–
في بدايات الحرب على سورية التقيت بالصديق الأستاذ حامدين صباحي خلال زيارتي إلى تونس، وأثناء انعقاد المؤتمر القومي العربي، وكنا على طرفي موقفين متعارضين في النظر لما يجري في هذا البلد المحوريّ، رغم أنني كنت في طليعة الذين أسسوا صفحات داعمة لترشيح هذا القائد الناصري الرئاسي في مصر وقد بدأ مسيرته بالمناظرة الشهيرة مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات مقدّماً مطالعة مُبهِرة حول كامب ديفيد.
–
قبل أيام وعلى صفحة مجموعة سيوف العقل التي يجمعها الصديق الدكتور بهجت سليمان دار نقاش حول موقف القائد الناصري حامدين صباحي من الحرب على سورية، رغم أنه يتحدث عن موقفه الراهن كداعم للدولة السورية منذ العام 2015 وتحوّل بعض النقاش إلى غير أهدافه وكانت لي مداخلة متواضعة دعوتُ فيها لتحويل المناسبة إلى فرصة يتولاها الأستاذ حامدين لمراجعة موقف التيار القومي العربي والناصريون في طليعته مما شهدته سورية. وكان تنويه الأستاذ حامدين والدكتور بهجت سليمان بتلك المداخلة وكانت المناضلة الفلسطينية صابرين دياب تستثمر على المشتركات أملاً بالوصول بالنقاش إلى حيث يجب بالجمع لا بالقسمة دون التفريط بالثوابت.
–
اليوم تنشر البناء نصاً للأستاذ حامدين بمناسبة عيد الجلاء الذي تحتفل به سورية، يشكل أفضل وأدقّ وأروع ما يمكن لمراجعة أن تتضمنه، ويرسم بوضوح المهام وبلغة وجدانية راقية ملؤها الدفء والعاطفة، رغم ما فيها من وضوح الحقائق وموضوعية المواقف.
–
لعلها أفضل وأجمل هدية تتلقاها سورية في عيد الجلاء.
ناصر قنديل
هنا دمشق من القاهرة
حمدين صباحي
تحية الإكبار لشعبنا العربي في سورية الحبيبة في يوم عيد الجلاء، ذكرى تطهير أرض سورية من آخر جنود الاحتلال الفرنسي في 17 ابريل/ نيسان 1946.
لقد كانت الثورة العربية الكبرى تجسيداً لسعي الأمة العربية نحو التحرّر من الحكم العثماني وإقامة دولتها المستقلة الحافظة لحقوقها وهويتها وكرامتها. لكن قوى الاستعمار تآمرت لإجهاض الثورة النبيلة وتحويل نتائجها إلى استعمار غربي فرنسي احتلّ سورية بقوة السلاح عقب معركة ميسلون عام 1920.
وفي المواجهة استبسل شعبنا العربي السوري وتصدّى للاحتلال وتقسيم وطنه الى دويلات عبر مقاومة بطولية تألق فيها رموز لا زالت ذكراهم تلهمنا بينهم يوسف العظمة وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وعشرات من قادة الضمير والنضال وآلاف من الشهداء والجرحى والمقاتلين حتى تحقق لوطنهم النصر المستحق وانسحب جنود الاحتلال واستقلت سورية في 17 ابريل 1946.
وما أشبه الليلة بالبارحة، سورية اليوم تواجه باستبسال مؤامرة استعمارية صهيونية ظلامية تستهدف تقسيم سورية الأرض والشعب والدولة وإدخالها كرهاً الى حظيرة الصلح مع العدو الصهيوني والرضوخ للهيمنة الأميركية ونزعها من عروبتها وإنهاء دورها كقلعة أخيرة للممانعة واحتضان المقاومة في وجه أعداء الأمة.
في مواجهة هذا الخطر وقفنا ونقف مع سورية وندعو كلّ أصحاب الضمائر في العالم وخصوصاً كلّ عربي وبالأخصّ كلّ مصري إلى تأكيد دعمه الكامل لحق سورية المشروع في ردّ العدوان والحفاظ على استقلالها وعروبتها ووحدة أرضها وشعبها ودولتها وبسط سيادتها على كامل ترابها الوطني، ومؤازرة صمودها الباسل حتى يتحقق لها النصر وتتهيّأ لإعادة بناء ما خرّبه العدوان في العمران والإنسان وتواصل دورها القومي العربي الرائد حصناً للممانعة وحضنا للمقاومة. وتعزز هذا الدور وتكمله بتلبية طموحات شعبها النبيلة المشروعة في الاستقلال الوطني والعدل الاجتماعي والديمقراطية وصون حقوق الإنسان على قاعدة المواطنة الدستورية التي تلمّ شمل كلّ السوريين وتبلسم جراح المحنة بالعدل والمحبة والمساواة أمام القانون بلا تمييز بين الموالاة والمعارضة. لا تعزل ولا تقصي إلا من خرج على دولته الوطنية بالسلاح والإرهاب وإراقة الدماء.
إنّ دعوات التغيير والإصلاح حق لا ينبغي أن يسلب من مواطن او يصادره حاكم، لكن حمل السلاح باطل يؤدي الى فتنة الاقتتال ويودي بالدولة ودعوات التغيير والإصلاح معاً. وقد كانت سورية عرضة لهذه الفتنة المحنة التي كلفتها غالياً من دم شعبها ومقدراته، وكنا كلنا من ضحاياها. وقد آن الأوان أن يتوقف هذا النزيف المروّع لتمتدّ الأيادي للأيادي وتعانق القلوب القلوب وتطوى صفحة الشكوك والظنون، وأن يدرك المعارضون قبل الموالين أنّ الحفاظ على سورية هو شرط التغيير والإصلاح، فإذا احتلت الأوطان وتفتت أين سيتحقق التغيير والإصلاح وتحترم حقوق الإنسان؟!
وما هو ماثل أمامنا هو دولة تواجه الإرهاب والعدوان، وفي هذه الحرب لسنا ولا ينبغي ان نكون على الحياد، فللدولة شعب نثق في قدرته على الاختيار وجيش يضحّي لردّ العدوان والإرهاب وسلطة للدولة الوطنية على رأسها الرئيس بشار الأسد. وواجب الوقت أن نحفظ لسورية وحدة واستقلال شعبها وجيشها ودولتها ومن قلب منظومة الدولة يكون السعي السلمي المشروع لكل تغيير وإصلاح.
ومصر لا تنسى: سورية هي الشقيقة في دولة الوحدة الأولى، وجيشها هو الجيش الأول. ودم جول جمال امتزج بدم جلال الدسوقي شهداء معركة البرلس البحرية دفاعاً عن مصر عام 1956.
وحين قصف العدوان الثلاثي مصر وأسكت إذاعتها انطلق من سورية الحبيبة نداء «هنا القاهرة من دمشق»، فلا أقلّ الآن من أن يعلو في مصر نداء «هنا دمشق من القاهرة» فهو نداء حق وواجب، حق لكلّ سوري وواجب على كلّ مصري.
ولا أقلّ من أن تنهض مصر الشعبية بواجب دعم سورية وفي مقدّمتها القوى والرموز الوطنية وبالأخص القوميّة الناصرية.
ولا اقلّ من أن تبادر مصر الرسمية بدعم الموقف السوري والمطالبة برفع الحصار عنها والمبادرة بإعادة كامل العلاقات الرسمية وفتح سفارة سورية في القاهرة ومصر في دمشق. والعمل على التعجيل باستعادة سورية لمقعدها المختطف في جامعة الدول العربية.
ومهما كان الدور الشعبي او الرسمي أقلّ مما تستحقه سورية من مصر وأقلّ من عشم اخوتنا السوريين فينا، وهو عشم المحق وعتب المحب، فإنّ ما يجمع مصر وسورية في قلب أمتنا العربية هو أقوى وأبقى وأعمق وأوثق.
ولعلّ في صدق بلاغة والد الشعراء فؤاد حداد ما يغني عن مزيد القول:
«ايدك لسه فى ايدي بتعرق لسه بتعزق
الأرض اللي رواها بردى
عينك لسه في عيني بتلمع لسه بتدمع
لسه بتتكلم ع الشهدا
صدرك لسه قلبي فى صدرك..
جدري وجدرك
ف الجمهورية المتحدة.
دا سلامك ولا زيه سلام
ونشيدك ولا زيه نشيد
متعلق يا دمشق الشام
بحبالك ولا حبل وريد
ولا تتقطعش الارحام
دم جدودنا بدم جديد
بيغمض عيننا بأحلام
ويفتح عيننا بشهيد
وان نمنا حالف ما ينام
ولا تهرب منه المواعيد
مهما بعدنا مفيهش بعيد
مهما اتفرّقنا ما نتفرّق.
الفاس اللي فى يد جمال
تحرس قبر صلاح الدين
راجل واحد كلّ الشعب
مصر وسورية العين والعين
واحد واحد زي القلب
عمر القلب ما يبقى اتنين».
ستنتصر سورية على هذا العدوان الصهيوأميركي الظلامي كما انتصرت على العدوان والاحتلال الفرنسي.
تحية الإكبار والإجلال والدعم لصمود وتضحيات شعبنا العربي في سورية والجيش العربي السوري الباسل.
عاشت سورية عربية حرة منيعة ممانعة.
فيديوات متعلقة
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment