيد لروسيا الناهضة من بين حطام الاتحاد السوفييتي ..
من هذا كله .. نجد انه لامناص لروسيا قبل سورية من خوض معركة ادلب من أجل تعبيد الطريق نحو الفضاء الروسي النظيف والذي قد يتعرقل ببقاء مشروعها رهينة في ادلب وشرق سورية .. والحفاظ على بقاء حيوية ومرونة الخطتين القديمتين أ – ب .. التي يمكن أن تنتقل اميريكا بينهما وفق الظروف المتاحة .. أما الخروج من الخطة (ج) .. فهو يعني التقهقر نحو الخطة د ..
ولذلك يجب الاستعداد لأي استماتة أميريكية لجعل التحرك نحو ادلب متعثرا ولكن في نفس الوقت يجب ألا نعطي تهديدات الغرب اي اعتبار هام يغير من عزمنا وتحركنا لأن الغرب يدرك ان معركة ادلب ليست معركة سورية فقط .. بل معركة في مشروع فضاء روسيا الحيوي .. الذي تبنيه روسيا للقرن القادم .. الذي سيعني لها الانطلاق نحو فضاء أوراسيا الذي من أجله تبني تحالفاتها مع الصين والهند وباكستان وايران وسورية والعراق .. وبمعنى أخر يقوم الروس بعملية كنس ناعمة وخشنة معا وتدريجية للنفوذ الاميريكي في الفضاء الروسي .. وقد لا يصدق البعض ان سورية -وبالتالي ادلب – هي في صلب هذا الفضاء لأن معركتها ستحدد عملية خروج ونزوح اميريكة كبرى من سورية ومن ثم العراق خلال السنوات القليلة القادمة .. مما يجعل المعركة في ادلب صعبة ديبلوماسيا وسياسيا رغم انها عملية سهلة عسكريا لانها تستعد بحشود سورية هائلة وكثافة وازدحام للسلاح الروسي لم يسبق لها مثيل .. ستجعل مسلحي اميريكا وتركيا في ادلب مثل جيش ابرهة الأشرم .. كعصف مأكول ..
أنني لا أبالغ ان قلت ان ما أعد للمسلحين في ادلب سيحولهم الى عصف مأكول .. وأتمنى أن تسمى هذه العملية عملية العصف المأكول .. ولن تفعل أميريكا شيئا سوى أنها ستدرس التكتيكات والسلاح والذخائر الروسية المستعملة لتدرسها في اكاديمياتها العسكرية .. ولمعرفة تأثيراتها على أجساد المسلحين وتحصيناتهم وحجم الخسائر التي ستسببها في الجسد الارهابي المسلح .. فهؤلاء المسلحون فئران التجارب الاميريكية .. فئران اسلامية للتجارب لكل مشاريع أميريكا .. والحكايات ستحكي عن الأسرار التي تحشد العالم على ارضنا وتتداول الأحداث .. وستؤرخ لكل شيء .. الا لفئران التجارب .. التي ستحترق وتموت أو ستغادر ادلب أفواجا الى جحورها في تركيا قبل أن تصبح .. العصف المأكول ..
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment