ما يجري في الخليج يشبه فيلماً هوليودياً مشوّقاً يريد إثارة رعب ملوك الخليج وأمرائه من ازدياد الخطر الإيراني عليهم، بأسلوب تدريجيّ ينتهي الى ان الوسيلة الحصرية للنجاة منه هو الكاوبوي الأميركي المتجسد في الرئيس ترامب رجل المهام الخارقة.
لذلك يحتاج الفيلم للمزيد من الإقناع الى وقائع حقيقية يستثمر بها في الجهة التي يريدها بشكل تدريجي تصاعدي تخلص الى ضرورة اللجوء الى المنقذ.
اما ضحايا هذا الفيلم فهم حكام الخليج، الذين يستهدفهم الفيلم مباشرة ومعهم حلقة “الدبيكة” في الأردن ومصر والسودان وبلدان أخرى من الصنف نفسه.
هؤلاء لا يشكلون الفئة التي يريد راعي البقر الأميركي ترويعها أولاً وإبهارها ثانياً وسلبها مدخرات شعوبها ثالثاً وأخيراً ركلها وقذفها إلى قارعة الطريق لمصيرها.
هكذا كان حال كل الحكام الذين وضعوا كامل أوراقهم في خدمة رعاتهم الخارجيين.
فعاشوا ردحاً من الزمن في بحبوحة الى ان انتهوا بشكل دراماتيكي كتجربة شاه إيران السابق وحكام فيتنام قبل الثورة وفاروق ملك مصر السابق.
لماذا احتاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب الآن الى هذا الفيلم بعد سنتين من ابتزاز الخليج بأكثر من ملياري دولار سدّدتها ثلاث دول فقط هي السعودية والإمارات وقطر! هذا لا يشمل نفقات القواعد العسكرية الأميركية في سواحل هذه الدول وهي أيضاً بالمليارات سنوياً عدا المكرمات والرشى.
هناك ثلاثة أسباب متشابكة تتعلق بتفشي جائحة الكورونا التي أصابت الاقتصاد الأميركي بشلل كامل من المتوقع أن يستمر نسبياً لأعوام متواصلة عدة. وهذا يرفع من البطالة والتضخم ومستويات الفقر، وكلها بدأت منذ الآن إنما بشكل تدريجيّ.
أما السبب الثاني فهو حاجة الأميركيين لضرب الاقتصاد الصيني المنافس لهم وهذا يتطلب إمكانات ماليّة لتمتين الوضع الداخلي الأميركيّ، والتعويض عن تراجع أسعار النفط وتقلّص الاستثمار في النفط الصخريّ الأميركيّ المرتفع الكلفة.
يتبقى أن ترامب يحتاج الى عناصر إثارة تظهره كبطل قوميّ يعمل من أجل شعبه من أجل إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة في تشرين الثاني المقبل.
هنا كان البيت الأبيض يترقّب حدثاً حتى لو كان وهمياً… لإنتاج فيلمه بمشاركة من وزير خارجيته بومبيو والمعاونين من أصحاب الاختصاص في اقتناص الفرص القابلة للاستغلال وذلك على قاعدة عنصرين: الدولة الأميركية تريد تثبيت قطبيتها الأحادية. وهذا لا يمكن الا بضرب الاقتصاد الصيني، ورئيس مزهوّ بنفسه معتقداً أنه فريدٌ في العالم يعاند من اجل العودة الى الرئاسة مرة ثانية. وسرعان ما اخترع الأميركيون حكاية تحرّش قوارب عسكرية إيرانية ببوارج أميركية في ميناء الخليج مهددين بضربها إذا كررت الأمر نفسه ومتوعدين بتأديب إيران بكاملها.
فبدت السعودية الضحية الأولى لأن إعلامها رفع شعار “تأديب إيران” وسياسييها شجّعوا الأميركيين على التصدي لما وصفوه بالاعتداء الإيراني.
لا بدّ هنا من كشف هذا النفاق الأميركي – السعودي، لأن الطرفين يعرفان أن صراعهما مع إيران متواصل منذ 1980 ولا تزال هذه الجمهورية الإسلامية صامدة، وقوية على الرغم من كل العقوبات والحصار، وهذه تبين مدى النفاق في الصراع الأميركي وصداه الخليجي.
ثانياً، يتكلم الأميركيون عن خليج تمتدّ إيران على طول مساحته من شواطئه وتعمل عليها منذ خمسة آلاف عام تقريباً في مرحلة الإمبراطورية الفارسية التي أدّت دوراً اقليمياً الى جانب الرومان والإغريق، فيما تبتعد الولايات المتحدة الأميركية عن مياه الخليج ستة آلاف كيلومتر تقريباً.
فمن يعتدي اذاً على الآخر؟
لقد بدا للمنتجين أنهم بحاجة لعناصر إدانة اضافية لإيران، فتربصوا في إطار تشاجر خطابي مرتفع حتى أطلقت الجمهورية الإسلامية منذ ايام عدة قمراً صناعياً الى الفضاء لأغراض سلمية.
فبدا كأنه صفعة لكل الحصار الأميركي – الخليجي الإسرائيلي، الغربي المنصوب حول إيران، لأنه كإعلان عن استهزائها بهذا الحصار وحيازتها مستوى متقدماً علمياً وعسكرياً، وقابلاً للدخول في حروب السيطرة على الفضاء بعد مدة معينة.
فربط الأميركيون بين مزاعمهم بالتحرّش الإيراني البحري الذي يشكل تهديداً لهم ولأصدقائهم الخليجيين وبين القمر الصناعي نور الذي أصاب حكام السعودية بجنون، لأنهم ادركوا الفارق بين مسابقة “أجمل بعير وسباق الهجن” وبين الاستثمار في الفضاء المفتوح، أي السباق بين “الجهل والعلم”.
لقد تبنى الخليجيون الاتهام الأميركي الأوروبي الذي اعتبر ان إيران اخترقت القرار الدولي 2231 الذي يمنعها من صناعة صواريخ باليستية.
علماً أن قمر نور ليس صاروخاً باليستياً قابلاً للحشو بمواد تفجيرية، ويشكل دوراً إيرانياً في الاستثمار المستقبلي في النجوم التي دعا ترامب الأميركيين الى استملاكها والاستثمار بها منذ أقل من شهر، فكيف يجوز للأميركيين فقط هذا الأمر، وممنوع على الجمهورية الإسلامية الاستثمار به لمصلحة شعبها وحلفائها؟
عند هذا الحد اكتمل سياق الفيلم الهوليودي، فهناك أميركيون بحاجة الى أموال لتلبية الطبقات الأميركية في وجه الاقتصاد الصينيّ وتلبية لرغبة ترامب في الانتخابات المقبلة، وهناك عرب خليجيون يمتلكون آلاف مليارات الدولارات الموضوعة في مؤسسات أميركية رسمية وخاصة، فكيف العمل على وضع اليد الأميركية عليها؟
لذلك يرتفع الصراخ الأميركي وتهديدات سياسييهم حول ضرورة حنق هذا التقدّم الإيراني وفتح مياه الخليج من أي تحرّش إيراني.
لقد وصل مفعول هذا الضجيج الأميركي الى مستوى يعتقد فيه حكام الخليج ان هناك مشروع ضربة أميركية لإيران تستهدف منشآتها العلمية المتخصصة في علوم الفضاء وبعض الأهداف الاقتصادية الأخرى بما يعيدها الى مرحلة الثمانينيات. وهذا ينقذ دول الخليج.
هذا هو مشتهى الحلف الخليجي، لكنه لا يشكل الهدف الأميركي الفعلي الذي اشار ترامب اليه، منذ أيام عدة، مجدداً نظريته بضرورة الدفع لبلاده مقابل حمايتها لهم.
ومع هبوط اسعار النفط الى مستويات متدنية، يعتبر ترامب أن الاحتياطات النقدية السعودية خصوصاً والخليجية عموماً، هي الكميات التي تعيد تنصيبه رئيساً للمرة الثانية، وتؤدي الى تحصين الاقتصاد الأميركي وإسقاط الاقتصاد الصيني.
فأين العرب من هذه النتائج؟ إنهم الذين يقبعون على قارعة الطريق فاقدين آخر تريليونات من الدولارات التي كانت موظفة في سندات الخزينة الأميركية وأصبحت في جيوب ترامب راعي البقر الذي سطا عليها قائلاً لهم: نحن نحميكم فلا تخافوا.. وهو يقهقه
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment