يوليو 31, 2019
د. وفيق إبراهيم
تتحضّر روسيا لإرسال بوارجها الى المحيط الهندي وبحر عدن حتى حدود مضيق هرمز الفاصل بين المجالات البحرية لإيران وعمان، بذريعة إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع البحرية الإيرانية.
لا بدّ هنا من الإشارة الى الطابع الجيوبوليتيكي لهذا الدخول باعتبار أن الاتحاد السوفياتي السلف الذي ورثته روسيا الحالية، لم تكن لديه مرافئ صديقة في الخليج، للرسو والتموين من التزوّد بالوقود. فإيران كانت شاهنشاهية معادية له في ما كان الجانب العربي من الخليج خاضعاً لهيمنة أميركية كاملة تمسك بالأجواء والبحر الى درجة الخنق وتحت شعارات العداء للإلحاد الشيوعي.
ما هي مصلحة روسيا في هذا التطوّر؟
يملأ أولاً حاجة روسيا لحيازة مكان هام في قلب حركة الصراع على الشرق الأوسط من بوابة بحاره وأمن الملاحة فيه، متحالفاً مع إيران التي تقف في وجه المحاولات الأميركية لتدميرها كطريقة لإنعاش تفرّدها بالقرار الدولي لذلك فإن هذا الدخول الروسي له أهداف تبدأ بتقليص قوة الضغط الأميركية على عنف إيران، ما يعني استتباعاً، المزيد من تقهقر الأحادية الأميركية مقابل الاستمرار في الصعود الروسي والصيني.
لكن لروسيا حساباتها الخاصة الإضافية المؤدية الى الأهداف نفسها، وتتعلق اولاً بنمو حاجتها للدخول الى اليمن عبر الصراع اليمني مع الأميركيين والسعوديين على الساحل الغربي والحديدة، أي المنطقة المشرفة على باب المندب الذي لا يقل أهمية استراتيجية عن مضيق هرمز، بما يعني مراكمة أهميات جيوبوليتيكية عند الذي يهيمن على حركته البحرية أو يشارك في جزء من إدارته.
وهكذا تبدو الحركة الروسية الجديدة، وكأنها تتدحرج على هدي العلاقة مع إيران فتطمح لدور يمني يخترق موانئ الحديدة من زوايا الصراع الأميركي ـ السعودي والإيراني من جهة ثانية.
للإشارة فإن سياسة الرئيس الروسي بوتين تتحاشى أي سوء في علاقاتها مع السعودية، ما يجعلها تكتفي بالتحرك البحري حتى حدود هرمز الإيراني أي بعيداً عن الساحل السعودي المطلّ على الخليج.
أما الأسباب فعلى ارتباط بالتنسيق الروسي ـ السعودي الذي أدّى حتى الآن الى استقرار النفط أسعاراً وأسواقاً بمواكبة نمو تدريجي لعلاقات اقتصادية واعدة تشمل احتمالات شراء السعودية لمنظومة سلاح روسي جوّي وبرّي.
هذا ما يجعل التحرك الروسي في الخليج حذراً ولن يتقدم بسرّعة إلا بعد صدور صرخات استغاثة أميركية نتيجة فشل مرتقب لعقوباتها على إيران. وهناك احتمال آخر وهو نجاح الأميركيين بتركيب حلف ما يزعمون أنه لأمن الملاحة في الخليج مع الأوروبيين وبلدان عربية ودول من آسيا وأوستراليا.
عند هذا الحد لن يكتفي الروس بالتدحرج التدريجي نحو بحار الشرق الأوسط بل يرفعون من عيار سرعتهم بمعونة صينية مع دول أخرى من منظمتي البريكس وشانغهاي، فالصراع في الخليج ليس على مياه بحاره، بل على اقتصاده وثرواته من النفط والغاز وقدرته على استهلاك أي نوع من السلع، لأنه لا ينتج شيئاً.
تكفي الإشارة هنا إلى أن صحراء الربع الخالي تحتوي بمفردها على أضعاف عدة من الغاز الموجود في العالم، وربما أكثر حسب ما يتسرّب من مراكز أبحاث الطاقة في الغرب الذي يبرر اندلاع جزء من الصراع الدولي على الشرق الأوسط تحت مسمّيات أمن الملاحة فيه.
هناك إذاً خشية روسية من الإمساك الأميركي بالشرق الأوسط مجدداً فتتجاوز واشنطن بلعبة أمن الملاحة خسائرها في سورية والعراق واليمن، فتستعيده بتشكيل هذا الحلف الملاحي الماخر عباب الأمواج بحثاً عن الغاز والنفط.
كما تُجهض بذلك محاولات أوروبية للخروج من هيمنتها التي امسكت بتلابيب القارة العجوز منذ 1945 وأجلستها على المقاعد الخلفيّة لنفوذها، ترى الثروات وقد تشارك في جبايتها، إنما من الحق باقتطاع أي شيء منها باستثناء الفتات المتساقط جراء تعثر قوة الهضم الأميركية.
لكن موسكو لا تتوقع نجاحاً أميركياً بتشكيل تحالف دولي ملاحي لغايات أبعد، وتراهن على التردّد الأوروبي الباحث عن استقلالية واستمرار الصمود الإيراني والإحباط الذي يسري في المشاريع السياسية للدول العربية في الخليج، التي كانت تعتقد أن واشنطن عازمة على تدمير إيران بضربة ساحقة ماحقة، لا تحتاج لقصف لمدة أسبوع، لكنها ترى وبعد أشهر على بدء التوتير الحربي أن إيران تتمرد على الجبروت الاميركي وبعض التلاعب الأوروبي وتهديدات «إسرائيل»، وهذا ما استولد إحباطاً عميقاً عند عرب الخليج، كما يراهن بوتين أيضاً على تأجيج الصراع التركي ـ الأميركي، بما يخدم الصعود الروسي نحو القرار الدولي وبالتالي التراجع الأميركي عن السيطرة المطلقة على العالم.
لذلك، فإن ما أعلنه الادميرال قائد القوات البحرية الإيرانية حسين خان زاده في موسكو منذ يومين حول بدء المناورات المشتركة بين البحريتين الإيرانية والروسية من المحيط الهندي، إلى مضيق هرمز، انما هو رسالة الى الأوروبيين وبضرورة الحياد عن المشروع الأميركي في الخليج، ويشبه تهديداً الى الأميركيين بأن روسيا لن تتخلى عن إيران بحسابات خاصة تتعلّق بطموحها لدور في القرار الدولي، ولن تسمح بالتالي بعودة الأحادية الاميركية الى خنق روسيا والصين وأوروبا والاستئثار بالاقتصاد العالمي كما فعلت في مرحلة 1990 ـ 2018 هذه المرحلة التي جعلت الأميركيين يمسكون بمفاصل العالم ثقافياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، مواصلين احتفاظهم بجزء كبير منها حتى اليوم.
هذه إذاً رسالة، لكنها قابلة للتنفيذ وما الدليل على انها رسالة إلا توسيعها لمدة المناورات حتى بدء السنة الفارسية الجديدة في آذار 2020.
وهذا يكشف أن التحرك الاميركي الفعلي في بحر الخليج لن يبدأ إلا بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2020 أيضاً كما يعتقد الروس، بما يشير إلى أن الصراعات البحريّة في الخليج الدائرة ضمن أحلاف تتطلّب وقتاً وظروفاً خاصة بها.
أما الذي لا شك فيه، فهو مشروع ولادة حلف صيني روسي إيراني قد تنضم إليه الهند وتركيا، بوسعه إعادة نصب صراع دولي متوازن يقلّص من حجم الهيمنة الأميركية، معيداً شيئاً من الاحترام للقانون الدولي وليس «قانون الأقوى»، لكن العرب بمفردهم لإعلانه لهم بما يجري لأنهم لا يزالون على متن النوق في القرون الوسطى.
Related Videos
Related News
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment