أبريل 17, 2019
ناصر قنديل
– لولا تفاصيل السياسة اللبنانية وما تطرحه في التداول من اصطفافات وخنادق، لكانت المواقف التي يحرص وزير الخارجية جبران باسيل على تثبيتها كخط لا حياد عنه كافية لتحفظ له في السياسة مكانة يصعب أن ينالها وزير خارجية لبناني أو عربي آخر. فالبلد هو لبنان البلد الصغير الواقع تحت ضغوط دولية كبرى، في ملفات يظن الكثير من اللبنانيين أنها تستدعي ملاطفة مصادر الضغط وصنّاعه، وفي مقدمتهم واشنطن، والوزير هو رئيس التيار الوطني الحر الآتي من موقع زعامة مسيحية لبيئة عاشت مع خطاب تقليدي بعيد عن المواقف التصادميّة مع السياسات الغربية، وهو على رأس أكبر كتلة وزارية وأكبر تكتل نيابي، ويفترض أنه يستعدّ لخوض غمار الترشح لرئاسة الجمهورية، التي يعرف كما يقول العارفون، إن لواشنطن كلمة مؤثرة إن لم تكن فاصلة فيها.
– يسبح جبران باسيل عكس تيار المزاج اللبناني السياسي العام الداعي للنأي بالنفس، والمزاج المسيحي التقليدي الداعي للتصالح مع الغرب، والحسابات الرئاسية الخاصة التي تفترض مراعاة الأميركي كناخب رئيسي، وإن لم يكن الناخب الرئيسي، ويسير على نهج في ترسيخ دبلوماسية ممارسته لمسؤوليته في وزارة الخارجية، قوامها فلسفة الحق قوة، والانتماء هوية. وللذين ينطلقون من تبسيط الأمور بالنظر لتحالف التيار الوطني الحر مع حزب الله، أن يتذكروا أن المواقف التي تصدر عن باسيل في كل مناسبة ومنبر حول القضايا العربية، لا تُسمع من وزراء دول كالعراق والجزائر، في أيام عزّها السياسي، وخياراتها المعلنة بالتمسك بالثوابت العربية، خصوصاً قضية فلسطين.
– في اجتماع لوزراء الخارجية العرب اواخر العام 2017 وقبل إعلان واشنطن اعترافها بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل» دعا باسيل الدول العربية، إلى النظر في فرض عقوبات اقتصادية على الولايات المتحدة، لمنعها من نقل سفارتها في «إسرائيل» إلى القدس، وقال باسيل، إنه يجب اتخاذ إجراءات ضد القرار الأميركي «بدءاً من الإجراءات الدبلوماسية مروراً بالتدابير السياسية ووصولاً إلى العقوبات الاقتصادية والمالية»، ودعا باسيل الدول العربية إلى مصالحة عربية عربية لاستعادة الأمة العربية ذاتها، «أنا هنا أقف أمامكم وأدعوكم لمصالحة عربية عربية سبيلاً وحيداً لخلاص هذه الأمة واستعادة لذاتها، وأن ندعو من أجل ذلك إلي قمة عربية طارئة عنوانها القدس.. الويل لنا إذا خرجنا اليوم بتخاذل، إما الثورة وإما الموت لأمّة نائمة». وأكد باسيل أن «القدس ليست قضية بل هي القضية».
– أثناء التحضير للقمة العربية الاقتصادية في بيروت تحدث باسيل لوزراء الخارجية العرب، وقال لهم »سورية هي الفجوة الأكبر في مؤتمرنا ونشعر بثقل فراغها ويجب أن تكون في حضننا بدل أن نرميها في أحضان الإرهاب كي لا نسجّل على أنفسنا عاراً تاريخياً بتعليق عضويتها بأمرٍ خارجي وبإعادتها بإذنٍ خارجي». وبالأمس في اللقاء العربي الروسي في موسكو وقف باسيل وقال «لا يجوز أن نخطئ في العدو ولا أن نضيع البوصلة. فالعدو هو «إسرائيل» والبوصلة هي فلسطين، وكل ما يشتت من تركيزنا عن هدف إعادة حقوق الشعب الفلسطيني هو إلهاء لنا عن مصالحنا ومصالح شعوبنا. وأنا أدعو الى مراجعة الحسابات وإعادة تحديد الأهداف. أقول هذا للتاريخ ولتسجيل موقف في ما نحن على وشك ضياع القضية وضياع الأرض والقدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة. وإذا ارتضى أحد اليوم بذلك. فنحن على ثوابتنا باقون، فلسطين عربية، وعاصمتها مدينة القدس، والجولان سورية، وسكانها عرب سوريون، وشبعا لبنانية وصكوكها عائدة لنا، كما كرامتنا لا يأخذها أحد منا».
– باسيل يثبت في كل منتدى ومناسبة أنه مهما تلبّدت الغيوم اللبنانية، ومهما تباينت الآراء تجاه القضايا المحلية، فإن الثوابت لا تمسّ ولا يجب أن تتغيّر، وهي ليست مواضيع مساومات تتبدل بتبدل السياسات أو تتغير بتغير الحسابات، فلا هي تتقدّم بحساب المجاملات ولا هي تتراجع بحساب النكايات، ولجبران باسيل وجب القول قد نختلف كثيراً في السياسة اللبنانية أو نتفق، لكن الأهم أننا نفخر بك وزيراً لخارجيتنا تحمل مشعل ثوابتنا وراية فلسطين الحق دائماً بلا تردّد، وتشهر حاجة العرب لمكانة سورية ومكانها، فما دمت كذلك نحن معك، ولعلك في هذا الجمع وحدك من يصحّ فيه أن يكون وزير خارجية العرب.
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment