يوليو 29, 2019
د. عصام نعمان
الحرب بين أميركا وإيران متواصلة ومتصاعدة. طابعها الظاهر اقتصادي، لكنها في الواقع متعدّدة الساحات والجوانب. آخر مظاهرها اللافتة ما حدث ويحدث في الجولان السوري. ففي غضون شهر ونصف الشهر شنّت حليفتها «إسرائيل» هجومين على موقعٍ للجيش السوري في تل الحارة يشكّل نقطة استطلاع بصري والكتروني الى مسافة بعيدة داخل الأراضي التي تحتلها قوات العدو في سورية.
يدّعون في «إسرائيل» انّ إيران وحزب الله أقاما، بالتعاون مع سورية، بنية تحتية مكوّنة من مواقع استطلاع ومنشآت استخبارتية لجمع المعلومات التي تخدم تنفيذ عمليات ضدّها. كما تدّعي «إسرائيل» انّ حزب الله ووحدات المقاومة التي يديرها في المنطقة هو مَن يقوم بتنفيذ هذه العمليات. ذلك انّ رجال الحرس الثوري الإيراني ممنوعون، بموجب «الاتفاق» الذي تمّ التوصل إليه بوساطة روسية، من التواجد على بُعد أقلّ من 80 كيلومتراً إلى الشرق من الحدود مع الجولان المحتلّ راجع مقالة المحلل العسكري رون بن يشاي في «Ynet»، 2019/7/24 .
لا يجوز، بطبيعة الحال، الركون الى ما تتقوله وسائل الإعلام العبري، لكن من الأكيد انّ ما تكشفه في هذا المجال، سواء كان صحيحاً او مختلَقاً، يتمّ بموافقة الرقابة العسكرية ويمثّل تالياً وجهة نظر «إسرائيل».
في هذا السياق، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد كشف في مقابلة مع صحيفة «يسرائيل هَيوم» 2019/7/19 انه في الإجتماع الثلاثي الذي عُقد في نهاية الشهر الماضي بين مستشاري الأمن القومي لأميركا وروسيا و»إسرائيل» في القدس المحتلة جرى التوصل الى اتفاق لإخراج إيران من سورية.
قناةُ التلفزة الإسرائيلية 13 كانت قد نقلت عن مسؤول أميركي رفيع المستوى انّ تل ابيب وواشنطن طالبتا روسيا بضرورة ان يشمل ايّ اتفاق مستقبلي بشأن الوضع في سورية إنسحاباً عسكرياً إيرانياً ليس من سورية فقط بل من لبنان والعراق ايضاً «معاريف» 2019/7/18 . القناةُ نفسها أوضحت أنه لم تتوافر أنباء بشأن الردّ الروسي على المطالب الإسرائيلية والأميركية، لكنها أشارت في الوقت عينه إلى أنه في اثر اللقاء الأمني المذكور، دافع مستشار الأمن القومي الروسي بتروشيف عن إيران وأكد دعم روسيا لوجودها العسكري المستمرّ في سورية.
إلى ذلك، جاء في التحليل العسكري لرون يشاي المُشار اليه آنفاً «انّ قوات الشرطة العسكرية الروسية تقوم بمراقبة المنطقة وتنفيذ الاتفاق فيها». المنطقة المقصودة هي محيط موقع تل الحارة الذي استهدفته «إسرائيل» فجرَ يوم الأربعاء الماضي، والمقصود بالاتفاق ما تزعمه «إسرائيل» عن وجود تفاهم بين أميركا وروسيا و»إسرائيل» يقضي بمنع قوات الحرس الثوري الإيراني من التواجد على بُعد أقلّ من 80 كيلومتراً الى الشرق من الحدود مع الجولان المحتلّ.
كلّ هذه الواقعات والتقوّلات المار ذكرها، سواء كانت صحيحة او مختلَقة، تشير الى انّ ثمة تفاعلات وعمليات تجري في جنوب سورية، والمرجّح أنها تصبّ في مخطط الولايات المتحدة و»إسرائيل» الرامي الى تفادي الحرب بالنار مع إيران بالنظر الى تكلفتها الباهظة، والإستعاضة عنها بتأجيج الحرب الناعمة ومن ضمنها مشاغلة حلفاء إيران، وفي مقدّمهم سورية وحزب الله، بصنوف من المناوشات والضغوط والعمليات العسكرية المحدودة، كلُّ ذلك بقصد تشديد الحرب الإقتصادية على إيران وحلفائها. ذلك انّ إدارة ترامب تظنّ انّ الحرب الاقتصادية بدأت تعطي ثمارها بدليل انّ إنتاج إيران من النفط انخفض من 2,5 مليون برميل يومياً، كما كانت عليه الحال قبل العقوبات، الى أقل من 400 الف برميل يومياً الأمر الذي سيُكره طهران على الرضوخ لمطلب واشنطن بالعودة الى المفاوضات وذلك تفادياً لخروج الناس الفقراء الى الشوارع، بحسب تقديرات واشنطن.
«إسرائيل» المشغولة بانتخاباتها البرلمانية في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل تميل قياداتها السياسية والعسكرية الى التسليم بجدوى الحرب الاقتصادية الأميركية، كما تفضّل عدم التصعيد في هذه الآونة تجنّباً لاستفزاز إيران وحلفائها ودفعهم الى ردّ الكيل كيلين. ذلك انّ فريقاً من القياديين السياسيين والعسكريين في الكيان الصهيوني يتخوّفون من ان تكون أطراف محور المقاومة قد تقوّت مؤخراً بما حدث من مجابهات ووقوعات في المنطقة صبّت في مصلحتها. فالناقلات التي جرى نسفها في موانئ الإمارات العربية المتحدة، والناقلة البريطانية التي حجزتها البحرية الإيرانية وجرّتها الى ميناء بندر عباس بعد أن رفعت عليها العلم الإيراني، وإعلان الإمارات عن عزمها سحب قواتها العاملة في جبهات الحرب اليمنية، وتصعيد الحوثيين وحلفائهم حرب الطائرات المسيّرة على القواعد العسكرية والمطارات السعودية في الرياض وأبها، ونجاح حزب الله وسورية في بناء معامل متخصّصة بتأمين دقة تصويب الصواريخ الدقيقة… كلّ هذه الأحداث والإنجازات قد تحمل إيران وحزب الله في حسبان بعض القياديين الإسرائيليين على تصعيد عمليات ميدانية، برية وبحرية، من شأنها إرباك حكومات أميركا وبريطانيا و»إسرائيل» في وقت يمرّ كلٌ منها في ظروف داخلية دقيقة.
غير انّ كلّ هذه التطورات والاحتمالات لا يمكن ان تحجب سؤالاً ملحاحاً يمور في أذهان قادة محور المقاومة السياسيين والميدانيين: ما دور روسيا في كلّ ما يجري، لا سيما في جنوب سورية وشمالها الشرقي وغربها؟ هل هي حليف مشارك، ام حليف مساند، ام مجرد شرطي مراقب لمدى امتثال الأطراف المتحاربة لبنود اتفاقات سياسية وميدانية قيل إنه جرى إقرارها بين دول كبرى وأخرى إقليمية؟
وزير سابق
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment