أكتوبر 16, 2019
د. محمد سيد أحمد
عندما بدأ العدوان التركي على شمال شرق سورية منذ أيام عدة، كانت كلمتي الأولى هي «أنّ ثقتي بالجيش العربي السوري والرئيس بشار الأسد بلا حدود». ثم توالت الدعوات من العديد من المنابر الإعلامية لتحليل الموقف من العدوان ووضع سيناريوات لما هو مقبل، فكان تأكيد أنّ «المتغطي بالأميركي عريان، ومن يستقوي على وطنه بالخارج، مصيره الهزيمة. وعلى الاخوة الأكراد الابتعاد عن قوات قسد والعودة لحضن الوطن». ثم تأكيد أننا لا يجب أن نضيّع البوصلة حيث إنّ «ما تقوم به تركيا من عدوان لا يمكن أن يكون من تلقاء نفسها ولا تهوّراً من أردوغان بل هي تعليمات تلقاها من سيّده الأميركي الأصيل في هذه الحرب الكونية على سورية»، وأنّ الأميركي «عندما شعر بقرب حلّ الأزمة السورية وتشكيل اللجنة الدستورية لمناقشة الدستور، ومع إصرار القيادة والجيش والحلفاء على تحرير كامل التراب الوطني المحتلّ، قرّر أن يبدأ فصلاً جديداً من العدوان لإطالة أمد الحرب».
ولأنّ الأميركي يعلم علم اليقين بفشل مشروعه التقسيمي والتفتيتي لسورية فقد راهن أولاً على قوات قسد الكردية لاقتطاع جزء من الأرض العربية السورية تحت مسمّى سورية الديمقراطية التي سيطرت على الشمال الشرقي لسورية واستولت على ثروات النفط والغاز التي تشتهر بها هذه المنطقة وتمّ تسليح قوات قسد الكردية من قبل أميركا و»إسرائيل» وتمركزت القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية في هذه المنطقة للسيطرة عليها ومنع الجيش السوري من الوصول إليها. وعندما وصلنا لمحطة إدلب الأخيرة في مواجهة بقايا الجماعات التكفيرية الإرهابية التي استجلبتها أميركا من كلّ أصقاع الأرض لمواجهة الجيش العربي السوري شعر الأميركي بضعف موقفه، وتأكد أنه في حال الانتهاء من معركة إدلب سيتفرّغ الجيش السوري وحلفاؤه مباشرة لتحرير الشمال الشرقي المحتلّ من ميليشيات قسد وتقليم أظافرهم وإعادة الأخوة الأكراد مرة أخرى لحضن الدولة.
هنا جاء الرهان الأميركي الثاني والمتمثل بحليفه التركي، فأعطاه إشارة البدء بالعدوان على الشمال الشرقي السوري بعد تخليه عن القوات الكردية فتمّ العدوان تحت زعم مضحك ومثير للغثيان وهو مكافحة الإرهاب. وأطلق أردوغان على العملية العدوانية الإرهابيّة مسمّى «نبع السلام». ولم يتذكّر أردوغان وهو يتحدث عن عدوانه تحت هذا المسمّى أنه هو من فتح حدود بلاده منذ اللحظة الأولى للحرب الكونية على سورية للجماعات التكفيرية الإرهابية بأوامر من سيده الأميركي ضارباً بحق الجوار عرض الحائط وناقضاً كل الاتفاقيات والعهود مع الدولة العربية السورية ومنها اتفاقية «أضنة» الموقعة بين البلدين في نهاية عام 1998 والتي على أثرها عاشت تركيا آمنة ومطمئنة على مدار ثلاثة عشر عاماً، وهو الذي ما زال يماطل على طاولة المفاوضات من أجل حماية الإرهابيين في إدلب، لكنه لا يملك من أمره شيئاً فهو عبد لدى سيّده يأمره فينفذ دون تفكير.
وبالطبع يرغب الأميركي بهذا الحلّ استبدال المشروع الانفصالي الكردي بمشروع انفصالي عربي، حيث يقوم أردوغان بعد انتهاء عدوانه بتوطين بعض السوريين الموالين له والذين احتضنتهم تركيا منذ بداية الحرب الكونية على سورية وهم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية لتضمن أميركا بذلك تحقيق جزء من مشروعها وهو تقسيم سورية والاستيلاء على ثرواتها من النفط والغاز الذي تشتهر به هذه المنطقة والذي قامت بسرقته ونهبه عبر السنوات الماضية.
وعندما بدأ العدوان التركي شعر الأكراد بالخطر فقامت ميليشيات قسد المسلحة بالاستغاثة بسيدها الأميركي لإنقاذها من أردوغان وسمعنا في بياناتهما الرسمية وعبر متحدثها العسكري المثير للسخرية كيف يطالب الأميركي بمنع الطيران التركي من دخول المجال الجويّ لكن لا حياة لمن تنادي. هنا فقط تأكد للأكراد حجم الخديعة التي تعرّضوا لها من قبل الأميركان. وفي الوقت الذي أدان فيه المجتمع الدولي عدوان أردوغان اجتمعت الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب في ظل غياب سورية عن مقعدها في الجامعة وأسفرت اجتماعاتهم عن بيان هزيل لا يرقى لمستوى الحدث في الوقت الذي كان وفد من قوات قسد في القاهرة ينتظر العون من الجامعة العربية العاجزة فعادوا مخذولين.
هنا وفي تلك اللحظة كان القرار الحاسم من الرئيس بشار الأسد، حيث قرر التصدّي للعدوان التركي على الأراضي العربية السورية، وأبلغ الحليفين الروسي والإيراني بالقرار، فكان التحرك الفوري وإبلاغ قسد بالقرار مع تأكيد أن مَن سيقف في وجه الجيش العربي السوري سوف يتمّ التعامل معه عسكرياً. وأسفرت هذه المساعي الروسية والإيرانية السريعة مع قسد عن إفساح المجال للجيش العربي السوري في الشمال الشرقي لمواجهة العدوان. وخلال ساعات كانت قوات الجيش العربي السوري قد اقتربت من الحدود السورية التركية، بعد أن تمّ التحذير من عواقب التصادم مع الجيش السوري ومطالبة قيادات قسد وتركيا بالذهاب لطاولة المفاوضات مع الدولة العربية السورية. وكما يعلم الجميع فالجيش العربي السوري وبدعم الحلفاء في محور المقاومة وروسيا لم يدخلوا معركة إلا وانتصروا فيها، ومعارك حلب ودير الزور والبادية والغوطة ودرعا خير شاهد وخير دليل، لذلك كان تأكيدنا الدائم أن سورية ستنتصر على كلّ الجبهات الميدانية والسياسية رغم أنف الأميركان والصهاينة أصحاب المشروع الأصلي.
اللهم بلّغت اللهم فاشهد.
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment