– لم يتمّ النظر في طهران لتزامن استقالة الحكومتين اللبنانية والعراقية السابقتين بضغوط أميركية بصفته أمراً عابراً، خصوصاً بتزامن الضغوط مع محاولة توظيف الحراك الشعبي في البلدين ضد الفساد والفشل الحكوميّ، بصفته تعبيراً عن حالة شعبية عارمة معادية لإيران وقوى المقاومة في البلدين، كما قالت التصريحات الأميركية وخصوصاً كلام وزير الخارجية مايك بومبيو مراراً وتكراراً. وخلافاً للمتوقع فإن التصعيد الذي مثله اغتيال الأميركيّين للقائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، لم يدفع بإيران وحلفائها في قوى المقاومة لتغيير المطلوب من موقع الحكومة في كل من البلدين، خصوصاً لجهة عدم تحميلهما أوزار مواقف تتصل بالصراع الذي تخوضه إيران وقوى المقاومة مع واشنطن، فكان التقدير من اليوم الأول أن المطلوب في كل من البلدين حكومة تستطيع إدارة الشأن العام بتلبية الممكن من مطالب الناس، وتجنيب لبنان والعراق خطر الوقوع في الفوضى.
– تبدو تسمية كلّ من الرئيسين حسان دياب في لبنان ومحمد توفيق علاوي في العراق محقّقة لهذا الغرض، بعيداً عن التموضع المتوقع للحكومتين بحكم القوى الواقفة خلفهما في خندق سياسيّ إقليمي ودولي واضح. وتبدو الإشادة الإيرانيّة العلنيّة برئيسي الحكومتين وإعلان الاستعداد لتقديم يد المساعدة لتخطّي مشاكل البلدين موقفاً معبراً عن أكثر من مجاملة دبلوماسيّة. فالتقدير الإيراني الذي تشاركه الرأي قوى المقاومة، خصوصاً في لبنان والعراق، يقوم على أن الأميركيين والخليجيين كانوا يتوقّعون حكومات مواجهة في البلدين، وينتظرون ما ينتج عن ذلك من تأزّم سياسي داخلي ومن أعذار للتبرؤ الدولي من مساعدتهما، لكن المفاجأة جاءت بأن ما حدث يؤكد أن قوى المقاومة لا تحمّل حكومات بلادها أعباء خياراتها وتستطيع أن تجد لهذه الخيارات الأدوات المناسبة من خارج الإطار الحكوميّ.
– في لبنان تبدي المقاومة مرونة لم تُعهد من قبل مع أي من الحكومات السابقة سواء في طريقة ومعايير تسمية الوزراء، أو في نصوص البيان الوزاري، ويقول المسؤولون في المقاومة كما في إيران، إن المطلوب هو فقط حكومات لا تتآمر على المقاومة، وتهتم بشؤون الناس في بلدها، وتلتزم مصالحه السيادية، وإن لدى المقاومة فائض قوة يكفي لجعل الحاجة للمبادرة في مواجهتها من معسكر الأعداء والخصوم، ما يجعل العدوان عليها عدواناً على لبنان، ستجد أي حكومة نفسها معنيّة بالوقوف في وجهه. وهذا يكفي بالنسبة لموقف الحكومة اللبنانية، فكيف إذا أضفنا ملفات النفط والغاز والنزاع مع واشنطن وتل أبيب حولها، وفي العراق أوجد التفاهم مع السيد مقتدى الصدر فرصة الفصل بين موقع الحكومة وموقع المقاومة الشعبية والمسلحة لإخراج القوات الأميركيّة، فيما وطنية رئيس الحكومة وموثوقيته لا تسبب القلق على الإطلاق للإيرانيين، ولقوى المقاومة في العراق.
– خسر الأميركيّون والخليجيّون الرهان على نقل لبنان والعراق نحو الفوضى، ويبدو ميزان القوى الشعبي والسياسي مع تقدّم الحكومتين تدريجياً نحو مهامهما لصالح مناخ عام محرج لمن يدعو لمقاطعة وحصار ومواجهة مع الحكومتين. ففي لبنان يعني الكثير أن تتراجع القوات اللبنانية عن مقاطعة حضور جلسة الثقة، ولو صوّتت لحجبها فهي تقول إنها ستشارك بتأمين نصاب انعقاد الجلسة وقبول قواعد اللعبة الديمقراطية، وتفرض على مَن يفكر بلعبة التصعيد وصولاً لتطيير النصاب في جلسة الثقة إعادة حساباته. فإن كانت الحسابات إقليمية ودولية فالقوات أكثر حلفائها تعبيراً عن هذه الحسابات، وإن كان لحسابات محليّة فالتصعيد يفقد الكثير ببقاء القوات خارجه. وفي العراق خسر الأميركيون والخليجيون مرتين، مرة بخسارة الرهان على تموضع السيد مقتدى الصدر على ضفة التصادم مع إيران وقوى المقاومة، وصولاً للإحباط الناتج عن تولّيه دفة القيادة في هذه الجبهة. والمرة الثانية لتسمية الرئيس محمد توفيق علاوي الذي يشكل شخصية يصعب رفضها وتصعب مواجهتها، وهو موضع ثقة قوى المقاومة بقدر ما هو أحد عناوين الجمع لا القسمة في العراق، ما يجعل الذهاب إلى التصعيد في العراق خسارة كاملة.
– تقول حالة الجفاف الشعبي في الحراكين العراقي واللبناني إن لا أرضية شعبية للتصعيد، كما تقول الإشارات المتتالية عن تبدّلات في المواقف الأميركية والأوروبية والخليجية، لجهة الاستعداد للانفتاح على الحكومتين الجديدتين في بغداد وبيروت، إن الإقرار بالخسارة للجولة يتزامن مع رسائل انفتاح تحت الطاولة ستترجمها المواقف المالية والعملية من الحكومتين، وهو ما تترصّده وتراقبه قوى المقاومة وخصوصاً إيران، لأن سقف ما يمكن قبوله في بغداد وبيروت من محور المقاومة، هو ما ظهر مع المشروعين الحكوميين فيهما، وتجاهل ذلك كفرصة للتلاقي على دعم هذين المشروعين، يعني السير في مواجهة أكبر وأبعد مدى، وهذا الخطر الناجم عن عناد عبثيّ أميركي أو خليجي بالعجز عن الإقرار بالخسارة، يشكّل مصدر قوة للحكومتين، وفرصة لتشكيلهما عنوان تسوية ضمنية قد تستقطب شراكات دولية بديلة للولايات المتحدة وأوروبا إذا مارستا الحصار على الحكومتين، وقد تدفع إقليمياً لتكامل سريع للمثلث السوري اللبناني العراقي، وهو ما يعرف الخليج معناه أكثر من سواه.
– يحتل الوضعان الحكوميّان في لبنان والعراق موقعاً محورياً في محادثات وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزف بوريل إلى طهران.
Related Articles
- بغداد ــ بيروت: حكومتا «المسار والمصير»
- مساعٍ «صدرية» لـ«إعادة تطبيع الحياة»: تحدّيات ما بعد تكليف علاوي
- محمد توفيق علاوي رئيساً للوزراء في العراق: توافق ينتج عبد المهدي آخر!
- «الدعَوي» المشاكس
- الدعوات إلى انتخابات مبكّرة تتجدّد: تشويش إضافي على قرار طرد الاحتلال
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment