بدأت منظمة اوبك المحور الأساس للنفط على مستوى الإنتاج والسعر العالمي برحلة العودة الى اوبيك بعد أربعة اشهر تقريباً من صراعات كادت تدفع بأسعار البترول الى هاوية الخمسة دولارات للبرميل الواحد بتراجع قدره أربعون دولاراً تقريباً.
بداية يجب الإقرار بأن لا اقتصاد بلا سياسة تروّضه من أجل مصالحها الداخلية او الخارجية.
وبناء عليه، فإن السؤال هو حول الأسباب التي دعت السعودية الى رفع إنتاجها النفطي من تسعة ملايين برميل يومياً الى اثني عشرة مليوناً ونصف ينتظر الإجابة عليه لانه أدى الى خفض سعر البرميل من 45 دولاراً الى ثلاثة وعشرين فقط.
فبدا هذا الأمر كمن يطلق النار على نفسه.
فماذا جرى؟
للتنويه فإن الاتفاق الروسي السعودي منذ 2014 حول ضرورة تأمين الاستقرار لأسواق النفط أدّى عملياً الى تحالف روسي مع منظمة اوبيك التي تقودها فعلياً السعودية صاحبة الإنتاج الأكبر والاحتياطات الأضخم وهذا أنتج معادلة جديدة اطلق عليها المتخصصون اوبيك + بزيادة روسيا على اوبيك الأصلية. فنعمت اسواق النفط ابتداء باستقرار استفاد منه طرفان الروس من جهة والسعودية من جهة ثانية. انتفع الروس من تثبيت سعر البرميل في إطار 45 دولاراً للبرميل الواحد، علماً أن موارد النفط والغاز لديهم تشكل نحو 35 في المئة من موازنتهم.
اما آل سعود فاستفادوا من ابتعاد الروس عن مجابهتهم سياسياً واستراتيجياً في حروبهم وتدخلاتهم في اليمن والعراق ومجمل العالم الإسلامي باستثناء سورية طبعاً التي تربطها بروسيا علاقات تاريخيّة لم تنقطع حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتيّ بدليل بقاء قاعدة عسكريّة لها عند الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط.
لذلك فإن البحث عن المستجدّات التي حكمت الموقف السعودي برفع الإنتاج لا وجود لها في الداخل السعودي. فتبين بالتعمق أن شركات النفط الصخري الأميركي متعثرة وتخضع لديون تزيد عن 86 مليار دولار، أي أنها بحاجة إلى أسواق جديدة لبيع متزايد لنفطها مع أسعار أعلى، بذلك فقط يستطيع الرئيس الأميركي ترامب كسب هذه الشركات الصخريّة والعاملين فيها ومنع تدهور عموم الاقتصاد الأميركي خصوصاً في هذه السنة التي تشهد في خواتيمها انتخابات رئاسية أميركية يريد ترامب الفوز بها؛ ولما لا ومحمد بن سلمان مطية رائعة تتحكم باحتياطات بلاده من دون حسيب أو رقيب وبإمكانه تبديد أموالها لفرض حمايته أميركياً في مشروعه ليصبح ملكاً على السعودية.
هذه هي الاعتبارات التي أملت على إبن سلمان عقد اجتماعات طويلة مع الروس بهدف خفض الإنتاج بذريعة أن كورونا قلّص الاقتصاد العالمي بمعدلات كبيرة قابلة للمزيد من التراجع، لكن قيادة الرئيس الروسي بوتين توغّلت في تفسير الجديد السعودي وربطته بثمانينيات القرن الماضي عندما ضخت السعودية كميات كبيرة من النفط في الأسواق العالمية أدّت الى التعجيل في انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يعاني أصلاً من صعوبات اقتصادية جراء منازلته الأميركيين وحيداً في حروب الفضاء والتسلّح.
واعتبروا أن هذا المشروع السعودي يبدو وكأنه مزيد من العقوبات الأميركية المفروضة عليهم والتي تكاد تحاصر كل ما يتعلق بعلاقة روسيا بالاقتصاد وأسواق الطاقة أي تماماً كمعظم العقوبات الأميركية الأوروبية الخليجية التي تخنق إيران.
لذلك رفض الروس المساعي السعودية لخفض الإنتاج لأنهم أدركوا اهدافها المزدوجة متأكدين من أنها خدمة من محمد بن سلمان لوليه ترامب على حساب الاقتصاد السعودي.
فاندفعوا بكل إمكاناتهم لمجابهة التحدّي الأميركي السعودي بالمحافظة على مستوى إنتاجهم والإصرار والضغط باتجاه خفض العقوبات على إيران ومجمل الدول المصابة بعقوبات مماثلة في سورية واليمن وفنزويلا وكوبا.
لقد اتضح للروس أن هذه العقوبات الأميركية تستهدف دولاً نفطية أساساً، وذلك لغرض وحيد وهو توفير المساحات الدولية الكبيرة لتسويق النفط الصخريّ الأميركيّ، وذلك لان استخراج هذا النوع من البترول كلفته تصل الى اربعين دولاراً أي أكثر بثلاثين دولاراً من النفوط السعودية والايرانية والروس بما يتطلب المحافظة على سعر فوق الـ 45 دولاراً للبرميل. وهذا يفترض تقليل الإنتاج لرفع السعر بالمعادلة الطبيعيّة للسوق فكانت العقوبات التي تحدّ من تسويق النفوط الإيرانية والفنزويلية وممارسة ضغط سعودي على روسيا لتخفيض إنتاجها.
اما المستفيد الوحيد هنا هو الأميركيون الذين يصبح بمقدورهم بيع نفطهم العالي الكلفة في أسواق مرحّبة به ومن دون منافسة.
فإذا كانت الدول الخاضعة للعقوبات هي الخاسر هنا، فإن السعودية أيضاً خاسرة بدورها، لأن رفعها إنتاجها يؤدي دائماً الى انخفاض الأسعار. وهذا ما تتلقاه منذ أربعة أشهر من بيع إنتاجها المتضخّم بسعر 22 دولاراً للبرميل الواحد.
ما هو واضح هنا أن الضغط الاميركي السعودي على روسيا بقذف كميات كبيرة من النفط في الأسواق أدى الى تراجع السعر، لكنه لم يكسر الموقف الروسي لذلك أصيب المخططون الأميركيون والسعوديون بيأس، لأن هذا الضغط أصاب شركات النفط الصخري الاميركي بتراجع دراماتيكي أكبر يدفعها نحو انهيار نهائيّ وشيك.
وبما أن السعودية هي الأداة الأميركية التي تهرول عند الطلب فأسرعت لنجدة وليها وحاميها وعادت لمفاوضة الروس حول إعادة إحياء أوبك + على قاعدة خفض الإنتاج نحو 35 في المئة إنما بشرط وضعه الروس وهو ان يسري هذا الخفض على النفط الأميركي أيضاً.
بذلك تتعادل القوى النفطية في الربح والخسارة على السواء بما لا يتيح لأصحاب الرؤوس الحامية في الادارة الاميركية احتكار القسم الأكبر من الأسواق بذرائع واهية منها على سبيل المثال ان الأميركيين اصحاب اكبر نفط احتياطاً وبيعاً، وهذا مردود لأن فنزويلا والسعودية هما اكبر اصحاب الاحتياطات وتليهما إيران وروسيا، فيما تتصدر روسيا رأس لائحة منتجي الغاز، لكنها لا تبيع منه أكثر من قطر صاحبة الموقع الثالث.
المشهد إذاً يكشف عن المعركة الأميركية السعودية الحالية على كل من روسيا وإيران بما يفترض استقرار اسواق النفط على أسعاره السابقة حول الـ 45 دولاراً.
لكن هذه معركة في حرب تكمن تارة وتندلع مرات أخرى فإذا كانت معركة الأسعار توقفت حالياً فإن معارك تحرير النفط الفنزويلي والإيراني والسعودي والآبار الممنوع استثمارها في اليمن بقرار أميركي سعودي هي معارك مقبلة قابلة للالتهاب في كل مرحلة تشعر فيها الأطراف العالمية أنها قادرة على تمرير سياساتها على حساب تراجع سياسات منافسيها في الفريق الآخر.
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment